فهمي هويدي
تلقيت رسالة عبر البريد الإلكتروني دعت إلى تنظيم حملة احتجاج تمهد لعصيان مدني يستهدف إسقاط النظام القائم في مصر، وفي الرسالة التي كتبت بعامية ركيكة تفصيلات عدة، منها ما حدد موعدا لإعلان الاحتجاج لمدة ساعة زمن بعد ظهر الثلاثاء (غدا 22/1). ومنها ما يقترح
على الرجال والنساء الخروج إلى الشرفات أو الوقوف أمام البنايات ورفع أعلام مصر، مع ترديد الهتافات التي تنادى بسقوط حكم المرشد، ولم تكن تلك رسالة وحيدة أو فريدة في بابها لأن الصحف اليومية باتت تتحدث كل صباح بصياغات مختلفة عن الخروج المنتظر يوم الجمعة، حتى اعتدنا على قراءة بيانات وتصريحات بلا حصر حول ذات الموضوع يطلقها أشخاص أو تجمعات منسوبة إلى الثورة والثوار. علما بأن الرسالة سابقة الذكر صادرة عن كيان باسم تحالف القوى الثورية، وموقعة من جانب «منسق عام» تلك القوى.
استوقفني في قائمة تلك البيانات نداء لقوى سياسية وثورية أخرى تضامنت مع الدعوة إلى الخروج يوم 25 يناير وحددت هدفا له تمثل في خمسة مطالب هي: إسقاط الدستور ــ إقالة الحكومة ــ إعادة محاكمة قتلة المتظاهرين ــ تقنين أوضاع الإخوان ــ وقف أخونة الدولة. إلا أنني قرأت اجتهادا ثالثا لأحد المثقفين البارزين ــ نشرته إحدى الصحف على صفحة كاملة ــ حدد هدفا واحدا للخروج المنتظر هو المطالبة بإسقاط دستور الإخوان فقط.
أيا كان رأينا في هذه الدعوات، وبصرف النظر عما فيها من تباين، فإنني أجد فيها قواسم مشتركة تتمثل في أمور عدة. في مقدمتها ما يلي:
• أنها جميعا ضد الإخوان، فيما يعد صياغة رديئة للمشهد تعمق الصراع حول الهوية في مصر، إذ تصنف جماعة معينة ضمن الأشرار، في مواجهة جماعة أخرى تمثل الأخيار الذين يسعون لإنقاذ البلد من براثن الجماعة الأولى.
• أنها تجسد مواقف بعض النخب السياسية، المنفصلة عن أهداف الثورة الحقيقية المتمثلة في الدفاع عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
• أنها تركز على التعبئة والحشد الذي يفترض أن يعبر عن السخط يوم الجمعة 25 يناير، ولا تطرح أي بديل لليوم التالي، كأن المطلوب مجرد إن ترتفع الهتافات إلى عنان السماء في ذلك اليوم فيما يمكن أن يعد «شو» سياسيا، يحقق الهدف بمجرد عرضه على مسرح التحرير في ذلك اليوم.
• أنها تتجاهل آليات التغيير المفترضة في الممارسة الديمقراطية. صحيح أن التظاهر حق تعترف به أية ممارسة من ذلك القبيل، لكنني أفهم أن هناك فرقا بين آليات التعبير وآليات التغيير، وتدخل المظاهرات ضمن الأولى، شأنها في ذلك شأن الحملات الصحفية والندوات العامة ومختلف أنشطة منظمات المجتمع المدني. أما التغيير فله آليات أخرى يؤدى صندوق الانتخاب دورا محوريا فيه، وفي حدود علمي فإن التغيير الحقيقي في أية ديمقراطية حقيقية مفترضة له مدخل واحد هو الاحتكام إلى الصندوق. وأضع أكثر من خط تحت كلمة «حقيقية»التي لا تتوافر إلا في ظل ضمانات النزاهة والحرية.
إنني أخشى أن نستسلم لأسلوب الرفض العبثي لكل ما هو قائم، ونفوت على أنفسنا فرصة استثمار اللحظة التاريخية التي توافر فيها للمجتمع المصري هامش من الحرية لم يعهده من قبل ودرجة من الشجاعة والجرأة أسقطت كل مشاعر الخوف المختزن منذ عقود، ومن العبث أن نظل نتباكى على الحريات ونلطم الخدود ونشق الجيوب حزنا عليها، في حين أن جميع الندابين دون استثناء يمارسون حرية لا سقف لها، وتجلد ألسنتهم ورسوماتهم التي نطالعها كل صباح أكبر رأس في البلد.
