حسن العاصي
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدانمرك
"إن توجو بلد صغير، ولا يحصل على مليارات الدولارات من السعودية وقطر، وإن السكان المسلمين في البلاد أقلية غير نشطة، وبالتالي فإن الخطر السياسي منخفض".
هذا ما صرح به "فور غناسينغبي" رئيس توجو حين زار إسرائيل في آب/أغسطس العام 2017، ردأً على أسئلة الصحفيين، حول ما إن كانت توجو تخشى الانتقام من دول شمال إفريقيا، أو من الدول العربية بسبب قيامه بهذه الزيارة.
ليست "توجو" وحدها - وهي الدولة الإفريقية الأكثر قرباً من إسرائيل - من يفكر بهذه الطريقة. هناك عدة دول إفريقية لم تعد تقيم للعرب أي وزن. حيث كان من المتوقع أن يحضر القمة الإفريقية-الإسرائيلية التي تم إلغاءها العام الماضي 20-30 بلداً إفريقياً، اي أكثر من نصف عدد دول القارة السمراء البالغ 54 دولة.
لم تتمكن الدول العربية، ونصفها يقع في القارة الإفريقية، من الاستفادة والتوظيف الأمثل لعضويتها في الاتحاد الإفريقي، وعلاقاتها مع بقية دول القارة، من أجل وضع خطط عمل سياسية بالتنسيق مع الحلفاء الأفارقة لفرض أجندة تأخذ بعين الاعتبار المصالح والمواقف الفلسطينية، والمطالب والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، في مواجهة الانحياز السافر والكامل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن غالبية الدول الغربية لسياسة ومواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ضد المواقف والمصالح الفلسطينية بوجه خاص، وضد المصالح العربية والإسلامية بصفة عامة.
حقاً لم تستطيع الدول العربية الإفريقية وغير الإفريقية من تحقق نجاحات مهمة في المحافل الدولية لمصلحة القضية الفلسطينية، أو قضايا عربية أخرى، بواسطة ضغط الكتلة التصويتية للقارة السمراء.
لم نرى جهوداً حقيقية عربية تبذل من أجل تفعيل المؤسسات العربية-الافريقية والارتقاء بدورها، ورسم سياسات تعتمد على تشابك المصالح المشتركة في العلاقات بين الجانبين. ولا زالت -للألم- جامعة الدول العربية عاجزة في الدفاع عن المصالح العربية في إفريقيا، وغائبة تماماً عن جملة المخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي القادمة من جهات وأطراف مختلفة.
لا نعلم ما الذي يفعله مخططي الاستراتيجيات العربية، وصناع القرار العرب بشأن المقاربات مع الجارة القارة الإفريقية، في فترة تتزايد فيها الصراعات والتنافس على القارة وثرواتها بين الأمريكان والأوربيون والصينيون والهنود والأتراك والإيرانيون، بينما الأنظمة العربية تحولت إلى جثة هامدة وعبئ على نفسها وشعوبها، والخاسر الأكبر في جميع هذه المعادلات والصراعات المحلية والإقليمية والدولية هم الفلسطينيون وقضيتهم الوطنية.
تاريخ العلاقات الفلسطينية-الإفريقية
إن نصف الدول العربية، وأكثر من ثلثي العرب يقطنون في القارة الإفريقية، وأزيد من ثلثي مساحة الوطن العربي تقع في إفريقيا. هذه المعطيات لوحدها كفيلة بأن يولي القادة العرب القارة السمراء الاهتمام والمكانة الذي تستحقها في أولويات الرؤى والخطط الاستراتيجية العربية، لمصلحة العرب والقضية الفلسطينية قبل مصلحة إفريقيا.
يرتبط تاريخ العلاقات الفلسطينية-الإفريقية، بالعلاقات العربية مع القارة السمراء، الذي يعود إلى أزيد من ألفي عام، حين كان الشرق العربي وإفريقيا بقعة جغرافية واحدة بينهما البحر الأحمر. كان العرب والأفارقة يتواصلون عبر مضيق باب المندب بواسطة خطوط مواصلا بحرية، وعبر شبه جزيرة سيناء بركوب الجمال، فيما كانت السواحل العربية والإفريقية على المحيط الهندي محطات توقف تجارية للسفن العربية.
شكل ظهور الإسلام في القرن السابع ميلادي عاملا أدى إلى تعزيز التواصل العربي-الإفريقي. الإسلام الذي أحدث ثورة ثقافية عند العرب، ومكنهم من الوصول إلى عمق القارة السمراء، حيث وصل الدين الجديد الذي منح العرب شعلة فكرية إلى مناطق مختلفة في إفريقيا، كان أول مكان وصل إليه الإسلام هناك هو الحبشة حين هاجر المسلمون إليها للحماية.
