د. فارس السقاف
لا أحد يستطيع أن يجادل في أنني من أكثر الناقدين لحزب التجميع اليمني للإصلاح منذ عهد ليس بالقريب، ولن أمتنع عن ذلك أو أتوقف كلما لزم الأمر ماداموا مرهونين ببشريتهم الخطاءة، لكن ما يحدث الآن من حملة إعلامية ضد «الإصلاح» - بعد أن أكد لنا أنه يتغير ويتطور - يثير كثيراً من مشاعر الإجحاف، بما يخرجها إلى دائرة التشويه والإساءة المتعمدتين، مع إقرارنا بحق النقد والتقويم مادام يلتزم شروطه وآدابه وقانونيته.
خطاب حزب الإصلاح المعبر عنه رسمياً، لاسيما الصادر والموجه من زعيمه الأستاذ محمد اليدومي، فيه الكثير من النضج والرقي والتسامي، وينأى عن العصبية، ويظهر الاستعداد للعمل مع كل القوى والأطراف المؤتلفة والمختلفة على قواعد اتفاق تقتضيها المرحلة.. ومن يقول غير ذلك فليحاكمه على بياناته وتصرفاته ومواقفه شخصياً كزعيم وكحزب مقدر وعريق.
ما يكتبه هذه الأيام الأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، رداً على حملة إعلامية موجهة ضد حزبه له مبرراته، فهو يعتبر أن حزب الإصلاح أثبت منذ انتقاله إلى العمل السياسي العلني في ظل التعددية الحزبية، أنه حزب وطني مدني يتطور ويندمج مع الجماعة الوطنية، ولا يعتبر نفسه فوق القانون، ويتجاوز نظرة المقدس إلى اجتهادات العمل البشري.
ولهذا نجد أنه في انتخابات 1993م البرلمانية حصد التجمع اليمني للإصلاح مقاعد جعلته في المرتبة الثانية بعد المؤتمر الشعبي العام، وقبل الحزب الاشتراكي، ومع ذلك وافق على منحه حقائب وزارية أقل.. بل إنه لم ينافس في دوائر الانتخابات كلها مختاراً، ألا يتجاوز نجاحه حزبي الائتلاف الثنائي الحاكم.. تقديماً للصالح الوطني على الصالح الحزبي.
وفي تجربة الائتلاف الثنائي، نجح التجمع اليمني للإصلاح في لعب دور الشريك، مع حفاظه على استقلاليته كحزب معارض، ومنع اختراقه أو تذويبه في الحكم.. بالطبع لا يمكن نفي أخطاء ارتكبها.. لكنها ليست بدرجة انقلابية أو ارتدادية أو ذات أبعاد غير وطنية.
بعد انتخابات 1997 خرج الإصلاح إلى مربع المعارضة بشكل كامل، ورغم التشكيك بمدى جديته في معارضة الحزب الحاكم «المؤتمر»، فقد أثبت حقيقة وواقعاً معارضته، وأعاد التوازن المفقود في النظام، حيث سيطر المؤتمر الشعبي العام بعد 94 متفرداً بالحكم بعد إزاحة الحزب الاشتراكي، ملغياً الوجه الآخر [المعارضة]، وبالتالي غاب توازن القوة الذي هو لازمة الديمقراطية وشرطها.
هنا قام «الإصلاح» بدور المعارضة؛ باعتباره أكبر الأحزاب اليمنية وأكثرها تنظيماً وفاعلية، وأعاد التوازن المفقود، ورد الاعتبار لمعارضة حقيقية مستقلة عن الحاكم الذي ارتبط به قبلاً وقيل عنه «الوجه الآخر لعملة واحدة» أو «حليف استراتيجي لا ينفك عن السلطة».
