مراد اسماعيل
22 يناير 2014 09:14:05 صباحًا
يتمتع الرئيس عبدربه منصور هادي بهدوء غير طبيعي، يبعث على الارتياح حيناً وعلى القلق أحياناً، ويدعو للخوف بعض حين!، أما سبب الارتياح فلأن الهدوء من سمات الإنسان العملي غير الدعائي المهتم بتزويق الأقوال على حساب الأفعال، وأما مبعث القلق فلأن الهدوء يتماهى مع الغموض، ونحن في توقيت يستثير الوضوح وربما الصراخ، أما مشاعر الخوف فلأن الهدوء أحياناً يسبق العاصفة!.
لا يهمنا الجانب الشخصي من سيرة الرئيس ومسيرته، إلا بمقدار ارتباطه بالسياسة في واقعنا ومأمول مستقبلنا، حتى لا يخلط البعض في قراءة هذا السطور وتفسيرها، وفق ما جرت عليه عادة العرب في الكتابة والقراءة عن شخص بحجم رئيس الجمهورية.
يمتلك الرئيس هادي تصوراً وجيهاً وعميقاً لمعاناة اليمن، كثيراً ما أشار إليه في خطاباته وتصريحاته ومقابلاته ولقاءاته، ومضمونه أن معاناة اليمن تمتد لأكثر من خمسين عاماً بحثاً عن حياة أفضل تتضاءل فيها مساحات الصراع والاحتراب، وهو تصور يستوعب ما حدث خلال نصف قرن في اليمن شمالاً وجنوباً، فالسلام المفقود لم يصل بالشعب اليمني إلى حيث يأمل ويريد، بالكاد خرج من حكم الأئمة والاستعمار إلى الاضطرابات الجمهورية والصراعات الأيديولوجية والقبلية والارتباط القسري سلباً بحسابات السياسة الدولية، جعلتْ من اليمن طائراً يقف على قرن ثور إسباني، بتاريخ سياسي مدبوغ بأعقاب البنادق، وموضوع الخروج من هذا كله بحاجة إلى مرحلة ’’هبوط اضطراري’’ بكل ما فيها من غُصص وتفاصيل مزعجة، وهذا أحد أهم عيوب هذا التصور لأنه سيعني المزيد من الوقت في انتظار الأيام السعيدة المكتوبة في وصايا الأجداد للأحفاد!.
نتفق مع الرئيس هادي في تصوره، لكننا نأمل أن يتم حل المشكلات المتراكمة وفقاً للأولويات الممكن إصلاحها، أو بين قوسين ’’إنقاذ ما يمكن إنقاذه’’ الآن وليس غداً، لأن الانتظار وفقاً للخصوصية اليمنية هو جزء من المشكلة، عاشت اليمن في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح أطول محطة انتظار في تاريخها السياسي، وكانت محطة لتكرير المشكلات وتعليب المساوئ، ولم يكن في الخطاب الرسمي يومها ما يراعي هذه الحقيقة فضلاً عن أن يعمل لها حساباً، ولذلك كانت النهاية مدهشة في الاهتزاز وكأن القيامة قد قامت!.
بخبرته السياسية - والعسكرية قبل ذلك - يحاول الرئيس هادي تقدير زوايا الحلول، كما يفعل لاعب ’’الكيرم’’ في حساب زوايا الارتداد لتسجيل نقاط الفوز، ويمكننا أن نضرب لذلك مثلاً قريب العهد، وهو ما حدث في منطقة دماج بمحافظة صعدة من مواجهات دامية بين الحوثيين والسلفيين، حاولتْ أثناءها جهود الوساطات واللجان الرئاسية إيقاف عجلة الموت التي تحصد أرواح اليمنيين لأسباب تافهة وربما بلا أسباب!، كان التقدير الرئاسي مسكوناً بواقع ضعف نفوذ الدولة في صعدة لصالح مليشيا الحوثي، وهو ما يعني أن تفتح مشكلة دماج حلاً لذلك في تفكير الرئيس (كرجل دولة) وكان من مظاهر هذا التقدير هو الحضور العسكري في دماج وإن على حساب تهجير السلفيين، وقد فُهم هذا من الصمت الرسمي إزاء ما حدث، كما فُهم من الأنباء والتصريحات الرسمية التي تحدثتْ عن ممانعة الحوثي نشر قوات حكومية في دماج، وتراجعه عن وعد سابق يقضي بذلك، وفي الأخير لم يضمن الرئيس انتشار القوات العسكرية في دماج، ولم يسلم من منزلق غض الطرف عن كارثة التهجير، وهو الآن في زاوية حرجة من التقدير: إما فرض انتشار القوات الحكومية أو إعادة شريط الأحداث إلى المربع الأول من المشكلة!.
لا أزعم بهذا بساطة الأمر وسهولة التقدير في مشكلة متناسلة كالمشكلة الحوثية التي خلّفت قبل ذلك تهجير مواطنين يهود ونزوح آلاف آخرين فضلاً عن الضحايا من القتلى والجرحى، و هو ما يجعل تقدير الحلول والمعالجات ليس سهلاً، لكن أدوات الرئيس السياسية والتخطيطية والتنفيذية تستطيع أن تتجاوز الصعوبة في التقدير والتقرير، مالم فلن يتوقف التدهور عند هذه الحدود الخانقة!.
