د. حمزة المزيني
تقول المحكمة العليا في بياناتها عن إثبات الهلال دائماً إن قرارتها مبنية على شهادة عدد من «الشهود العدول». وكنتُ طلبتُ - وغيري- من المحكمة الموقرة أن تبيِّن أولئك الشهود لنعرف إن كانوا هم الأشخاص أنفسهم الذين يشهدون في كل مرة أم لا. لكنها لم تستجب لذلك يوماً.
وقد جاء البيان أخيراً في مقال كتبه الدكتور محمد عبدالرحمن البابطين «الداعية الإسلامي والمستشار في وزارة العدل السعودية لشؤون الأهلَّة» بعنوان «المراصد الفلكية وعلاقتها برؤية الهلال من الناحيتين الشرعية والفلكية» (مجلة «الدعوة، العدد 2414، 5-12-1434ﻫ، ص 12- 14) كشف فيه، ولأول مرة ربما، بعضاً من ممارسات هؤلاء.
وهو شهادة مهمة على كيفية عمل هؤلاء الشهود ومدى اتفاق شهاداتهم أو اختلافها مع الذين يتراءون الأهلة بالتلسكوبات. فقد أورد أربع حالات من مشاهداته لشهادات بعض الذين يتراءون الهلال بأعينهم المجردة، وتشهد هذه الحالات كلها على ما يحيط بالترائي بالعين المجردة من مشكلات، وأرجو أن يعذرني القارئ الكريم لإيراد ما كتبه الدكتور البابطين حرفياً، مما يتسبب في طول المنقول «ولا تعليق لي على أسلوبه!».
يقول عن الحالة الأولى: «فقد تم الوقوف عليها في موقع الترائي في أقصى الجهة الغربية من ضاحية لبن، حيث تم وضع التلسكوب الإلكتروني الذي يعمل وفق إحداثيات حركة القمر، ويعتبر هذا التلسكوب في غاية الدقة وقوة الرصد للقمر، وكان يوجد في الموقع أحد الإخوة من مدينة تبوك ممن يُعتمد عليه في إثبات الأهلة، وفي الوقت نفسه يعد من حديدي البصر، وعندما غربت الشمس من ناحية الأفق الغربي تم وقوف الجميع على الهلال في التلسكوب الذي كانت رؤيته فيه واضحة وجلية، إذ لم يكن بمقدورنا رؤية الهلال بالعين المجردة في تلك اللحظة، وفي الوقت نفسه لم يتم إطلاع الأخ المعروف بحدة البصر بذلك. وعليه فقد طلب منه أن يدلنا على الهلال إن كان موجوداً أم لا، وعندما تم تحديد جهته له أخذ يمعن النظر حتى دمعت عيناه (!) ورؤي فيها الجهد، وعندها أخبرنا بوجود الهلال، وأن هذا الهلال هو نفسه الهلال الذي يراه في تبوك (!!)، وعندها تم أخذه إلى التلسكوب لتأكيد صحة ما رآه، وقد ظهر لنا من هذا التطبيق أن الرؤية بالتلسكوب وما في حكمه تعد في غاية الدقة والوضوح وتفوق الرؤية بالعين المجردة؛ كونها يتحصل عليها من غير مشقة ولا كلفة، كما أن استدامة الهلال في التلسكوب مستمرة بخلاف رؤية العين المجردة التي تذهب وتعود ويُحتاج معها إلى مزيد من إمعان النظر».
«وأما الحالة الثانية، فقد تمت في جهة شمال الرياض حيث تم رصد الهلال على أحد الجبال المرتفعة في المنطقة، وكان يوجد معنا عدد من المترائين وكذلك تلسكوب (منظار) يبلغ حجم تكبيره قرابة 300 مرة من العين المجردة، وكان يوجد معنا الأخ نفسه المعروف بحدة البصر في تبوك. وعندما غربت الشمس قمنا بمتابعة الهلال من خلال التلسكوب، ولم نشاهد شيئاً، وكذلك لم نشاهده من خلال منظار آخر كان يوجد مع بعض الحاضرين، هذا عدا أن الأخ المعروف بحدة البصر لم يشاهده بالعين المجردة، وقد فوجئنا ونحن في الموقع بتقدم أحد الحاضرين يخبر برؤيته للهلال في حالة كانت مدعاة للتعجب والاستغراب، كيف يتمكن آحاد الناس من رؤية هلال لم يُشاهد في تلك اللحظة من خلال أجهزة متطورة تفوق الرؤية البصرية المجردة، وفي الوقت نفسه لم يشاهده من يُعرف بحدة البصر الذي جُرِّب في غير مرة».
