حمدي الشريحي
في الآونة الأخيرة أخذت جماعة الحوثي حيّزاً هائلاً من الاهتمام الإعلامي، ودار جدلا واسعا على الصعيدين الداخلي والخارجي حول التقدم والنجاح الذي تحرزه الجماعة على أرض الواقع من خلال الحروب التي خاضتها في دماج وعمران وأرحب وهمدان وحاشد.
وتتباين آراء الكتاب والمحليين السياسيين حول مدى النجاحات التي تحققها الجماعة ، حيث يرى البعض أن الدعم الإيراني الذي تتلقاه الجماعة يعد عاملاً مهماً في الإختراق الذي حققه الحوثيون في صفوف القبائل وبالأخص في حاشد ، إضافة إلى أن الدعم المستتر من الرئيس السابق للحوثيين ساهم في اختراق الحوثيين للمكونات القبيلة والمذهبية في اليمن.
فيما يرى البعض الأخر أن الحوثيين استفادوا من التصدع القبلي وضعف عصبيته خلال الخمسين السنة الماضية ، إضافة إلى العزلة التي عاشتها القبيلة مع إضعاف دور الأسر الهاشمية العريقة سياسيا وعلى مستوى التأثير الاجتماعي التي ولدت حالة غضب مكتوم لدى الفئات الشابة ، مؤكدين أن الحوثيين استغلوا ذلك في استقطاب أبناء القبائل عبر آيديولوجية تعبوية مقاتلة ، ووجدوا فرصتهم للتعبير عن حالة الاستياء وملء الفراغ في ظل تشوه أخلاق القبيلة وفقدانها الأمن بمعناه الشامل في ظل دولة غائبة.
نجاح حوثي في اختراق السنة والصوفيين
يقول الكاتب والباحث السياسي ورئيس منتدى الجزيرة العربية نجيب غلاب إن الحوثية اعتمدت لتعبئة أبناء القبائل والفئة الهاشمية على فكرة «الاصطفاء الإلهي» وأن لا دين ولا دنيا ما لم يؤمن المسلم بالحق المطلق لآل البيت بالولاية الدينية والسياسية، ولا يمكن للمسلمين أن ينتصروا على أعدائهم من دون الإيمان بهذه العقيدة المركزية وتحقيقها على أرض الواقع، وهذا دفعه إلى إدانة التاريخ الإسلامي من عهد الخلافة إلى عصرنا، وأكد على ضرورة العمل لإعادة الأمر إلى نصابه ومواجهة الشر والاقتداء بتجربة الخميني ونموذج حزب الله.
وأشار غلاب في مقال نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن «هذه العقيدة كان الهدف منها، وما زال، هو تعبئة المجال القبلي الزيدي الذي تحيز للجمهورية بعد سقوط دولة الإمام الزيدي في 1962م عبر «أدلجة» الزيدية بالخمينية والإسلام السياسي الإخواني و«الجهادي» وتقديم تأويلات دينية لتبرير عقيدته المركزية، فمن دونها لا يمكنه أن يبني حركة دينية تمنح العائلة الحوثية الزعامة السياسية والدينية والمسنودة بالعقيدة الصارمة وصلابة القبيلة المؤمنة والعصبية العرقية للهاشمية الممتدة عبر الجغرافيا اليمنية».
ويؤكد غلاب أن «ما سهل للحوثية اختراق القبيلة هو تصدع القبيلة خلال الخمسين السنة الماضية وضعف عصبيتها، فالنخب القبلية الأكثر تأثيرا بعد الجمهورية أصبحت شريكا أساسيا وفاعلا في العمل السياسي. ومع تنامي الدور السياسي وتزايد مصالح الشيخ من الريع الداخلي والخارجي، ومن خلال ممارسته للعمل التجاري زادت عزلته وانفصل عن واقع القبيلة. ولأن الشيخ القبلي حاصر القبيلة لم تتمكن الدولة من تنمية مناطقها، ومع تزايد فقرائها ومع تزايد أغنياء النخب القبلية الذين استفادوا من الدولة ومن التجارة المشروعة وغير المشروعة. وأدى كل ذلك، وغيره من الأسباب، إلى تمكن الحوثية من تعاظم قدرة الحركة الحوثية في استقطاب أبناء القبائل عبر آيديولوجية تعبوية مقاتلة».
