بقلم: أمجد أبو العلا
قال تعالى: وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.
الخطاب السياسي كما عرفه د.مازن الوعر “هو تركيب من الجمل موجه عن قصد إلى المتلقي بقصد التأثير فيه وإقناعه بمضمون الخطاب عن طريق الشرح والتحليل والإثارة ويتضمن هذا المضمون أفكارًا سياسيةً، أو يكون موضوع هذا الخطاب سياسيًّا” ويهدف السياسي من خطابة إلى تغيير النفوس والعقول والأفكار والواقع مما يجعله في حالة لها صفات وسمات وهيئة معينة.
رأينا في الآية السابقة والتي جاءت في سورة (ص) أنّ الحكمة وفصل الخطاب هما أحد العوامل الهامّة في بناء وقوة ملك سليمان عليه السلام، ولذلك قد عطفت هاتين الصفتين على صفة شد الملك والذي وصفه الله عزوجل بأنه ملك لا ينبغي لأحد من بعد سليمان، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحكم ومساكم – كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، كما نلحظ ذلك من خلال تعريف الخطاب السابق أن الذي يتحدث بالحديث السياسي لابد له من صفات وانطباعات معينة قد لا تجب في أي حديث آخر ، فالسياسي له أهداف يرجو تحقيقها من خطابه، فهو قد يحرك ساكنا و يسكن متحركا، وقد يقيم الدنيا وقد يقعدها أيضا، وأنظر إن شئت إلى خطاب نجم السياسة العالمي ورئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان حول حادثة أسطول الحرية، وكيف ساهم في الإدانة الدولية والجماعية لإسرائيل، وكيف عزز من موقف غزة المحاصرة، وكيف فضح تواطؤ الحكام، وكيف دفع الشعوب إلى التظاهر والهتاف باسمه حاملين صوره وأعلام تركيا، كما أن هناك ثورات قامت بخطبة، وأخمدت ثورات أخرى بخطبة، فالخطابة هي أحد السمات المميزة للقادة والزعماء فلا يوجد قائد حقق نصرا ملحوظا وهو غير موفق في التعبير عما يريد وتوصيل أهدافه إلى من يريد.
وتنقسم عناصر الخطاب السياسي إلى عنصرين أساسيين وهما:
المتحدث أو المرسل.
والخطاب السياسي.
أولا: المتحدث
وهو الفاعل السياسي الذي يقوم بإلقاء خطبة سياسية أو إجراء حوار سياسي أو إجراء تصريحات سياسية، يقوم فيها بتوصيل رسالة واضحة إلى هدف أو مجموعة أهداف محددة بعينها، وقد يكون الخطاب السياسي معد له من قبل، أو يكون تعقيبا على حادث قد تم لتوه ويحتاجون له تعقيبا، وقد يكون حوار صحفي بين سياسي ومحاور أو عدة محاورين كما هو الحال في المؤتمرات الصحفية.
وهناك بعض النقاط التي يجب على المتحدث مراعاتها قبل الشروع في الخطاب وهى كالآتي:
يقوم المتحدث بتحديد محاور الحديث والرسالة التي يجب أن تصل إلى الآخرين، وقد يتم التشاور حول ذلك للوصول إلى رسالة واضحة ومركزة.
يقوم المتحدث بتصنيف حالته تصنيفا جيدا وبناء الخطاب على أساس تلك الحالة، حيث يختلف الخطاب من فرد داخل السلطة إلى خارج السلطة، ومن فرد يحسب حساب الربح الذاتي إلى حسابات الصالح العام، ومن شخص آمنا على حياته إلى مهدد وغير آمن.
يقوم المتحدث بتحديد الأمور التي يريد الحديث عنها، والأمور التي يريد تجنب الحديث عنها، والأمور التي يمكن الحديث عنها ويمكن إغفالها حيث أنها موضوعات ثانوية.