«أما الحالة الثالثة، فقد تمت في الجهة الغربية من ضاحية لبن في الرياض حيث أُحضِر تلسكوب إلكتروني يرصد القمر ويتابعه وفق إحداثيات حركته، وفي الوقت نفسه كان الأخ المعروف بحدة البصر الذي شارك معنا سابقاً موجوداً في منطقة الهدا بمحافظة الطائف، وعندما غربت الشمس في الرياض تابعنا رؤية الهلال من خلال التلسكوب، ولم نعد نشاهده نظراً لوجود بعض السحب الخفيفة في الأفق الغربي، والضعف الشديد في النور المتخلِّق فيه، وفي الوقت نفسه لم نره بالعين المجردة. وقد تم الاتصال بالأخ الموجود في الهدا ليتابع لنا رؤية الهلال بعد غروب الشمس في محافظة الطائف، وبعد وقت اتصل بنا وأفادنا بأنه رأى الهلال لمدة دقيقة أو أقل ثم اختفى ولم يشاهده بعد ذلك (ويُراعَى هنا بعد وقت الغروب بين المكانين)».
أما الحالة الرابعة التي لم يفردها الدكتور البابطين فهي أنه «سبق القيام برصد الهلال حال كونه يغرب قبل الشمس، حيث تم تشغيل التلسكوب الإلكتروني تجاه الأفق الغربي من ضاحية لبن، وكان السهم فيه يشير إلى أن الهلال موجود تحت الأفق وليس فوقه؛ بما يعني عدم استهلاله، وقد كان معنا اثنان من الشهود المعروفين بحدة البصر، ولم يتم إخبارهم بهذه النتيجة المتحققة في التلسكوب. وقد طُلب منهما رؤية الهلال بعد أن حُدد لهما جهته دون إعلامهما أنه تحت الأفق. وبعد أن أمعنا النظر والرصد أفادا بأنهما لم يريا أو يشاهدا هلالاً وفق ما لدى التلسكوب».
وهذه الحالات الأربع نماذج لرؤية من يدَّعون أنهم يرون الهلال بأعينهم المجردة، ونماذج لغرائبهم، وأطرفها أن يُجهد الرائي في الحالة الأولى عينيه حتى «دمعتا!» ليجد الهلال الذي رآه الآخرون بالتلسكوب بسهولة بالغة. والأكثر طرافة أن قوله إن هذا الهلال هو الهلال «الذي يراه في تبوك»، لم يلفت نظر أحد!!.
أما الحالة الثانية، فيشهد شاهد برؤية الهلال على الرغم من عدم قدرة المترائين بالتلسكوب الفائقة رؤيته! وتشهد الحالة الثالثة بالادعاء المعتاد برؤية الهلال لبرهة قصيرة ثم اختفائه! وليست الحالة الرابعة ببعيدة عن أن «الشاهدين» كانا يعرفان مسبقاً أن الهلال تحت الأفق!
ولاحظ الدكتور البابطين في نهاية المقال مفارقةَ «انفراد آحاد من الناس بالإخبار عن رؤيته الهلال مع وجود الجمع من الناس فضلاً عن وجود التقنية العصرية»، وهو ما يجب أن يكون «مدعاة للتحقق من تلك الرؤية وتمحيصها بما يحقق الضمانة ويبعث على الطمأنينة تجاه صحة تلك الرؤية»؛ ذلك «لأن التساهل في مثل هذا يجعلنا في حرج من تعريف الإمام الشافعي للشاذ كما هو معلوم في قواعد التحديث وعلم الحديث».
ولم يبيِّن ما إن كانت المحكمة العليا أخذت بشهادة الذي «دمعت عيناه من الجهد»، والآخر الذي ادعى رؤيته في الحالة الثانية، والثالث الذي رآه لدقيقة.
وكم سيكون رائعاً لو أورد الدكتور البابطين حالات أخرى شهد فيها أشهر «الشهود العدول» الذين تعتمد المحكمة العليا شهاداتهم دائماً!
