تسارعت وتيرة الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية في اليمن، نهاية يوليو 2015م الفائت بشكل دراماتيكي غير مسبوق، نجم عنها حدوث تغيّر جذري في ميزان القوى ومعادلة الصراع وتمكن دول التحالف والشرعية والمقاومة الشعبية من إحراز تقدم نوعي وانتصار سياسي وعسكري، من المحتمل أن يفضي إلى دفع الانقلابيين " صالح والحوثيين" باتجاه الحلّ السياسي، مالم تعزّز التطورات المتسارعة في المشهد حتمية وخيار الحلّ العسكري. فقد حسمت قوات الرئيس هادي والمقاومة الشعبية ومن خلفها دول التحالف العربي العشري في اليمن معركتين مفصليتين في وقت قياسي، تكللّت بسيطرة القوات التابعة لها على قاعدة العند الجوية الاستراتيجية، التي لا تقلّ في تأثيرها عن معركة عدن التي كسبتها الشرعية وخسرها الانقلابيون" صالح والحوثيين" ورسخت في ثراها أقدام المناوئين لهما على الأرض. وفيما ألقت مجمل التطورات الجارية في جنوب اليمن بظلالها وتأثيراتها على تكتل الانقلابيين " صالح والحوثيين " وخسارتهم للمعركة بعد مضي أكثر من 100 يوم من إعلان الحرب والتعبئة العامة في اليمن، فقد أسهمت وأثرّت الأحداث الأخيرة في الجنوب إلى حد كبير أيضاً على الجزء الشمالي الواقع تحت سيطرتهم، إذ غدا هدفاً للمقاومة وضمن حساباتها. وتبعاً لذلك، فقد أحدث انتصار دول التحالف والشرعية والمقاومة الشعبية، الذي يعد الأبرز والرئيس مذ بدء الحرب في اليمن تحولاً كبيراً وفارقاً في المناخ السياسي والنفسي وفي ميدان النزال والقتال بين طرفي الصراع اليمني، أفضى إلى انكماش قوات صالح والحوثيين وتراخيهم عن مواقفهم المتصلبة إزاء خصومهم وخارطة طريق الحل السياسي، كمامنح الطرف المناهض والمضارع لهم جرعة كبيرة من الأمل في تعزيز دور المقاومة وعملها في الميدان وتوحيد صفوفها لاستعادة الدولة وتحرير المدن من سطو المليشيات. اﻹأن المكاسب السياسية والعسكرية التي تحققت للتحالف والشرعية والمقاومة الشعبية حتى الآن في نطاق الجنوب، وعلى وجه الخصوص مدينة عدن وماحولها تبقى هشة وغير مكتملة، كونها ليست حتى كتابة هذه السطور في منأى عن عودة قوات صالح والحوثيين للقتال والحرب في أرجائها وغيرها من المدن، فيما لوتوفرت لهم الظروف والأجواء المساعدة لذلك. عدا أن حالة من الغموض مازالت تكتنف طبيعة وحيثيات استيلاء قوات الشرعية والمقاومة الشعبية على ميناء عدن والمطار والمدينة وقاعدة العند الجوية والاستراتيجية وغيرها من المدن والمناطق والمقار الأمنية والمواقع العسكرية في الجنوب، هل جرت وفق تفاهمات سياسية غير معلنة و(مرئية) أو تمت طبقاً لقواعد الحروب والمعارك العسكرية الصفرية. ذلك أن العديد من العواصم العربية احتضنت في غضون الشهر الماضي وقبله سلسلة مفتوحة من اللقاءات والحوارات والمفاوضات والتفاهمات بين أطراف إقليمية ودولية عدة حول الوضع القائم في اليمن، وكانت في مجملها تشير إلى استئناف عملية التفاوض والحل السياسي دون أي نتائج أو توضيحات تذكر، سوى تلميحات وإشارات وردت في تصريحات