2012/01/23 الساعة 03:33:13
عبد الرحمن الراشد
تفجير مسجد النهدين، والضغط الدولي بمشاركة روسيا والصين على غير العادة، واستمرار ضغط الشارع اليمني الذي لم يخل الشوارع والميادين حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية التي أقر علي عبد الله صالح فيها بأن تنقل الشرعية منه إلى نائبه، كلها أدت أخيرا إلى خلع الضرس الدامي بعد عام من المماطلة والمناورة.
صالح صار تاريخا، واليمنيون اليوم هم أهل مستقبل جديد حقيقي يرقبهم العالم بإعجاب وقلق. وأتباع الرئيس المخلوع لا يخفون شماتتهم من النزاعات التي صبغت شارع الثوار والمعارضة. فهناك شبه إجماع ضد نظام صالح لكن الخلاف بدأ بين ورثته. كيف يمكن أن يدير الشعب اليمني بلده، بعد ثلاثة وثلاثين عاما من حكم فرد واحد تحت أسماء حزبية ومسرحيات انتخاباتية ووعود مستقبلية وصلت أخيرا إلى طريق مسدود، وطرد صالح عنوة من الرئاسة.
هل من الصعب حكم اليمن، كما كان يقول صالح، مبررا ألعابه البهلوانية، حتى حاز عالميا لقب ملاعب الثعابين؟
رغم كل أخطاء وآثام صالح، فإنه ترك اليمن وفيه قواعد حزبية، وتجربة سياسية، وحوار دام سنوات، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزعم أن اليمن عليه أن يبدأ من الصفر، بل يمكن من خلال تفعيل مشروع الانتخابات الموعود نقل السلطة بكاملها لمن يختاره الشعب اليمني. ولم يتبق على الانتخابات الموعودة سوى أربعة أسابيع فقط، وبرحيل صالح من صنعاء صار الطريق أخيرا مفتوحا.
قدر اليمنيين في أيديهم اليوم، وبإمكانهم انتخاب البديل وإسدال الستار على حقبة سيئة وبداية عهد جديد. وحتى ذلك اليوم، يوم الانتخاب 21 فبراير (شباط) المقبل، ستظهر مبررات عديدة لتعطيل الانتقال الديمقراطي، عدم استعداد القوى المعارضة سابقا، ومقاطعة القوى الجنوبية لأي انتخابات ضمن رفضها للبقاء في إطار حكم صنعاء، وبعض المجاميع الشبابية التي لديها مطالب مكملة لم تتحقق بعد. لكن كيف يمكن أن يحكم اليمن دون شرعية؟ من هي الرئاسة التي يمكن أن يتفق عليها اليمنيون؟ دون انتخاب سيستحيل أن يتفقوا على قيادة انتقالية، وبالتالي خير أن تبقى الوسيلة الآمنة هي الاحتكام إلى الصندوق. وبعدها، أي خلال الفترة اللاحقة، تتم إعادة ترتيب البيت اليمني من خلال المشاورات البرلمانية وخارجها، والبحث عن صيغة نظام يطرح من جديد للاستفتاء الشعبي. دون ذلك سيعيش اليمن في فراغ سياسي خطير، الأرجح أن يقود البلاد إلى حرب أهلية.
واليمن ليس غريبا على المتابعة الدولية خلال العشر سنوات الماضية. ففي عام 2006 أمضى مراقبون من الاتحاد الأوروبي فترة يحاولون إصلاح نظام الانتخابات الذي صممه علي صالح بطريقة تضمن له الهيمنة، وليس فقط الرئاسة. وأدوات الهيمنة باسم الديمقراطية إقامة حزب للرئيس يضمن له السيطرة شبه الكاملة على مرافق الدولة. الأوروبيون حينها حاولوا تصحيح الأطر القانونية، ومنح استقلالية للمؤسسات، واعترضوا أيضا على تعيين الرئيس القضاة لمراقبة الانتخابات. ودخل في بناء المشروع السياسي اليمني برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن صالح استطاع تخريب كل تلك الجهود. دون اعتماد الانتخابات حلا، كما تم الاتفاق، فإن ذلك سيعرض اليمن للتنازع على الحكم ويقود البلاد إلى صراعات دامية بين فرقاء كان الرئيس المخلوع يلعب دور المحرض بينها وكذلك دور الفاصل بينها.
صالح لن يعود لا للانتخابات ولا لقيادة حزبه، المؤتمر الشعبي العام، رغم وعوده، إلا إذا تنازع اليمنيون على السلطة فإن عودته ستلعب دورا مهما في دعم فريق ضد آخر.
