مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
لغز الأقصى. . ونهاية إسرائيل
د.مسفر بن علي القحطاني
«لغز الإسكندرية» عنوان مثير لرواية مليئة بالأحداث المتسارعة والغريبة كتبها «ستيف بيري»، ونظراً لبراعة كاتبها وسعة خياله وتراجيدية أحداثها فقد أصبحت من أكثر الكتب مبيعاً في العالم. الرواية مليئة بالخيال، ولكن مغزاها وفكرتها الرئيسة مكمن بحث ومصنع تساؤلات لا ينتهي حول أمهات المسائل العقدية لدى اليهود عن حقيقة الأرض الموعودة.. هل هي فلسطين أم غيرها؟ وما مدى مصداقية العهد القديم الموجود في الإنجيل مع البون الزمني الكبير لكتابته؟ وتناقضات الشرّاح له والتبديل النصراني لما جاء فيه بغية التوافق بينه وبين العهد الجديد؟ تساؤلات عدة؛ بدأت بتصريحات بعض كبار القساوسة، أثارتها مؤخراً بعض وسائل الإعلام حول مزاعم الحركة الصهيونية في تفسير العقائد اليهودية، التي تبدل كثير منها في خدمة الأطماع السياسية والفكرية التي عملت عليها الحركة خلال القرن الماضي. والصهيونية العالمية لا أظنها ترضى بمثل تلك التشكيكات؛ بل وتحارب ذلك النوع من البحث العقدي حول تاريخ اليهود وكتابهم المقدس؛ لما قد تثيره نتائج أغلب البحوث من هدم ليقينيات المعتقد اليهودي، ومن الأمثلة على ذلك الحذر؛ الدراسة التي قام بها البروفيسور «توماس طومسون» أستاذ علم الآثار في جامعة «ماركويت» في «ميلواكي» في كتابه الأخير «التاريخ القديم للإسرائيليين»، وقد أوضح في كتابه أن مجموع التاريخ المعروف لدى العالم المعاصر عن «إسرائيل والإسرائيليين» يستند إلى قصص من «العهد القديم» من صنع الخيال، وأضاف: «إن نتائج التنقيبات في العقد الأخير برهنت على أن تاريخ فلسطين الكبرى أعقد وأكبر من الدراسات التوراتية، وإن التسلسل الزمني لتاريخ المنطقة القائم على العهد القديم هيكل مصطنع قائم على مدعيات أدبية وسياسية وأيديولوجية هدفها ترتيب وتأويل العهد القديم». وقد طُرِد على أثرها من منصبه في الجامعة، وهي الضريبة التي يدفعها أصحاب الضمائر الحيّة ممن يتحررون من ربقة «الاستحمار» الصهيونية. فالرواية سابقة الذكر قد تثير الموضوع وترفع درجة الاهتمام العالمي بها في حالة تمت محاربتها علناً من قِبل الحركات الصهيونية، وظني أن موقفهم من الرواية لم يكن سلبياً، فقد استفادوا من تجربة موقف الفاتيكان من تحريمهم ومنعهم لرواية «شفرة دافنشي»، وما فعلته من إثارة عالمية زادت من حدّة الإقبال عليها ولم تمنع انتشارها الذي فاق التصور. في هذا الوقت بالذات، يمر المسلمون بمحنة عظيمة قد تنذر بوقوع كارثة معنوية تهدد ما بقي للمسلمين من قوة وكرامة واحترام عالمي، هذه المحنة هي التي يحيك لها الصهاينة العديد من المؤامرات الخفية من خلال أعمال الحفريات المستمرة تحت أساسات الأقصى؛ مما يجعل احتمال انهيار المسجد أمراً وارداً في أية لحظة. فالصهاينة يسعون من خلال تخطيط إستراتيجي لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم تحت أنقاضه، وقد جاء في مقابلة نشرتها جريدة «الاتحاد» في 18 يوليو 2010م مع رئيس لجنة القدس بالإنابة في المجلس التشريعي الفلسطيني ورئيس فرع «مؤسسة القدس الدولية» في قطاع غزة أحمد أبو حلبية، بأن الحفريات «الإسرائيلية» تحت المسجد الأقصى في القدس المحتلة بدأت تمس أساساته وتطال أروقته كافة، كما تم اكتشاف نفق تحت المسجد المرواني طوله 800 متر. وأوضح أبو حلبية أنه تم رصد مجموعة كبيرة من الشقوق، طول الواحد منها متراً ونصف المتر، والانهيارات في جدران وأرضية المسجد وسوره الجنوبي وفي المنازل المجاورة للمسجد. وقال: «إن الهدف من الاعتداء على الأقصى هو تدمير المسجد وإقامة الهيكل المزعوم، من خلال الخطوات المتسارعة والمتتالية لتهويد القدس وطرد أهلها، ومصادرة آلاف الدونمات من أراضيهم للاستيطان، وطمس المعالم الإسلامية وتغيير أسمائها من عربية إلى يهودية». بينما اليهود يؤمنون كما جاء في تقرير نشر في موقع (BBC) في 9 يوليو 2009م، أن النبي سليمان هو مَن بنى «الهيكل الأول: هيكل سليمان» في الفترة ما بين 960 - 953 ق.