بشرى المقطري
تدفع المتغيرات المحلية والإقليمية المسار السياسي اليمني نحو وجهةٍ جديدة، إذ قد تكون المفاوضات اليمنية المقبلة في استكهولم تحولا حاسما في المسار التفاوضي اليمني. فإضافة إلى الحالة المثالية من توازن الضعف التي تشهدها معسكرات الحرب في اليمن، فإن المجتمع الدولي أصبح اليوم أكثر تململاً من أي وقت آخر، من جرّاء استمرار معاناة اليمنيين، حيث قد يكثف المجتمع الدولي ضغوطه السياسية على أطراف الحرب الإقليمية، لوقف دعم المتحاربين اليمنيين، كما قد يلجأ المجتمع الدولي إلى فرض قراراتٍ أمميةٍ جديدةٍ بشأن الحرب في اليمن، في حال استمر تصلّب مواقف الأطراف اليمنية في إيجاد صيغةٍ توافقيةٍ للحل السياسي، ومن ثم قد تجبر هذه الضغوط أطراف الحرب في اليمن على تقديم تنازلاتٍ سياسيةٍ تنقذهم من استمرار الغرق في المستنقع اليمني.
لكونها الطرف الإقليمي الرئيسي في حرب اليمن، تواجه العربية السعودية ضغوطاً دولية غير مسبوقة لإنهاء الحرب تحت أي صيغة كانت، إذ أسهمت الانتقادات الدولية للسعودية لقتلها مواطنها الصحافي، جمال خاشقجي، إلى مضاعفة حصارها الأخلاقي في اليمن، بما في ذلك تحميلها جزءا من المسؤولية من جرّاء تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث تواجه السعودية مأزقا عسكريا وسياسيا مركبا في اليمن. فعلى الصعيد العسكري، فرضت حقيقة فشل الحسم العسكري على أدائها في اليمن، فحتى مع تحقيقها، بمعية حلفائها المحليين، تقدّما في جبهة الحديدة وجبهات أخرى، فإن تلك التقدمات لم تحسم أي جبهة. وبالتالي، تعي السعودية أن الحل العسكري لم يعد خياراً متاحاً.
وعلى الصعيد السياسي الدولي، تخشى السعودية أن تخسر سياسياً في حال صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على قرار وقف الدعم العسكري الأميركي لحربها في اليمن، ما يعني شكلا من أشكال إدانتها، وتجريم استمرار عملياتها العسكرية في اليمن، ومن ثم تدرك السعودية أنها معنية، ربما أكثر من الأطراف اليمنية، بإنجاح المشاورات السياسية المقبلة، وإيجاد أي تسوية تحفظ لها ماء الوجه، وذلك لوضع سيناريو مستقبلي للملف اليمني، قبل يناير/كانون الثاني المقبل. ولذلك أقنعت السلطة الشرعية بالانخراط في العملية السياسية. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولة السعودية استباق المشاورات عبر لملمة شتات حلفائها المحليين، من خلال تقريب وجهات النظر بين حزب التجمع اليمني للإصلاح والإمارات المتحدة، ومحاولة تحييد المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنها تدرك أن صراعات حلفائها المحليين في اليمن وصلت إلى مرحلةٍ من الصعب توحيدها في جبهة واحدة. وفي سياق آخر، قبلت السعودية مطالب جماعة الحوثي المشارَكة في المفاوضات التي سبق وأن رفضتها، وكانت سبباً في تأجيل مشاورات سبتمبر/أيلول الماضي، إذ سمحت بإجلاء عشرات من جرحى مقاتلي الحوثي للعلاج خارج اليمن.