ويقول إن «العزلة التي عاشتها القبيلة مع إضعاف دور الأسر الهاشمية العريقة سياسيا وعلى مستوى التأثير الاجتماعي، ولدت حالة غضب مكتوم لدى الفئات الشابة. ووجد حسين الحوثي ومن معه فرصتهم للتعبير عن حالة الاستياء وملء الفراغ في ظل تشوه أخلاق القبيلة وفقدانها الأمن بمعناه الشامل في ظل دولة غائبة، أو بالأصح لا وجود فعليا لها، وبالذات في المناطق التي شكلت المركز الذي كانت تنطلق منه الزيدية عبر تاريخها (صعدة) لتأسيس دول الأئمة الزيود» ، منوها بأن التاريخ يقول إن أبناء القبائل كانوا هم القوة المقاتلة في جيوش الأئمة، ولذا عملت الحوثية على بعث وعيها المذهبي عبر «أدلجة» أبناء القبائل بالعقائد الحوثية، وإحداث تحول جذري في وعي أبنائها الملتحقين بالحركة ليكون ولاؤهم للمقولات الحوثية وبالتالي للعائلة الحوثية.
ويضيف الكاتب السياسي : «وتمكنت الحوثية خلال حروبها المتلاحقة مع الحكومة من خلق كتلة واسعة مؤيدة في الأوساط القبلية أمدتها بالمقاتلين. ومع الاحتجاجات التي بدأت في فبراير (شباط) 2011م، تمكنت الحوثية من توسيع نفوذها، وبناء شبكات منظمة للتجنيد، ونشر عقائدها وتحالفاتها في الأوساط القبلية، وإقناع بعض الأسر الهاشمية بالالتحاق بمسيرتها… والأهم من كل ما سبق أنها تبنت فكرة الثورة وبناء أذرع ناعمة مدنية وإعلامية مساندة لجناحيها العسكري والعقائدي».
وأوضح أن الحوثية، كحركة، ركزت رمزيتها في العائلة الحوثية ، وأن ذلك التركز منح فردا منها قوة الأمر وحق الطاعة من الآخرين، وهي حالة متقنة لتوريث المذهب والقبيلة وطموحات الأسر الهاشمية لصالح العائلة الحوثية ، مشيرا إلى أن هذا التركيز مدخل مهم لبناء سلطة قوية ومؤثرة في مغالبة شيخ القبيلة وفي فرض وجودها كفاعل لا يمكن تجاهله في اليمن.
وأردف : «وهنا لا بد من ملاحظة، فالبنية العقدية الجديدة التي تكتسح أبناء القبائل لا تلغي وعيهم القبلي… لكنها تعيد محورته لصالح منتجي الآيديولوجيا، ومن ثم يتحول المؤدلج الجديد حتى وإن كان شيخا إلى مقاتل في كتائب التنظيم الحوثي. وهذه الحالة لا بد من رفدها بالغنائم لتحويل العقيدة عبر النخبة القبلية إلى مجال قادر على الحركة والفعل بين الناس العاديين. وهذا الأمر يسهل صياغة وعي القبيلة لينتهي بعصبية جديدة تأخذ بعدا دينيا لصالح العائلة الحوثية في مراحلها الأولية، إلا أن انتهازية الوعي القبلي، و«براغماتية» القبائل، والتنافس بين الأسر الهاشمية، وسيطرة فكرة البحث الدائم عن غنائم، ستولد صراعات بعد حين لتنتهي لصالح القوى المدنية ونخبة القبيلة وهاشمية سياسية مدنية أكثر مرونة ومعارضة للآيديولوجيا الحوثية».
ويرى غلاب أن «صراع الحوثية مع الإخوان والسلفية ومع النخب القبلية ورموز الزيدية التقليدي والعائلات الهاشمية الأكثر انفتاحا، كذلك مع القوى المدنية ومع قوى المصالح، سيزداد طالما أن الدولة ضعيفة، وسيقود في البداية إلى فتنة دائمة وبناء نظام عام تحكمه الانتهازية والشعارات الدينية والمدنية الفضفاضة وإدارة النزاعات السياسية والمصالح عبر عنف متحكم فيه، وليس صراع الحوثية وآل الأحمر والإخوان إلا ملمحا لهذا الصراع المتداخل… الذي سيستمر، إن لم يتم تفكيكه، باستراتيجيات أمنية وتنموية وعبر صفقات تساعد على بناء التعايش».