*المصدر
22 يناير 2014 09:14:05 صباحًا
يتمتع الرئيس عبدربه منصور هادي بهدوء غير طبيعي، يبعث على الارتياح حيناً وعلى القلق أحياناً، ويدعو للخوف بعض حين!، أما سبب الارتياح فلأن الهدوء من سمات الإنسان العملي غير الدعائي المهتم بتزويق الأقوال على حساب الأفعال، وأما مبعث القلق فلأن الهدوء يتماهى مع الغموض، ونحن في توقيت يستثير الوضوح وربما الصراخ، أما مشاعر الخوف فلأن الهدوء أحياناً يسبق العاصفة!.
لا يهمنا الجانب الشخصي من سيرة الرئيس ومسيرته، إلا بمقدار ارتباطه بالسياسة في واقعنا ومأمول مستقبلنا، حتى لا يخلط البعض في قراءة هذا السطور وتفسيرها، وفق ما جرت عليه عادة العرب في الكتابة والقراءة عن شخص بحجم رئيس الجمهورية.
يمتلك الرئيس هادي تصوراً وجيهاً وعميقاً لمعاناة اليمن، كثيراً ما أشار إليه في خطاباته وتصريحاته ومقابلاته ولقاءاته، ومضمونه أن معاناة اليمن تمتد لأكثر من خمسين عاماً بحثاً عن حياة أفضل تتضاءل فيها مساحات الصراع والاحتراب، وهو تصور يستوعب ما حدث خلال نصف قرن في اليمن شمالاً وجنوباً، فالسلام المفقود لم يصل بالشعب اليمني إلى حيث يأمل ويريد، بالكاد خرج من حكم الأئمة والاستعمار إلى الاضطرابات الجمهورية والصراعات الأيديولوجية والقبلية والارتباط القسري سلباً بحسابات السياسة الدولية، جعلتْ من اليمن طائراً يقف على قرن ثور إسباني، بتاريخ سياسي مدبوغ بأعقاب البنادق، وموضوع الخروج من هذا كله بحاجة إلى مرحلة ’’هبوط اضطراري’’ بكل ما فيها من غُصص وتفاصيل مزعجة، وهذا أحد أهم عيوب هذا التصور لأنه سيعني المزيد من الوقت في انتظار الأيام السعيدة المكتوبة في وصايا الأجداد للأحفاد!.
نتفق مع الرئيس هادي في تصوره، لكننا نأمل أن يتم حل المشكلات المتراكمة وفقاً للأولويات الممكن إصلاحها، أو بين قوسين ’’إنقاذ ما يمكن إنقاذه’’ الآن وليس غداً، لأن الانتظار وفقاً للخصوصية اليمنية هو جزء من المشكلة، عاشت اليمن في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح أطول محطة انتظار في تاريخها السياسي، وكانت محطة لتكرير المشكلات وتعليب المساوئ، ولم يكن في الخطاب الرسمي يومها ما يراعي هذه الحقيقة فضلاً عن أن يعمل لها حساباً، ولذلك كانت النهاية مدهشة في الاهتزاز وكأن القيامة قد قامت!.
بخبرته السياسية - والعسكرية قبل ذلك - يحاول الرئيس هادي تقدير زوايا الحلول، كما يفعل لاعب ’’الكيرم’’ في حساب زوايا الارتداد لتسجيل نقاط الفوز، ويمكننا أن نضرب لذلك مثلاً قريب العهد، وهو ما حدث في منطقة دماج بمحافظة صعدة من مواجهات دامية بين الحوثيين والسلفيين، حاولتْ أثناءها جهود الوساطات واللجان الرئاسية إيقاف عجلة الموت التي تحصد أرواح اليمنيين لأسباب تافهة وربما بلا أسباب!، كان التقدير الرئاسي مسكوناً بواقع ضعف نفوذ الدولة في صعدة لصالح مليشيا الحوثي، وهو ما يعني أن تفتح مشكلة دماج حلاً لذلك في تفكير الرئيس (كرجل دولة) وكان من مظاهر هذا التقدير هو الحضور العسكري في دماج وإن على حساب تهجير السلفيين، وقد فُهم هذا من الصمت الرسمي إزاء ما حدث، كما فُهم من الأنباء والتصريحات الرسمية التي تحدثتْ عن ممانعة الحوثي نشر قوات حكومية في دماج، وتراجعه عن وعد سابق يقضي بذلك، وفي الأخير لم يضمن الرئيس انتشار القوات العسكرية في دماج، ولم يسلم من منزلق غض الطرف عن كارثة التهجير، وهو الآن في زاوية حرجة من التقدير: إما فرض انتشار القوات الحكومية أو إعادة شريط الأحداث إلى المربع الأول من المشكلة!.
لا أزعم بهذا بساطة الأمر وسهولة التقدير في مشكلة متناسلة كالمشكلة الحوثية التي خلّفت قبل ذلك تهجير مواطنين يهود ونزوح آلاف آخرين فضلاً عن الضحايا من القتلى والجرحى، و هو ما يجعل تقدير الحلول والمعالجات ليس سهلاً، لكن أدوات الرئيس السياسية والتخطيطية والتنفيذية تستطيع أن تتجاوز الصعوبة في التقدير والتقرير، مالم فلن يتوقف التدهور عند هذه الحدود الخانقة!.
*المصدر