إ ذا كان الخطاب السياسي عبر حوار فإن معرفة المحاور وشخصيته وطبيعته وثقافته تشكل عاملا مهما في سلامة الحوار أو الخطاب السياسي.
تحديد من يريد المتحدث أن تصل الرسائل إليه شئ مهم جدا حتى يتمكن من توزيع وقته وعدم الانسياب خلف موضوعات فرعية أو إعطاء موضوع أكثر من حجمه ووقته.
تحديد الهيئة التي ينبغي أن يظهر بها المتحدث أثناء الخطاب السياسي ومدى ملائمتها لطبيعة الخطاب.
ثانيا: الخطاب السياسي
هناك صفات للخطاب السياسي يقوم المتحدث بتحديد طبيعتها والتدرب عليها سلفا وهى كالتالي:
- المستوى الصوتي للخطاب: حيث هناك صلة واضحة بين المستوى الصوتي وما يرمز إليه ، فهناك مستوى للتعبير عن حالة الغضب والفرح والانزعاج والقوة والضعف و كذلك مدود الكلمات وقصرها وارتفاع الصوت وخفضه هكذا.
- المستوى الصرفي للخطاب: وهى تعني تناول أبنية الكلمات داخل الخطاب، كأن يطلق سياسي ما مصطلح ما قام بصياغته ونحته على حزب أو جماعة أو فرد كأن تطلق كلمة الحمائم والصقور على بعض السياسيين، وقد يقوم البعض بتحويل المعنى الدلالي لبعض المصطلحات ويستخدمها لصالحه ففي عقد الثمانينيات من القرن العشرين تمت الإشارة إلى السيدة- مارجريت تاتشر” في البداية باسم- المرأة الحديدية”، وكان هذا الوصف يعني عدم المرونة في تعاملها مع الآخرين، وتحولت دلالة المصطلح بعد ذلك إلى معنى إيجابي عندما تم فهمه على أنها تجسد معنى الصلابة والتحمل كما ذكره جورج كلاوس.
- المستوى الدلالي للخطاب: وهو الإهتمام بالأفكار والموضوعات والمفردات والمضامين التي تحقق المعنى والتميز الخطابي للمتحدث، فقد يعتمد أحدهم على الاستعارات أو الألفاظ الفنية أو الحربية كمن يتحدث عن أحد السياسيين بأنه رأس الحربة، وآخر بأنه الدفاع الجوى وهكذا، وقد يتحدث آخر بأسلوب حسابي أو رياضي كالملاكمة أو ديني أو علمي ومن المهم أن يكون للسياسي القائد أسلوب يميزه.
- الاهتمام باللغة: المستخدمة فقد يتحدث أحد السياسيين بلغة الحقوق، وآخر بالقوة ، وآخر بلغة الأمن، وآخر بلغة كبير العائلة أو الأخ الأكبر أو الأصغر، أو المظلوم ومن هنا فإن المتحدث يحدد الصيغة التي يخاطب بها الجماهير والشعوب و لا يترك نفسه للظروف تحركه كيفما تشاء.
- الكلمات المفاتيح: وهي الكلمات التي يتم صياغتها وانتقائها بدقة وتكرارها أثناء الخطاب السياسي، فهي تختمر في ذهن الجماهير وتأخذ بألبابهم وعقولهم وقد تصبح دليلا على صاحبها بعد ذلك، مثل كلمة مارتن لوثر كبنج في إحدى خطبه الشهيرة في يوم 28 أغسطس عام 1963 في واشنطن عندما قال أنا لدى حلم ” I have a dream” فقد ذاعت الكلمة وانتشرت حتى سميت الخطبة باسم هذه الجملة ، وأصبح السود جميعا في الولايات المتحدة يرددون ” أنا لدى حلم “، وكذلك قول الدكتور عبد العزيز الرنتيسى رحمه الله في إحدى خطبه في غزة عندما رفع السلاح قائلا “هذا هو الطريق” فقد انتشرت على لسان المقاومة وأصبح شعارهم هذا هو الطريق ، و كلمات أخرى مثل الحرب على الإرهاب التي ظل يرددها بوش والغرب من ورائه، وكذلك مقولات أردوغان الكثيرة والرائعة مثل قوله ”إن تركيا قوية في عداوتها كما هي قوية في صداقتها”، والقائد المتميز حقا هو الذي ينجح في صياغة كلمات تتردد على لسان الشعوب وفي وسائل الإعلام.