صحفية مقتضبة للمبعوث الأممي إسماعيل ولد شيخ حول تطبيق القرار (2216) قابلها تصريحات مماثلة من قبل الحوثيين وصالح أفصحت عن جنوحهم للحلّ السياسي وتلويحهم به. وقد بدا جلياً من حيث الجملة أن رضوخ تكتل الانقلابيين "صالح والحوثيين" للحلّ السياسي رغم مجيئه متأخراً ناتج في الحقيقة عن كونهم عجزوا فعلياً عن الصمود في المحافظات الجنوبية وبعض المدن في الشمال والوسط، التي شهدت مواجهات عسكرية، فضلاً عن أن يكون لديهم أمل بالتقدم وتحقيق أي نصر كان عسكري أوسياسي، وفشلهم الذريع في فرض شرعية الأمر الواقع. لكن غدا من الملاحظ أن الانقلابيين " صالح والحوثيين "يستميتون في العادة لتحقيق هدف معين، ولو لبعض الوقت يكون محدوداً ومحدد جدًا، غير أنهم في هذه المرة لسوء حظهم ليسوا هم من يحدد هذا الوقت ولافي متناولهم أيضاً فرصة تحقيق الهدف، بل تحدده مجريات الأحداث والمعارك على الأرض وظروف الجبهة السياسية التي يستميتون فيها بحثا عن "حلّ سياسي" ينطبق عليه الوصف بـ "السهل الممتنع" في حال مجيئه وفق حساباتهم كما أشار إلى ذلك الكاتب والمحللّ السياسي عبد الملك شمسان في مقالة تحليلية له عن " الحل السياسي باليمن.. السهل الممتنع". يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني شمسان في تعليق له حول توصيف الحل السياسي في اليمن بالسهل الممتنع " سهلٌ لأن جميع الأطراف توافق عليه، بل وكل طرف يشيد به ويعتبره خياره الأول والمسار الأفضل ويقول إنه لم يتجاوزه إلا مجبرا بسبب الطرف الآخر، ويفترض -بناء على هذا-أنه قريب متاح وفي متناول اليد، وممتنع – في ذات الوقت-لأن كل طرف لديه في هذا الحل السياسي مطالب مختلفة عن مطالب الطرف الآخر ". ويدلّل شمسان على ذلك بالقول أن:" كل من الرئاسة اليمنية والحكومة والمقاومة الشعبية وقيادة التحالف، ينظرون إلى أن الحل السياسي هو تنفيذ صالح والحوثيين للقرار الأممي رقم (2216) ولا شيء غير ذلك إلا أن تكون مجرد تفاصيل في هذا الاتجاه، وصالح والحوثي ينظرون للحل السياسي من جانبهم باعتباره ذلك الحل الذي يبذلون دونه الجهود ليأتي متزامناَ مع خروجهم من المحافظات التي تشهد مواجهات، فيوقف عليهم الحرب ويعترف لهم بالسلطة على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي يسيطرون عليها بالقوة". ويتوقع شمسان: "في أن ذلك قد يفضي إلى حوار يدمج سلطة هذا الثنائي الجغرافي، وبما يمنحهم ذات النتيجة التي حصل عليها صالح من المبادرة الخليجية في 2100م، ابتداء بالحصانة، وانتهاء بالاعتراف لهم بنصف السلطة أو أكثر من ذلك أو أقل حسب مجريات الحوار، إضافة إلى القدر الذي يسيطران عليه – بشكل مباشر أو غير مباشر-في حصة الطرف الآخر على نحو ما حصل في 2011م". معللاً ذلك بقوله "ولذا فإنهم يستميتون في ميادين القتال بالتوازي مع الاستماتة في ميادين السياسة بحثاً عن هذا الحل السياسي الذي يأملون أن يأتي ولو في أسوأ الأحوال متزامناً مع خروجهم من تلك المناطق وتنتهي به الحرب عليهم، ويضمنون به الحصانة وقدراً من