يبدو أن السلطة الشرعية ستتأثر، وبشكل مباشر، بالضغوط الدولية على حليفها السعودي، وهو ما سيربك موقعها التفاوضي. فخلافاً للمشاورات السابقة، ستدخل السلطة الشرعية مشاورات السويد من دون سقف سياسي يضمن لها الحفاظ على مضامين القرارات والمرجعيات الأممية التي حدّدت طبيعة الحل في اليمن، حيث إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومع كل عدائها للجمهورية الإيرانية، الحليف الإقليمي لجماعة الحوثي، بما في ذلك اعتقادها أن الجماعة سبب رئيسي لاستمرار الحرب وإعاقة الحل السياسي، فإنها حريصةٌ على أن تكون جماعة الحوثي ممثلةً في أي تسويةٍ سياسيةٍ يمنية. فقد ضمنت مبادرة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، لجماعة الحوثي حكماً ذاتياً في مناطقها، وهو ما يجعل من استمرار تمسّك الشرعية بحل ثابت وتسلسلي، وفق القرارات الدولية، تضييع وقت لا أكثر. كما أن إعلان المبعوث الأممي في اليمن، مارتن غريفيث، أن مشاورات السويد لا بد أن تخرج بمحدّدات تدير المرحلة الانتقالية في اليمن، تضع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، تحت ضغط كبير. فعلى الرغم من إدراكه أن المرحلة الانتقالية قد تعني طيه صفحته بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن حالته الصحية، واستمرار رفض جماعة الحوثي قبول القرارات الأممية، والضغوط على السعودية، قد تجبره على تقديم تنازلاتٍ سياسية، حتى لا يتجه اليمن إلى صوملةٍ حقيقية.
بوصفها جماعةً مليشياوية محلية، ظلت جماعة الحوثي خارج دائرة الضغط الدولي، إذ لم يستطع المجتمع الدولي، طوال الحرب، إجبار الجماعة على ترجيح الخيار السياسي، وقبول تسويةٍ سياسيةٍ لا توافق مشاريعها في اليمن. كما أن الضغوط الدولية على حليفها الإيراني، بما في ذلك استمرار فرض العقوبات الأميركية، لا تؤثر على جماعةٍ مغلقةٍ كجماعة الحوثي. إلا أنه، وعلى العكس من بروباغندتها الإعلامية التي تزعم تفوّق موقعها التفاوضي، فإن جماعة الحوثي، هي الأخرى، ليست أحسن حالاً من السلطة الشرعية، وهو ما جعل الجماعة تعلن، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مبادرة من طرف واحد، حيث أعلنت نيّتها وقف إطلاق الصواريخ البالستية، والطائرات المسيّرة على السعودية، تعبيرا عن نيتها في إنجاح المشاورات، إذ تجعلها هزائهما العسكرية في معظم الجبهات اليمنية، بما في ذلك حصار مقاتليها في جبهة الحديدة، أكثر ضعفاً وإنهاكاً من فرض شروطها على السلطة الشرعية. كما أن الانشقاقات المتوالية في ما تبقى من جبهة حلفائها، وكذلك تململ القبائل الموالية لها، من الدفع بأبنائها في جبهات الموت، يجعل من خيار جماعة الحوثي في استمرار الحرب أمراً صعباً، إضافة إلى أن تدهور الأوضاع الإنسانية في مناطقها، وانتشار المجاعة، واستمرار حملات الاعتقال بحق المواطنين، يجعل الجماعة مضغوطةً أكثر من السلطة الشرعية باحتمالات تحرّك الشارع ضدها.
في حين تستمر "عنتريات" الفرقاء اليمنيين، بما في ذلك رمي الآخر في البحر، فإن الحقيقي هنا أن عملية تكسير العظم لم تعد ممكنةً في اليمن، لا على الصعيد العسكري، ولا حتى السياسي، إذ أصبحت الأطراف اليمنية ملزمةً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإيجاد أرضيةٍ مشتركة لبدء حوار يضمن لها، لا لليمنيين بالطبع، حلاً مُرضياً، لأنه، وفي حال فشلت المشاورات، أو انتهت إلى ما تنتهي إليه كالعادة، باب مغلق آخر، فإن الأطراف اليمنية وحدها من سيخسر، إذ سيجبر المجتمع الدولي حلفاءهم الإقليميين، طال الوقت أو قصر، على تركهم في حروبهم، على أن تظل الحرب: يمنية - يمنية، وفي أرضها المنسية.