الخطاب السياسي والواقع.
تنبع مصداقية المتحدث من تطابق حديثه مع واقعه، وقد يفقد الخطاب السياسي معناه وهدفه ولا تصل رسالته ويفقد السياسي مصداقيته إذا تحدث السياسي بعيدا عن الواقع وأكبر من قوته، فمثلا عندما تتحدث قوة صغيرة عن ضربها وهزيمتها لقوى كبيرة بالعالم فإن أحدا لا يصدقها، ولكن عندما يتحدث السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في حرب لبنان الأخيرة عن إمكانيته ضرب تل أبيب بالصواريخ فإن إسرائيل والجميع يعلم إمكانية ذلك، وبالتالي فهو لم يقل بزوال إسرائيل ولكن يؤكد على إمكانيته إحداث خسارة كبيرة، و كذلك عندما تؤكد حماس على إمكانية صمودها في وجه العدوان الأخير فهي تكتسب ثقة الشعوب وتصبح لها مصداقية كبيرة عند القوى المختلفة، بخلاف ما إذا تحدثت عن احتلال تل أبيب مثلا في تلك الحرب.
كما أن ما نراه من إعلانات لبعض الأحزاب الصغيرة عن اكتساح الشارع وتغييرها وجه الدولة هو غير مصدق بالمقارنة ما إذا كانت هناك قوى كبيرة تحمل برنامجا وتتحدث فيه عن ذلك.
قوة الخطاب السياسي
تنبع قوة الخطاب السياسي الموجه من عدة نقاط نوجزها فيما يلي:
ثقافة المتحدث والتي تظهر جليا في استشهاداته ومقارناته.
مدى القوة اللغوية للمتحدث وانسجامها مع الحديث فالناظر إلى حديث أردوغان للبرلمان التركي عند حادثة أسطول الحرية يرى بنفسه قوة اللغة التركية التي يتحدث بها حتى عند من لا يفهمها وكيف كان أردوغان يثير الحماسة في النفوس والضمائر ومن هنا حق لها أن تهز العالم وتجعله ينتفض لتلك الحادثة.
الوعي السياسي لدى المتحدث والذي يبرهن على احترام المتحدث لمن يسمعه ويوجه له الخطاب.
قوة شخصية المتحدث والتي تبدو في مدى إقناع المتحدث للجماهير أو المحاور بتلك المسألة التي يتحدث فيها.
الشفافية والواقعية هما أحد العناصر الهامة فعندما يتحدث مسئول سياسي عن شفافية الانتخابات في الوقت الذي يعلم الجميع فيه ويرون فيه رأى العين التزوير الذي حدث في تلك الانتخابات فإن ذلك كفيل بأن يلقى بكلام المسئول عرض الحائط.
الثقة بين المتحدث والجماهير أحد عناصر القبول المتكرر للحديث فإذا حدث و قد أخطأ أو خدع أحد المتحدثين أو كذب في خطابه فإن ذلك دعوة لعدم السماع والتصديق لذلك المسئول مرة أخرى، فبالنسبة لنا شعوب المسلمين قد جربنا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أكثر من مرة وعهدنا منه سقطات كلامية خطيرة فانصرف الكثير عن الإهتمام به وكذلك يحدث الآن مع أوباما حيث علم الجميع أن فعله لا يطابق كلامه وبالتالي فمن الصعب أن تثق فيه الجماهير مرة أخرى إلا بأفعال حقيقية يراها الجميع وتمحو من الذاكرة المواقف السابقة.
