عصام تليمة | 07-01-2012 14:25
كثر تخويف العلمانيين والليبراليين من الإسلاميين، بحجة: أنهم ينادون بالدولة الدينية، دولة الكهنوت الديني أو (الثيوقراطية)، أو ما يعرف باسم الحكم الإلهي، وهو ما يعطي صورة مخيفة في أذهان الناس، وبخاصة الغرب الذي عانى من نير الكهنوت الديني، حتى تخلصت أوربا منه، وكان شعارها وقتها: اشنقوا آخر ملك، بأمعاء آخر قسيس. ولكن هل عرف الإسلام في أي عصر من عصوره الدولة الدينية، أو أقامها، أو دعا إليها؟ إن المتأمل في فلسفة الحكم في الإسلام، وفي كتابات المفكرين الإسلاميين من القديم إلى عصرنا الحالي، لا يجد في أدبيات أي منهم أي نص يشير من قريب أو بعيد إلى تبني الإسلام للدولة الدينية، الدولة التي يستبد فيها علماء الدين بالحكم، مدعين أنهم يحكمون باسم الله، فهذا لم يشهده تاريخ الإسلام كله، ونزيد الأمر وضوحا في هذه الفقرات.
إن الدولة التي يريدها الإسلام، هي دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وليست دولة دينية تستبد بالناس، أو يحكمها رجال دين باسم الله، أو باسم الحكم الإلهي، فالإسلام بداية ضد الدولة الدينية، ولا يقرها بحال من الأحوال، وذلك للأسباب التالية:
أولا: لأن الإسلام جاء ليهدم الحكم الديني، ويكشف أباطيله وزيغه وزيفه، وهو ما ألمح إليه القرآن الكريم بقوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، فقال عدي بن حاتم: والله يا رسول الله ما عبدناهم من دون الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ’’ألم يكونوا يحلون الحرام، ويحرمون الحلال؟ قال: نعم، قال: فذاك عبادتهم.
ثانيا: لأن طبيعة الإسلام ليست طبيعة كهنوتية، بل هي طبيعة تفرق بين ما هو ديني بحت، وبين ما هو بشري بحت، وتجعل ما هو ديني بحت، مرده ومرجعه إلى الله، وليس إلى البشر، ولا تسمح بتسلط البشر على البشر، أو بأن يقوم البشر نيابة عن الله فيما هو خاص به سبحانه وتعالى.
وأما ما هو خاص بالحياة، فقد ترك لهم حرية التعامل فيه، كل ما فعله الإسلام أن وضع له آدابا وشروطا لا تؤدي به إلى إضرار الناس، أو الولوج في باب المعصية والمحرمات، وهو ما عبر عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ’’أنتم أعلم بشؤون دنياكم’’.
ثالثا: لأن هناك فروقا جوهرية بين الحكم الديني أو الدولة الدينية، وبين الدولة الإسلامية التي ينادي بها الإسلام، وهذه مسألة تحتاج إلى تفصيل، أبينه فيما يلي:
يقوم نظام الحكم في الإسلام على عدة مبادئ وقواعد، يختلف فيها اختلافا كليا عن نظرة الغربيين للحكم الديني الذي ساد فترة طويلة في أوربا، ولا يزال له سطوته ونفوذه، ولا تزال صورته ماثلة في أذهان الكثير من الغربيين عند نظرته للدين ورجاله، وطوائفه، وعند المقارنة نجد فروقا شديدة بينه وبين نظام الحكم في الإسلام، فمن أميز هذه الفروق:
1ـ أن طبقة رجال الدين المسيحي (الإكليروس) هي التي تحكم، ولها صفة القداسة، فمنها تنال البركة على من ترضى عنه، وبها تصب اللعنات على من تسخط عليه، أو يختلف معها، في أقل القضايا، ناهيك عن القضايا الدينية، أو القضايا التي تهدد مصالح رجل الدين، وله صفة القداسة التي لا تقف عند حدود علاقة الناس بربهم فقط، بل تتعدى علاقة الإنسان بالناس، والسلطان، والحياة، والعلم. بينما في الإسلام لا يوجد رجال دين، وإنما لدينا علماء دين، وليست لهم صفة القداسة، بل هم يستوون مع الناس، فلا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بتقوى الله، وهو أمر لا يطلع عليه إلا الله وحده، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
2ـ رجال الدين المسيحي معصومون من الخطأ، لأنهم يتكلمون نيابة عن الله، فلا يفهم مراد الله من كلامه إلا هم، والحقيقة الدينية عندهم وحدهم، فليس من حق أحد أن يتقدم للصلاة من الكتب المقدسة، ولا تفسيرها، ولا حق فهمهما إلا رجال الدين، فامتلاك الحقائق الدينية وغيرها حكر عليهم وحدهم.