[email protected]
المصدر: صحيفة ’’ الشرق الأوسط ’’ اللندنية
عبد الرحمن الراشد
تفجير مسجد النهدين، والضغط الدولي بمشاركة روسيا والصين على غير العادة، واستمرار ضغط الشارع اليمني الذي لم يخل الشوارع والميادين حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية التي أقر علي عبد الله صالح فيها بأن تنقل الشرعية منه إلى نائبه، كلها أدت أخيرا إلى خلع الضرس الدامي بعد عام من المماطلة والمناورة.
صالح صار تاريخا، واليمنيون اليوم هم أهل مستقبل جديد حقيقي يرقبهم العالم بإعجاب وقلق. وأتباع الرئيس المخلوع لا يخفون شماتتهم من النزاعات التي صبغت شارع الثوار والمعارضة. فهناك شبه إجماع ضد نظام صالح لكن الخلاف بدأ بين ورثته. كيف يمكن أن يدير الشعب اليمني بلده، بعد ثلاثة وثلاثين عاما من حكم فرد واحد تحت أسماء حزبية ومسرحيات انتخاباتية ووعود مستقبلية وصلت أخيرا إلى طريق مسدود، وطرد صالح عنوة من الرئاسة.
هل من الصعب حكم اليمن، كما كان يقول صالح، مبررا ألعابه البهلوانية، حتى حاز عالميا لقب ملاعب الثعابين؟
رغم كل أخطاء وآثام صالح، فإنه ترك اليمن وفيه قواعد حزبية، وتجربة سياسية، وحوار دام سنوات، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزعم أن اليمن عليه أن يبدأ من الصفر، بل يمكن من خلال تفعيل مشروع الانتخابات الموعود نقل السلطة بكاملها لمن يختاره الشعب اليمني. ولم يتبق على الانتخابات الموعودة سوى أربعة أسابيع فقط، وبرحيل صالح من صنعاء صار الطريق أخيرا مفتوحا.
قدر اليمنيين في أيديهم اليوم، وبإمكانهم انتخاب البديل وإسدال الستار على حقبة سيئة وبداية عهد جديد. وحتى ذلك اليوم، يوم الانتخاب 21 فبراير (شباط) المقبل، ستظهر مبررات عديدة لتعطيل الانتقال الديمقراطي، عدم استعداد القوى المعارضة سابقا، ومقاطعة القوى الجنوبية لأي انتخابات ضمن رفضها للبقاء في إطار حكم صنعاء، وبعض المجاميع الشبابية التي لديها مطالب مكملة لم تتحقق بعد. لكن كيف يمكن أن يحكم اليمن دون شرعية؟ من هي الرئاسة التي يمكن أن يتفق عليها اليمنيون؟ دون انتخاب سيستحيل أن يتفقوا على قيادة انتقالية، وبالتالي خير أن تبقى الوسيلة الآمنة هي الاحتكام إلى الصندوق. وبعدها، أي خلال الفترة اللاحقة، تتم إعادة ترتيب البيت اليمني من خلال المشاورات البرلمانية وخارجها، والبحث عن صيغة نظام يطرح من جديد للاستفتاء الشعبي. دون ذلك سيعيش اليمن في فراغ سياسي خطير، الأرجح أن يقود البلاد إلى حرب أهلية.
واليمن ليس غريبا على المتابعة الدولية خلال العشر سنوات الماضية. ففي عام 2006 أمضى مراقبون من الاتحاد الأوروبي فترة يحاولون إصلاح نظام الانتخابات الذي صممه علي صالح بطريقة تضمن له الهيمنة، وليس فقط الرئاسة. وأدوات الهيمنة باسم الديمقراطية إقامة حزب للرئيس يضمن له السيطرة شبه الكاملة على مرافق الدولة. الأوروبيون حينها حاولوا تصحيح الأطر القانونية، ومنح استقلالية للمؤسسات، واعترضوا أيضا على تعيين الرئيس القضاة لمراقبة الانتخابات. ودخل في بناء المشروع السياسي اليمني برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن صالح استطاع تخريب كل تلك الجهود. دون اعتماد الانتخابات حلا، كما تم الاتفاق، فإن ذلك سيعرض اليمن للتنازع على الحكم ويقود البلاد إلى صراعات دامية بين فرقاء كان الرئيس المخلوع يلعب دور المحرض بينها وكذلك دور الفاصل بينها.
صالح لن يعود لا للانتخابات ولا لقيادة حزبه، المؤتمر الشعبي العام، رغم وعوده، إلا إذا تنازع اليمنيون على السلطة فإن عودته ستلعب دورا مهما في دعم فريق ضد آخر.
[email protected]
المصدر: صحيفة ’’ الشرق الأوسط ’’ اللندنية