مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2018/06/18 06:17
اليمن: حزب ثارات صالح
 
بقلم/ بشرى المقطري  
 
في استمرارٍ للحالة الغيبية التي تعيشها الأحزاب اليمنية، تتحرّك بعض الأحزاب من معسكر إلى آخر من دون مراجعة لتموضعاتها السابقة، إلا أن الأحزاب اليمنية التي لا زالت تدور حول نفسها، لا تستطيع التموضع وطنياً، وإنما في إطار الثنائيات الضيقة التي أنتجتها الحرب. وفي هذا السياق، يمكن قراءة تموضعات حزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في مرحلة ما بعد صالح، إذ إن استمرار خضوع مؤتمر "صنعاء" لجماعة الحوثي، وكذلك زيارة مؤتمر صالح العربية السعودية، مطلع يونيو/ حزيران الحالي، يعد نتاجاً لارتدادات ما بعد مقتل صالح أكثر من كونه محاولة لبلورة مرحلة جديدة للحزب، فعلى الرغم من أن تشتت المؤتمر، وانقسامه رأسياً وأفقياً إلى فروع متعددة بين جماعة الحوثي والسلطة الشرعية وإرث صالح، نتيجة منطقية لكونه حزب فرد في المقام الأول، يعتمد على شخص صالح مرجعية سياسية وحيدة في توجيه مواقف الحزب وتحالفاته، فإن عدم استفادة المؤتمر من أخطاء مرحلة صالح يشكل مأزقا حقيقيا لمستقبل أحزاب المؤتمر.
 
ترتب على مقتل صالح توزع ولاءات القيادات السياسية والعسكرية والقبلية للمؤتمر، بما في ذلك قاعدته الاجتماعية، ما أدى إلى تبلور فروع متعدّدة للمؤتمر، حيث انضوت قيادات رفيعة بالسلطة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وأعلنت ولاءها له، لتعضد بذلك مؤتمر الشرعية، وتتابعت مؤتمراتٌ أخرى بالظهور في الساحة السياسية اليمنية، بحسب ولاءاتها لأطراف الحرب اليمنية وحلفائهم الإقليميين. يعد مؤتمر صنعاء الخاضع لجماعة الحوثي أحد تجليات مرحلة ما بعد صالح، وترجمة فعلية لنتيجة تحالفه مع الجماعة أربع سنوات، فضلاً عن كونه ضريبةً يدفعها المؤتمر لانخراطه في تحالف الضرورة، وكانت تموضعات مؤتمر صنعاء بعد صالح، انعكاساً لهشاشة هيكلية الحزب، وغياب لوائح تنظيمية وتقاليد حزبية، تنظم أعمال المؤتمر في حالة غياب المؤسس أو مقتله، الأمر الذي كان له الأثر الأكبر في ارتهانه لجماعة الحوثي.
 
تشكل حالة الاستلاب السياسي لمؤتمر صنعاء سمة بارزة للحزب، بعد مقتل صالح، إذ استمر في خضوعه المطلق لجماعة الحوثي، منضوياً تحت مظلته السياسية، حيث أدار صادق أبوراس، القيادي المؤتمري والمقرّب من الجماعة، مؤتمر صنعاء الذي تزعمه بعد مقتل صالح، من منطلق حماية من تبقوا من أعضاء حزب المؤتمر في صنعاء والمناطق الخاضعة للجماعة من التنكيل، من دون أي محدّدات سياسية، تحكم علاقته بالقوى السياسية اليمنية، واستطاع أبو راس، إبان تولي القيادي الحوثي صالح الصماد رئاسة المجلس السياسي، الحفاظ على كيان شكلي للمؤتمر، إلا أن مقتل الصماد، وتولي مهدي المشاط رئاسة المجلس شكل نقطة تحول في علاقة مؤتمر صنعاء بالجماعة، وهو ما قد يعجل بنهاية مؤتمر صنعاء، فقد افتتح المشاط، المعروف بعدائه حزب المؤتمر، رئاسته المجلس السياسي بملاحقة أعضاء المؤتمر، وتمظهر ذلك بعزل وزراء مؤتمرين في حكومة الانقلاب، وكذلك تقييد عمل رئيس حكومة الانقلاب، واعتقال نشطاء ومشايخ قبليين مؤتمرين في صنعاء، ما جعل قيادة مؤتمر صنعاء تهدّد بإنهاء شراكتها السياسية مع الجماعة، وبدا ذلك محاولةً يائسةً لحفظ ماء الوجه لا أكثر، فالجماعة التي قتلت رأس المؤتمر وحليفها لن تبالي بقتل مزيدٍ من المؤتمرين الموالين لها، فقط تؤجل تصفية مؤتمر صنعاء في الوقت الراهن لحاجتها لهذا الكيان المفرغ صوتا سياسيا رديفا في أي مفاوضات سياسية مقبلة.
 