«تسعى الحوثية لإسناد قوتها وشرعيتها – بالتأكيد – على تمثيل الزيدية وبناء مركز ديني مهيمن على المذهب وجغرافيته التاريخية، وفي الوقت نفسه تسويق نفسها باعتبارها حركة قرآنية متجاوزة للمذاهب وقراءة جامعة للمسلمين» ،يقول غلاب، ويؤكد أن «الحوثية تمكنت من خلال عقيدتها المركزية من اختراق الفئات الهاشمية، ليس في الجغرافيا الزيدية فحسب، بل وفي الجغرافيا السنية أيضا من خلال السعي لبناء «عصبية دينية» تحفز الفئة الهاشمية لصالح المشروع الحوثي، والتأثير على الجغرافيا الشافعية بالمال السياسي، وتزيين صورتها كحركة دينية مناهضة للظلم والفساد، والجغرافيا الزيدية».
ويضيف : «وهي رغم مقاومتها لدولة الأئمة، فإنها في البعد الديني لم تعارض أحقيتهم في الحكم ولديها مخزون ديني مكن الحركة الحوثية من الحركة والعمل. كذلك وجدت لها مؤيدين حتى داخل اليسار من ذوي النزعة المتصوفة، وأيضا تمكنت من اختراق المراكز الصوفية الأخرى باعتبارها تؤمن بعقائد مقدسة لآل البيت ودورهم الديني والسياسي. وتبني الحوثية راهنا، بدهاء، شبكة اتصال وتواصل مع المراكز الصوفية، وتمكنت من اختراق محافظة حضرموت، وهي تؤسس لمصالح عبر بعض قيادات تلك المراكز والتابعين لها. وغالبا ما تعمل على بعث وعي عصبوي عاطفي وعقدي يستند على العرقية والعقائد لتعميق الروابط ونموها وتحويلها إلى مجال للنفوذ السياسي».
صالح وإيران وراء نجاح الحوثي
رئيس المنتدى العربي للدراسات الصحفي نبيل البكري يرى أن «الحديث عن نجاح جماعة الحوثي، في تقدمها على الأرض، يرجع إلى قوة هذه الجماعة أو قدرتها على تحقيق اختراق ما للمكونات القبلية والمذهبية، مقولة تحتاج إلى أدلة لإثباتها على أرض الواقع بعيدا عن مجرد الافتراض الذهني».
ويستدرك البيكري قائلا : «صحيح هناك تقدم ملحوظ للجماعة على الأرض، ولكنه لم يتحقق بفعل قوتها بل لأسباب عدة موضوعية وراء ذلك، لا يمكن إغفالها في تقييم وضع هذه الجماعة المسلحة. الجماعة، التي حققت أخيرا حضورا لافتا بفعل ما يفترض أنه توسع عسكري، تسعى لتحقيق هدفها العقائدي الكبير متمثلا بعودة نظام الإمامة الثيوقراطي من جديد بعد خلاص اليمنيين منه في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962م».
في المقابل، يؤكد البكري أنه لا يمكن إغفال أو فصل ما تقوم به جماعة الحوثي من تقدم على الأرض، بعدما حسمت بالكامل مسألة سيطرتها على محافظة صعدة، بفعل الانسحاب المفاجئ لسلفيي كتاف ودماج في بداية هذا العام، عن جملة تفاعلات المشهد السياسي اليمني برمته، بعد تنازل الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الرئاسة يوم 3-6-2012م، وعما شهدته بعد ذلك خريطة التحالفات السياسية من تحولات دراماتيكية واضحة.
ويضيف : «لا يخفى على المراقب العادي جملة الأسباب التي جعلت جماعة الحوثي تظهر بهذا الشكل المبالغ فيه إعلاميا إلى حد ما. وفي مقدمة تلك الأسباب يأتي التحالف غير المعلن بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي، الذي بموجبه تم تمكين هذه الجماعة من كل إمكانيات ليس فقط حزب المؤتمر الشعبي، الذي ما زال صالح يتربع على رئاسته، بل تمكينها من كل الإمكانيات العسكرية التي سبقت مصادرتها من مؤسسات الجيش ووحداته الخاصة، من قبل أفراد أسرة الرئيس صالح، الذين كانوا ممسكين بأهم تلك الوحدات، حتى وقت قريب».
