توحيد الصف والاصطفاف لنصرة أهل السنة هو واجب الوقت , والأولوية التي يجب أن نهتم بها جميعا .
فإن الله سبحانه قد أمرنا بهذه الوحدة , وبالاعتصام بحبله وعدم التفرق , خصوصا في أوقات الأزمات , " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " , قال الطبري: "يُريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدينِ اللهَ الذي أمركم به، وعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إليكم في كتابه إليكم، مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله"
وقال تعالى :" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
قال السعدي: " أي أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين، أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدوا في إقامته على غيركم، وتتعاونوا على البر والتقوى، ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان، (ولا تتفرقوا فيه)، أي ليحصل منكم اتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على ألا تفرقكم المسائل، وتحزبكم أحزابًا وشيعًا، يعادي بعضكم بعضًا، مع اتفاقكم على أصل دينكم»
والأحاديث في هذا كثيرة ، لعل من أشهرها حديث مسلم " إن الله يرضى لكم ثلاثاً (وذكر منها) أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا "
في أوقات الأزمات تترك الخلافات الجزئية جانبا , وتتنحى المواقف الشخصية عن الطريق , وتتصدر الاهتمامات المصالح العامة , فلا حزبية ضيقة , ولا مصلحة فئوية أو شخصية تعلو فوق المصلحة العامة , هذا ما علمنا ديننا وشريعتنا .
فالحفاظ على أمتنا , وحماية جنباتها , ومنع المجرمين عن إجرامهم , والدفاع عن أهل السنة هو مطلب شرعي بل هو مقصد من مقاصد الشريعة الغراء .
الولاء في الله , من أوثق عرى الإيمان , كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله , والحب في الله والبغض في الله عز وجل " أخرجه أحمد .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما ينال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً. خرجه ابن جرير الطبري.
كذلك فإن الضوائق الخاصة تتحمل في سبيل المصالح العامة , وهذا مقتضى القواعد الفقهية المتفق عليها , فإذا كان للفرد مصلحة شخصية ما , وكانت الأمة في حاجة إلى ما يخص مصلحته , وقد يسبب له ذلك ضيقا في مصالحه أو حتى بعض الضرر , فإن الإسلام يقدم مصلحة الأمة على مصلحة الفرد .
فلو احتاجت الأمة مثلا إلى المال لدفع ضرر يلحق بها , حق لها أن تأخذ من الميسورين والأغنياء بما يفي بدفع الضرر عن أبناء تلك الأمة ويحقق المصلحة العامة .
قال القرطبي : قال الإمام مالك :" يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم " تفسير القرطبي .
وقال الغزالي : " وإذا خلت أيدى الجنود من الآموال ولم يكن من مال المصالح أى خزينة الدوله ما يفى بنفقات العسكر وخيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام أو ثوران الفتنه من قبل أهل الشر .. جاز للإمام أن يوظف على ألأغنياء مقدار كفاية الجند لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين " ( المستصفى 1- 303 ) .
وقال الشاطبى : " إنا إذا قررنا إماما مطاعا مفتقرا إلى تكثير الجنود لسد حاجة الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار وخلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند الى ما لا يكفيهم فلإمام إذا كان عدلا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا فى الحال " الاعتصام 2-104 .
إن أمتنا تمر بمرحلة دقيقة من مراحلها , تحتاج منا إلى الاصطفاف المخلص لحمايتها وحفظها , إذ إن في حفظها حفظ للإسلام ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولابناء هذه الأمة .
كما تحتاج تلك المرحلة إلى تأمين جبهاتنا الداخلية , سواء أكانت الاسرية منها أو المحلية المجتمعية , فيتوحد أهل الإيمان على قلب رجل واحد , ويتمسكوا بعرى الإسلام وأخلاقه .
قال شيخ الإسلام : "إن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطناً وظاهرا،ً ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه" .
فعلى المسلمين جميعًا والعاملين لهذا الدين خصوصًا، أن يصلحوا ذات بينهم، وأن يحرصوا على سلامة الصدور وطهارة القلوب وصفاء النفوس؛ ليكونوا يداً واحدةً على خصومهم ، وإن بوادر التآلف والوحدة لتبشر بالخير ، فالأمة بخير، وما زالت بخير بحمد الله .
موقع *المسلم*