ناهيك عن عشرات الآلاف من الأفارقة الذين احتضنتهم دول الشمال الإفريقي، حيث كان يتوافد على هذه البلدان التجار وطلبة العلم وكذلك العابرون تجاه الحج من مناطق مختلفة في القارة السمراء. كثير منهم استقروا وما زالوا في بلدان شمال إفريقيا التي تعتبر أماكن عبور للأفارقة لغاية يومنا هذا نحو القارة الأوروبية.
إن أغلبية الشعوب العربية التي تقطن في القارة السمراء تفتخر بهذا الانتماء المزدوج العربي-الإفريقي، في وقت كانت فيه حركات التحرر الوطني العربية تشكل إلهاماً للشعوب الإفريقية في نضالها التحرري من قبضة الاستعمار الغربي البغيض. ودوماً كانت الدول العربية، خاصة تلك التي تقع في إفريقيا، ترتبط بعلاقات قوية وتعاون مشترك ومصير واحد مع الدول الإفريقية وكذلك مع بقية العرب، في النضال ضد القوى الغربية المستعمرة لبلداننا، وفي وقوفها إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله.
وقامت دول الشمال الإفريقي العربية ومصر فيما سبق باحتضان زعماء حركة التحرر الوطني الإفريقية، والقادة السياسيين والمناضلين حتى نالت هذه الدول الإفريقية الاستقلال، وقدمت دول عربية متعددة دعماً مالياً واقتصادياً وسياسياً ومعنوياً لتلك البلدان، إيماناً من العرب بوحدة المصالح والمصير مع القارة السمراء.
لكن لم تستطيع جامعة الدول العربية من وضع استراتيجية لتطوير العلاقات مع دول الاتحاد الإفريقي، ودعم هذه العلاقات التي ما زالت تحتاج إلى إزالة كافة المعيقات التي تحول دون تعميق العلاقات العربية-الإفريقية، والانتقال بها إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية. إن العرب والأفارقة كذلك يحتاجون إلى تفكيك الخلافات وإعادة رسم وبناء علاقات قوية وواضحة تقوم على أساس تقاطع المصالح المشتركة في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية. بحيث يتم تصليب التعاون ويصون العلاقات من أي عارض، ويضمن مصالح الجميع بما يوفر الاستقرار لهذه المنطقة، ويشرع أبواب جديدة ومختلفة للتواصل بين الشعوب والأنظمة.
إن تطوير العلاقات العربية-الإفريقية، والفلسطينية-الإفريقية والوصول بها إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية يشكل صمام أمان للمنطقة وشعوبها، ويبني سوراً واقياً للأمن القومي العربي والإفريقي في مواجهة المخاطر المتأتية من الغرب المستعمر الجشع، ومن دول إقليمية لها أطماع في المنطقة، أو من الخطر الذي تشكله الحركات الجهادية والإرهاب بشكل عام.
علاقات في عالم متغير
إن التطورات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، والتي أفرزت واقعاً جديداً، وضع أمام العلاقات العربية-الإفريقية وكذلك العلاقات الفلسطينية-الإفريقية تحدياً جديداً نتيجة المتغيرات التي أصابت كلا الطرفين من المتغيرات الدولية، وهو ما يتطلب مراجعة العناصر التقليدية التي كانت تشكل الأساس في علاقات الجانبين، والانتقال من مرحلة الأيديولوجيا إلى مرحلة جديدة تحكمها التقاطعات والمصالح المشاركة، وهذا على ما يبدو ما لم يتم بصورة واقعية وحقيقية. هذه المهمة يجب أن تحظى بالأولوية نظراً لما تمر فيه العلاقات من تذبذب وفتور وتضارب مصالح، وهذا برسم جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي وكافة الهيئات المنبثقة عنهما.
سياسياً، للدول الإفريقية رصيداً ضخماً في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وتأييد حقوقه في دولة مستقلة على أرضه، والمحافل الدولية خير شاهد على هذه المواقف التضامنية. إن تضامن الشعوب العربية مع نضال الشعوب الإفريقية للتحرر من نير الاستعمار الغربي، قد شكل محطة مهمة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، كان آخرها انهيار نظام الفصل العنصري المقيت في جنوب إفريقيا، بينما عربياً لا يزال الشعب الفلسطيني الصامد يخوض نضاله لتحقيق أهدافه الوطنية.
