مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/09/02 18:06
الإصلاح الاقتصادي عند صلاح الدين الأيوبي
الإصلاح الاقتصادي عند صلاح الدين الأيوبي   الاحد 05 ذو القعدة 1435 الموافق 31 أغسطس 2014            
د. فهد بن ناصر الجديد
عندما يتولى أي حاكم مسلم في بلد ما زمام الحكم، ويكون همه الشاغل القيام بمهمة الإصلاح، فإن كان صادق مع ربه فإن الله – تعالى - سيعينه وييسر له وسائل الإصلاح، ومن هؤلاء الحكام الذين قاموا بإصلاح المجتمع ما قام به الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري. ويعد الإصلاح الاقتصادي من أهم المعايير التي يقاس بها صلاح الحاكم، فمنذ الأشهر الأولى من تولي صلاح الدين الحكم في مصر؛ أمر - رحمه الله - بإسقاط المكوس عن الناس مستعيناً بالله أن يعوضه بخير منها، فذكر في إحدى رسائله إلى الخليفة العباسي : (ولما تقلدنا أمور الرعية، رأينا المكوس الديوانية بمصر والقاهرة أولى ما نقلناها من أن تكون لنا في الدنيا إلى أن تكون لنا في الآخرة). وقال أبو شامة المقدسي مؤكدا قيام صلاح الدين بإصلاح المجتمع عندما حكم بلاد الشام : (وأبطل ما كان الولاة استجدّوه بعد موت نور الدين من القبائح والمنكرات والمؤن والضرائب المحرمات). ولكن ما البديل؟ فالأمراء عندما يمنعون من أخذ المكوس من الناس فإنهم - أي الأمراء – سيعيشون في مأزق خطير بسبب نقص الأموال، فهل تمكن الملك الناصر صلاح الدين من حل لتلك المعضلة الخطيرة؟ المصادر التاريخية تؤكد أن صلاح الدين كان يفهم حال المجتمع الذي عاش فيه، فحاول إيجاد البديل الشرعي كي ينعم الناس في حياتهم، ومن ذلك ما قام به من الإصلاح الاقتصادي في مكة المكرمة حيث أمر بإرسال القمح من مصر إلى مكة سنوياً ولم يعوض أمير مكة بالمال لأن الأمير إذا أرسل له المال قد يحتفظ به لنفسه وحاشيته ويترك الناس في فقر مدقع، ولذا قرر إرسال القمح إلى أمير مكة كي يضطر الأمير إلى بيعه على الناس ولا يستطيع أن يحتفظ به في مستودعات خوفاً من التلف. فيحصل الأمير على المال ويحصل الناس على القمح ويكون بهذا التصرف الحكيم قدم حلاً مناسبا للمجتمع المسلم. قال أبو شامة المقدسي عن صلاح الدين في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين، الجزء 3 صفحة 10 : (قال السلطان نريد أن نعوض أمير مكة عن هذا المكس بمال ونغنيه عنه بنوال وإن أعطيناه ضياعا استوعبها ارتفاعا وانتفاعا فلا يكون لأهل مكة فيها نصيب فقرر معه أن يحمل إليه في كل سنة مبلغ ثمانية آلاف إردب قمح إلى ساحل جدة فإن الأمير بها يحتاج إلى بيعها للانتفاع بأثمانها ويثق أهل الحرمين من الدولة بدوام إحسانها، وقرر أيضا حمل الغلات إلى المجاورين بالحرمين والفقراء ومن هناك من الشرفاء، ووقف لها وقوفا ،وخلد بها إلى قيام الساعة معروفا ، فسقطت المكوس واغتبطت النفوس وزاد البشر وزال العبوس واستمرت النعمى ومر البؤس وذلك في سنة اثنتين وسبعين). من هنا يتضح أن مهمة الإصلاح ليست صعبة التحقق وإنما ينبغي أن يصدق صاحبها أمام ربه ثم أمام قومه فييسر الله له السبل والحلول الممكنة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*الإسلام
 
أضافة تعليق