ويردف : «ومن الأسباب أيضا، يأتي الدعم الإيراني الكبير ماليا ولوجيستيا وإعلاميا لهذه الجماعة، التي يجري تدريب أفرادها على أيدي «الحرس الثوري الإيراني» في لبنان وبعض المعسكرات على الأراضي الإريترية، كاستراتيجية إيرانية بعيدة المدى تجاه اليمن، باعتباره عمقا استراتيجيا لدول الخليج وحزامها الأمني الجنوبي وخاصة للمملكة العربية السعودية».
وفيما يتعلق بتحالف صالح والحوثي، رأى البيكري أنه «وفر للحوثيين الكثير من الجهد والوقت، ذلك أن معظم المشايخ القبليين الذين تواطأوا مع جماعة الحوثي في قبيلة حاشد، هم أصلا حلفاء للرئيس صالح، الذي قدم بدوره أموالا طائلة لبعض هؤلاء المشايخ، مقابل سماحهم بدخول ميليشيا الحوثي إلى حاشد لضرب خصومه الألداء بيت الأحمر. ومن ثم، فإن الحديث عن قدرة الحوثي على اختراق القبائل في ضوء كل ما قلناه، يسقط تماما أمام مثل هذه الحقائق. وهذا بالإضافة إلى أن معظم المواجهات التي هزمت فيها جماعة الحوثي كانت كلها أمام رجال القبائل كما حصل في أرحب والجوف والرضمة. وبالتالي فـ«الاختراقات» التي يجري الحديث عنها ليست للقبائل بقدر ما هي عمليات تهدف لإعادة التحالفات بين رموز النظام السابق – من جناح الرئيس صالح – وجماعة الحوثي… نكاية بالقوى الثورية التي ينظر لها صالح وأفراد نظامه أنها كانت سبب إزاحته عن السلطة، فيحاول الانتقام منها بجماعة الحوثي، التي غدت المستفيد الوحيد من هذه الخصومة للقضاء على الجميع. إلا أن الجزء الأهم والأخطر، بحسب
بعض المراقبين، هو أن الدعم الإقليمي، الذي ما زال يقدم للرئيس صالح، يذهب جله لجماعة الحوثي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما ظهر في مواجهات الجماعة الأخيرة مع وحدات الجيش في محافظة عمران».
الفيدرالية والحوثيين
وفيما يتعلق بموضوع الفيدرالية، يقول الباحث اليمني إن «مسألة الفيدرالية أو الأقاليم تمثل واحدة من القضايا الإشكالية، التي حسمت معظم تفاصيلها… فيما ينقسم الفاعلون السياسيون حول بعضها الآخر. وفي مقدمة هؤلاء الفاعلين تأتي جماعة الحوثي بموقفها المريب من مسألة «الأقاليم» بين القبول المشروط أدبيا، والرفض التام واقعيا وعمليا».
إن مقترح التقسيم الأولي لليمن، بحسب مخرجات «الحوار الوطني»، إلى ستة أقاليم… وضع جماعة الحوثي في موقف صعب، بالنظر إلى موقفها الرافض للفكرة من أساسها ، بحسب البكيري ، ويشير ،في ذات الوقت، إلى أن الجماعة طرحت شروطا للقبول بهذا التقسيم من قبل، في مقدمها تمكينها من محافظة الجوف التي تشير بعض التقارير إلى وجود كميات نفطية واعدة فيها، فضلا عن مطالبتها بمحافظة حجة التي تطل على البحر الأحمر من خلال ميناء ميدي، الذي تريده جماعة الحوثي منفذا بحريا لها يربطها بالعالم.
كثيرون من المراقبين يرون أن التوسع الحوثي المسلح – بعد هزيمة الحوثيين في الجوف – فيما بات يسمى بـ«إقليم أزال» الذي يضم محافظات صنعاء وذمار وعمران وصعدة، حيث التركز الزيدي، يأتي من قبيل استعادة ما تعتبره الجماعة «حقا تاريخيا». وهي تريد قاعدة انطلاق لتمددها وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من الإقليم… إلى عموم اليمن. فحسب أدبيات هذه الجماعة وممارساتها على الأرض، نرى أنها تنطلق من منحى عقائدي تاريخي صرف… لا يؤمن مطلقا بكل مفردات الحداثة السياسية والمعاهدات والمواثيق الدولية.