إن اللجنة الدائمة للتعاون العربي-الإفريقي والتي تشكل العمود الفقري للتعاون بينهما لم تعد آليات عملها تستجيب لمتطلبات التعاون لتحقيق المصالح المشتركة، لذلك لا بد من إعادة تشكيل هذه اللجنة بما يضمن تفعيلها مع وضع أدوات تنفيذية عملية والقضاء على البيروقراطية، حتى لا يظل التعاون محصوراً بالجانب الإداري والخطط على الأوراق.
اقتصاديا، منذ القمة العربية-الإفريقية الأولى التي عقدت في عام 1977 لم يتم التوقف الجدي أمام العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بهدف تحديث مناهج التعاون التي وضعت القمة الأولى خطوطها العامة وغابت برامج العمل عنها. لعل إقامة المعرض التجاري العربي-الإفريقي الذي تم تنظيمه لأول مرة في تونس العاصمة عام 1993، هو أحد أبرز الإنجازات في الجانب الاقتصادي نتيجة التعاون العربي-الإفريقي، إلى جانب إنشاء الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الإفريقية العام 1974 بقرار من القادة العرب في قمتهم المنعقدة في الرباط. ناهيك عن الملتقيات الاقتصادية والتجارية التي يشارك فيها رجال الأعمال العرب والأفارقة.
ثقافياً، بظني أن من أهم الأعمدة التي تشكل رافعة للعلاقات العربية-الإفريقية هو الجانب الثقافي الذي يحتاج إلى جهود مضاعفة لاكتشاف وإظهار وتعميق كافة العناصر الحضارية والثقافية والتاريخية المشتركة بين الطرفين. فما زلنا لا نسمع عن الأطر والمؤسسات الثقافية المشتركة بين العرب والأفارقة، التي من شأنها تمكين شعوب المنطقة من الاطلاع على الإبداع الحضاري والموروث الثقافي للطرف الآخر، ويدفع بعملية التواصل الإنساني التي سوف يكون لها الأثر الإيجابي في تطوير العلاقات، حتى لا تظل معرفة كل طرف للآخر مبهمة، أو تستقي معلوماتها من جهات تحارب التقارب العربي-الإفريقي.
كما نلاحظ غياب المؤسسات التعليمية المشتركة بين الجانبين، وباستثناء المعهد الإفريقي-العربي الذي تأسس عام 1983، لا نرى أي أوجه تعاون حقيقية من خلال عمل مؤسساتي في هذا الجانب.
عوامل تساعد إسرائيل على التسلل إلى إفريقيا
إن من أهم العوامل على المستويات الثلاثة الفلسطينية والعربية والدولية التي تساهم في دفع تطور العلاقات الإفريقية-الإسرائيلية هي استمرار حالة التناحر العربي-العربي، والانقسامات العربية، والصراعات الداخلية في عدد من الدول العربية، وافتقاد العرب إلى رؤية استراتيجية حيال عدد من القضايا، خاصة فيما يتعلق بالقارة الإفريقية، وعدم وجود موقف موحد منها.
إضافة إلى الأزمة الخليجية، وانقسام المواقف العربية بشأنها، والاصطفافات العربية، وسياسية المحاور الإقليمية التي تتبعها بعض الأنظمة العربية على حساب المصالح القومية العربية الاستراتيجية. كذلك غياب معظم الدول العربية عن شؤون وشجون إفريقيا.
إن الضعف الذي أصاب النفوذ المصري في القارة السمراء، وهي الدولة التي طالما كان لها وزناً وتأثيراً في الكثير من القرارات الإفريقية، خاصة تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية وبالمصالح العربية عامة أثر سلباً على الوجود العربي في القارة.
من العوامل الأخرى التي تسهل على إسرائيل تعزيز نفوذها في إفريقيا، ضعف الموقف الفلسطيني الذي يعاني من حالة انقسام، والتراجع في العلاقات الفلسطينية-الإفريقية، المرتبط بضعف الموقف العربي بشكل عام وتراجعه في إفريقيا. أيضاً قيام إسرائيل باستغلال اتفاقية السلام مع الفلسطينيين، والتفاهمات الأمنية معها، في تطوير علاقاتها مع عدد من الدول الإفريقية التي لها مواقف تاريخية مساندة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
ثم هناك حسابات المصالح والربح والخسارة، في العلاقات الإفريقية-الإسرائيلية، وخاصة في قضايا الأمن والتعاون العسكري والاستخباراتي والجانب التنموي، حيث تقوم إسرائيل باستغلال هذه الحسابات وتوظيفها بشكل مثمر لمصلحتها في اختراق القارة.