أما علماء الدين في الإسلام فهم غير معصومين من الخطأ، وهم يعبرون عن فهمهم للنص الديني، ولا عصمة لبشر في الإسلام إلا للأنبياء، بل العلماء يصيبون ويخطئون، وللناس أن ترد خطأهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ’’من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد’’ أي مردود عليه، ومتروك.
3ـ رجال الحكم الديني يحكمون نيابة عن الله، فهم وكلاء الله في الأرض، ولذا فحكمهم لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يرد، ولا يعقب عليه، ولا يخالف، بل هو أمر لا يقبل إلا النفاذ، ولا يملك المؤمن به إلا الانقياد والخضوع، والتنفيذ، لا معقب لحكمهم، وإلا كان الجزاء الطرد والحرمان، من ملكوت الله، ولا يملكون حق توليته، فضلا عن حق عزله عند الخطأ، أو الجور، أو الغضب عليه من الناس.
أما الحاكم في الإسلام فهو يحكم نيابة عن الأمة، وليس نيابة عن الله، بل هو يختار من الأمة، باختيار حر نزيه، فإذا كان الإسلام يكره إمامة من يكرهه الناس في الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ’’ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤسهم شبرا واحدا: رجل أم القوم وهم له كارهون...’’، فما بالنا بمن يؤمهم في شؤون حياتهم إكراها؟!
4ـ لا تجوز محاسبة رجال الحكم الديني على ما يفعلون، لأنهم يتصرفون نيابة عن الله، ومن يتصرف نيابة عن الله، فهو في مقامه بلا شك، أوله سلطته الدينية من حيث الخضوع، والاستسلام لما يأمر به، وينهى عنه، فمن كانت له هذه السلطة من القداسة، فلا يجرؤ أحد على محاسبته عند الخطأ، ولا الاعتراض عليه.
أما في الإسلام فمن حق الأمة أن تحاسب الحاكم على جميع تصرفاته، لأنها هي التي عينته، وهي التي تملك محاسبته، وكم من محاسبات تمت للحكام في الإسلام، من عموم الأمة.
5ـ لا يحق لأحد أن يعترض على قرارات رجال الحكم الديني، لأنهم يتكلمون نيابة عن الله، ومن تكلم عن الله، فكلامه مصدق، مقدس، لا يرد، ولا يعترض عليه.
أما في الإسلام فمن حق الأمة أن تعترض على قرارات الحاكم إذا أصدر قرارا يتعارض مع الشريعة، بل ترده عليه في وقتها.
6ـ رجل الحكم الديني يتصرف في الناس كيف يشاء، لأنه وكيل الله في الأرض، فإن حكم بحق أو بجور، فله ذلك، فله أن يطلق في حالات يحددها هو، وله ألا يفعلها في حالات مماثلة، دون اعتراض من أحد رعية كنيسته.
بينما لا يجوز للحاكم في الإسلام أن يتصرف في الناس كيف يشاء، وإذا اختلف الحاكم مع أحد أفراد الشعب فعليه أن يلجأ للقضاء، ويقف الحاكم والمتظلم من أفراد الشعب معه على قدم سواء.
7ـ لا يحق لأحد أن يعزل رجل الحكم الديني، ذلك لأنه معين من قبل الله، فلا يعزله إلا الله بالوفاة فقط، فولايته أبدية منذ ترسيمه حتى وفاته.
أما في الإسلام فالحاكم معين من قبل الأمة، ومن حقها أن تعزله إذا خالف العقد الذي بينها وبينه، أو وجدت أنه لا يحقق آمالها، ولا يحقق العدل فيها، ولا يحافظ على حقوقها، ويحكم بينهم بالعدل، فلا توجد ولاية أبدية في الإسلام، إنما هو ولاية مشروطة مبنية على عقد واتفاق بين الأمة.
هذه فوارق واضحة بين الحكم الديني؛ والحكم الإسلامي، والذي لا يلتق مع الحكم الديني في شيء، بل هو منفصل عنه ومناقض له تماما، ومختلف عنه في الشكل والمضمون. وهو يوضح وقوف الإسلام ضد الحكم الديني، بل يشن عليه حربا لا هوادة فيها.
