الكاتب : د. عبدالعزيز المقالح
كثيرة هي المخاوف التي تعتصر كثيراً من القلوب الوطنية المخلصة إزاء ما يدور من أحاديث وما يظهر من مواقف تهدد كيان الوطن بالتفسخ والاضمحلال ، وهي مخاوف تبدو أحياناً مبالغاً فيها وأحياناً وكأنها تعكس شعوراً صادقاً لما يحدث في الواقع ويدور في بعض مناطق من الوطن. لكن ما يبعث على الاطمئنان أن الشعب في هذا البلد كان وما يزال يؤمن إيماناً راسخاً بأن نسيجه الوطني الموحد الذي يعود إلى آلاف السنين لن يكون عرضة للتمزيق في يوم من الأيام، وأنه –أي هذا الشعب- رغم كل ما عرفه من اختلافات مذهبية وسياسية ظل واحداً متماسكاً يشد بعضه بعضاً، وفي الأزمات القاسية على وجه الخصوص حيث ترتقي المشاعر الوطنية إلى أعلى مستوياتها، ويبدو الوطن وقد صار أبناؤه عائلة واحدة يتجسد بين أبنائها أرفع مستويات التماسك والإيثار.
ومن خلال قراءة تاريخ هذا البلد قراءة وطنية مبرأة عن الهوى والتخرصات نستطيع أن نقول إن إيمان الشعب بوحدة توجهاته وتماسك كيانه الوطني لا يقوم على ما يسمى بالتفاؤل الساذج بل على الحقائق التي تأخذ مقوماتها من التاريخ والواقع، ولم يمر عصر بهذا الوطن لم يكن عرضة فيه للابتلاء بنماذج من البشر الذين يسيئون إليه ويسعون إلى تفتيته ولكن تظل تلك الأفعال عالقة بالشكل لا بالجوهر وصادرة ممن لا يتورعون عن تهديد هذا البناء المتماسك ولا يترددون عن الاستعانة بالشيطان لتحقيق ما يدور في أخيلتهم الحمقاء من تصورات. وقد أثبت التاريخ حتى الآن. وأعتقد أنه ما زال قادراً على أن يثبت أن أفعال هذا الصنف من الناس تظل على السطح وحين تحفر لتحقيق أهدافها فإنها تحفر في القشرة وما تكاد تقترب من العمق حتى تفاجأ بما يخيب ظنونها ويجعل جهودها تذهب أدراج الرياح.
ولنا أن نتذكر الدور الخطير الذي لعبه الاحتلال الأجنبي، تساعده في مشروعه التمزيقي قوى أجنبية أخرى، وكيف كان الفشل حليف الجميع، وأثبت الشعب، وهو المعني الأول بوجوده الواحد، أن نسيجه التاريخي على قدر كبير وعظيم من المقاومة والتحدي والرسوخ الأبدي. ولنا أن ندرك أيضاً أن وحدة الشعوب وتماسكها في وجه رياح التفتيت -أياً كان نوعها- ليس عملاً بطولياً ووطنياً فحسب، بل هو واجب تقتضيه المواطنة والألفة التاريخية والإحساس بالارتقاء الروحي والوجداني، وإذا افتقدت الشعوب هذا الشعور افتقدت معه شرطاً أساسياً من شروط وجودها، وصارت كالريشة في مهب الرياح، ويحدثنا التاريخ القديم والحديث عن نماذج لشعوب من هذا النوع نجح الأعداء في تفتيتها وكانت النتيجة الإبادة والخروج من التاريخ.
ومن حسن حظ الشعوب في الزمن الراهن أن الفكر السياسي المستنير قد أعطى كل مكون فكري أو سياسي الحق في التعبير عن نفسه في كيان حزبي يستطيع من خلاله إثبات وجوده وطرح وجهات نظره في إطار من القانون والاحترام المتبادل بين كافة المكونات لتفويت الفرصة على كل من يحاول اللعب على الحبال وركوب موجة الفوضى للوصول إلى مكاسب غير شرعية وبالطرق الملتوية التي كانت السبب وراء تعويق شعوب العالم الثالث عن الاتجاه إلى البناء وإيجاد الاستقرار ودخول العصر الحديث من أوسع الأبواب. وما لم يبدأ هذا التحول في حياتنا وأن نتجنب المهاترات والانسياق وراء ردود الأفعال فإن شيئاً مما كنا ولا نزال نحلم به لن يتحقق ليس في جيلنا فحسب، وإنما في الأجيال القادمة أيضاً لأن مهمتنا الأساسية أن نمهِّد لها الطريق ونضع المنهج الصحيح الذي نحلم أن تسير عليه.
