أ.د.محمد بديع
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه.. وبعد؛
رياح التقسيم تهب على العالم العربي الإسلامي
أيام قليلة، ويبدأ الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن شماله، في سابقةٍ لم تحدث من قبل، وتحت وطأة الاتفاقيات والعقوبات الدولية التي تمارسها أمريكا والصهيونية العالمية؛ يُراد لهذه الدولة الجديدة أن تنشأ، كما قامت دولة الصهاينة من قبل على تراب أهل فلسطين أرض العروبة والإسلام؛ لتكون خنجرًا في قلب الأمة العربية والإسلامية، وفاصلاً بين شرق العالم الإسلامي وغربه، وكذلك دولة الجنوب هذه يُراد لها أن تفصل العالم العربي والإسلامي عن محيطه الإفريقي؛ لتكتمل خطة حصار النفوذ العربي الإسلامي، ومنع امتداده جنوبًا؛ حيث مراكز السيطرة الغربية، وحركات التنصير المستمرة لأبناء إفريقيا.
إن جميع الأطراف المعادية للشعوب العربية والإسلامية في سباقٍ محموم، فأمريكا تلقي بكل ثقلها لإنجاز المهمة وتحقيق الانفصال، والرئيس الأمريكي يضغط على الزعماء العرب والأفارقة؛ لإنجاح السياسة الأمريكية الظالمة في السودان، في الوقت الذي تعاني فيه أمريكا من الفشل في أكثر من مكان في العالم، وكانت الاستجابة الفورية للضغوط الأمريكية، والتي تمثلت في الزيارة الخاطفة التي قام بها رؤساء كلٍّ من مصر وليبيا وموريتانيا للسودان، والتي لا يشك أحد في أنها لم تكن للحفاظ على الوحدة بل كانت لمباركة الانفصال وتنفيذ التعليمات الأمريكية، بحجة عدم تعريض السودان للخطر، وتقليل الخسائر، فقد سبق للرئيس أوباما أن توعد بمذابح يذهب ضحيتها الملايين إذا لم يتم الاستفتاء في موعده.
أما الصهاينة فقد نشرت صحيفة (هاآرتس) مؤخرًا أن تل أبيب تستعد لفتح سفارة جديدة لها في جنوب السودان بعد انفصاله، وأن الجنوب السوداني سوف يصبح دولةً مستقلة، وصديقة مُقرَّبة إلى الكيان الصهيوني، في حين تناقلت الأخبار وصول حشد كبير من الخبراء الصهاينة في مختلف المجالات (نحو ألف خبير) إلى ’’جوبا’’ عاصمة الجنوب، إضافةً إلى جسر جوي لنقل العتاد والسلاح من تل أبيب إلى جوبا!!.
إن رياح التقسيم يُراد لها ألا تتوقف عند جنوب السودان، وإنما يسعى الأمريكان والصهاينة وأعوانهم لتشمل (دارفور) في الغرب، والتي بدأت بشائرها الآن في القتال الدائر بين المتمردين وقوات شمال السودان، ثم تبدأ في الشرق (البجا) ليتحول السودان بعد ذلك إلى أربع دويلات، فأحلام إسرائيل الكبرى ما زالت لم تتحقق حتى الآن، وتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة ما زال حلمًا في أجندة الإدارة الأمريكية المتصهينة.
لقد كانت الرغبة في تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات متناحرة (كردية) في الشمال، (شيعية) في الجنوب، و(سنية) في الوسط، وراء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرطٍ لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وما حدث في السودان يدور الآن في اليمن، ومنذ سنوات في فلسطين والمحاولات تجري على قدم وساق في لبنان، فمأساة الجنوب السوداني كارثة قد تتكرر في دول أخرى تنتظر دورها في الانفصال والتقسيم.
أين الدفاع العربي المشترك؟
لعل الكثير من العرب من المحيط إلى الخليج يتساءلون اليوم في ظل هذه الأحداث الجسام؛ ماذا نحن فاعلون؟! وأين اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟ باعتبار أن إحياء هذه الاتفاقية هو واجب الوقت الآن لضمان سلامة الدول العربية وردع أي عدوان عليها، ولكن يبدو أيضًا أن هذه الاتفاقية قد كُتب عليها ألا ترى النور، وأن تظل حبرًا على ورق؛ لأن الأنظمة العربية ليست في أولوياتها الدفاع المشترك، أو حماية الأوطان من العدوان الخارجي؛ إنما أولوياتهم هي الحفاظ على كراسيهم وعروشهم من الشعوب، ودعم ما يسمونه ’’الاستقرار’’، فالاستقرار لديهم لا يعني سوى استقرار الكراسي والمناصب لهم ولأبنائهم مدى الحياة.