ولا يختلف موقف الإسلاميين عن موقف الإسلام من رفض الدولة الدينية، بل الدعوة للدولة التي عمادها الشورى والحرية والعدل، والتبشير بها، والعمل على وجودها، ولولا ضيق المقام لنقلت صفحات طوال لكبار العلماء والمفكرين، ويكفيني الإحالة إلى اسم المؤلف والمرجع ورقم الصفحة، فمن هؤلاء: محمد عبده في الأعمال الكاملة له (2/175)، وعبد الرحمن الكواكبي في أعماله الكاملة ص 148. وعبد الرزاق السنهوي في كتابه (فقه الخلافة وتطورها) ص: 163،162. وحسن البنا في مقال له بعنوان (منبر الجمعة) في جريدة الإخوان اليومية، وعبد القادر عودة في أعماله الكاملة ص: 132. وفي ص: 298. ويوسف القرضاوي في كتابه (من فقه الدولة في الإسلام) و(بينات الحل الإسلامي)، ومحمد عمارة في كتابه في النظام السياسي الإسلامي ص: 45، وغيرهم كثير اكتفي بالنقل عن هؤلاء فقط.
ما مضى إشارات لمصادر لو أطلقت لقلمي العنان لأتيت بما يملأ صفحات طوال، لكن فقط أردت ذكر نماذج من فكر هؤلاء الأعلام من رجال الإصلاح، ورجال الحركة الإسلامية المعاصرة، لنعرف موقفهم من الدولة الدينية، وموقفهم من مدنية الدولة. وهو غيض من فيض كما رأينا، يوضح بجلاء رفضهم للدولة الدينية، وتبنيهم للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
إذا كان هذا هو موقف الإسلام من الدولة الدينية، هو موقف الرفض، وكذلك واضح من موقف كبار الإسلاميين والمنظرين هو نفس الموقف، الرفض الكامل للدولة الدينية، والدعوة لدولة مدنية، فمن أين يتسرب هذا الفهم الخاطئ عن هذا الموقف؟ إلا أن يكون الجهل، أو تعمد التشويه والتضليل؟!!
[email protected]
*المصريون
كثر تخويف العلمانيين والليبراليين من الإسلاميين، بحجة: أنهم ينادون بالدولة الدينية، دولة الكهنوت الديني أو (الثيوقراطية)، أو ما يعرف باسم الحكم الإلهي، وهو ما يعطي صورة مخيفة في أذهان الناس، وبخاصة الغرب الذي عانى من نير الكهنوت الديني، حتى تخلصت أوربا منه، وكان شعارها وقتها: اشنقوا آخر ملك، بأمعاء آخر قسيس. ولكن هل عرف الإسلام في أي عصر من عصوره الدولة الدينية، أو أقامها، أو دعا إليها؟ إن المتأمل في فلسفة الحكم في الإسلام، وفي كتابات المفكرين الإسلاميين من القديم إلى عصرنا الحالي، لا يجد في أدبيات أي منهم أي نص يشير من قريب أو بعيد إلى تبني الإسلام للدولة الدينية، الدولة التي يستبد فيها علماء الدين بالحكم، مدعين أنهم يحكمون باسم الله، فهذا لم يشهده تاريخ الإسلام كله، ونزيد الأمر وضوحا في هذه الفقرات.
إن الدولة التي يريدها الإسلام، هي دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وليست دولة دينية تستبد بالناس، أو يحكمها رجال دين باسم الله، أو باسم الحكم الإلهي، فالإسلام بداية ضد الدولة الدينية، ولا يقرها بحال من الأحوال، وذلك للأسباب التالية:
أولا: لأن الإسلام جاء ليهدم الحكم الديني، ويكشف أباطيله وزيغه وزيفه، وهو ما ألمح إليه القرآن الكريم بقوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، فقال عدي بن حاتم: والله يا رسول الله ما عبدناهم من دون الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ’’ألم يكونوا يحلون الحرام، ويحرمون الحلال؟ قال: نعم، قال: فذاك عبادتهم.
ثانيا: لأن طبيعة الإسلام ليست طبيعة كهنوتية، بل هي طبيعة تفرق بين ما هو ديني بحت، وبين ما هو بشري بحت، وتجعل ما هو ديني بحت، مرده ومرجعه إلى الله، وليس إلى البشر، ولا تسمح بتسلط البشر على البشر، أو بأن يقوم البشر نيابة عن الله فيما هو خاص به سبحانه وتعالى.