وما إن تشكل اللقاء المشترك حتى كان ذلك إعلان ميلاد معارضة حقيقية وفاعلة بتكويناته المقدرة والوطنية.. لاسيما الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري. وكان من نتاج هذا اللقاء تجميع جهود المعارضة وتنسيقها في مواجهة نهج التفرد والاستبداد.. كسرته أولاً وبشجاعة بخوض انتخابات رئاسية تنافسية عبر طرح مرشح محط إجماع وطني، اختبر قدرتها على فرض بدائل حقيقية. ثم أتبعت ذلك بمطالب تعديل الدستور والنظام الانتخابي لتحديد شكل النظام السياسي والانتخابي والمحلي المنصف الذي تستحقه الأحزاب بأوزانها الفعلية في مواجهة السلطات المطلقة للفرد والعائلة.
ثم تواصل النضال تصاعدياً وعلى امتداد الساحة الوطنية والجماهيرية والذي أنتج أخيراً ثورة فبراير السلمية، حيث تجاوبت الجماهير اليمنية والقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة مع ربيع الثورات، فانفجرت الثورة والواقع مهيأ ومؤهل لاستيعاب نتاج الثورات وقيادتها سياسياً عبر المعارضة التي على رأسها اللقاء المشترك، ونجحت في تحقيق الهدف الأول والأساسي في إزاحة حكم الفرد والعائلة، وها هي تستكمل مسيرتها صوب استكمال مقاصد وأهداف الثورة.
يقتضي منا الإنصاف والوقائع الماثلة أمامنا أن نقر بأن الإصلاح كان له دور كبير في تأسيس التجربة وإنجاحها واستمرارها حتى الآن وما بعد الآن كما يبدو.. رغم خطط ومؤامرات تفكيكه وإفشاله، حتى صار نموذجاً متفرداً في العمل السياسي للمعارضة في الوطن العربي.
الدكتور ياسين سعيد نعمان القائد الأبرز في اللقاء المشترك صرح منذ أيام أن الحاجة لبقاء المشترك لاتزال قائمة، وهذا القول يعلو على ألسنة نارية منذرة بتفكك كيان المشترك وفشله، والاتهام بالتآمر على الثورة.. وفي سياق حملة منظمة ومرتبة، وحلقتها المفعَّلة الآن هي تجريم حزب الإصلاح لسلخه من شركائه!! وبعض هذه الألسنة تدافع عن المشترك وتهاجم الإصلاح وكأنما أحزاب المشترك الأخرى لا تجرؤ على الشكوى، وهو ما ليس صحيحاً بالمرة.
وبالعودة إلى ما يكتبه الأستاذ محمد اليدومي، والذي ينم عن رؤية وتبصّر وتصبّر مما يعبر عن ضمانة أكيدة لتوافق وتآلف القيادات السياسية اليمنية في المعارضة، وحتى لو اختلفنا حول ذلك وصح أي الرأيين فإننا نرى أن استهداف الإصلاح والمشترك عامة لا يخدم في هذا التوقيت سوى أعداء الثورة السلمية ويشوش عليها.
وأخيراً إذا ما نظرنا إلى من يوجه لهم اليدومي نقده وعتابه كرد على ما ينشرونه ضد الإصلاح وقياداته، فهي صادرة عن أقلام فردية منفعلة أو على خلفيات تصفية حساب، وحتى النقدية المعتبرة تعد مجرد رأي، لكننا لم نقرأ أو نسمع نقداً موضوعياً من مكونات المشترك أو شخصيات يُعتد بها. وفي هذا دلالة على أن حزب الإصلاح لم يخرج عن طبيعته وسياسته ومنهجه المعلن.
لا يهمنا الأشخاص والأحزاب، ولا يجب أن نتعصب لها.. ولكنها المضامين والأهداف تتقدم على كل هؤلاء، وهناك طرق وتقاليد معروفة في تقويم حزب الإصلاح أو غيره من الأحزاب، ونستطيع تبينها والتحقق منها.. أما هذه الحملات فهي ليست سوى استهدافية تقف وراءها دوافع معروفة، وهو ما يجب على الأحزاب والإعلام المحترم التوقف عندها لنؤسس لتقاليد حركة النقد والتقويم على أساس الثقة في وقت نحن أشد ما نحتاج إليه.