المصدر | الخبر
في الآونة الأخيرة أخذت جماعة الحوثي حيّزاً هائلاً من الاهتمام الإعلامي، ودار جدلا واسعا على الصعيدين الداخلي والخارجي حول التقدم والنجاح الذي تحرزه الجماعة على أرض الواقع من خلال الحروب التي خاضتها في دماج وعمران وأرحب وهمدان وحاشد.
وتتباين آراء الكتاب والمحليين السياسيين حول مدى النجاحات التي تحققها الجماعة ، حيث يرى البعض أن الدعم الإيراني الذي تتلقاه الجماعة يعد عاملاً مهماً في الإختراق الذي حققه الحوثيون في صفوف القبائل وبالأخص في حاشد ، إضافة إلى أن الدعم المستتر من الرئيس السابق للحوثيين ساهم في اختراق الحوثيين للمكونات القبيلة والمذهبية في اليمن.
فيما يرى البعض الأخر أن الحوثيين استفادوا من التصدع القبلي وضعف عصبيته خلال الخمسين السنة الماضية ، إضافة إلى العزلة التي عاشتها القبيلة مع إضعاف دور الأسر الهاشمية العريقة سياسيا وعلى مستوى التأثير الاجتماعي التي ولدت حالة غضب مكتوم لدى الفئات الشابة ، مؤكدين أن الحوثيين استغلوا ذلك في استقطاب أبناء القبائل عبر آيديولوجية تعبوية مقاتلة ، ووجدوا فرصتهم للتعبير عن حالة الاستياء وملء الفراغ في ظل تشوه أخلاق القبيلة وفقدانها الأمن بمعناه الشامل في ظل دولة غائبة.
نجاح حوثي في اختراق السنة والصوفيين
يقول الكاتب والباحث السياسي ورئيس منتدى الجزيرة العربية نجيب غلاب إن الحوثية اعتمدت لتعبئة أبناء القبائل والفئة الهاشمية على فكرة «الاصطفاء الإلهي» وأن لا دين ولا دنيا ما لم يؤمن المسلم بالحق المطلق لآل البيت بالولاية الدينية والسياسية، ولا يمكن للمسلمين أن ينتصروا على أعدائهم من دون الإيمان بهذه العقيدة المركزية وتحقيقها على أرض الواقع، وهذا دفعه إلى إدانة التاريخ الإسلامي من عهد الخلافة إلى عصرنا، وأكد على ضرورة العمل لإعادة الأمر إلى نصابه ومواجهة الشر والاقتداء بتجربة الخميني ونموذج حزب الله.
وأشار غلاب في مقال نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن «هذه العقيدة كان الهدف منها، وما زال، هو تعبئة المجال القبلي الزيدي الذي تحيز للجمهورية بعد سقوط دولة الإمام الزيدي في 1962م عبر «أدلجة» الزيدية بالخمينية والإسلام السياسي الإخواني و«الجهادي» وتقديم تأويلات دينية لتبرير عقيدته المركزية، فمن دونها لا يمكنه أن يبني حركة دينية تمنح العائلة الحوثية الزعامة السياسية والدينية والمسنودة بالعقيدة الصارمة وصلابة القبيلة المؤمنة والعصبية العرقية للهاشمية الممتدة عبر الجغرافيا اليمنية».
ويؤكد غلاب أن «ما سهل للحوثية اختراق القبيلة هو تصدع القبيلة خلال الخمسين السنة الماضية وضعف عصبيتها، فالنخب القبلية الأكثر تأثيرا بعد الجمهورية أصبحت شريكا أساسيا وفاعلا في العمل السياسي. ومع تنامي الدور السياسي وتزايد مصالح الشيخ من الريع الداخلي والخارجي، ومن خلال ممارسته للعمل التجاري زادت عزلته وانفصل عن واقع القبيلة. ولأن الشيخ القبلي حاصر القبيلة لم تتمكن الدولة من تنمية مناطقها، ومع تزايد فقرائها ومع تزايد أغنياء النخب القبلية الذين استفادوا من الدولة ومن التجارة المشروعة وغير المشروعة. وأدى كل ذلك، وغيره من الأسباب، إلى تمكن الحوثية من تعاظم قدرة الحركة الحوثية في استقطاب أبناء القبائل عبر آيديولوجية تعبوية مقاتلة».