م؛ وقد بناه في المكان الذي يوجد فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة حالياً، وفقاً للمصادر اليهودية. ويطلق على هذا المكان اسم «جبل الهيكل»، وبالعبرية «هرهابيت» جبل البيت «بيت الإله»، ومع «السبي البابلي» هدم «نبوخذ نَصَّر» البابلي هيكل سليمان عام 586 ق.م. وفي عهد الاحتلال الفارسي تم البدء في إعادة بناء الهيكل، وقد هدمه الرومان، الذين منعوا اليهود من العيش في القدس وحرموهم من الدخول إليها لفترات طويلة، وفقاً للتاريخ اليهودي. وأما الهيكل الثالث، فيختلف اليهود فيما إذا كان سيعاد بناؤه، أم أنه سينزل كاملاً من السماء، ويشير الحاخام «إريك آشرمان»، مدير منظمة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» لـ(BBC) بأن اليهود يعتقدون بوجود قدسين: «القدس على الأرض الدنيا»، و«القدس العليا في الجنة»، وكلا القدسين سيتوحدان، وفي ظل هذه الرؤية الدينية - التاريخية، فإن الحفريات في محيط المسجد الأقصى تدور بغية توكيد أحقيتهم بالمكان. البحث العلمي يثبت زيف دعاواهم أمام هذا الاستدعاء الديني والتاريخي للمسلمين واليهود في أحقيتهم بموقع المسجد الأقصى لن تنتهي فصول المعركة بينهما، ولن يتوقف اليهود أبداً عن مشروع بناء الهيكل، من خلال تأكيدات كبار الساسة ورجال الدين، مهما احتجت الدول الإسلامية أو المنظمات الدولية. والسؤال اليوم: هل سنبقى متفرجين حتى ينهار الأقصى أمام مرأى العالم ومسمع المسلمين؟ أعتقد أن الميادين السياسية والاقتصادية والإعلامية لن تجدي مع الصهاينة لتمكنهم من مفاصلها العالمية، ولكن هناك ميداناً مهماً للغاية هو ساحة المعركة الحقيقية التي لا يملك فيها اليهود الصهاينة الدفاعات اللازمة أو العدّة الكافية للصمود؛ وهو ميدان البحث العلمي حول المقدسات اليهودية ونقضها، وتبيين التحريفات الهائلة التي قاموا بها على مرّ التاريخ، وإبطال مزاعمهم حول القدس ونقض أساسات معتقداتهم الهشّة الباطلة. فرواية واحدة مثل «لغز الإسكندرية» فيها الخرافة الممزوجة ببعض الحقيقة قد أثرت بشكل كبير في نظرة العالم لليهود، فكيف لو كان هناك مشاريع علمية وتكوين جبهات عالمية لتوضيح حقيقة اليقينيات الباطلة لدى اليهود المعاصرين، كما فعل د. عبدالوهاب المسيري يرحمه الله في موسوعته المشهورة «اليهود واليهودية»؟! للأسف، إن كثيراً من الدراسات العربية القائمة حول المسألة اليهودية الصهيونية تتسم بالأحادية في التحليل والتفسير، أو الجزئية في الرؤية، أو المصادرة في الحكم والتقييم، بينما المطلوب يتحقق في بذل الجهد الجماعي، وإعمال المنهج العلمي، وتسخير الطاقات البحثية لهذا النوع من الجهاد الذي لا يقل ضراوة في جدواه العملية بدحر العدو عن الأقصى، أو على الأقل تحطيم قوته المعنوية في أكثر المنتمين فكرياً للمشروع الصهيوني المعاصر. إن «لغز الأقصى» يكمن في قوة الحق وصدق المعتقد الذي قام عليه أساسه منذ بنائه، بينما اليهود يكمن سر إجرامهم بالكذب والتحريف اللذين هما من صفاتهم المطّردة عبر التاريخ، كما جاء في أكثر من موضع في القرآن، كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة:79). وقوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة:75). إن الجريمة اليهودية في التحريف والتكذيب لم تقتصر على كيانات منغلقة أو جماعات تحمل معتقداً خاصاً باتباع الديانة كما كان قبل الحركة الصهيونية؛ بل أصبح هذا الزيف هو مشروع دولة ومستقبل شعب، حان الوقت لأن يكشف «لغز الأقصى» انتهاء هذه الدولة الصهيونية، ويبقى الحق صامداً حتى يأذن الله بوعده لنصرة دينه وعباده الصالحين.
‘المجتمع
أضافة تعليق