في بداية الثورة خرجت الجموع المسكونة بالغضب العظيم وهى مدركة تماما لما ترفضه، حيث كان الإجماع الشعبي منعقدا على ضرورة الخلاص من النظام الذي اتسم بالفساد والاستبداد طوال ثلاثين عاما على الأقل. كانت الجموع عارفة تماما بما نرفضه، لكنها لم تكن متأكدة مما تقبل به، بدليل الخلاف المشهود الذي حدث بين مختلف القوى لاحقا. وبعد مضى سنتين من عمر الثورة. أخشى أن يتراجع الوعي العام بحيث نصبح على شفا عدم اليقين من الاثنين. فنفتقد الإجماع على الأمرين، ما نرفضه وما نقبل به. وتلك إحدى نتائج الاستقطاب الحاد الذي بدا مخيما على الأفق، والذي طمس حضور كتلة الجماهير التي ليست طرفا في العراك المحتدم، والتي خرجت التماسا للعيش والحرية والكرامة الإنسانية.
لا أظن أن أي تدبير جهنمي يمكن أن يفعل بنا ما فعلناه بأنفسنا خلال العامين الأخيرين، حين انتصرنا في المعركة ضد النظام المستبد، ثم انصرفنا إلى الاقتتال الأهلي لكي نهزم أنفسنا. ولن نستطيع أن ننقذ بلدنا من ذلك المصير المحزن إلا إذا قررنا أن نحول العراك والخصام إلى تنافس على صناديق الانتخاب الحر. وهى الجبهة التي ينبغي أن يتنافس عليها الوطنيون الشرفاء الذين يدركون جيدا أن أمامنا شهرين أو ثلاثة لحسم مصير تلك المنافسة، إننا نريد لخروج 25 يناير أن يصبح خطوة إلى الأمام وليس انتكاسة إلى الوراء.
تلقيت رسالة عبر البريد الإلكتروني دعت إلى تنظيم حملة احتجاج تمهد لعصيان مدني يستهدف إسقاط النظام القائم في مصر، وفي الرسالة التي كتبت بعامية ركيكة تفصيلات عدة، منها ما حدد موعدا لإعلان الاحتجاج لمدة ساعة زمن بعد ظهر الثلاثاء (غدا 22/1). ومنها ما يقترح
على الرجال والنساء الخروج إلى الشرفات أو الوقوف أمام البنايات ورفع أعلام مصر، مع ترديد الهتافات التي تنادى بسقوط حكم المرشد، ولم تكن تلك رسالة وحيدة أو فريدة في بابها لأن الصحف اليومية باتت تتحدث كل صباح بصياغات مختلفة عن الخروج المنتظر يوم الجمعة، حتى اعتدنا على قراءة بيانات وتصريحات بلا حصر حول ذات الموضوع يطلقها أشخاص أو تجمعات منسوبة إلى الثورة والثوار. علما بأن الرسالة سابقة الذكر صادرة عن كيان باسم تحالف القوى الثورية، وموقعة من جانب «منسق عام» تلك القوى.
استوقفني في قائمة تلك البيانات نداء لقوى سياسية وثورية أخرى تضامنت مع الدعوة إلى الخروج يوم 25 يناير وحددت هدفا له تمثل في خمسة مطالب هي: إسقاط الدستور ــ إقالة الحكومة ــ إعادة محاكمة قتلة المتظاهرين ــ تقنين أوضاع الإخوان ــ وقف أخونة الدولة. إلا أنني قرأت اجتهادا ثالثا لأحد المثقفين البارزين ــ نشرته إحدى الصحف على صفحة كاملة ــ حدد هدفا واحدا للخروج المنتظر هو المطالبة بإسقاط دستور الإخوان فقط.