*يقظة فكر
قال تعالى: وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.
الخطاب السياسي كما عرفه د.مازن الوعر “هو تركيب من الجمل موجه عن قصد إلى المتلقي بقصد التأثير فيه وإقناعه بمضمون الخطاب عن طريق الشرح والتحليل والإثارة ويتضمن هذا المضمون أفكارًا سياسيةً، أو يكون موضوع هذا الخطاب سياسيًّا” ويهدف السياسي من خطابة إلى تغيير النفوس والعقول والأفكار والواقع مما يجعله في حالة لها صفات وسمات وهيئة معينة.
رأينا في الآية السابقة والتي جاءت في سورة (ص) أنّ الحكمة وفصل الخطاب هما أحد العوامل الهامّة في بناء وقوة ملك سليمان عليه السلام، ولذلك قد عطفت هاتين الصفتين على صفة شد الملك والذي وصفه الله عزوجل بأنه ملك لا ينبغي لأحد من بعد سليمان، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحكم ومساكم – كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، كما نلحظ ذلك من خلال تعريف الخطاب السابق أن الذي يتحدث بالحديث السياسي لابد له من صفات وانطباعات معينة قد لا تجب في أي حديث آخر ، فالسياسي له أهداف يرجو تحقيقها من خطابه، فهو قد يحرك ساكنا و يسكن متحركا، وقد يقيم الدنيا وقد يقعدها أيضا، وأنظر إن شئت إلى خطاب نجم السياسة العالمي ورئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان حول حادثة أسطول الحرية، وكيف ساهم في الإدانة الدولية والجماعية لإسرائيل، وكيف عزز من موقف غزة المحاصرة، وكيف فضح تواطؤ الحكام، وكيف دفع الشعوب إلى التظاهر والهتاف باسمه حاملين صوره وأعلام تركيا، كما أن هناك ثورات قامت بخطبة، وأخمدت ثورات أخرى بخطبة، فالخطابة هي أحد السمات المميزة للقادة والزعماء فلا يوجد قائد حقق نصرا ملحوظا وهو غير موفق في التعبير عما يريد وتوصيل أهدافه إلى من يريد.
وتنقسم عناصر الخطاب السياسي إلى عنصرين أساسيين وهما:
المتحدث أو المرسل.
والخطاب السياسي.
أولا: المتحدث
وهو الفاعل السياسي الذي يقوم بإلقاء خطبة سياسية أو إجراء حوار سياسي أو إجراء تصريحات سياسية، يقوم فيها بتوصيل رسالة واضحة إلى هدف أو مجموعة أهداف محددة بعينها، وقد يكون الخطاب السياسي معد له من قبل، أو يكون تعقيبا على حادث قد تم لتوه ويحتاجون له تعقيبا، وقد يكون حوار صحفي بين سياسي ومحاور أو عدة محاورين كما هو الحال في المؤتمرات الصحفية.
وهناك بعض النقاط التي يجب على المتحدث مراعاتها قبل الشروع في الخطاب وهى كالآتي:
يقوم المتحدث بتحديد محاور الحديث والرسالة التي يجب أن تصل إلى الآخرين، وقد يتم التشاور حول ذلك للوصول إلى رسالة واضحة ومركزة.
يقوم المتحدث بتصنيف حالته تصنيفا جيدا وبناء الخطاب على أساس تلك الحالة، حيث يختلف الخطاب من فرد داخل السلطة إلى خارج السلطة، ومن فرد يحسب حساب الربح الذاتي إلى حسابات الصالح العام، ومن شخص آمنا على حياته إلى مهدد وغير آمن.
يقوم المتحدث بتحديد الأمور التي يريد الحديث عنها، والأمور التي يريد تجنب الحديث عنها، والأمور التي يمكن الحديث عنها ويمكن إغفالها حيث أنها موضوعات ثانوية.