أيضاً يبرز من العوامل النفوذ الغربي والأمريكي في إفريقيا، هذا النفوذ الذي تستخدمه إسرائيل من خلال علاقاتها وتحالفها مع الغرب الذي يسهل دخولها إلى بعض البلدان الإفريقية، مقابل الخدمات التي تقدمها إسرائيل بدورها للغرب، في إزاحة أو تثبيت أركان بعض الأنظمة الإفريقية.
أخيراً يلعب اللوبي الصهيوني النشيط دوراً فعالاً في تعبيد طريق اقتحام إسرائيل للقارة، خاصة أن أعضاء هذا اللوبي هم من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين أصلهم من يهود إفريقيا.
هل من معيقات في درب إسرائيل نحو للقارة السمراء؟
نعم هناك عوامل تكبح هذا الهجوم الإسرائيلي نحو إفريقيا. إن من أبرز العوامل التي تعيق تسلل إسرائيل إلى عمق القارة الإفريقية، وتشكل -مازالت- جداراً يصد المحاولات الإسرائيلية في أن يمتد نفوذها أكثر في إفريقيا، هو التاريخ النضالي المشرف لبلدان وشعوب القارة الإفريقية، ضد الاستعمار الغربي البغيض.
إن القارة السمراء قدمت مئات آلاف الشهداء على مذبح التحرر قرباناَ لانتصارها على المستعمر الغربي ونيلها الاستقلال. إفريقيا أكثر قارة دفعت الثمن الأغلى لانتزاع حريتها وطرد المستعمر، وتاريخ القارة يشهد لها بصفحات من نور.
من الأهمية ونحن نتحدث عن هذا الأمر أن أذكركم بأسماء القادة والزعماء وأبرز المجاهدين الأفارقة الذين أسهموا ببطولاتهم وتضحياتهم في انتصار بلدانهم على الظلم والاستبداد الذي شكله الاستعمار الكريه.
سوف تظل أسماء أول رئيس للجزائر الحبيبة "أحمد بن بلة، والزعيم هواري بومدين، جميلة بوحريد، زهرة بوظريف، حسيبة بن بوعلي، كريم بلقاسم، أحمد بومنجل، وسعد دحلب ومحمد الصديق بن يحيى والطيب بولحروف ورضا مالك وعلي منجلي وقايد أحمد". سوف تظل أسماء هؤلاء القادة في قلوب ملايين الأحرار الجزائريين والعرب والأفارقة.
وكذلك الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر، الحبيب بورقيبة، المجاهد عمر المختار، المجاهد عبد الكريم الخطابي"، الزعيمان "نيلسون مانديلا" و "غوفان مبيكي" من جنوب إفريقيا، والمناضل "باتريس لومومبا" و "جوزيف ديزيريه مابوتو" من الكونغو، المناضل الثوري "توماس سنكارا" من بوركينا فاسو، ومن غانا القائد "كوامي نكروما"، و"روبرت موجباي" من زمبابوي الذي قاد نضال بلاده للتحرر من الاستعمار الإنجليزي، رغم أنه تحول إلى ديكتاتور فيما بعد. كذلك أول رئيس للسنغال "لوبولد سيدار سنغور". إن القارة التي أنجبت كل هؤلاء العظماء وغيرهم الآلاف من القادة والزعماء سوف لن تكون بسهولة مرتعاً للصهاينة.
من العوامل المعيقة الأخرى، صورة إسرائيل ذاتها في عيون الأفارقة وفي تاريخهم الحديث. إذ ينظر الأفارقة إلى إسرائيل على أنها دولة احتلال من بقايا الاستعمار، ودولة فصل عنصري تمارس الاضطهاد والتمييز العرقي بحق الشعب الفلسطيني، وتحتل أراضيهم، وتقتل أطفالهم، ولها سلوك عنصري تجاه اليهود الإسرائيليين من أصول إفريقية، وتجاه اللاجئين الأفارقة أيضاً. ولم ينسى الأفارقة بعد الدعم والتأييد الذي كانت تقدمه إسرائيل لنظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا.
أيضاً الممانعة التي تبديها الدول العربية التي تقع في إفريقيا، الموقف الجزائري الرافض تماماً والمعادي لأي وجود إسرائيلي في القارة، له وزن مؤثر في إفريقيا. وكذلك موقف المغرب ومصر اللتان تحظيان بمكانة لدي دول القارة.