أيا كان رأينا في هذه الدعوات، وبصرف النظر عما فيها من تباين، فإنني أجد فيها قواسم مشتركة تتمثل في أمور عدة. في مقدمتها ما يلي:
• أنها جميعا ضد الإخوان، فيما يعد صياغة رديئة للمشهد تعمق الصراع حول الهوية في مصر، إذ تصنف جماعة معينة ضمن الأشرار، في مواجهة جماعة أخرى تمثل الأخيار الذين يسعون لإنقاذ البلد من براثن الجماعة الأولى.
• أنها تجسد مواقف بعض النخب السياسية، المنفصلة عن أهداف الثورة الحقيقية المتمثلة في الدفاع عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
• أنها تركز على التعبئة والحشد الذي يفترض أن يعبر عن السخط يوم الجمعة 25 يناير، ولا تطرح أي بديل لليوم التالي، كأن المطلوب مجرد إن ترتفع الهتافات إلى عنان السماء في ذلك اليوم فيما يمكن أن يعد «شو» سياسيا، يحقق الهدف بمجرد عرضه على مسرح التحرير في ذلك اليوم.
• أنها تتجاهل آليات التغيير المفترضة في الممارسة الديمقراطية. صحيح أن التظاهر حق تعترف به أية ممارسة من ذلك القبيل، لكنني أفهم أن هناك فرقا بين آليات التعبير وآليات التغيير، وتدخل المظاهرات ضمن الأولى، شأنها في ذلك شأن الحملات الصحفية والندوات العامة ومختلف أنشطة منظمات المجتمع المدني. أما التغيير فله آليات أخرى يؤدى صندوق الانتخاب دورا محوريا فيه، وفي حدود علمي فإن التغيير الحقيقي في أية ديمقراطية حقيقية مفترضة له مدخل واحد هو الاحتكام إلى الصندوق. وأضع أكثر من خط تحت كلمة «حقيقية»التي لا تتوافر إلا في ظل ضمانات النزاهة والحرية.
إنني أخشى أن نستسلم لأسلوب الرفض العبثي لكل ما هو قائم، ونفوت على أنفسنا فرصة استثمار اللحظة التاريخية التي توافر فيها للمجتمع المصري هامش من الحرية لم يعهده من قبل ودرجة من الشجاعة والجرأة أسقطت كل مشاعر الخوف المختزن منذ عقود، ومن العبث أن نظل نتباكى على الحريات ونلطم الخدود ونشق الجيوب حزنا عليها، في حين أن جميع الندابين دون استثناء يمارسون حرية لا سقف لها، وتجلد ألسنتهم ورسوماتهم التي نطالعها كل صباح أكبر رأس في البلد.
في بداية الثورة خرجت الجموع المسكونة بالغضب العظيم وهى مدركة تماما لما ترفضه، حيث كان الإجماع الشعبي منعقدا على ضرورة الخلاص من النظام الذي اتسم بالفساد والاستبداد طوال ثلاثين عاما على الأقل. كانت الجموع عارفة تماما بما نرفضه، لكنها لم تكن متأكدة مما تقبل به، بدليل الخلاف المشهود الذي حدث بين مختلف القوى لاحقا. وبعد مضى سنتين من عمر الثورة. أخشى أن يتراجع الوعي العام بحيث نصبح على شفا عدم اليقين من الاثنين. فنفتقد الإجماع على الأمرين، ما نرفضه وما نقبل به. وتلك إحدى نتائج الاستقطاب الحاد الذي بدا مخيما على الأفق، والذي طمس حضور كتلة الجماهير التي ليست طرفا في العراك المحتدم، والتي خرجت التماسا للعيش والحرية والكرامة الإنسانية.
لا أظن أن أي تدبير جهنمي يمكن أن يفعل بنا ما فعلناه بأنفسنا خلال العامين الأخيرين، حين انتصرنا في المعركة ضد النظام المستبد، ثم انصرفنا إلى الاقتتال الأهلي لكي نهزم أنفسنا. ولن نستطيع أن ننقذ بلدنا من ذلك المصير المحزن إلا إذا قررنا أن نحول العراك والخصام إلى تنافس على صناديق الانتخاب الحر. وهى الجبهة التي ينبغي أن يتنافس عليها الوطنيون الشرفاء الذين يدركون جيدا أن أمامنا شهرين أو ثلاثة لحسم مصير تلك المنافسة، إننا نريد لخروج 25 يناير أن يصبح خطوة إلى الأمام وليس انتكاسة إلى الوراء.