إ ذا كان الخطاب السياسي عبر حوار فإن معرفة المحاور وشخصيته وطبيعته وثقافته تشكل عاملا مهما في سلامة الحوار أو الخطاب السياسي.
تحديد من يريد المتحدث أن تصل الرسائل إليه شئ مهم جدا حتى يتمكن من توزيع وقته وعدم الانسياب خلف موضوعات فرعية أو إعطاء موضوع أكثر من حجمه ووقته.
تحديد الهيئة التي ينبغي أن يظهر بها المتحدث أثناء الخطاب السياسي ومدى ملائمتها لطبيعة الخطاب.
ثانيا: الخطاب السياسي
هناك صفات للخطاب السياسي يقوم المتحدث بتحديد طبيعتها والتدرب عليها سلفا وهى كالتالي:
- المستوى الصوتي للخطاب: حيث هناك صلة واضحة بين المستوى الصوتي وما يرمز إليه ، فهناك مستوى للتعبير عن حالة الغضب والفرح والانزعاج والقوة والضعف و كذلك مدود الكلمات وقصرها وارتفاع الصوت وخفضه هكذا.
- المستوى الصرفي للخطاب: وهى تعني تناول أبنية الكلمات داخل الخطاب، كأن يطلق سياسي ما مصطلح ما قام بصياغته ونحته على حزب أو جماعة أو فرد كأن تطلق كلمة الحمائم والصقور على بعض السياسيين، وقد يقوم البعض بتحويل المعنى الدلالي لبعض المصطلحات ويستخدمها لصالحه ففي عقد الثمانينيات من القرن العشرين تمت الإشارة إلى السيدة- مارجريت تاتشر” في البداية باسم- المرأة الحديدية”، وكان هذا الوصف يعني عدم المرونة في تعاملها مع الآخرين، وتحولت دلالة المصطلح بعد ذلك إلى معنى إيجابي عندما تم فهمه على أنها تجسد معنى الصلابة والتحمل كما ذكره جورج كلاوس.
- المستوى الدلالي للخطاب: وهو الإهتمام بالأفكار والموضوعات والمفردات والمضامين التي تحقق المعنى والتميز الخطابي للمتحدث، فقد يعتمد أحدهم على الاستعارات أو الألفاظ الفنية أو الحربية كمن يتحدث عن أحد السياسيين بأنه رأس الحربة، وآخر بأنه الدفاع الجوى وهكذا، وقد يتحدث آخر بأسلوب حسابي أو رياضي كالملاكمة أو ديني أو علمي ومن المهم أن يكون للسياسي القائد أسلوب يميزه.
- الاهتمام باللغة: المستخدمة فقد يتحدث أحد السياسيين بلغة الحقوق، وآخر بالقوة ، وآخر بلغة الأمن، وآخر بلغة كبير العائلة أو الأخ الأكبر أو الأصغر، أو المظلوم ومن هنا فإن المتحدث يحدد الصيغة التي يخاطب بها الجماهير والشعوب و لا يترك نفسه للظروف تحركه كيفما تشاء.
- الكلمات المفاتيح: وهي الكلمات التي يتم صياغتها وانتقائها بدقة وتكرارها أثناء الخطاب السياسي، فهي تختمر في ذهن الجماهير وتأخذ بألبابهم وعقولهم وقد تصبح دليلا على صاحبها بعد ذلك، مثل كلمة مارتن لوثر كبنج في إحدى خطبه الشهيرة في يوم 28 أغسطس عام 1963 في واشنطن عندما قال أنا لدى حلم ” I have a dream” فقد ذاعت الكلمة وانتشرت حتى سميت الخطبة باسم هذه الجملة ، وأصبح السود جميعا في الولايات المتحدة يرددون ” أنا لدى حلم “، وكذلك قول الدكتور عبد العزيز الرنتيسى رحمه الله في إحدى خطبه في غزة عندما رفع السلاح قائلا “هذا هو الطريق” فقد انتشرت على لسان المقاومة وأصبح شعارهم هذا هو الطريق ، و كلمات أخرى مثل الحرب على الإرهاب التي ظل يرددها بوش والغرب من ورائه، وكذلك مقولات أردوغان الكثيرة والرائعة مثل قوله ”إن تركيا قوية في عداوتها كما هي قوية في صداقتها”، والقائد المتميز حقا هو الذي ينجح في صياغة كلمات تتردد على لسان الشعوب وفي وسائل الإعلام.
