مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الاعتذار خطوة جيدة رغم تأخرها ولكن..
الدكتور عبدالله الشعيبي

في يوم 21 اب/اغسطس 2013 وبعد 19 سنة من حرب صيف 1994 على الجنوب، أعلنت حكومة الوفاق الوطني اليمني المشكلة من تحالف اللقاء المشترك (المعارض السابق) والمؤتمر الشعبي العام (الحاكم الأوحد سابقاً وفي اجتماعها الدوري الأسبوعي الاعتذار للمحافظات الجنوبية والشرقية عن تلك الحرب، وضم بيانها أيضاً الاعتذار عن حروب صعدة وحرف سفيان) .

الاعتذار خطوة سياسية جيدة رغم تأخرها لسنوات طوال، وكأن ما حصل في تلك الحرب مجرد جريمة سياسية وأخلاقية غير متعمدة، بينما الواقع يقول غير ذلك وباعتراف أطراف الحرب أنفسهم… وكون الاعتذار سلوكا انسانيا رفيعا وراقيا لمن يعرف معنى الرقي والرفعة، ولكن كما يبدو فان لغة الاعتذار عند العرب غير متوفرة، ويرونها انتقاصا من قيمتهم، ولذا فهم لا يتعاملون معه إلا وهم مرغمين عليه، ومع ذلك تراهم يتخلون عنه في ما بعد لأسباب ومبررات ليس لها أول ولا آخر.

قرار الاعتذار المنقوص جاء بناء على توجيهات رئاسية بهدف تهيئة الأجواء السياسية للحوار الوطني اليمني الشامل، الذي بدأ في منتصف اذار/مارس الماضي، ومدته الزمنية وهي ستة أشهر قاربت على الانتهاء، ولا مؤشرات تعبر عن التفاؤل، ومع كل ذلك نقول انها خطوة جيدة تستحق التقدير من جهة، ومن جهة أخرى تستحق التأمل.

والتأمل يعني التحليل والتوضيح والبحث عن اجابات للأسئلة التي تدور في بال كل انسان يعرف ماهية ومفهوم الاعتذار في جرائم الحرب والتكفير والفساد، واستمرارها لسنوات طوال من دون مراعاة لأي قيم او مشاعر انسانية، ولا شرائع سماوية ولا قوانين دولية، وأيضاً للذي لا يعرف ويريد ان يعرف عن ماهية ومفهوم الاعتذار .

وبالنظر الى ذلك الاعلان فلا بد من معرفة المواقف الحقيقية لكل الأطراف المشاركة في الحرب والحكومة، ولماذا لم يتم الاعتذار أولاً من قبل كل طرف سياسي، فاعلان الحكومة لا يكفي ولا يعفيهم من المسؤولية عن تلك الحرب.

وهل تهرب تلك القوى من الاعتذار هو القاء المسؤولية على مجهول، وعلى فكرة المجهول هنا هو الشعب، ولا بد هنا من تقديم التحية والمباركة للشعب على تحمله لهذه المسؤولية، ولا بد أيضاً هنا أن نسأل تلك القوى عن سبب غياب الشجاعة الأخلاقية والسياسية والتاريخية والوطنية في تحمل مسؤولياتها تجاه شعبها ووطنها، كونها كانت مشاركة في تلك الحروب، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتكسب ود واحترام الجميع كي يتمكنوا معاً من الانطلاق نحو غد مشرق ومزدهر وبمشاركة الجميع، وبنفس الوقت تساعد الضحايا والمظلومين على تقبل الاعتذار ونسيان ما جرى لهم عندما يكتشفون ان هناك مصداقية، ثم ان هذا الاعتذار لم تسبقه أي اجراءات سياسية او أدبية او قانونية او دينية، تساعد على قبوله. ومن أهم تلك الأجراءات الاعتذار علناً ورسمياً عن فتوى حرب 1994، وما تلاها من فتاوى وأفكار تصب في الاتجاه الحربي، خصوصاً ان التبروء من تلك الفتوى وغيرها كانت من ضمن النقاط العشرين المتوافق عليها من معظم القوى السياسية اليمنية.

ان القضية الجنوبية تختلف عن قضيتي صعدة وحرف سفيان، والمساواة بينهما تعتبر غباء سياسيا وقانونيا، وتلك محاولة بائسة للتهرب عن المسؤولية من قبل الأطراف المشاركة في حرب 94، وحروب صعدة الست وملحقها حرب سفيان، بحيث يجعل الأمر ضبابيا أو مثل ذلك الذي يطارد خيوط الدخان. ونتمنى قبل أي مرحلة ان يتم التوضيح لمختلف المسائل ونتخلص من سياسات الهروب من المسؤولية والتمسك بالمجهول.