وأعود هنا لكي أكرر ما بدأت به السطور الأولى من هذا الحديث بأن الشعب وهو هنا الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين يسيء بعض المثقفين بهم الظن ويرون فيهم كمّاً مهملاً أو أرقاماً غير صحيحة في المعادلة السياسية، أقول إن هذا الشعب أو هذه الأغلبية شديدة الإيمان بوحدتها الوطنية، وأن العيب ليس فيها وإنما هو في النخبة الفكرية والسياسية التي عجزت عن تنظيم نفسها وتجاوز خلافاتها وتركت الباب مفتوحاً لدعاة التخلف بكل توجهاتهم الطائفية والقروية وما ينتج عن هذه أو تلك من أفعال فوضوية وتخريبية وتهديد مستمر للاستقرار والأمن والاقتصاد، وما يترتب على ذلك كله من معاناة جميع المواطنين دون استثناء.
الشاعر أحمد علي باعبيد في ديواني ’’زهور الذكريات’’ و’’بوح الشاطئ’’:
أخيراً وبعد مناشدات متكررة من أصدقائه استجاب الشاعر المبدع أحمد علي باعبيد إلى جمع جانب من قصائده في ديوانين بديعين هما: ’’زهور الذكريات’’ و’’بوح الشاطئ’’ وكان الشاعر الصديق أحمد علي باعبيد من أبرز الأصوات الشعرية الشابة في السبعينيات والثمانينيات وقد تميّز بالزهد وعدم الظهور مكتفياً بمشاغله الاقتصادية التي لم تمنعه من أن يسجل حضوراً بارزاً في عالم الشعر والأدب.
تأملات شعرية:
كثارٌ هم العابثون بهذا البلدْ
كثارٌ هم الحاقدون على أمسهِ
وعلى يومهِ
وعلى ما مضى واستّجَدْ
كيف نقنعهم بالتي هي أحسن
أن البلاد لأبنائها
-كل أبنائها-
وهي ليست لطائفةٍ أو لحزبٍ
يصادرها للأبدْ .
موقع*الصحوة نت*
كثيرة هي المخاوف التي تعتصر كثيراً من القلوب الوطنية المخلصة إزاء ما يدور من أحاديث وما يظهر من مواقف تهدد كيان الوطن بالتفسخ والاضمحلال ، وهي مخاوف تبدو أحياناً مبالغاً فيها وأحياناً وكأنها تعكس شعوراً صادقاً لما يحدث في الواقع ويدور في بعض مناطق من الوطن. لكن ما يبعث على الاطمئنان أن الشعب في هذا البلد كان وما يزال يؤمن إيماناً راسخاً بأن نسيجه الوطني الموحد الذي يعود إلى آلاف السنين لن يكون عرضة للتمزيق في يوم من الأيام، وأنه –أي هذا الشعب- رغم كل ما عرفه من اختلافات مذهبية وسياسية ظل واحداً متماسكاً يشد بعضه بعضاً، وفي الأزمات القاسية على وجه الخصوص حيث ترتقي المشاعر الوطنية إلى أعلى مستوياتها، ويبدو الوطن وقد صار أبناؤه عائلة واحدة يتجسد بين أبنائها أرفع مستويات التماسك والإيثار.
ومن خلال قراءة تاريخ هذا البلد قراءة وطنية مبرأة عن الهوى والتخرصات نستطيع أن نقول إن إيمان الشعب بوحدة توجهاته وتماسك كيانه الوطني لا يقوم على ما يسمى بالتفاؤل الساذج بل على الحقائق التي تأخذ مقوماتها من التاريخ والواقع، ولم يمر عصر بهذا الوطن لم يكن عرضة فيه للابتلاء بنماذج من البشر الذين يسيئون إليه ويسعون إلى تفتيته ولكن تظل تلك الأفعال عالقة بالشكل لا بالجوهر وصادرة ممن لا يتورعون عن تهديد هذا البناء المتماسك ولا يترددون عن الاستعانة بالشيطان لتحقيق ما يدور في أخيلتهم الحمقاء من تصورات. وقد أثبت التاريخ حتى الآن. وأعتقد أنه ما زال قادراً على أن يثبت أن أفعال هذا الصنف من الناس تظل على السطح وحين تحفر لتحقيق أهدافها فإنها تحفر في القشرة وما تكاد تقترب من العمق حتى تفاجأ بما يخيب ظنونها ويجعل جهودها تذهب أدراج الرياح.