وأما ما هو خاص بالحياة، فقد ترك لهم حرية التعامل فيه، كل ما فعله الإسلام أن وضع له آدابا وشروطا لا تؤدي به إلى إضرار الناس، أو الولوج في باب المعصية والمحرمات، وهو ما عبر عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ’’أنتم أعلم بشؤون دنياكم’’.
ثالثا: لأن هناك فروقا جوهرية بين الحكم الديني أو الدولة الدينية، وبين الدولة الإسلامية التي ينادي بها الإسلام، وهذه مسألة تحتاج إلى تفصيل، أبينه فيما يلي:
يقوم نظام الحكم في الإسلام على عدة مبادئ وقواعد، يختلف فيها اختلافا كليا عن نظرة الغربيين للحكم الديني الذي ساد فترة طويلة في أوربا، ولا يزال له سطوته ونفوذه، ولا تزال صورته ماثلة في أذهان الكثير من الغربيين عند نظرته للدين ورجاله، وطوائفه، وعند المقارنة نجد فروقا شديدة بينه وبين نظام الحكم في الإسلام، فمن أميز هذه الفروق:
1ـ أن طبقة رجال الدين المسيحي (الإكليروس) هي التي تحكم، ولها صفة القداسة، فمنها تنال البركة على من ترضى عنه، وبها تصب اللعنات على من تسخط عليه، أو يختلف معها، في أقل القضايا، ناهيك عن القضايا الدينية، أو القضايا التي تهدد مصالح رجل الدين، وله صفة القداسة التي لا تقف عند حدود علاقة الناس بربهم فقط، بل تتعدى علاقة الإنسان بالناس، والسلطان، والحياة، والعلم. بينما في الإسلام لا يوجد رجال دين، وإنما لدينا علماء دين، وليست لهم صفة القداسة، بل هم يستوون مع الناس، فلا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بتقوى الله، وهو أمر لا يطلع عليه إلا الله وحده، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
2ـ رجال الدين المسيحي معصومون من الخطأ، لأنهم يتكلمون نيابة عن الله، فلا يفهم مراد الله من كلامه إلا هم، والحقيقة الدينية عندهم وحدهم، فليس من حق أحد أن يتقدم للصلاة من الكتب المقدسة، ولا تفسيرها، ولا حق فهمهما إلا رجال الدين، فامتلاك الحقائق الدينية وغيرها حكر عليهم وحدهم.
أما علماء الدين في الإسلام فهم غير معصومين من الخطأ، وهم يعبرون عن فهمهم للنص الديني، ولا عصمة لبشر في الإسلام إلا للأنبياء، بل العلماء يصيبون ويخطئون، وللناس أن ترد خطأهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ’’من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد’’ أي مردود عليه، ومتروك.
3ـ رجال الحكم الديني يحكمون نيابة عن الله، فهم وكلاء الله في الأرض، ولذا فحكمهم لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يرد، ولا يعقب عليه، ولا يخالف، بل هو أمر لا يقبل إلا النفاذ، ولا يملك المؤمن به إلا الانقياد والخضوع، والتنفيذ، لا معقب لحكمهم، وإلا كان الجزاء الطرد والحرمان، من ملكوت الله، ولا يملكون حق توليته، فضلا عن حق عزله عند الخطأ، أو الجور، أو الغضب عليه من الناس.
أما الحاكم في الإسلام فهو يحكم نيابة عن الأمة، وليس نيابة عن الله، بل هو يختار من الأمة، باختيار حر نزيه، فإذا كان الإسلام يكره إمامة من يكرهه الناس في الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ’’ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤسهم شبرا واحدا: رجل أم القوم وهم له كارهون...’’، فما بالنا بمن يؤمهم في شؤون حياتهم إكراها؟!
4ـ لا تجوز محاسبة رجال الحكم الديني على ما يفعلون، لأنهم يتصرفون نيابة عن الله، ومن يتصرف نيابة عن الله، فهو في مقامه بلا شك، أوله سلطته الدينية من حيث الخضوع، والاستسلام لما يأمر به، وينهى عنه، فمن كانت له هذه السلطة من القداسة، فلا يجرؤ أحد على محاسبته عند الخطأ، ولا الاعتراض عليه.