ويقول إن «العزلة التي عاشتها القبيلة مع إضعاف دور الأسر الهاشمية العريقة سياسيا وعلى مستوى التأثير الاجتماعي، ولدت حالة غضب مكتوم لدى الفئات الشابة. ووجد حسين الحوثي ومن معه فرصتهم للتعبير عن حالة الاستياء وملء الفراغ في ظل تشوه أخلاق القبيلة وفقدانها الأمن بمعناه الشامل في ظل دولة غائبة، أو بالأصح لا وجود فعليا لها، وبالذات في المناطق التي شكلت المركز الذي كانت تنطلق منه الزيدية عبر تاريخها (صعدة) لتأسيس دول الأئمة الزيود» ، منوها بأن التاريخ يقول إن أبناء القبائل كانوا هم القوة المقاتلة في جيوش الأئمة، ولذا عملت الحوثية على بعث وعيها المذهبي عبر «أدلجة» أبناء القبائل بالعقائد الحوثية، وإحداث تحول جذري في وعي أبنائها الملتحقين بالحركة ليكون ولاؤهم للمقولات الحوثية وبالتالي للعائلة الحوثية.
ويضيف الكاتب السياسي : «وتمكنت الحوثية خلال حروبها المتلاحقة مع الحكومة من خلق كتلة واسعة مؤيدة في الأوساط القبلية أمدتها بالمقاتلين. ومع الاحتجاجات التي بدأت في فبراير (شباط) 2011م، تمكنت الحوثية من توسيع نفوذها، وبناء شبكات منظمة للتجنيد، ونشر عقائدها وتحالفاتها في الأوساط القبلية، وإقناع بعض الأسر الهاشمية بالالتحاق بمسيرتها… والأهم من كل ما سبق أنها تبنت فكرة الثورة وبناء أذرع ناعمة مدنية وإعلامية مساندة لجناحيها العسكري والعقائدي».
وأوضح أن الحوثية، كحركة، ركزت رمزيتها في العائلة الحوثية ، وأن ذلك التركز منح فردا منها قوة الأمر وحق الطاعة من الآخرين، وهي حالة متقنة لتوريث المذهب والقبيلة وطموحات الأسر الهاشمية لصالح العائلة الحوثية ، مشيرا إلى أن هذا التركيز مدخل مهم لبناء سلطة قوية ومؤثرة في مغالبة شيخ القبيلة وفي فرض وجودها كفاعل لا يمكن تجاهله في اليمن.
وأردف : «وهنا لا بد من ملاحظة، فالبنية العقدية الجديدة التي تكتسح أبناء القبائل لا تلغي وعيهم القبلي… لكنها تعيد محورته لصالح منتجي الآيديولوجيا، ومن ثم يتحول المؤدلج الجديد حتى وإن كان شيخا إلى مقاتل في كتائب التنظيم الحوثي. وهذه الحالة لا بد من رفدها بالغنائم لتحويل العقيدة عبر النخبة القبلية إلى مجال قادر على الحركة والفعل بين الناس العاديين. وهذا الأمر يسهل صياغة وعي القبيلة لينتهي بعصبية جديدة تأخذ بعدا دينيا لصالح العائلة الحوثية في مراحلها الأولية، إلا أن انتهازية الوعي القبلي، و«براغماتية» القبائل، والتنافس بين الأسر الهاشمية، وسيطرة فكرة البحث الدائم عن غنائم، ستولد صراعات بعد حين لتنتهي لصالح القوى المدنية ونخبة القبيلة وهاشمية سياسية مدنية أكثر مرونة ومعارضة للآيديولوجيا الحوثية».
ويرى غلاب أن «صراع الحوثية مع الإخوان والسلفية ومع النخب القبلية ورموز الزيدية التقليدي والعائلات الهاشمية الأكثر انفتاحا، كذلك مع القوى المدنية ومع قوى المصالح، سيزداد طالما أن الدولة ضعيفة، وسيقود في البداية إلى فتنة دائمة وبناء نظام عام تحكمه الانتهازية والشعارات الدينية والمدنية الفضفاضة وإدارة النزاعات السياسية والمصالح عبر عنف متحكم فيه، وليس صراع الحوثية وآل الأحمر والإخوان إلا ملمحا لهذا الصراع المتداخل… الذي سيستمر، إن لم يتم تفكيكه، باستراتيجيات أمنية وتنموية وعبر صفقات تساعد على بناء التعايش».
