مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
زيارة لا مبرر لها
السبت، 28 أبريل 2012 11:11
د. عبدالعزيز المقالح

بداية لا أخفي أنني أشعر بالحزن والخوف معاً مما يجري في مصر كنانة العروبة وقلبها الذي لا ينكر أحد أنه اتسع لكل همومنا وأحلامنا، ويؤلمني، بل يجرحني ما يقال من أن مصر العربية تمر في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ الأمة بوعكة صحية، قد تتفاقم مع مرور الأيام وتتحول - لا سمح الله- إلى مرض عضال،

قد يمتد فيروسه إلى كل المنطقة العربية شئنا أم أبينا، وكل ذلك نتيجة للخلافات والاختلافات الحادة القائمة بين أطياف العمل السياسي، وما ترتب عليه من انقسامات وتنافسات ما كان لها أن تحدث في مصر ذات التجربة السياسية العريضة والعريقة، وما رافقها على مدى قرنين من وعي مبكر وثقافة وتعليم، جعلت من مصر مركزاً أساسياً من مراكز التطور الفكري والسياسي والعلمي، ومصدر إشعاع وإنارة على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي.



ولن أثقل على القارئ بالحديث عن نماذج من الأزمات الداخلية التي تعانيها مصر في هذه الأيام، وهي كثيرة منها السياسي والاقتصادي، ولكني سأقصر حديثي على تلك الأزمة التي أحدثها مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة بزيارته المفاجئة وغير المتوقعة إلى القدس المحتلة التي لا مبرر لها سياسياً، ولا وطنياً، ولا قومياً، ولا دينياً، سوى خدمة مجانية للكيان الصهيوني، مخالفاً بذلك الإجماع المصري والعربي والإسلامي، وما يفرضه الشرع والعقل والمصلحة، من ضرورة الالتزام بعدم القيام بما يصدم المشاعر والضمير الجمعي للأمة، ويتسبب في إثارة الخلافات وإيقاظ الفتن النائمة. ولست مع ما ذهب إليه أحد الكتّاب المصريين الكبار من أن زيارة المفتي كانت مدبّرة لإشغال المواطنين بحدث جد، وغير متوقع يبعدنا عن الأحداث الجارية في البلاد، ومنها الآني والعاجل كالاستحقاق الرئاسي، على سبيل المثال، والتنازع القائم بين المرشحين، ذلك أن صورة واسم الرئيس القادم لمصر، من وجهة نظري، ستحدد إلى حد بعيد مضمون علاقة مصر المستقبلية بالوطن العربي من ناحية، وبالعدو الصهيوني من ناحية ثانية. وإذا صح ما يذهب إليه الكاتب، فإن اللعبة ستكون أكبر من المفتي ومن دار الإفتاء.

وفي حالة تلقي المفتي توجيهات من خارج نطاق عمله للقيام بهذه الزيارة الإشكالية، التي وصفها بأنها شخصية وليست رسمية، فإن ذلك سيتضح من خلال موقف الجهة أو الجهات التي أصدرت تلك التوجيهات، إذا ما وقفت بجانبه واستماتت في الدفاع عن زيارته التي يعدّها شخصية، وفي حين أنها ليست كذلك، لأنه لا يمثل نفسه، فهو شخصية اعتبارية عامة، بل يمثل دار الإفتاء بوزنها الروحي والأخلاقي، وإذا كانت جهة ما قد جعلت منه كبش فداء لجس النبض والتعرف إلى سوسيولوجيا ردود الأفعال في الشارع العربي وفي مصر خاصة، انطلاقاً من أن الشارع كان ولايزال مشغولاً بالقضايا المحلية المعلقة، فإن ذلك يعد عملاً لا أخلاقياً. وفي هذا الصدد ما أكثر الشخصيات التي ذهبت ضحية جس النبض واستطلاع الآثار المترتبة على الخطوات غير المحسوبة، وإذا صحت هذه التصورات فسيكون ذلك مؤسفاً، فمكانة المفتي في مصر كمرجع ديني معتمد في القضايا المختلف عليها، ورأيه الملزم لمن يستفتيه، ومكانته في المحيط الشعبي أكبر من مكانة شيخ الأزهر وأهم منها. إن زيارة المفتي تعني فتوى شرعية دينية بالموافقة على التطبيع.

ولا غرابة أن تنهال الرحمات الآن، من داخل مصر وخارجها على روح الزعيم المسيحي العربي البابا شنودة الذي رفض بإصرار مرافقة الرئيس المصري السابق أنور السادات لزيارة القدس، وحرّم على إخواننا المسيحيين الذهاب إلى الأرض المحتلة إلا بعد تحريرها، معتبراً كل مَنْ يخالف ذلك المنع خارجاً عن شريعة السيد المسيح الذي يرفض الظلم واحتلال الشعوب واغتصابها، وستكون المقارنة هنا موجعة وغير محتملة، وأكثر إيلاماً عندما يطالع الأشقاء في مصر صورة مفتيهم، وهو يسير في باحة الأقصى مرتدياً طاقية سوداء متخفياً عن زيه الأزهري وعمامته البيضاء في سابقة تستدعي التفسير أكثر ربما من الحاجة إلى تفسير أسباب الزيارة وملابساتها المثيرة. والأكثر إثارة فيها أنها تأتي بعد أقل من ستة أسابيع على رحيل البابا شنودة.
*التجديد
أضافة تعليق