*التجديد
تقول المحكمة العليا في بياناتها عن إثبات الهلال دائماً إن قرارتها مبنية على شهادة عدد من «الشهود العدول». وكنتُ طلبتُ - وغيري- من المحكمة الموقرة أن تبيِّن أولئك الشهود لنعرف إن كانوا هم الأشخاص أنفسهم الذين يشهدون في كل مرة أم لا. لكنها لم تستجب لذلك يوماً.
وقد جاء البيان أخيراً في مقال كتبه الدكتور محمد عبدالرحمن البابطين «الداعية الإسلامي والمستشار في وزارة العدل السعودية لشؤون الأهلَّة» بعنوان «المراصد الفلكية وعلاقتها برؤية الهلال من الناحيتين الشرعية والفلكية» (مجلة «الدعوة، العدد 2414، 5-12-1434ﻫ، ص 12- 14) كشف فيه، ولأول مرة ربما، بعضاً من ممارسات هؤلاء.
وهو شهادة مهمة على كيفية عمل هؤلاء الشهود ومدى اتفاق شهاداتهم أو اختلافها مع الذين يتراءون الأهلة بالتلسكوبات. فقد أورد أربع حالات من مشاهداته لشهادات بعض الذين يتراءون الهلال بأعينهم المجردة، وتشهد هذه الحالات كلها على ما يحيط بالترائي بالعين المجردة من مشكلات، وأرجو أن يعذرني القارئ الكريم لإيراد ما كتبه الدكتور البابطين حرفياً، مما يتسبب في طول المنقول «ولا تعليق لي على أسلوبه!».
يقول عن الحالة الأولى: «فقد تم الوقوف عليها في موقع الترائي في أقصى الجهة الغربية من ضاحية لبن، حيث تم وضع التلسكوب الإلكتروني الذي يعمل وفق إحداثيات حركة القمر، ويعتبر هذا التلسكوب في غاية الدقة وقوة الرصد للقمر، وكان يوجد في الموقع أحد الإخوة من مدينة تبوك ممن يُعتمد عليه في إثبات الأهلة، وفي الوقت نفسه يعد من حديدي البصر، وعندما غربت الشمس من ناحية الأفق الغربي تم وقوف الجميع على الهلال في التلسكوب الذي كانت رؤيته فيه واضحة وجلية، إذ لم يكن بمقدورنا رؤية الهلال بالعين المجردة في تلك اللحظة، وفي الوقت نفسه لم يتم إطلاع الأخ المعروف بحدة البصر بذلك. وعليه فقد طلب منه أن يدلنا على الهلال إن كان موجوداً أم لا، وعندما تم تحديد جهته له أخذ يمعن النظر حتى دمعت عيناه (!) ورؤي فيها الجهد، وعندها أخبرنا بوجود الهلال، وأن هذا الهلال هو نفسه الهلال الذي يراه في تبوك (!!)، وعندها تم أخذه إلى التلسكوب لتأكيد صحة ما رآه، وقد ظهر لنا من هذا التطبيق أن الرؤية بالتلسكوب وما في حكمه تعد في غاية الدقة والوضوح وتفوق الرؤية بالعين المجردة؛ كونها يتحصل عليها من غير مشقة ولا كلفة، كما أن استدامة الهلال في التلسكوب مستمرة بخلاف رؤية العين المجردة التي تذهب وتعود ويُحتاج معها إلى مزيد من إمعان النظر».
«وأما الحالة الثانية، فقد تمت في جهة شمال الرياض حيث تم رصد الهلال على أحد الجبال المرتفعة في المنطقة، وكان يوجد معنا عدد من المترائين وكذلك تلسكوب (منظار) يبلغ حجم تكبيره قرابة 300 مرة من العين المجردة، وكان يوجد معنا الأخ نفسه المعروف بحدة البصر في تبوك. وعندما غربت الشمس قمنا بمتابعة الهلال من خلال التلسكوب، ولم نشاهد شيئاً، وكذلك لم نشاهده من خلال منظار آخر كان يوجد مع بعض الحاضرين، هذا عدا أن الأخ المعروف بحدة البصر لم يشاهده بالعين المجردة، وقد فوجئنا ونحن في الموقع بتقدم أحد الحاضرين يخبر برؤيته للهلال في حالة كانت مدعاة للتعجب والاستغراب، كيف يتمكن آحاد الناس من رؤية هلال لم يُشاهد في تلك اللحظة من خلال أجهزة متطورة تفوق الرؤية البصرية المجردة، وفي الوقت نفسه لم يشاهده من يُعرف بحدة البصر الذي جُرِّب في غير مرة».