«تسعى الحوثية لإسناد قوتها وشرعيتها – بالتأكيد – على تمثيل الزيدية وبناء مركز ديني مهيمن على المذهب وجغرافيته التاريخية، وفي الوقت نفسه تسويق نفسها باعتبارها حركة قرآنية متجاوزة للمذاهب وقراءة جامعة للمسلمين» ،يقول غلاب، ويؤكد أن «الحوثية تمكنت من خلال عقيدتها المركزية من اختراق الفئات الهاشمية، ليس في الجغرافيا الزيدية فحسب، بل وفي الجغرافيا السنية أيضا من خلال السعي لبناء «عصبية دينية» تحفز الفئة الهاشمية لصالح المشروع الحوثي، والتأثير على الجغرافيا الشافعية بالمال السياسي، وتزيين صورتها كحركة دينية مناهضة للظلم والفساد، والجغرافيا الزيدية».
ويضيف : «وهي رغم مقاومتها لدولة الأئمة، فإنها في البعد الديني لم تعارض أحقيتهم في الحكم ولديها مخزون ديني مكن الحركة الحوثية من الحركة والعمل. كذلك وجدت لها مؤيدين حتى داخل اليسار من ذوي النزعة المتصوفة، وأيضا تمكنت من اختراق المراكز الصوفية الأخرى باعتبارها تؤمن بعقائد مقدسة لآل البيت ودورهم الديني والسياسي. وتبني الحوثية راهنا، بدهاء، شبكة اتصال وتواصل مع المراكز الصوفية، وتمكنت من اختراق محافظة حضرموت، وهي تؤسس لمصالح عبر بعض قيادات تلك المراكز والتابعين لها. وغالبا ما تعمل على بعث وعي عصبوي عاطفي وعقدي يستند على العرقية والعقائد لتعميق الروابط ونموها وتحويلها إلى مجال للنفوذ السياسي».
صالح وإيران وراء نجاح الحوثي
رئيس المنتدى العربي للدراسات الصحفي نبيل البكري يرى أن «الحديث عن نجاح جماعة الحوثي، في تقدمها على الأرض، يرجع إلى قوة هذه الجماعة أو قدرتها على تحقيق اختراق ما للمكونات القبلية والمذهبية، مقولة تحتاج إلى أدلة لإثباتها على أرض الواقع بعيدا عن مجرد الافتراض الذهني».
ويستدرك البيكري قائلا : «صحيح هناك تقدم ملحوظ للجماعة على الأرض، ولكنه لم يتحقق بفعل قوتها بل لأسباب عدة موضوعية وراء ذلك، لا يمكن إغفالها في تقييم وضع هذه الجماعة المسلحة. الجماعة، التي حققت أخيرا حضورا لافتا بفعل ما يفترض أنه توسع عسكري، تسعى لتحقيق هدفها العقائدي الكبير متمثلا بعودة نظام الإمامة الثيوقراطي من جديد بعد خلاص اليمنيين منه في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962م».
في المقابل، يؤكد البكري أنه لا يمكن إغفال أو فصل ما تقوم به جماعة الحوثي من تقدم على الأرض، بعدما حسمت بالكامل مسألة سيطرتها على محافظة صعدة، بفعل الانسحاب المفاجئ لسلفيي كتاف ودماج في بداية هذا العام، عن جملة تفاعلات المشهد السياسي اليمني برمته، بعد تنازل الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الرئاسة يوم 3-6-2012م، وعما شهدته بعد ذلك خريطة التحالفات السياسية من تحولات دراماتيكية واضحة.
ويضيف : «لا يخفى على المراقب العادي جملة الأسباب التي جعلت جماعة الحوثي تظهر بهذا الشكل المبالغ فيه إعلاميا إلى حد ما. وفي مقدمة تلك الأسباب يأتي التحالف غير المعلن بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي، الذي بموجبه تم تمكين هذه الجماعة من كل إمكانيات ليس فقط حزب المؤتمر الشعبي، الذي ما زال صالح يتربع على رئاسته، بل تمكينها من كل الإمكانيات العسكرية التي سبقت مصادرتها من مؤسسات الجيش ووحداته الخاصة، من قبل أفراد أسرة الرئيس صالح، الذين كانوا ممسكين بأهم تلك الوحدات، حتى وقت قريب».
