مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بين محاكمة القرن وفضيحة القرن
أحمد فوده
وفقا لما أعلنته سلطة الانقلاب في مصر، يبدأ اليوم الإثنين 4 نوفمبر جلسات محاكمة الرئيس محمد مرسي بتهم متعددة، أبرزها تهمة التحريض على عمليات القتل التي جرت أمام قصر الاتحادية في شهر ديسمبر الماضي، وكذلك تهمة التخابر مع حركة حماس.

تذكرنا تلك المحاكمة المتوقعة بالمحاكمة التي جرت للرئيس المخلوع حسني مبارك عقب ثورة يناير، والتي أطلق عليها محاكمة القرن، وتم بث عدد من جلساتها على الهواء مباشرة، وانتهت كما يعلم الجميع بالبراءة وإعادة المحاكمة مرة أخرى.

جاءت محاكمة المخلوع مبارك بعد ثورة شعبية مارست ضغوطا قوية على المؤسسة العسكرية، التي تسلمت الحكم بعد تنحي المخلوع، حيث كانت تماطل في تقديمه وباقي أركان نظامه للحكم على اعتبار أن تلك المؤسسة هي جزء من النظام القديم وتسعى لمحاولة إعادته للسلطة مرة أخرى.

وتحت هذه الضغوط الكبيرة التي مارسها الثوار، وافقت المؤسسة العسكرية على محاكمة مبارك، لكن بعد تدمير كل الأدلة التي يمكن أن تدينه خاصة فيما يتعلق بقتل الثوار أثناء أحداث الثورة. ولذا فقد تحولت المحاكمة إلى عملية هزلية الهدف منها هو إلهاء الشعب عما تخطط له المؤسسة من أجل إعادة نظام مبارك مرة أخرى، لكن بدون مبارك.

وبالفعل نجحت المؤسسة في تنفيذ مخططها بالانقلاب على السلطة المنتخبة التي مثلها الرئيس محمد مرسي، بعد توفير ظهير شعبي تمثل في المظاهرات التي خرجت في 30 يونيو، وأتاحت لقادة المؤسسة العسكرية القفز على السلطة واختطاف الرئيس وتعطيل الدستور وكل المؤسسات المنتخبة.

ولأنهم يعلمون جيدا أنهم لا يملكون الشرعية التي تعطي لهم الحق في حكم البلاد وإعادة النظام القديم مرة أخرى، فقد عملوا على محاولة تدمير الشرعية القائمة المتمثلة في الرئيس من خلال توجيه تهم هزلية له ومحاكمته عليها، وربما الحكم عليه بالإعدام لينتهي إلى الأبد أول وآخر نظام ديمقراطي نشأ في مصر.

فقد تم توجيه تهمة التحريض على القتل في أحداث قصر الاتحادية في ديسمبر الماضي، رغم أن المقتولين كانوا من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس، فضلا عن عدم توجيه نفس التهمة إلى جهاز الشرطة أو الأجهزة الأمنية الأخرى التي نفذت عمليات القتل بالفعل. ومن المضحكات المبكيات أن يقوم وزير الداخلية الذي شارك في قتل المتظاهرين بتأمين عملية محاكمة الرئيس.

التهمة الأخرى الهزلية هي تلك المتعلقة بالتخابر مع حركة كماس. ورغم أن أبجديات العمل السياسي تقول إن رئيس الجمهورية له الحق في التواصل مع كافة دول العالم بشكل سري من أجل تحقيق مصالح بلاده وأن تهمة التخابر لا تنطبق على رئيس الجمهورية إلا في حالة التواصل مع الأعداء وبشكل يضر بمصلحة الوطن، إلا أن الانقلابيين لم يقولوا لنا هل تحولت حركة حماس إلى عدو في حين تحولت إسرائيل إلى صديق يتم التواصل معه ليل نهار. وما هي المخاطر التي حاقت بالأمن القومي والمصالح الوطنية جراء تواصل الرئيس مع حركة حماس.

ويتأكد ذلك مع رفض النيابة السماح للمحامين بالوصول إلى ملف القضية رغم مخالفة ذلك لقانون التقاضي. وذلك لأن الملف لا توجد به حيثيات التهم الموجهة للرئيس وبالتالي فإن خروج هذا الملف إلى وسائل الإعلام سيمثل فضيحة جديدة للانقلابيين الذين لا يجدون ما يحاكمون به الشرعية سوى هذه التهم الهزلية.

أكاد أجزم أن الرئيس مرسي لن يخضع للمحاكمة، وإن تمت فستنتهي بشكل يدين الانقلابيين، ليس فقط لأنهم لا يملكون ما يدينه، ولكن أيضا لأن المحاكمة تتم بالمخالفة للدستور والقانون، حيث إن الرئيس مرسي مازال الرئيس الشرعي للبلاد لأنه لم يقدم استقالته، وبالتالي فإن محاكمته تتطلب إجراءات خاصة.

أعتقد أن بداية جلسات محاكمة الرئيس مرسي ستكون بداية النهاية للانقلاب وعودة الشرعية، لتنتهي إلى الأبد آخر صفحات الظلم والاستبداد والقهر التي عاشتها مصر على مدار ستين عاما في ظل حكم العسكر.
*الشروق
أضافة تعليق