د. سعيد الحاج
لا أتكلم هنا عن معركة بين المرشحّيْن الحاليَيْن لانتخابات الرئاسة المصرية، فلا معركة هناك ولا قتال، وإنما هي مسرحية يعرف المشاهدون خاتمتها قبل فريق التمثيل، لكنني أتكلم عن بعض النشطاء الذين أعلنوها حرباً على من اعتبر المشاركة في الانتخابات دعماً ضمنياً للانقلاب وطعنة في خاصرة الثورة.
وبعيداً عن الخوض في النوايا، وتجاوزاً لفكرة أنهم يدعون لدعم صباحي في مواجهة قائد الانقلاب، بمعنى أن منطلقاتهم طيبة ومناقضة للانقلاب، إلا أن ما يسوقه بعض أصدقائنا من الناشطين مقاربات لا تخلو من خطأ في الفهم أو التطبيق، وتؤدي في النهاية إلى عكس ما يراد من أهداف، فنكون قد أسأنا من حيث أردنا الإحسان، وأعمينا العين خلال محاولة تكحيلها.
الخطأ الأول في هذا التفكير يكمن في عدم إدراك منظومة الانقلاب، وافتراض أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة تماماً، وليس هذا من شيم الانقلابات العسكرية. ولذلك سيكون دعم المرشح الآخر نوعاً من الضرب بالغيب، والمراهنة على جواد متعثر غير مضمون الفوز.
ثانياً، يبدو أن بعض الناشطين يرون أن الانقلاب سيفشل في حال عدم فوز قائده السيسي في الانتخابات المقبلة، وهذا خطأ مركب، إذ هو يغفل ’’منظومة’’ الانقلاب المتشكلة من تلاقي مجموعات المصالح العسكرية والأمنية والاقتصادية ورجال النظام القديم التي لن تتوقف عند اسم شخص بعينه، ويراهن من ناحية أخرى على حمدين صباحي كمرشح مستقل ’’مناهض للانقلاب’’، بينما هو أضعف بكثير من أن يخرج عن منظومته (كان على رأس القوى السياسية التي مهدت له)، فضلاً عن أن يواجهه.
ثالثاً، يرى هؤلاء أن دعم صباحي (بغض النظر عن توصيفه) سيجبر الانقلاب على التزوير الفج بما يؤدي إلى إحراجه وفضحه. وينسى أصدقاؤنا أو يتناسون أن الآلة الإعلامية والميدانية التي تعمل للسيسي قد لا تحتاج إلى تزوير فج، بل إلى تزوير من أي مستوى، حتى يخرج مرشحها فائزاً. كما تجدر الإشارة إلى أن النظام الانقلابي لا يبدو قابلاً للإحراج، ولا يأبه بالفضائح ولا المجازر ولا التزوير.
رابعاً، يقارن البعض بين دخول المعارضة الانتخابات أيام مبارك وبين خوض الانتخابات الحالية، مغفلين فارقين رئيسين: الأول أن تلك الانتخابات كانت تحت سقف نظام يملك شرعية وإن كانت مزيفة بينما الانقلاب نظام غير شرعي يسعى لتثبيت أركانه، والثاني أن الانتخابات النيابية فيها بعض الفائدة (رغم التزوير) باعتبار أنها ستؤدي إلى مشاركة جزئية في البرلمان، بما يشمل فضح النظام تحت قبته، وكسب الخبرات السياسية، وعدم ترك الساحة فارغة تماماً، بينما الانتخابات التي نحن بصددها رئاسية وليس فيها من هذه الفوائد ما يرجى.
خامساً، ويسوقون في هذا الإطار مثال القوى السياسية التركية خلال الانقلابات، وكفاحها ضد الانقلاب سياسياً من خلال الانتخابات، وكيف وصلت إلى أهدافها بلا لجوء إلى الشارع وبلا دماء، وهذا قياس خاطئ وتلك مقارنة باطلة، لأن الانقلابات في تركيا كانت تتم بسيف القانون حيث كانت مهمة الجيش فيه ’’حماية مبادئ الجمهورية’’ من علمانية وكمالية وغيرها، ولأن الانقلابات التركية لم تكن تزور الانتخابات أبداً، لأن لا رغبة لها في الحكم المباشر، بينما تبدو المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية المصرية دافعة لها للكرسي حفاظاً على تلك المصالح، ووسيلتها الأولى – بعد الانقلاب والقتل والسجن – تزوير الإرادة الشعبية.