«أما الحالة الثالثة، فقد تمت في الجهة الغربية من ضاحية لبن في الرياض حيث أُحضِر تلسكوب إلكتروني يرصد القمر ويتابعه وفق إحداثيات حركته، وفي الوقت نفسه كان الأخ المعروف بحدة البصر الذي شارك معنا سابقاً موجوداً في منطقة الهدا بمحافظة الطائف، وعندما غربت الشمس في الرياض تابعنا رؤية الهلال من خلال التلسكوب، ولم نعد نشاهده نظراً لوجود بعض السحب الخفيفة في الأفق الغربي، والضعف الشديد في النور المتخلِّق فيه، وفي الوقت نفسه لم نره بالعين المجردة. وقد تم الاتصال بالأخ الموجود في الهدا ليتابع لنا رؤية الهلال بعد غروب الشمس في محافظة الطائف، وبعد وقت اتصل بنا وأفادنا بأنه رأى الهلال لمدة دقيقة أو أقل ثم اختفى ولم يشاهده بعد ذلك (ويُراعَى هنا بعد وقت الغروب بين المكانين)».
أما الحالة الرابعة التي لم يفردها الدكتور البابطين فهي أنه «سبق القيام برصد الهلال حال كونه يغرب قبل الشمس، حيث تم تشغيل التلسكوب الإلكتروني تجاه الأفق الغربي من ضاحية لبن، وكان السهم فيه يشير إلى أن الهلال موجود تحت الأفق وليس فوقه؛ بما يعني عدم استهلاله، وقد كان معنا اثنان من الشهود المعروفين بحدة البصر، ولم يتم إخبارهم بهذه النتيجة المتحققة في التلسكوب. وقد طُلب منهما رؤية الهلال بعد أن حُدد لهما جهته دون إعلامهما أنه تحت الأفق. وبعد أن أمعنا النظر والرصد أفادا بأنهما لم يريا أو يشاهدا هلالاً وفق ما لدى التلسكوب».
وهذه الحالات الأربع نماذج لرؤية من يدَّعون أنهم يرون الهلال بأعينهم المجردة، ونماذج لغرائبهم، وأطرفها أن يُجهد الرائي في الحالة الأولى عينيه حتى «دمعتا!» ليجد الهلال الذي رآه الآخرون بالتلسكوب بسهولة بالغة. والأكثر طرافة أن قوله إن هذا الهلال هو الهلال «الذي يراه في تبوك»، لم يلفت نظر أحد!!.
أما الحالة الثانية، فيشهد شاهد برؤية الهلال على الرغم من عدم قدرة المترائين بالتلسكوب الفائقة رؤيته! وتشهد الحالة الثالثة بالادعاء المعتاد برؤية الهلال لبرهة قصيرة ثم اختفائه! وليست الحالة الرابعة ببعيدة عن أن «الشاهدين» كانا يعرفان مسبقاً أن الهلال تحت الأفق!
ولاحظ الدكتور البابطين في نهاية المقال مفارقةَ «انفراد آحاد من الناس بالإخبار عن رؤيته الهلال مع وجود الجمع من الناس فضلاً عن وجود التقنية العصرية»، وهو ما يجب أن يكون «مدعاة للتحقق من تلك الرؤية وتمحيصها بما يحقق الضمانة ويبعث على الطمأنينة تجاه صحة تلك الرؤية»؛ ذلك «لأن التساهل في مثل هذا يجعلنا في حرج من تعريف الإمام الشافعي للشاذ كما هو معلوم في قواعد التحديث وعلم الحديث».
ولم يبيِّن ما إن كانت المحكمة العليا أخذت بشهادة الذي «دمعت عيناه من الجهد»، والآخر الذي ادعى رؤيته في الحالة الثانية، والثالث الذي رآه لدقيقة.
وكم سيكون رائعاً لو أورد الدكتور البابطين حالات أخرى شهد فيها أشهر «الشهود العدول» الذين تعتمد المحكمة العليا شهاداتهم دائماً!
*التجديد