ولنا أن نتذكر الدور الخطير الذي لعبه الاحتلال الأجنبي، تساعده في مشروعه التمزيقي قوى أجنبية أخرى، وكيف كان الفشل حليف الجميع، وأثبت الشعب، وهو المعني الأول بوجوده الواحد، أن نسيجه التاريخي على قدر كبير وعظيم من المقاومة والتحدي والرسوخ الأبدي. ولنا أن ندرك أيضاً أن وحدة الشعوب وتماسكها في وجه رياح التفتيت -أياً كان نوعها- ليس عملاً بطولياً ووطنياً فحسب، بل هو واجب تقتضيه المواطنة والألفة التاريخية والإحساس بالارتقاء الروحي والوجداني، وإذا افتقدت الشعوب هذا الشعور افتقدت معه شرطاً أساسياً من شروط وجودها، وصارت كالريشة في مهب الرياح، ويحدثنا التاريخ القديم والحديث عن نماذج لشعوب من هذا النوع نجح الأعداء في تفتيتها وكانت النتيجة الإبادة والخروج من التاريخ.
ومن حسن حظ الشعوب في الزمن الراهن أن الفكر السياسي المستنير قد أعطى كل مكون فكري أو سياسي الحق في التعبير عن نفسه في كيان حزبي يستطيع من خلاله إثبات وجوده وطرح وجهات نظره في إطار من القانون والاحترام المتبادل بين كافة المكونات لتفويت الفرصة على كل من يحاول اللعب على الحبال وركوب موجة الفوضى للوصول إلى مكاسب غير شرعية وبالطرق الملتوية التي كانت السبب وراء تعويق شعوب العالم الثالث عن الاتجاه إلى البناء وإيجاد الاستقرار ودخول العصر الحديث من أوسع الأبواب. وما لم يبدأ هذا التحول في حياتنا وأن نتجنب المهاترات والانسياق وراء ردود الأفعال فإن شيئاً مما كنا ولا نزال نحلم به لن يتحقق ليس في جيلنا فحسب، وإنما في الأجيال القادمة أيضاً لأن مهمتنا الأساسية أن نمهِّد لها الطريق ونضع المنهج الصحيح الذي نحلم أن تسير عليه.
وأعود هنا لكي أكرر ما بدأت به السطور الأولى من هذا الحديث بأن الشعب وهو هنا الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين يسيء بعض المثقفين بهم الظن ويرون فيهم كمّاً مهملاً أو أرقاماً غير صحيحة في المعادلة السياسية، أقول إن هذا الشعب أو هذه الأغلبية شديدة الإيمان بوحدتها الوطنية، وأن العيب ليس فيها وإنما هو في النخبة الفكرية والسياسية التي عجزت عن تنظيم نفسها وتجاوز خلافاتها وتركت الباب مفتوحاً لدعاة التخلف بكل توجهاتهم الطائفية والقروية وما ينتج عن هذه أو تلك من أفعال فوضوية وتخريبية وتهديد مستمر للاستقرار والأمن والاقتصاد، وما يترتب على ذلك كله من معاناة جميع المواطنين دون استثناء.
الشاعر أحمد علي باعبيد في ديواني ’’زهور الذكريات’’ و’’بوح الشاطئ’’:
أخيراً وبعد مناشدات متكررة من أصدقائه استجاب الشاعر المبدع أحمد علي باعبيد إلى جمع جانب من قصائده في ديوانين بديعين هما: ’’زهور الذكريات’’ و’’بوح الشاطئ’’ وكان الشاعر الصديق أحمد علي باعبيد من أبرز الأصوات الشعرية الشابة في السبعينيات والثمانينيات وقد تميّز بالزهد وعدم الظهور مكتفياً بمشاغله الاقتصادية التي لم تمنعه من أن يسجل حضوراً بارزاً في عالم الشعر والأدب.
تأملات شعرية:
كثارٌ هم العابثون بهذا البلدْ
كثارٌ هم الحاقدون على أمسهِ
وعلى يومهِ
وعلى ما مضى واستّجَدْ
كيف نقنعهم بالتي هي أحسن
أن البلاد لأبنائها
-كل أبنائها-
وهي ليست لطائفةٍ أو لحزبٍ
يصادرها للأبدْ .
موقع*الصحوة نت*