خليل العناني
2019/05/14 الساعة 03:21 صباحاً
يفوق عدد ضحايا القمع والاستبداد في العالم العربي كل ضحايا الحروب الخارجية التي خاضتها الدول العربية، منذ نشأتها الحديثة منتصف القرن الماضي. جردة سريعة لضحايا الأنظمة العربية التي وصلت إلى السلطة بعد مرحلة الاستقلال كفيلة بكشف جرائمها في حق شعوبها، ويجعل الثورة عليها واقتلاعها أمراً واجباً. ولا يحتاج الأمر إلى إحصاءات رقمية من هنا أو هناك، عليك فقط أن تراجع سجل القمع والقتل خلال السنوات الماضية، كي تعرف حجم المأساة التي تعيشها البلدان العربية. في سورية وحدها، وخلال مدة لا تزيد على سبعة أعوام، سقط ما يقرب من نصف مليون قتيل، معظمهم تم قتله بالبراميل المتفجرة التي كانت تلقيها طائرات النظام السوري على قرى وأحياء بكاملها، قبل أن يدخل الطيران الروسي على الخط، أواخر عام 2015، ويبدأ عملياته العسكرية في مناطق مختلفة من سورية، ذهب ضحيتها آلاف المدنيين. ناهيك عن إصابة ما يقرب من مليوني شخص بجروح وإعاقات مختلفة، وتشريد ما يقرب من حوالي 12 مليون شخص داخل سورية وخارجها، وذلك بحسب أرقام جهات عديدة، مثل البنك الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. فضلاً عن آلاف المختفين قسريا في سجون النظام السوري منذ الثمانينيات، والذين لا يُعرف ما إذا كان قد تم قتلهم أم لا يزالون على قيد الحياة!
وقد فاق إرهاب بشار الأسد ما فعله أبوه حافظ الأسد وعمه رفعت الأسد اللذان دكّا مدينة حماة بالمدفعية الثقيلة، أوائل الثمانينيات، من أجل التخلص من جماعة الإخوان المسلمين. وبالمثل، فعل صدام حسين في العراق في مجازره ضد الشيعة والأكراد، أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، والتي راح ضحيتها آلاف الأشخاص، وتم استخدام الأسلحة الكيميائية فيها، كما حدث في مذبحة حلبجة عام 1988. وكذلك فعل العقيد الليبي معمر القذافي الذي قتل ما يقرب من 1200 شخص في يوم، في ما يعرف بمجزرة سجن أبو سليم الشهيرة، منتصف عام 1996، ناهيك عن قتل واستهداف عشرات المعارضين السياسيين في العواصم العربية والغربية الذين كان يسميهم الكلاب الضالة. وفي الجزائر، قُتل مئات الآلاف نتيجة الصراع السياسي الذي أجّجه انقلاب الدولة ومؤسستها العسكرية على تجربة الانتقال الديمقراطي الوليدة أوائل التسعينيات، ما تسبب في عقد كامل من الدم والقتل. وفي السودان، ارتكب نظام الرئيس المخلوع عمر البشير مجازر مروّعة في إقليم دارفور، وغيرها من المناطق، وتسبب في انقسام البلاد وضياع ثرواتها. وفي تونس، تم اعتقال آلاف وتعذيبهم، منذ عهد بورقيبة منتصف الخمسينيات، واستكمل المسيرة نظام بن علي حتى سقوطه أوائل عام 2011. وفي المغرب، تم قمع الحراك والاحتجاجات في مناطق الريف ومدن أخرى منذ الخمسينيات. وفي مصر قتلت السلطوية آلاف الأشخاص تحت وطأة القمع والتعذيب منذ عهد جمال عبد الناصر. وتظل مجازر ما بعد انقلاب 3 يوليو في 2013، خصوصا مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/ آب 2013، أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث، وذلك حسبما وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش. وكذلك فعل، ولا يزال، النظام السعودي الذي يمارس القتل والتصفية الجسدية بحق النشطاء والمعارضين السياسيين، سواء في القطيف أو في مناطق أخرى، من المملكة وخارجها، كما حدث مع الصحافي الراحل جمال خاشقجي. هذا ناهيك عن عمليات القتل البطيء التي تجري في السجون والمعتقلات العربية، بعيداً عن الرقابة وعن أعين الإعلام، نتيجة الإهمال الطبي، وحالات التصفية الجسدية التي ترتكبها قوات الأمن والجيش في أكثر من بلد عربي، بذريعة "الحرب على الإرهاب"، على نحو ما تفعل مليشيات خليفة حفتر في ليبيا حالياً. وإذا ما أضيفت حالات الموت التي تتسبب فيها فشل السياسات الرسمية للدول، سواء في المجال الصحي، والتي يذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين العرب، أو من خلال الإهمال المؤسسي، كما يحدث في المرافق العامة، كالمواصلات، سوف يصل العدد إلى ملايين القتلى.
هذه الجرائم، وغيرها، حوّلت الدولة العربية من جهاز إداري وبيروقراطي، وظيفته الرئيسية خدمة المواطنين، إلى آلة قتل فتّاكة تتغذّى على الدم. كما حوّلتها إلى جهاز عصابوي (من عصابة) متخصص في نهب أموال وثروات الشعوب وسرقتها، ومن يعترض على ذلك يتم نفيه أو قتله أو إخفاؤه قسرياً. صحيح أن العرب ليسوا استثناءً في هذا الصدد، فجرائم الاستبداد والسلطوية قديمة قدم الإنسان، ولكن ادّعاء هذه الدولة، ونخبتها الحاكمة، أنها الأحق بالاستحواذ على السلطة، والأقدر على ممارسة الحكم، يتنافى كلياً مع جرائمها في حق شعوبها. ولا يختلف إرهاب الدولة العربية عن إرهاب الجماعات الراديكالية، فالأولى تقتل باسم "هيبة الدولة"، وبغرض احتكار السلطة، بينما تقتل الثانية باسم "الدين"، وبغرض احتكار المجتمع وتطويعه لأيديولوجيتها. وإذا كان إرهاب الأخيرة مؤقتاً، فإن إرهاب الثانية دائم ويتمدّد، وهو جزء أصيل من الروتين اليومي للمواطن العربي.