كذلك الوجود التركي المتزايد، وبدرجة أقل التواجد الإيراني في القارة الإفريقية يشكل عاملاً يكبح توغل إسرائيل في القارة، من خلال قدرة تركيا على التعويض عن كافة المساعدات والاستثمارات التي يمكن لبدان إفريقيا أن تخسرها نتيجة مقاطعتها لإسرائيل.
ثم أن هناك العديد من الدول الإفريقية ما زالت تدعم وتساند القضية الفلسطينية، وتدعم مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، خاصة دولة جنوب إفريقيا، وغيرها من البلدان.
وجود ملايين المسلمين في عدد من بلدان القارة السمراء، يمكن أن يكون لهم دور وتأثير مهم في رفض الوجود الإسرائيلي، والدفع تجاه مساندة القضايا والمصالح العربية في إفريقيا، وكذلك تأييد القضية الفلسطينية.
أخيراً
يمكننا الحديث عن وجود تقاطع في مصالح عدد كبير من الدول الإفريقية مع الدول العربية، مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، من شأن هذه المصالح أن تدفع بعض من هذه الدول أن تعيد حساباتها وترتيب أولوياتها حسب مصالحها، التي ربما تكون مع الجانب العربي.
للقارة الإفريقية علاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية منذ عشرات العقود، وبلدان القارة تدعم وتساند الشعب الفلسطيني وكفاحه لتحقيق حلمه في التحرر وإقامة دولته المستقلة.
الزعيم الإفريقي الراحل "يلسون مانديلا الذي قال إن "إفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته". ولا شك أن مع رحيل مانديلا قد خسر الشعب الفلسطيني واحد من أهم مؤيدي القضية الفلسطينية. لكن الزعيم جاكوب زوما على درب رفيقه الراحل. وكذلك نذكر مواقف كل من غانا وكينيا الداعمتين بقوة للقضية الفلسطينية التي تحظى أيضاً بالاهتمام الكبير من قبل المنظمات الإفريقية، حيث أن فلسطين والقضية الفلسطينية تكون حاضرة دوماً وبقوة في جميع المؤتمرات التي تحتضنها إفريقيا. والهيئات الإفريقية لها مواقف مشرفة تجاه كفاح الشعب الفلسطيني، وما زال البعض منها يعمل كجدار يصد جميع المحاولات الإسرائيلية للتوغل في عمق القارة السمراء.
إن المساعي المتواصلة من جانب إسرائيل لتطوير علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية بهدف تعزيز نفوذها في القارة، تهدف إلى توظيف هذه العلاقات في المنظمات الدولية، وهذا يعني خسارة فلسطين لأهم تكتل داعم لقضيتها الوطنية.
مسؤولية التصدي لإسرائيل في إفريقيا تقع في المقام الأول على القيادة الفلسطينية أولاً وعلى الأنظمة العربية ثانياً خاصة تلك التي تمتلك عضوية في منظمات القارة الإفريقية، وعلى الجامعة العربية وهيئاتها التي يبدو أنها مصابة بمرض "باركنسون"، وعلى بعض الدول الإفريقية أيضاً والتي ما زالت وفية لتاريخها وداعمة لفلسطين. على جميع هذه الأطراف التعاون والتنسيق فيما بينها بهدف وضع رؤية واستراتيجية عمل وتحرك يهدف إلى محاصرة إسرائيل في إفريقيا ومنع تمددها.
يجب علينا عدم الارتهان إلى العلاقة الوطيدة بين الشعب الفلسطيني والشعوب الإفريقية. صحيح جداً أن الشعوب الإفريقية وقفت على الدوام إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمت حقوقه بقوة خلال العقود الماضين، إلا أن كثيرة هي العوامل والمسببات التي أسهمت في تغيرات وتحول في العلاقات الدولية، بما في ذلك العلاقات الفلسطينية-الإفريقية، وما لم تسارع القيادة الفلسطينية ومعها بعض العرب إلى اتخاذ إجراءات لتصليب مواقف الدول الإفريقية التي ما زالت تمانع العلاقات مع إسرائيل، وتكثيف الاتصالات والتحاور مع البلدان التي أعادت علاقاتها مع إسرائيل، من أجل استعادتها للصف الفلسطيني، ما لم نمتلك تصور حول المستقبل القريب فإننا سوف نخسر دعم غالبية الدول الإفريقية، التي سوف تتحول إلى صديقة لإسرائيل.