عمر طاهري
أثناء تتبعك لمسارات بعض الروائيين تكاد تجدها لا تخرج عن إطار الروايات الجنسية، تصور الجنس وتمجده وترفع من شأنه، وتعطي صورا نمطية عن المجتمع العربي الإسلامي؛ ترتبط بالعري والتعري. وما يثير في الأمر أكثر أن بعض ما يسمى بنقاد الرواية يجهدون أنفسهم في تتبع هذا النسق الجنسي الذي تقدمه الرواية؛ إلى حد يجعلك تصطلح عليهم بـ’’نقاد الجنس’’، وكأنه ليس في الإبداع شيء يغري بالحديث عنه وتتبعه إلا عالم الأهواء والغرائز وما يدفع إليه.
هؤلاء الروائيون يكتبون ما يكتبون؛ مقلدين الأدب المفضوح الذي يتبناه بعض الغربيين ديانة، ويؤمن به ثقافة، ذلك أن بعض العقائد الدينية من صميم دينها التعري الشامل في أحد الأيام، يكون على شكل احتفال يتعرى فيه الجميع ذكورا وإناثا، ومنها من تقبل التعري في معابدها ودور عبادتها بشكل طبيعي دون أي تحفظ، بل تجد كتبها الدينية تتحدث عن العلاقات الجنسية بشكل فاضح يثير العجب والاستغراب، فمن الطبيعي إذن إن يمجد هذا البعض الجنس في كتاباته ما دام دينه يدعوه إلى ذلك. ولا غرابة أن نجد روايات جنسية محضة؛ تتحول إلى أفلام ومسلسلات يمثل الجنس العامل المحرك الأول فيها.
هذه الخلفية الثقافية العقدية لم يدركها الكثير من كتاب الرواية في الوطن العربي والإسلامي؛ فراحوا يسودون الرواية تلو الأخرى، مستلهمين روح التعري ممن يتخذون العري ديانة؛ معتقدين أن الآخر إنما يفعل ذلك تصويرا للواقع؛ فكتبوا ما يمكن أن نصطلح عليه بـ’’الأدب العاري’’.
غير أن هذا التعري الذي نرصده في الرواية لا يختص بها وحدها، بل يشمل مختلف مجالات الفنون، فهو يقتحم الشعر والقصة والرسم والنحت والموسيقى والسينما وغير ذلك ... فهل الفن قرين التعري إذن؟
الفن في حقيقته قرين البيئة والثقافة التي ينشأ فيها، ولذلك ينبغي أن تكون مادته ومعالمه الفنية مستوحاة من هذه الثقافة؛ حتى تكون له الوظيفة اللائقة به حقيقة. غير أن بعض الفنانين عوض أن يقدموا للمجتمع نماذج للعفة والطهر، ويسعوا إلى ترغيبه في السير على منوالها؛ ينقلون إليه ما يَدعون أنه الواقعُ، تحت ذريعة تصوير حقيقة الواقع كما هو، فيصورون لنا مشاهد الخلاعة والبؤس؛ ويقدمون بذلك نماذج مشوهة؛ بعيدة كل البعد عن قيم المجتمع وحضارته وهويته، ويقدمون ذلك المسمى واقعا، مضيفين إليه لمسة ’’الإخراج الفني’’؛ ليضمنوا به الإغراء اللازم للمتابعة، ومن ثم يُرغبون المتابع من حيث يدرون أو لا يدرون في اتباع هذه النماذج و’’الاهتداء بهديها’’!
وهنا ينبغي الحديث عن وظيفة الفن بشكل واضح، هل هي الرقي بالمجمع وتأهيله أم هي تكريس قيم التخلف والتبعية والتفسخ الأخلاقي؟ أليس من أدوار هذا الفن ترسيخ القيم التي تلائم ثقافته وهويته وتاريخه؟
قديما قال أحد الحكماء ’’إن الفن يحاكي الواقع كما ينبغي أن يكون وليس كما هو كائن’’؛ ذلك أن الفن إما أن يُجمل وإما أن يُقبح، ولكن الفن اليوم في عالمنا العربي والإسلامي يصور ’’الواقع’’ دون رسالة لهذا المجتمع، فإذا اتسعت فيه دائرة الرذائل نزيدها انتشارا وتثبيتا بهذا المسمى فنا. والأصل أن نرسخ لحضارة الستر وثقافة الستر.
إن الدور الحقيقي للفن، سواء أكان شعرا أم رواية أم مسرحية أم لوحة تشكيلية أم شريطا سينمائيا، هو الرقي بالمجتمع وقيمه الثقافية، وأول قيمة هي قيمة الجمال، فهل للفحش جمال؟!
الفن رسالة، وليس مجرد هواجس وخواطر دون هدف أو غاية، فما لم يكن الفن قادرا على قيادة المجتمع من جهة الإبداع نحو الرشد الحضاري؛ فإنه حينها سيكون عبثا لا طائل من ورائه، فكيف يتحول إلى معول هدم للحضارة والثقافة العربية والإسلامية، ويعرقل عجلة السير نحو مدارج الرقي والتقدم، بدل ترسيخ ثقافة الستر التي تدعو إليها ثقافتنا الإسلامية وتسعى إلى ترسيخها في المجتمع.
الفن حضارة وتصور للكون والعالم والحياة، وليس انعكاسا لعالم مشوه داخلته آفات وعلل كثيرة ينبغي زوالها، فالفن الحقيقي هو الذي يقدم تلك الصورة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها مجتمعه ومحيطه الذي يسكنه ويرتبط بحضارته، وتلك هي رسالة المبدع والفنان.