*العربي الجديد
تدفع المتغيرات المحلية والإقليمية المسار السياسي اليمني نحو وجهةٍ جديدة، إذ قد تكون المفاوضات اليمنية المقبلة في استكهولم تحولا حاسما في المسار التفاوضي اليمني. فإضافة إلى الحالة المثالية من توازن الضعف التي تشهدها معسكرات الحرب في اليمن، فإن المجتمع الدولي أصبح اليوم أكثر تململاً من أي وقت آخر، من جرّاء استمرار معاناة اليمنيين، حيث قد يكثف المجتمع الدولي ضغوطه السياسية على أطراف الحرب الإقليمية، لوقف دعم المتحاربين اليمنيين، كما قد يلجأ المجتمع الدولي إلى فرض قراراتٍ أمميةٍ جديدةٍ بشأن الحرب في اليمن، في حال استمر تصلّب مواقف الأطراف اليمنية في إيجاد صيغةٍ توافقيةٍ للحل السياسي، ومن ثم قد تجبر هذه الضغوط أطراف الحرب في اليمن على تقديم تنازلاتٍ سياسيةٍ تنقذهم من استمرار الغرق في المستنقع اليمني.
لكونها الطرف الإقليمي الرئيسي في حرب اليمن، تواجه العربية السعودية ضغوطاً دولية غير مسبوقة لإنهاء الحرب تحت أي صيغة كانت، إذ أسهمت الانتقادات الدولية للسعودية لقتلها مواطنها الصحافي، جمال خاشقجي، إلى مضاعفة حصارها الأخلاقي في اليمن، بما في ذلك تحميلها جزءا من المسؤولية من جرّاء تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث تواجه السعودية مأزقا عسكريا وسياسيا مركبا في اليمن. فعلى الصعيد العسكري، فرضت حقيقة فشل الحسم العسكري على أدائها في اليمن، فحتى مع تحقيقها، بمعية حلفائها المحليين، تقدّما في جبهة الحديدة وجبهات أخرى، فإن تلك التقدمات لم تحسم أي جبهة. وبالتالي، تعي السعودية أن الحل العسكري لم يعد خياراً متاحاً.
وعلى الصعيد السياسي الدولي، تخشى السعودية أن تخسر سياسياً في حال صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على قرار وقف الدعم العسكري الأميركي لحربها في اليمن، ما يعني شكلا من أشكال إدانتها، وتجريم استمرار عملياتها العسكرية في اليمن، ومن ثم تدرك السعودية أنها معنية، ربما أكثر من الأطراف اليمنية، بإنجاح المشاورات السياسية المقبلة، وإيجاد أي تسوية تحفظ لها ماء الوجه، وذلك لوضع سيناريو مستقبلي للملف اليمني، قبل يناير/كانون الثاني المقبل. ولذلك أقنعت السلطة الشرعية بالانخراط في العملية السياسية. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولة السعودية استباق المشاورات عبر لملمة شتات حلفائها المحليين، من خلال تقريب وجهات النظر بين حزب التجمع اليمني للإصلاح والإمارات المتحدة، ومحاولة تحييد المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنها تدرك أن صراعات حلفائها المحليين في اليمن وصلت إلى مرحلةٍ من الصعب توحيدها في جبهة واحدة. وفي سياق آخر، قبلت السعودية مطالب جماعة الحوثي المشارَكة في المفاوضات التي سبق وأن رفضتها، وكانت سبباً في تأجيل مشاورات سبتمبر/أيلول الماضي، إذ سمحت بإجلاء عشرات من جرحى مقاتلي الحوثي للعلاج خارج اليمن.