سادساً، وهو الأهم، أن أي مشاركة في هذه الانتخابات، بدعم صباحي أو بوضع أوراق بيضاء أو غيرها من الوسائل، هي اعتراف ضمني بنظام الانقلاب وإعطاؤه صبغة الشرعية، وهذا هو الهدف الأكبر حالياً للسيسي ورفاقه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات وأرقامها وحساباتها. إذ أن أي مشاركة ستكون تحت سقف الانقلاب لا فوقه، ووفق قواعده لا قواعد إسقاطه، وهذا بحد ذاته مكسب كبير للانقلابيين، بعيداً عن فرص وإمكانات الفوز في هذه المعركة.
إن الانقلابات العسكرية تفشل وتسقط إمام بقوة عسكرية مواجهة لها (وهذا لم يحدث في مصر) أو باستمرار الرفض الشعبي الذي يمنع تثبيت أركان الانقلاب، بما يمنع (لاحقاً وليس سابقاً) عنه الاعتراف الدولي الصريح به، وصولاً إلى إفشاله من خلال العصيان المدني أو غيره من الوسائل. أما الاشتباك معه وفق قواعده هو فلا يعني سوى أننا شاركنا في المسرحية غير الهزلية التي يتم الإعداد لها، لإطلاق رصاصة الرحمة على الثورة المعتمدة على مقاربة عدم شرعية النظام القائم حتى الآن بمنطق القوة.
إنها منافسة (إن جاز تسميتها بذلك) بين السفاح وكومبارس يعطي لسيفه مشروعية من خلال هذه المشاركة، وغاية أمنيته ومنتهى أحلامه أن يصبح يوماً ما مكان الطرطور الحالي، بصمته وسلبيته ومحدودية صلاحياته وتأثيره، فاعتبروا يا أولي الثورات، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
المصدر: رصد
لا أتكلم هنا عن معركة بين المرشحّيْن الحاليَيْن لانتخابات الرئاسة المصرية، فلا معركة هناك ولا قتال، وإنما هي مسرحية يعرف المشاهدون خاتمتها قبل فريق التمثيل، لكنني أتكلم عن بعض النشطاء الذين أعلنوها حرباً على من اعتبر المشاركة في الانتخابات دعماً ضمنياً للانقلاب وطعنة في خاصرة الثورة.
وبعيداً عن الخوض في النوايا، وتجاوزاً لفكرة أنهم يدعون لدعم صباحي في مواجهة قائد الانقلاب، بمعنى أن منطلقاتهم طيبة ومناقضة للانقلاب، إلا أن ما يسوقه بعض أصدقائنا من الناشطين مقاربات لا تخلو من خطأ في الفهم أو التطبيق، وتؤدي في النهاية إلى عكس ما يراد من أهداف، فنكون قد أسأنا من حيث أردنا الإحسان، وأعمينا العين خلال محاولة تكحيلها.
الخطأ الأول في هذا التفكير يكمن في عدم إدراك منظومة الانقلاب، وافتراض أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة تماماً، وليس هذا من شيم الانقلابات العسكرية. ولذلك سيكون دعم المرشح الآخر نوعاً من الضرب بالغيب، والمراهنة على جواد متعثر غير مضمون الفوز.
ثانياً، يبدو أن بعض الناشطين يرون أن الانقلاب سيفشل في حال عدم فوز قائده السيسي في الانتخابات المقبلة، وهذا خطأ مركب، إذ هو يغفل ’’منظومة’’ الانقلاب المتشكلة من تلاقي مجموعات المصالح العسكرية والأمنية والاقتصادية ورجال النظام القديم التي لن تتوقف عند اسم شخص بعينه، ويراهن من ناحية أخرى على حمدين صباحي كمرشح مستقل ’’مناهض للانقلاب’’، بينما هو أضعف بكثير من أن يخرج عن منظومته (كان على رأس القوى السياسية التي مهدت له)، فضلاً عن أن يواجهه.