الخطاب السياسي والواقع.
تنبع مصداقية المتحدث من تطابق حديثه مع واقعه، وقد يفقد الخطاب السياسي معناه وهدفه ولا تصل رسالته ويفقد السياسي مصداقيته إذا تحدث السياسي بعيدا عن الواقع وأكبر من قوته، فمثلا عندما تتحدث قوة صغيرة عن ضربها وهزيمتها لقوى كبيرة بالعالم فإن أحدا لا يصدقها، ولكن عندما يتحدث السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في حرب لبنان الأخيرة عن إمكانيته ضرب تل أبيب بالصواريخ فإن إسرائيل والجميع يعلم إمكانية ذلك، وبالتالي فهو لم يقل بزوال إسرائيل ولكن يؤكد على إمكانيته إحداث خسارة كبيرة، و كذلك عندما تؤكد حماس على إمكانية صمودها في وجه العدوان الأخير فهي تكتسب ثقة الشعوب وتصبح لها مصداقية كبيرة عند القوى المختلفة، بخلاف ما إذا تحدثت عن احتلال تل أبيب مثلا في تلك الحرب.
كما أن ما نراه من إعلانات لبعض الأحزاب الصغيرة عن اكتساح الشارع وتغييرها وجه الدولة هو غير مصدق بالمقارنة ما إذا كانت هناك قوى كبيرة تحمل برنامجا وتتحدث فيه عن ذلك.
قوة الخطاب السياسي
تنبع قوة الخطاب السياسي الموجه من عدة نقاط نوجزها فيما يلي:
ثقافة المتحدث والتي تظهر جليا في استشهاداته ومقارناته.
مدى القوة اللغوية للمتحدث وانسجامها مع الحديث فالناظر إلى حديث أردوغان للبرلمان التركي عند حادثة أسطول الحرية يرى بنفسه قوة اللغة التركية التي يتحدث بها حتى عند من لا يفهمها وكيف كان أردوغان يثير الحماسة في النفوس والضمائر ومن هنا حق لها أن تهز العالم وتجعله ينتفض لتلك الحادثة.
الوعي السياسي لدى المتحدث والذي يبرهن على احترام المتحدث لمن يسمعه ويوجه له الخطاب.
قوة شخصية المتحدث والتي تبدو في مدى إقناع المتحدث للجماهير أو المحاور بتلك المسألة التي يتحدث فيها.
الشفافية والواقعية هما أحد العناصر الهامة فعندما يتحدث مسئول سياسي عن شفافية الانتخابات في الوقت الذي يعلم الجميع فيه ويرون فيه رأى العين التزوير الذي حدث في تلك الانتخابات فإن ذلك كفيل بأن يلقى بكلام المسئول عرض الحائط.
الثقة بين المتحدث والجماهير أحد عناصر القبول المتكرر للحديث فإذا حدث و قد أخطأ أو خدع أحد المتحدثين أو كذب في خطابه فإن ذلك دعوة لعدم السماع والتصديق لذلك المسئول مرة أخرى، فبالنسبة لنا شعوب المسلمين قد جربنا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أكثر من مرة وعهدنا منه سقطات كلامية خطيرة فانصرف الكثير عن الإهتمام به وكذلك يحدث الآن مع أوباما حيث علم الجميع أن فعله لا يطابق كلامه وبالتالي فمن الصعب أن تثق فيه الجماهير مرة أخرى إلا بأفعال حقيقية يراها الجميع وتمحو من الذاكرة المواقف السابقة.
*يقظة فكر