الجمهورية
لا أحد يستطيع أن يجادل في أنني من أكثر الناقدين لحزب التجميع اليمني للإصلاح منذ عهد ليس بالقريب، ولن أمتنع عن ذلك أو أتوقف كلما لزم الأمر ماداموا مرهونين ببشريتهم الخطاءة، لكن ما يحدث الآن من حملة إعلامية ضد «الإصلاح» - بعد أن أكد لنا أنه يتغير ويتطور - يثير كثيراً من مشاعر الإجحاف، بما يخرجها إلى دائرة التشويه والإساءة المتعمدتين، مع إقرارنا بحق النقد والتقويم مادام يلتزم شروطه وآدابه وقانونيته.
خطاب حزب الإصلاح المعبر عنه رسمياً، لاسيما الصادر والموجه من زعيمه الأستاذ محمد اليدومي، فيه الكثير من النضج والرقي والتسامي، وينأى عن العصبية، ويظهر الاستعداد للعمل مع كل القوى والأطراف المؤتلفة والمختلفة على قواعد اتفاق تقتضيها المرحلة.. ومن يقول غير ذلك فليحاكمه على بياناته وتصرفاته ومواقفه شخصياً كزعيم وكحزب مقدر وعريق.
ما يكتبه هذه الأيام الأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، رداً على حملة إعلامية موجهة ضد حزبه له مبرراته، فهو يعتبر أن حزب الإصلاح أثبت منذ انتقاله إلى العمل السياسي العلني في ظل التعددية الحزبية، أنه حزب وطني مدني يتطور ويندمج مع الجماعة الوطنية، ولا يعتبر نفسه فوق القانون، ويتجاوز نظرة المقدس إلى اجتهادات العمل البشري.
ولهذا نجد أنه في انتخابات 1993م البرلمانية حصد التجمع اليمني للإصلاح مقاعد جعلته في المرتبة الثانية بعد المؤتمر الشعبي العام، وقبل الحزب الاشتراكي، ومع ذلك وافق على منحه حقائب وزارية أقل.. بل إنه لم ينافس في دوائر الانتخابات كلها مختاراً، ألا يتجاوز نجاحه حزبي الائتلاف الثنائي الحاكم.. تقديماً للصالح الوطني على الصالح الحزبي.
وفي تجربة الائتلاف الثنائي، نجح التجمع اليمني للإصلاح في لعب دور الشريك، مع حفاظه على استقلاليته كحزب معارض، ومنع اختراقه أو تذويبه في الحكم.. بالطبع لا يمكن نفي أخطاء ارتكبها.. لكنها ليست بدرجة انقلابية أو ارتدادية أو ذات أبعاد غير وطنية.
بعد انتخابات 1997 خرج الإصلاح إلى مربع المعارضة بشكل كامل، ورغم التشكيك بمدى جديته في معارضة الحزب الحاكم «المؤتمر»، فقد أثبت حقيقة وواقعاً معارضته، وأعاد التوازن المفقود في النظام، حيث سيطر المؤتمر الشعبي العام بعد 94 متفرداً بالحكم بعد إزاحة الحزب الاشتراكي، ملغياً الوجه الآخر [المعارضة]، وبالتالي غاب توازن القوة الذي هو لازمة الديمقراطية وشرطها.
هنا قام «الإصلاح» بدور المعارضة؛ باعتباره أكبر الأحزاب اليمنية وأكثرها تنظيماً وفاعلية، وأعاد التوازن المفقود، ورد الاعتبار لمعارضة حقيقية مستقلة عن الحاكم الذي ارتبط به قبلاً وقيل عنه «الوجه الآخر لعملة واحدة» أو «حليف استراتيجي لا ينفك عن السلطة».