ثالثاً، يرى هؤلاء أن دعم صباحي (بغض النظر عن توصيفه) سيجبر الانقلاب على التزوير الفج بما يؤدي إلى إحراجه وفضحه. وينسى أصدقاؤنا أو يتناسون أن الآلة الإعلامية والميدانية التي تعمل للسيسي قد لا تحتاج إلى تزوير فج، بل إلى تزوير من أي مستوى، حتى يخرج مرشحها فائزاً. كما تجدر الإشارة إلى أن النظام الانقلابي لا يبدو قابلاً للإحراج، ولا يأبه بالفضائح ولا المجازر ولا التزوير.
رابعاً، يقارن البعض بين دخول المعارضة الانتخابات أيام مبارك وبين خوض الانتخابات الحالية، مغفلين فارقين رئيسين: الأول أن تلك الانتخابات كانت تحت سقف نظام يملك شرعية وإن كانت مزيفة بينما الانقلاب نظام غير شرعي يسعى لتثبيت أركانه، والثاني أن الانتخابات النيابية فيها بعض الفائدة (رغم التزوير) باعتبار أنها ستؤدي إلى مشاركة جزئية في البرلمان، بما يشمل فضح النظام تحت قبته، وكسب الخبرات السياسية، وعدم ترك الساحة فارغة تماماً، بينما الانتخابات التي نحن بصددها رئاسية وليس فيها من هذه الفوائد ما يرجى.
خامساً، ويسوقون في هذا الإطار مثال القوى السياسية التركية خلال الانقلابات، وكفاحها ضد الانقلاب سياسياً من خلال الانتخابات، وكيف وصلت إلى أهدافها بلا لجوء إلى الشارع وبلا دماء، وهذا قياس خاطئ وتلك مقارنة باطلة، لأن الانقلابات في تركيا كانت تتم بسيف القانون حيث كانت مهمة الجيش فيه ’’حماية مبادئ الجمهورية’’ من علمانية وكمالية وغيرها، ولأن الانقلابات التركية لم تكن تزور الانتخابات أبداً، لأن لا رغبة لها في الحكم المباشر، بينما تبدو المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية المصرية دافعة لها للكرسي حفاظاً على تلك المصالح، ووسيلتها الأولى – بعد الانقلاب والقتل والسجن – تزوير الإرادة الشعبية.
سادساً، وهو الأهم، أن أي مشاركة في هذه الانتخابات، بدعم صباحي أو بوضع أوراق بيضاء أو غيرها من الوسائل، هي اعتراف ضمني بنظام الانقلاب وإعطاؤه صبغة الشرعية، وهذا هو الهدف الأكبر حالياً للسيسي ورفاقه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات وأرقامها وحساباتها. إذ أن أي مشاركة ستكون تحت سقف الانقلاب لا فوقه، ووفق قواعده لا قواعد إسقاطه، وهذا بحد ذاته مكسب كبير للانقلابيين، بعيداً عن فرص وإمكانات الفوز في هذه المعركة.
إن الانقلابات العسكرية تفشل وتسقط إمام بقوة عسكرية مواجهة لها (وهذا لم يحدث في مصر) أو باستمرار الرفض الشعبي الذي يمنع تثبيت أركان الانقلاب، بما يمنع (لاحقاً وليس سابقاً) عنه الاعتراف الدولي الصريح به، وصولاً إلى إفشاله من خلال العصيان المدني أو غيره من الوسائل. أما الاشتباك معه وفق قواعده هو فلا يعني سوى أننا شاركنا في المسرحية غير الهزلية التي يتم الإعداد لها، لإطلاق رصاصة الرحمة على الثورة المعتمدة على مقاربة عدم شرعية النظام القائم حتى الآن بمنطق القوة.
إنها منافسة (إن جاز تسميتها بذلك) بين السفاح وكومبارس يعطي لسيفه مشروعية من خلال هذه المشاركة، وغاية أمنيته ومنتهى أحلامه أن يصبح يوماً ما مكان الطرطور الحالي، بصمته وسلبيته ومحدودية صلاحياته وتأثيره، فاعتبروا يا أولي الثورات، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
المصدر: رصد