يبدو أن السلطة الشرعية ستتأثر، وبشكل مباشر، بالضغوط الدولية على حليفها السعودي، وهو ما سيربك موقعها التفاوضي. فخلافاً للمشاورات السابقة، ستدخل السلطة الشرعية مشاورات السويد من دون سقف سياسي يضمن لها الحفاظ على مضامين القرارات والمرجعيات الأممية التي حدّدت طبيعة الحل في اليمن، حيث إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومع كل عدائها للجمهورية الإيرانية، الحليف الإقليمي لجماعة الحوثي، بما في ذلك اعتقادها أن الجماعة سبب رئيسي لاستمرار الحرب وإعاقة الحل السياسي، فإنها حريصةٌ على أن تكون جماعة الحوثي ممثلةً في أي تسويةٍ سياسيةٍ يمنية. فقد ضمنت مبادرة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، لجماعة الحوثي حكماً ذاتياً في مناطقها، وهو ما يجعل من استمرار تمسّك الشرعية بحل ثابت وتسلسلي، وفق القرارات الدولية، تضييع وقت لا أكثر. كما أن إعلان المبعوث الأممي في اليمن، مارتن غريفيث، أن مشاورات السويد لا بد أن تخرج بمحدّدات تدير المرحلة الانتقالية في اليمن، تضع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، تحت ضغط كبير. فعلى الرغم من إدراكه أن المرحلة الانتقالية قد تعني طيه صفحته بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن حالته الصحية، واستمرار رفض جماعة الحوثي قبول القرارات الأممية، والضغوط على السعودية، قد تجبره على تقديم تنازلاتٍ سياسية، حتى لا يتجه اليمن إلى صوملةٍ حقيقية.
بوصفها جماعةً مليشياوية محلية، ظلت جماعة الحوثي خارج دائرة الضغط الدولي، إذ لم يستطع المجتمع الدولي، طوال الحرب، إجبار الجماعة على ترجيح الخيار السياسي، وقبول تسويةٍ سياسيةٍ لا توافق مشاريعها في اليمن. كما أن الضغوط الدولية على حليفها الإيراني، بما في ذلك استمرار فرض العقوبات الأميركية، لا تؤثر على جماعةٍ مغلقةٍ كجماعة الحوثي. إلا أنه، وعلى العكس من بروباغندتها الإعلامية التي تزعم تفوّق موقعها التفاوضي، فإن جماعة الحوثي، هي الأخرى، ليست أحسن حالاً من السلطة الشرعية، وهو ما جعل الجماعة تعلن، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مبادرة من طرف واحد، حيث أعلنت نيّتها وقف إطلاق الصواريخ البالستية، والطائرات المسيّرة على السعودية، تعبيرا عن نيتها في إنجاح المشاورات، إذ تجعلها هزائهما العسكرية في معظم الجبهات اليمنية، بما في ذلك حصار مقاتليها في جبهة الحديدة، أكثر ضعفاً وإنهاكاً من فرض شروطها على السلطة الشرعية. كما أن الانشقاقات المتوالية في ما تبقى من جبهة حلفائها، وكذلك تململ القبائل الموالية لها، من الدفع بأبنائها في جبهات الموت، يجعل من خيار جماعة الحوثي في استمرار الحرب أمراً صعباً، إضافة إلى أن تدهور الأوضاع الإنسانية في مناطقها، وانتشار المجاعة، واستمرار حملات الاعتقال بحق المواطنين، يجعل الجماعة مضغوطةً أكثر من السلطة الشرعية باحتمالات تحرّك الشارع ضدها.
في حين تستمر "عنتريات" الفرقاء اليمنيين، بما في ذلك رمي الآخر في البحر، فإن الحقيقي هنا أن عملية تكسير العظم لم تعد ممكنةً في اليمن، لا على الصعيد العسكري، ولا حتى السياسي، إذ أصبحت الأطراف اليمنية ملزمةً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإيجاد أرضيةٍ مشتركة لبدء حوار يضمن لها، لا لليمنيين بالطبع، حلاً مُرضياً، لأنه، وفي حال فشلت المشاورات، أو انتهت إلى ما تنتهي إليه كالعادة، باب مغلق آخر، فإن الأطراف اليمنية وحدها من سيخسر، إذ سيجبر المجتمع الدولي حلفاءهم الإقليميين، طال الوقت أو قصر، على تركهم في حروبهم، على أن تظل الحرب: يمنية - يمنية، وفي أرضها المنسية.
*العربي الجديد