كطائفة تعبد زعيمها المغدور أكثر من كونها حزبا سياسي، برز فرع مؤتمر صالح في الساحة السياسية اليمنية، واتخذ من الولاء المطلق لصالح، ممثلاً بما تبقى من أسرته عقيدة أساسية له، وانبثقت المرجعية السياسية لمؤتمر صالح مما اصطلح عليها وصية صالح الأخيرة، حين أعلن، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فض تحالفه مع جماعة الحوثي، في مقابل إعلان استعداده للتحالف مع قيادة التحالف العربي، وظل مؤتمر صالح محكوماً بخطاب صالح الأخير، لا يحيد عنه أبداً، إذ صيغت وفقه تحالفاته المحلية والإقليمية، بما في ذلك انخراطه بالحرب في معسكر التحالف، من خلال مشاركة العميد طارق محمد عبدالله صالح في العمليات العسكرية، تحت مظلة الإمارات العربية المتحدة. في حين ظل عداؤه لحزب التجمع اليمني للإصلاح أساسا لتحالفاته المحلية بالقوى السياسية اليمنية والفصائل المسلحة، إلا أن تحالفاته الإقليمية ظلت مشوشة، بسبب تشتت ولاءات قيادته السياسية بين السعودية والإمارات، حيث يتزعم نجل صالح، العميد أحمد، الجناح الموالي للإمارات، ومثل النائب البرلماني سلطان البركان الجناح الموالي للسعودية، في حين ظل وزير الخارجية الأسبق، أبو بكر القربي، خارج الانحيازات الواضحة فترة طويلة.
 
أطلق غياب علي عبدالله صالح عن الواجهة السياسية لحزب المؤتمر حماسة الزعامات المؤتمرية لتصدر الواجهة، إذ غلب على هذا الحزب تعدّد الزعامات السياسية المشتتة في دول الخارج، كما افتقر المؤتمر لرؤية سياسية واضحة يحدد وفقها أولويات المرحلة، بحيث يسعى إلى توحيد تفرعاته حول مشروع حزبي واضح، لا وصية صالح، فبدلاً من مراجعة تحالفاته السابقة التي زجت اليمن في صراع أهلي، وشرعنت التدخل الخارجي، وكذلك عقد مصالحة داخلية للم شتات قيادات "المؤتمر" وتوحيدها حول خطاب سياسي موحد، فإن قيادات مؤتمر صالح انشغلت بالتنافس في ما بينها، وكذلك ارتهنت في تموضوعاتها وخطاباتها بثارات صالح، فضلاً عن حصر جهودها السياسية بفرض قياداتها في المفاوضات المقبلة، من خلال نزع المشروعية السياسية المحلية والإقليمية عن مؤتمر صنعاء الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي.
 
كان تحول "مؤتمر صالح" من معسكر الانقلاب إلى معسكر التحالف، وبالطبع ليس للدفاع عن الشرعية، قسرياً، الأمر الذي كشف مؤتمر صالح سياسياً محلياً وإقليمياً، فمحلياً ما زال معظم اليمنيين يحملون الرئيس السابق ومؤتمره وزر تسهيل انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الانتقالية، بما في ذلك اندلاع الحرب، والتسبب بقتل اليمنيين ومعاناتهم. وإقليمياً، أدرك "مؤتمر صالح" أن الإمارات حليف إقليمي مرحلي، إذ إن انفراط هذا التحالف رهن بتقديرات الحليف الإقليمي، وتطورات الساحة اليمنية. ولذلك أدرك "المؤتمر" حاجته لحليف إقليمي دائم في اليمن، يضمن له الحماية السياسية في مرحلة الحرب، والمشاركة في السلطة اليمنية مستقبلاً، وبالتالي كانت السعودية، وجهة "مؤتمر صالح" في هذه المرحلة، ولم يجد حرجاً في تغيير قناعته حيال السعودية، وتحول حربها في اليمن من "عدوان"، كما رطن بذلك إعلامهم طوال الحرب، إلى منقذ لليمنيين، ومن ثم لم تكن زيارة وفده إلى السعودية بعد قطيعة معها منذ تدخلها العسكري في اليمن سوى استباق لأي تطورات في جبهة الساحل التي يشارك فيها المؤتمر، وللحصول على الدعم السعودي لفرضه في المفاوضات السياسية المقبلة.
 
بين ثارات علي عبدالله صالح التي يتحرك وفقها حزب المؤتمر الشعبي العام، الموالي له، ودفع كلفة تحالفه مع الجماعة وانقلابه عليها التي يواجهه مؤتمر صنعاء، لا رؤية ولا أفق سياسي، ولا أمل أيضاً لحزب الشتات الكبير، ولأن صالح لم يكن كليباً، وليس بحاجة لداحس وغبراء أخرى في حربٍ يمنيةٍ مؤقلمة، ما زالت تحرق الأخضر واليابس، إلا أن ثارات صالح وقود كي يعيش حزب يمني، لا مشروع وطنياً له، ولا يعرف نفسه دونها.
أضافة تعليق