أما في الإسلام فمن حق الأمة أن تحاسب الحاكم على جميع تصرفاته، لأنها هي التي عينته، وهي التي تملك محاسبته، وكم من محاسبات تمت للحكام في الإسلام، من عموم الأمة.
5ـ لا يحق لأحد أن يعترض على قرارات رجال الحكم الديني، لأنهم يتكلمون نيابة عن الله، ومن تكلم عن الله، فكلامه مصدق، مقدس، لا يرد، ولا يعترض عليه.
أما في الإسلام فمن حق الأمة أن تعترض على قرارات الحاكم إذا أصدر قرارا يتعارض مع الشريعة، بل ترده عليه في وقتها.
6ـ رجل الحكم الديني يتصرف في الناس كيف يشاء، لأنه وكيل الله في الأرض، فإن حكم بحق أو بجور، فله ذلك، فله أن يطلق في حالات يحددها هو، وله ألا يفعلها في حالات مماثلة، دون اعتراض من أحد رعية كنيسته.
بينما لا يجوز للحاكم في الإسلام أن يتصرف في الناس كيف يشاء، وإذا اختلف الحاكم مع أحد أفراد الشعب فعليه أن يلجأ للقضاء، ويقف الحاكم والمتظلم من أفراد الشعب معه على قدم سواء.
7ـ لا يحق لأحد أن يعزل رجل الحكم الديني، ذلك لأنه معين من قبل الله، فلا يعزله إلا الله بالوفاة فقط، فولايته أبدية منذ ترسيمه حتى وفاته.
أما في الإسلام فالحاكم معين من قبل الأمة، ومن حقها أن تعزله إذا خالف العقد الذي بينها وبينه، أو وجدت أنه لا يحقق آمالها، ولا يحقق العدل فيها، ولا يحافظ على حقوقها، ويحكم بينهم بالعدل، فلا توجد ولاية أبدية في الإسلام، إنما هو ولاية مشروطة مبنية على عقد واتفاق بين الأمة.
هذه فوارق واضحة بين الحكم الديني؛ والحكم الإسلامي، والذي لا يلتق مع الحكم الديني في شيء، بل هو منفصل عنه ومناقض له تماما، ومختلف عنه في الشكل والمضمون. وهو يوضح وقوف الإسلام ضد الحكم الديني، بل يشن عليه حربا لا هوادة فيها.
ولا يختلف موقف الإسلاميين عن موقف الإسلام من رفض الدولة الدينية، بل الدعوة للدولة التي عمادها الشورى والحرية والعدل، والتبشير بها، والعمل على وجودها، ولولا ضيق المقام لنقلت صفحات طوال لكبار العلماء والمفكرين، ويكفيني الإحالة إلى اسم المؤلف والمرجع ورقم الصفحة، فمن هؤلاء: محمد عبده في الأعمال الكاملة له (2/175)، وعبد الرحمن الكواكبي في أعماله الكاملة ص 148. وعبد الرزاق السنهوي في كتابه (فقه الخلافة وتطورها) ص: 163،162. وحسن البنا في مقال له بعنوان (منبر الجمعة) في جريدة الإخوان اليومية، وعبد القادر عودة في أعماله الكاملة ص: 132. وفي ص: 298. ويوسف القرضاوي في كتابه (من فقه الدولة في الإسلام) و(بينات الحل الإسلامي)، ومحمد عمارة في كتابه في النظام السياسي الإسلامي ص: 45، وغيرهم كثير اكتفي بالنقل عن هؤلاء فقط.
ما مضى إشارات لمصادر لو أطلقت لقلمي العنان لأتيت بما يملأ صفحات طوال، لكن فقط أردت ذكر نماذج من فكر هؤلاء الأعلام من رجال الإصلاح، ورجال الحركة الإسلامية المعاصرة، لنعرف موقفهم من الدولة الدينية، وموقفهم من مدنية الدولة. وهو غيض من فيض كما رأينا، يوضح بجلاء رفضهم للدولة الدينية، وتبنيهم للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
إذا كان هذا هو موقف الإسلام من الدولة الدينية، هو موقف الرفض، وكذلك واضح من موقف كبار الإسلاميين والمنظرين هو نفس الموقف، الرفض الكامل للدولة الدينية، والدعوة لدولة مدنية، فمن أين يتسرب هذا الفهم الخاطئ عن هذا الموقف؟ إلا أن يكون الجهل، أو تعمد التشويه والتضليل؟!!
[email protected]
*المصريون