مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
سيناريوهات ما بعد الانقلاب
فهمي هويدي
نشرة أخبار يوم الخميس 14/6 عرضت علينا قائمة بإنجازات وأنشطة الدولة العميقة في مصر.
في الصباح صدرت التعليمات لقوات الشرطة والجيش بأن تحيط بمبنى مجلس الشعب.
عند الظهر أعلن قرار المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب وإبطال قانون العزل، الأمر الذي ورط البلد في فراغ دستوري لم يكن في الحسبان.
قبل ذلك بساعات كان قرار المحكمة قد طبع سرا في المطبعة الأميرية لكي ينفذ على الفور.
في ذات الوقت صدرت التعليمات للقوات التي توجهت إلى مقر مجلس الشعب بمنع دخول الأعضاء إليه لأنهم فقدوا صفتهم.
اكتشفنا في ذات اليوم أن وزير العدل فوض الشرطة العسكرية وعناصر المخابرات العامة في ممارسة الضبطية القضائية، في إعلان جزئي عن عودة قانون الطوارئ.
هذا الانقلاب الناعم إذا لم يكن مرتبا من قبل الدولة العميقة، فهل يصدق عاقل أنها مجرد مصادفات؟

المؤشرات تبعث على الحيرة وتثير القلق والشك، فالقضية التي تنظرها المحكمة الدستورية وتستغرق عدة سنوات قد تصل إلى خمس أو عشر، وجدناها تحسم في أسبوعين بعد مرافعة شفوية متعجلة.
ونشر الحكم بالجريدة الرسمية الذي يفترض أن يتم خلال 15 يوما على الأقل.. خلال ساعات.

والشرطة التي كانت تؤدي التحية لرئيس مجلس الشعب وأعضائه، أصبحت مطالبة بمنعهم من الدخول إلى مكاتبهم.
وما حسبناه شَدَّة أذن من جانب رئيس الحكومة، الذي لوح أمام رئيس مجلس الشعب بقضية حله، اكتشفنا أنها طعنة في القلب.

والتعبئة الإعلامية الشرسة التي استهدفت إثارة النفور والكراهية للإسلاميين، ولم نأخذها على محمل الجد في حينها، تبين أنها جزء تمهيدي لسيناريو فيلم الخميس.

وهي الخلفية التي تشير بوضوح إلى أن ما جرى كان انقلابا يضعنا أمام منعطف جديد وخطير في مسيرة الثورة. ولئن بدا لأول وهلة أنه مصادفات تثير التساؤل، وبعضها يتعذر أخذه على محمل الجد. تبين أنه سيناريو محكم الإخراج وقد يخدع المواطن العادي.

ذلك أنه يعطي لأول وهلة انطباعا بأن هذه الإجراءات استهدفت الخلاص من وجود الإخوان والسلفيين في مجلس الشعب، وربما كان ذلك صحيحا نسبيا.
لكننا إذا دققنا في الوقائع جيدا، فسنكتشف أن المستهدف أبعد من ذلك بكثير، وأن السهم الحقيقي مصوب نحو الثورة، لفتح الطريق أمام تقدم الثورة المضادة.

المشهد يستدعي إلى الذاكرة ثلاثة سيناريوهات هي:

السيناريو الجزائري، وبداياته كانت في آخر عام 1991 حين طبق نظام التعددية الحزبية في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وخاضت جبهة الإنقاذ الإسلامية الانتخابات التشريعية منافسا لحزب جبهة التحرير المحتكر للسلطة.
وتبين أن جبهة الإنقاذ اكتسحت الدور الأول من الانتخابات. فسرت في أوساطها النشوة، وتصرف بعض أعضائها في بعض الولايات وكأنهم حكام جدد سيقلبون نظام البلد رأسا على عقب.
وهي التصرفات التي أزعجت البعض، في حين وجدها قادة الجيش المهيمن على البلد فرصة لإجهاض التجربة وإفساد العرس.

فضغطوا على الرئيس الشاذلي بن جديد لإلغاء الانتخابات، ولكنه رفض فأجبروه على الاستقالة في عام 1992، ثم شكلوا مجلسا رئاسيا كان وزير الدفاع الجنرال خالد نزار هو الشخصية الأبرز فيه.
ثم استدعوا أحد المناضلين القدامى محمد بوضياف وعينوه رئيسا، لكنه ما لبث أن قتل في ظروف غامضة.
ولقمع قوة الإسلاميين الصاعدة، فإن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على نحو 30 ألف شخص منهم، الأمر الذي استنفر زملاءهم ودفعهم إلى مقاومة القمع بالعنف. وهو ما أدخل البلد في حرب شبه أهلية يسمونها هناك «العشرية السوداء»، التي استمر فيها القتال طول عشر سنوات، وأسفر عن قتل أكثر من 300 ألف مواطن جزائري.
وهي الصفحة الدامية التي لم تطو إلا في سنة 2000، بعد تولى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة، وأطلق ما سمي بميثاق السلم والمصالحة، الذي في ظله ألقت الجبهة الإسلامية سلاحها بالكامل وأطلق سراح قادتها.

السيناريو الروماني، وخلاصته أن فصيلا منشقا عن الحزب الشيوعي يحمل اسم «جبهة الإنقاذ» ـ أيضا ـ شكل حزبا سياسيا خاض به أول انتخابات ديمقراطية جرت بعد سقوط الرئيس شاوشيسكو.

ومن خلال كوادر الحزب الشيوعي وأذرعه التي كانت منتشرة في القرى فاز الحزب بالأغلبية، واستطاع رئيس الحزب ايون اليسكو أن يتقلد الرئاسة في سنة 1992، الأمر الذي أعاد رومانيا إلى قبضة كوادر الحزب الشيوعي مرة ثانية.

السيناريو الأوكراني، الذي في ظله فشلت قوى الثورة في التوصل إلى توافق فيما بينها يطمئن الجماهير ويستجيب إلى طموحاتها، فضاقت بها واعتبرت الثورة التي قامت سنة 2004 عبئا عليها.

من ثَمَّ ازداد حنينها إلى النظام القديم مرة أخرى.
وفي أول انتخابات حرة جرت في عام 2010 اختارت الجماهير العودة إلى النظام القديم، حين فاز فيكتور يانكوفيتش بالرئاسة في تلك الانتخابات، وهو من أسقطته الثورة البرتقالية قبل ست سنوات.
وكان السبب أن النظام البديل الذي قاده فيكتور يوشينكو فشل في عملية الإصلاح، حتى اعتبره الناس أسوأ من سابقه.

رغم تشابه الخلفيات فإنني أستبعد السيناريو الجزائري المجلل بالدم، ليس فقط لأن الإخوان هجروا العنف منذ عدة عقود، ولكن لأن الجماعة المقاتلة في مصر راجعت موقفها وانتقدته وتجاوزته، إلا أن الباب لا يزال مفتوحا على مصراعيه أمام الاحتمالين الأخيرين، الروماني والأوكراني، اللذين يطل منهما الماضي بقوة.

هذا إذا لم يفتح الله علينا بحل من عنده ينقذ الثورة من إرهاصات تصفيتها التي تلوح في الأفق.
*الشروق القطرية
أضافة تعليق