وما إن تشكل اللقاء المشترك حتى كان ذلك إعلان ميلاد معارضة حقيقية وفاعلة بتكويناته المقدرة والوطنية.. لاسيما الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري. وكان من نتاج هذا اللقاء تجميع جهود المعارضة وتنسيقها في مواجهة نهج التفرد والاستبداد.. كسرته أولاً وبشجاعة بخوض انتخابات رئاسية تنافسية عبر طرح مرشح محط إجماع وطني، اختبر قدرتها على فرض بدائل حقيقية. ثم أتبعت ذلك بمطالب تعديل الدستور والنظام الانتخابي لتحديد شكل النظام السياسي والانتخابي والمحلي المنصف الذي تستحقه الأحزاب بأوزانها الفعلية في مواجهة السلطات المطلقة للفرد والعائلة.
ثم تواصل النضال تصاعدياً وعلى امتداد الساحة الوطنية والجماهيرية والذي أنتج أخيراً ثورة فبراير السلمية، حيث تجاوبت الجماهير اليمنية والقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة مع ربيع الثورات، فانفجرت الثورة والواقع مهيأ ومؤهل لاستيعاب نتاج الثورات وقيادتها سياسياً عبر المعارضة التي على رأسها اللقاء المشترك، ونجحت في تحقيق الهدف الأول والأساسي في إزاحة حكم الفرد والعائلة، وها هي تستكمل مسيرتها صوب استكمال مقاصد وأهداف الثورة.
يقتضي منا الإنصاف والوقائع الماثلة أمامنا أن نقر بأن الإصلاح كان له دور كبير في تأسيس التجربة وإنجاحها واستمرارها حتى الآن وما بعد الآن كما يبدو.. رغم خطط ومؤامرات تفكيكه وإفشاله، حتى صار نموذجاً متفرداً في العمل السياسي للمعارضة في الوطن العربي.
الدكتور ياسين سعيد نعمان القائد الأبرز في اللقاء المشترك صرح منذ أيام أن الحاجة لبقاء المشترك لاتزال قائمة، وهذا القول يعلو على ألسنة نارية منذرة بتفكك كيان المشترك وفشله، والاتهام بالتآمر على الثورة.. وفي سياق حملة منظمة ومرتبة، وحلقتها المفعَّلة الآن هي تجريم حزب الإصلاح لسلخه من شركائه!! وبعض هذه الألسنة تدافع عن المشترك وتهاجم الإصلاح وكأنما أحزاب المشترك الأخرى لا تجرؤ على الشكوى، وهو ما ليس صحيحاً بالمرة.
وبالعودة إلى ما يكتبه الأستاذ محمد اليدومي، والذي ينم عن رؤية وتبصّر وتصبّر مما يعبر عن ضمانة أكيدة لتوافق وتآلف القيادات السياسية اليمنية في المعارضة، وحتى لو اختلفنا حول ذلك وصح أي الرأيين فإننا نرى أن استهداف الإصلاح والمشترك عامة لا يخدم في هذا التوقيت سوى أعداء الثورة السلمية ويشوش عليها.
وأخيراً إذا ما نظرنا إلى من يوجه لهم اليدومي نقده وعتابه كرد على ما ينشرونه ضد الإصلاح وقياداته، فهي صادرة عن أقلام فردية منفعلة أو على خلفيات تصفية حساب، وحتى النقدية المعتبرة تعد مجرد رأي، لكننا لم نقرأ أو نسمع نقداً موضوعياً من مكونات المشترك أو شخصيات يُعتد بها. وفي هذا دلالة على أن حزب الإصلاح لم يخرج عن طبيعته وسياسته ومنهجه المعلن.
لا يهمنا الأشخاص والأحزاب، ولا يجب أن نتعصب لها.. ولكنها المضامين والأهداف تتقدم على كل هؤلاء، وهناك طرق وتقاليد معروفة في تقويم حزب الإصلاح أو غيره من الأحزاب، ونستطيع تبينها والتحقق منها.. أما هذه الحملات فهي ليست سوى استهدافية تقف وراءها دوافع معروفة، وهو ما يجب على الأحزاب والإعلام المحترم التوقف عندها لنؤسس لتقاليد حركة النقد والتقويم على أساس الثقة في وقت نحن أشد ما نحتاج إليه.
الجمهورية