ونعتقد ان أصحاب الشأن في الاعتذار، ونقصد أبناء الجنوب، لن يقبلوه بهذه الصورة إن لم يكن واضحا ومتكاملا وغير منقوص، كونه لم يحدد من هو الطرف الحقيقي عن تلك الحرب، أما البقاء هكذا وتحويل المسؤولية والقاؤها على المجهول، واعتبار الامر مسألة جنائية عادية فعلينا أن نعرف أنها خطوة ناقصة ولا تؤسس لأي حلول، وستظل تلك المحاولات بائسة بل وفاشلة كونها لا تحقق العدالة لا القانونية ولا الأخلاقية ولا السياسية ولا المادية، بل هي محاولة للاستمرار في التوتر والعناد والحرب الى ما لا نهاية. ولا أحد يعرف من هو المستفيد من عدم تحقيق الوئام والعدالة، في حالة رفض الاعتراف بالذنب؟

وهناك تساؤلات عديدة مترتبة عن الاعتذار وأهمها:

ما هي الأجراءات العملية المنفذة لتوابع الاعتذار أو للنقاط 20 + 11 ومتى تبدأ ومتى تنتهي؟ وما هي الاجراءات الرادعة للمؤسسات والشخصيات الرافضة لتنفيذ أي اجراءات أو قرارات؟

هل هناك استعداد نفسي من قبل المسؤولين بالتنفيذ، أم انهم جاهزون بالأعذار، أما بعدم قدرتهم أو قدرة وزاراتهم ومؤسساتهم على تنفيذ ما عليهم من واجبات، وفقاً لتخصصاتهم ومسؤولياتهم بسبب مادي أو قانوني او أداري؟

لابد من مرافقة ذلك الأعتذار بقرارات رئاسية وجمهورية واضحة بحيث تنتفي العراقيل وتحدد التخصصات والمهام والمسؤوليات كما تقلل من الأجراءات الروتينية وتمنع التهرب حتى لا تقود الى تحميل المظلومين عناء المتابعة ومايتبعها من نفقات مالية ومعاناة نفسية تفوق قدراتهم ؟ هل هذا الاعتذار للجنوب شعباً وأرضاً وثروات، أم هو فقط للأفراد؟ كيف سيتم التعامل مع الممتلكات والمؤسسات العامة والخاصة المصادرة بغير قوة القانون وأصبحت ملكيات خاصة بدون وجه حق؟ هل هذا الاعتذار سيرد الاعتبار للمواطن الجنوبي وحقه في الحياة والعمل والتقدم؟ وكيف سيكون ذلك؟ وهل ذلك سيرد الاعتبار النفسي والمعـــنـــوي للمواطن الجنوبي، أم سيتم الاكتفاء بالاعتذار، وعفى الله عما سلف؟

كيف سيتم رد الاعتبار للكادر الجنوبي المطرود والمقصي والمهمش والمشرد بفعل قوة المنتصر العسكري، وهل سيتم إعادتهم الى مواقعهم مع كامل حقوقهم وامتيازاتهم، أم كيف سيتم الأعتذار؟ ومن سيعوضهم عن معاناتهم النفسية والمعنوية وكيف؟ فالجنوب كان دولة كاملة السيادة دخلت الوحدة مع الشمال مناصفةً، وليست مناطق جنوبية أو محافظات جنوبية وشرقية كانت متمردة كما يحلو للبعض تداوله، بالاضافة الى ذلك فالحرب كانت على الجنوب كله ووصل تأثيرها السلبي الى الانسان والأرض وليس على مناطق يمنية؟ هل يجوز ان يشارك من اشترك وساعد وساهم في تلك الحرب في تحمل مسؤولية تنفيذ رد الاعتبار، بمعنى هل يجوز ان يكون الحاكم والجلاد والقاضي في وقت واحد؟

هل يمكن استرداد قيمة الثروات التي تم نهبها من الجنوب، وكيف ستتم العملية، بل هل يمكن السؤال عن قيمة تلك الثروات المنهوبة وتحديد من نهبها؟ لماذا لا يتم تكليف لجنة مستقلة متخصصة ومحايدة لإعداد بيان الاعتذار، بدلاً من تكليف شخصيات حكومية مرتبطة باحزاب وبحكومة، سيكون من واجب تلك الشخصيات الدفاع عن انفسهم وأحزابهم، ولهذا يكون الاعتذار ناقصا ولن يلاقي قبول أبناء الجنوب؟

صعدة قبلت الاعتذار ولكن أهل الجنوب بحراكه وقياداته رفضوا الاعتذار، فما هو البديل؟ ولذا فالمنطق يقول انه لابد من إعادة النظر في بيان الاعتذار، من خلال: تشكيل لجنة متخصصة ومحايدة، ومناقشة اصحاب الشأن في رؤيتهم للاعتذار، وتحديد مترتباته المادية والقانونية والتاريخية والسياسية والمعنوية ويقابله تكوين صندوق خاص للتعويضات، وتكون ادارته ايضاً مستقلة ومن أبناء الجنوب (اهل مكة أدرى بشعابها) وبغير ذلك فأي توجه مغاير لن يؤدي الى حل القضية الجنوبية، مع أن الجميع يعرف ماذا يريد الجنوب لحلحلة قضيتهم.
‘ كاتب وباحث ـ بريطانيا

’’القدس’’ العربي
أضافة تعليق