*الاسلام اليوم
أثناء تتبعك لمسارات بعض الروائيين تكاد تجدها لا تخرج عن إطار الروايات الجنسية، تصور الجنس وتمجده وترفع من شأنه، وتعطي صورا نمطية عن المجتمع العربي الإسلامي؛ ترتبط بالعري والتعري. وما يثير في الأمر أكثر أن بعض ما يسمى بنقاد الرواية يجهدون أنفسهم في تتبع هذا النسق الجنسي الذي تقدمه الرواية؛ إلى حد يجعلك تصطلح عليهم بـ’’نقاد الجنس’’، وكأنه ليس في الإبداع شيء يغري بالحديث عنه وتتبعه إلا عالم الأهواء والغرائز وما يدفع إليه.
هؤلاء الروائيون يكتبون ما يكتبون؛ مقلدين الأدب المفضوح الذي يتبناه بعض الغربيين ديانة، ويؤمن به ثقافة، ذلك أن بعض العقائد الدينية من صميم دينها التعري الشامل في أحد الأيام، يكون على شكل احتفال يتعرى فيه الجميع ذكورا وإناثا، ومنها من تقبل التعري في معابدها ودور عبادتها بشكل طبيعي دون أي تحفظ، بل تجد كتبها الدينية تتحدث عن العلاقات الجنسية بشكل فاضح يثير العجب والاستغراب، فمن الطبيعي إذن إن يمجد هذا البعض الجنس في كتاباته ما دام دينه يدعوه إلى ذلك. ولا غرابة أن نجد روايات جنسية محضة؛ تتحول إلى أفلام ومسلسلات يمثل الجنس العامل المحرك الأول فيها.
هذه الخلفية الثقافية العقدية لم يدركها الكثير من كتاب الرواية في الوطن العربي والإسلامي؛ فراحوا يسودون الرواية تلو الأخرى، مستلهمين روح التعري ممن يتخذون العري ديانة؛ معتقدين أن الآخر إنما يفعل ذلك تصويرا للواقع؛ فكتبوا ما يمكن أن نصطلح عليه بـ’’الأدب العاري’’.
غير أن هذا التعري الذي نرصده في الرواية لا يختص بها وحدها، بل يشمل مختلف مجالات الفنون، فهو يقتحم الشعر والقصة والرسم والنحت والموسيقى والسينما وغير ذلك ... فهل الفن قرين التعري إذن؟
الفن في حقيقته قرين البيئة والثقافة التي ينشأ فيها، ولذلك ينبغي أن تكون مادته ومعالمه الفنية مستوحاة من هذه الثقافة؛ حتى تكون له الوظيفة اللائقة به حقيقة. غير أن بعض الفنانين عوض أن يقدموا للمجتمع نماذج للعفة والطهر، ويسعوا إلى ترغيبه في السير على منوالها؛ ينقلون إليه ما يَدعون أنه الواقعُ، تحت ذريعة تصوير حقيقة الواقع كما هو، فيصورون لنا مشاهد الخلاعة والبؤس؛ ويقدمون بذلك نماذج مشوهة؛ بعيدة كل البعد عن قيم المجتمع وحضارته وهويته، ويقدمون ذلك المسمى واقعا، مضيفين إليه لمسة ’’الإخراج الفني’’؛ ليضمنوا به الإغراء اللازم للمتابعة، ومن ثم يُرغبون المتابع من حيث يدرون أو لا يدرون في اتباع هذه النماذج و’’الاهتداء بهديها’’!
وهنا ينبغي الحديث عن وظيفة الفن بشكل واضح، هل هي الرقي بالمجمع وتأهيله أم هي تكريس قيم التخلف والتبعية والتفسخ الأخلاقي؟ أليس من أدوار هذا الفن ترسيخ القيم التي تلائم ثقافته وهويته وتاريخه؟
قديما قال أحد الحكماء ’’إن الفن يحاكي الواقع كما ينبغي أن يكون وليس كما هو كائن’’؛ ذلك أن الفن إما أن يُجمل وإما أن يُقبح، ولكن الفن اليوم في عالمنا العربي والإسلامي يصور ’’الواقع’’ دون رسالة لهذا المجتمع، فإذا اتسعت فيه دائرة الرذائل نزيدها انتشارا وتثبيتا بهذا المسمى فنا. والأصل أن نرسخ لحضارة الستر وثقافة الستر.
إن الدور الحقيقي للفن، سواء أكان شعرا أم رواية أم مسرحية أم لوحة تشكيلية أم شريطا سينمائيا، هو الرقي بالمجتمع وقيمه الثقافية، وأول قيمة هي قيمة الجمال، فهل للفحش جمال؟!
الفن رسالة، وليس مجرد هواجس وخواطر دون هدف أو غاية، فما لم يكن الفن قادرا على قيادة المجتمع من جهة الإبداع نحو الرشد الحضاري؛ فإنه حينها سيكون عبثا لا طائل من ورائه، فكيف يتحول إلى معول هدم للحضارة والثقافة العربية والإسلامية، ويعرقل عجلة السير نحو مدارج الرقي والتقدم، بدل ترسيخ ثقافة الستر التي تدعو إليها ثقافتنا الإسلامية وتسعى إلى ترسيخها في المجتمع.
الفن حضارة وتصور للكون والعالم والحياة، وليس انعكاسا لعالم مشوه داخلته آفات وعلل كثيرة ينبغي زوالها، فالفن الحقيقي هو الذي يقدم تلك الصورة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها مجتمعه ومحيطه الذي يسكنه ويرتبط بحضارته، وتلك هي رسالة المبدع والفنان.
*الاسلام اليوم