مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أخبار دامية
د. عبدالعزيز المقالح
أكتب هذه الكلمات المثقلة بالحزن بعد دقائق فقط من الاستماع إلى أحدث نشرة أخبار من سلسلة تلك النشرات التي تتردد بحذافيرها في أكثر من محطة إذاعة وقناة تلفزيونية . كان الخبر الأول عن مصرع العشرات من القتلى في العراق، والثاني عن عشرات القتلى في سوريا، كما كان الخبر الثالث عن قتلى في مصر، أما الخبر الرابع والخامس والسادس فقد كان عن قتلى في لبنان وليبيا وعن قتلى في أفغانستان وباكستان، وكلها أقطار عربية وإسلامية . ولم يكن في النشرة الدامية والدافعة إلى كتابة هذا الحديث سوى خبر وحيد لا تتردد فيه كلمات “مصرع” “قتل” “تفجير” . والمحزن أن هذا يحدث يومياً وعلى مدار الساعة في البلدان المسلمة وبين المسلمين أنفسهم، وأن غالبية الضحايا من الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يدور بين المتصارعين الذين افتقدوا وفي هذه الآونة بالذات لغة التفاهم والحوار وأعلنوا براءتهم من التسامح الذي كان وسيبقى جوهر الإسلام وعنوان العقيدة السمحاء .
والمرعب في ما يحدث في ماراثون القتل اليومي أن كثيراً من الضحايا يلقون حتفهم في المساجد أو على أبوابها، علماً بأنها -أي المساجد- كانت أماكن الأمان والطمأنينة الروحية . وكان الخائفون في أكثر العصور انقساماً وتنافساً يلجأون إليها ليجدوا في رحابها ما يعصم دماءهم ويحمي أرواحهم وما يجعلهم يشعرون أنهم في بيوت الله الأكثر أماناً وقدسية، والسؤال الحائر والذي ترتعش به الشفاه والأقلام هو: ماذا حدث لعباد الله المسلمين وكيف يقبلون على أنفسهم مثل هذا الفصل الدامي وأن يقدّموا دينهم للآخرين بهذه الصورة؟ أليس هناك من وسيلة أخرى لإنهاء الخلافات غير إقامة المجازر واعتناق مبدأ القتل والقتل المضاد؟ وأي انتصار يمكن لهذا الفريق أو ذاك أن يحققه للإسلام من وجهة نظره إذا ما تم على جثث الأبرياء من أشقائه في الوطن والعقيدة؟!
إن روافد عدّه شكّلت هذه الصورة القائمة في بلاد الإسلام، وهي روافد خارجية في أغلبها، كانت تهدف منذ وقت طويل لغاية مرسومة سلفاً مؤداها إشغال المسلمين بعضهم ببعض وإثارة الضغائن في أوساطهم حتى لا يتمكنون من التفرغ للتطور والبناء والارتقاء بمستويات المعيشة لمواطنيهم . ونظرة سريعة وعابرة إلى واقع العالم الإسلامي تؤكد بوضوح لا يحتمل اللبس نجاح المخطط القديم - الجديد، المعادي لهذا العالم المتعثر والمتخبط على مدى العصر الحديث، وأن هذا العالم ما انفك يدور في حلقة مفرغة من التراجع والعنف رغم كل التحولات والمتغيرات وتوالي الصيحات الداعية إلى استخدام العقل واستنطاق الضمير، وضرورة العودة إلى النص الإسلامي الأول قبل أن تتوزع أبناءه المذاهب والانتماءات المفرقة والمبددة للطاقات .
إن العقيدة الإسلامية في نصها الأول وجوهرها الذي لا يعرف التحول ما كانت إلا أداة وحدة بين أتباعها على اختلاف ألوانهم ومناطقهم ولغاتهم، وبهذا الشرط الأساس تمكن المسلمون من أن ينشروا الإسلام ويصلوا براياته إلى أقصى الشرق القديم وإلى أقصى الغرب القديم، وقد تم ذلك بالقدوة والحكمة والموعظة الحسنة وليس بالعنف والتهديد والقهر والغلبة، كما كان يحدث قبل ذلك وبعد ذلك في الغزوات الإمبراطورية التي قادتها ممالك القهر الدنيوي وجيوش الاحتلال الأوروبي المعاصر . ولا أخفي أن من تبقى في عالمنا من المتفائلين قد كانوا دائماً، وفي مثل هذه المناسبات الروحية يأملون أن يتوقف نزيف الدم الإسلامي ولو في حدود شهر الصوم وما يفرضه من شراكة روحية، لكن الرغبة في القتل كانت طاغية والإسراف في الترويع وزيادة عدد الضحايا كان الرد المفجع على كل الأماني الطيبة والاستغاثات الصاعدة من حناجر الأطفال والأمهات والمسنين .
*التجديد
أضافة تعليق