ويردف : «ومن الأسباب أيضا، يأتي الدعم الإيراني الكبير ماليا ولوجيستيا وإعلاميا لهذه الجماعة، التي يجري تدريب أفرادها على أيدي «الحرس الثوري الإيراني» في لبنان وبعض المعسكرات على الأراضي الإريترية، كاستراتيجية إيرانية بعيدة المدى تجاه اليمن، باعتباره عمقا استراتيجيا لدول الخليج وحزامها الأمني الجنوبي وخاصة للمملكة العربية السعودية».
وفيما يتعلق بتحالف صالح والحوثي، رأى البيكري أنه «وفر للحوثيين الكثير من الجهد والوقت، ذلك أن معظم المشايخ القبليين الذين تواطأوا مع جماعة الحوثي في قبيلة حاشد، هم أصلا حلفاء للرئيس صالح، الذي قدم بدوره أموالا طائلة لبعض هؤلاء المشايخ، مقابل سماحهم بدخول ميليشيا الحوثي إلى حاشد لضرب خصومه الألداء بيت الأحمر. ومن ثم، فإن الحديث عن قدرة الحوثي على اختراق القبائل في ضوء كل ما قلناه، يسقط تماما أمام مثل هذه الحقائق. وهذا بالإضافة إلى أن معظم المواجهات التي هزمت فيها جماعة الحوثي كانت كلها أمام رجال القبائل كما حصل في أرحب والجوف والرضمة. وبالتالي فـ«الاختراقات» التي يجري الحديث عنها ليست للقبائل بقدر ما هي عمليات تهدف لإعادة التحالفات بين رموز النظام السابق – من جناح الرئيس صالح – وجماعة الحوثي… نكاية بالقوى الثورية التي ينظر لها صالح وأفراد نظامه أنها كانت سبب إزاحته عن السلطة، فيحاول الانتقام منها بجماعة الحوثي، التي غدت المستفيد الوحيد من هذه الخصومة للقضاء على الجميع. إلا أن الجزء الأهم والأخطر، بحسب
بعض المراقبين، هو أن الدعم الإقليمي، الذي ما زال يقدم للرئيس صالح، يذهب جله لجماعة الحوثي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما ظهر في مواجهات الجماعة الأخيرة مع وحدات الجيش في محافظة عمران».
الفيدرالية والحوثيين
وفيما يتعلق بموضوع الفيدرالية، يقول الباحث اليمني إن «مسألة الفيدرالية أو الأقاليم تمثل واحدة من القضايا الإشكالية، التي حسمت معظم تفاصيلها… فيما ينقسم الفاعلون السياسيون حول بعضها الآخر. وفي مقدمة هؤلاء الفاعلين تأتي جماعة الحوثي بموقفها المريب من مسألة «الأقاليم» بين القبول المشروط أدبيا، والرفض التام واقعيا وعمليا».
إن مقترح التقسيم الأولي لليمن، بحسب مخرجات «الحوار الوطني»، إلى ستة أقاليم… وضع جماعة الحوثي في موقف صعب، بالنظر إلى موقفها الرافض للفكرة من أساسها ، بحسب البكيري ، ويشير ،في ذات الوقت، إلى أن الجماعة طرحت شروطا للقبول بهذا التقسيم من قبل، في مقدمها تمكينها من محافظة الجوف التي تشير بعض التقارير إلى وجود كميات نفطية واعدة فيها، فضلا عن مطالبتها بمحافظة حجة التي تطل على البحر الأحمر من خلال ميناء ميدي، الذي تريده جماعة الحوثي منفذا بحريا لها يربطها بالعالم.
كثيرون من المراقبين يرون أن التوسع الحوثي المسلح – بعد هزيمة الحوثيين في الجوف – فيما بات يسمى بـ«إقليم أزال» الذي يضم محافظات صنعاء وذمار وعمران وصعدة، حيث التركز الزيدي، يأتي من قبيل استعادة ما تعتبره الجماعة «حقا تاريخيا». وهي تريد قاعدة انطلاق لتمددها وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من الإقليم… إلى عموم اليمن. فحسب أدبيات هذه الجماعة وممارساتها على الأرض، نرى أنها تنطلق من منحى عقائدي تاريخي صرف… لا يؤمن مطلقا بكل مفردات الحداثة السياسية والمعاهدات والمواثيق الدولية.
المصدر | الخبر