لقد أصبحت الجيوش العربية الآن كأسود الغابة رابضة في الأقفاص، لا تجد عدوًّا تقاتله؛ لأنها لا تعرف عدوها الحقيقي فالعقيدة القتالية غير واضحة، ومن هم الأعداء الآن أصبح سرًّا؛ لكن الذي يروج الآن أن الصهاينة والأمريكان ليسوا من الأعداء، ولم تعد هناك إرادة سياسية لإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومن ثَمَّ لم نسمع عن اجتماع وزراء الدفاع العرب منذ توقيع الاتفاقية، بينما نجد النشاط يدُب في أوصال وزراء الداخلية والإعلام العرب، ونرى اجتماعاتهم تتم بصورة منتظمة وبتعاون يثير الدهشة؛ لأن اجتماعاتهم غالبًا ما تكون لقمع وقهر الشعوب، وليس لحفظ أمنها وسلامتها، وهذا هو التعاون الوحيد الفاعل بين الأنظمة العربية.
خطورة الانفصال على الأمن القومي المصري
إذا كانت فلسطين تمثِّل العمق الإستراتيجي للأمن القومي المصري من ناحية الشرق، فإن السودان هو القيمة الإستراتيجية الكبرى لمصر من ناحية الجنوب؛ لأنه الامتداد الطبيعي والعمق الجغرافي لها؛ حيث تتقاطع فيه اعتبارات الأمن والحياة، وسوف يصبح الجنوب مرتعًا للصهاينة في حال انفصاله؛ لأن قيام دولة في الجنوب معناه تمكين الكيان الصهيوني من التواجد هناك، بما يعني تحويل جزء من امتداد الأمن القومي المصري بعيدًا عن السيطرة المصرية، ومركزًا للمؤامرات الأمريكية والصهيونية ضد المنطقة بأسرها، وإن شمال السودان الذي يعد نقطة التماس المباشر مع الحدود المصرية مهددٌ بالتقسيم أيضًا؛ حيث إن أمريكا والصهاينة يخططان لإنشاء دولة النوبة بين شمال السودان وجنوب مصر، ويلعب الأمريكان الآن بهذه الورقة كما يفعلون بورقة أقباط المهجر، من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأمريكية.
والخطر الأكبر يأتي الآن من التهديد لمجرى نهر النيل، شريان الحياة في مصر، التي تعاني من الندرة المائية، وتعيش تحت خطر الفقر المائي نظرًا لزيادة عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة إلى مصر منذ اتفاقية عام 1959م (55 مليار متر مكعب)، وهي مطالبة بتوطيد علاقاتها مع دول حوض النيل خلال الفترة المقبلة؛ ولكن أنَّى لها ذلك، وقد ظهر لاعب جديد هو دولة الجنوب- والذي سيكون عضوًا في دول حوض النيل- والذي سترابط فيه أمريكا والصهاينة، ومن ثم فقد تلاقي مصر صعوبة كبيرة في التفاوض المستقبلي حول زيادة حصتها من المياه.
ولما كان الجنوب سيطالب بنصيبه من المياه من حصة السودان بعد الانفصال، فإن السودان سيجد نفسه أمام كارثة مائية تدعوه إلى مراجعة اتفاقية 1959م بين مصر والسودان حول حصة الدولتين في مياه النيل، وسودان ما بعد التقسيم سوف يتعامل مع مصر بمعطيات مختلفة تمامًا، لعل أهمها الدعوة إلى خفض حصة مصر من مياه النيل؛ حيث إن حصة مصر من المياه تأتي بالكامل عبر الأراضي السودانية من خلال النيلين الأبيض والأزرق، والعمل في قناة ’’جونجلي’’ التي تم الاتفاق على شقها في الجنوب السوداني؛ لتوفير قرابة 5 مليارات متر مكعب من المياه، وبذلك سوف تخسر مصر حصتها من المياه التي كانت تتقاسمها مع السودان.
الأمل في الشعوب بعد أن تخاذلت الأنظمة
إن الشعوب العربية والإسلامية هي أساس بنيان الدول، وأبناؤها هم الجنود الأوفياء في الخطوب والملمات، رغم المحاولات المستميتة لطمس هويتها، وتعويقها عن أداء دورها، وحجب وتزوير إرادتها.
وإذا كانت الأنظمة قد أسلمت قيادها لأمريكا، وسارت وراءها شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، ولو دخلت أمريكا جحر ضبٍّ لدخلت الأنظمة وراءها، ومن ثم فقدت عزتها، وكرامتها وأهانت شعوبها حينما تخلت عن إرادتها طوعًا لعدوها وعدو أمتها.
فإن الأمل الآن معقود- بعد الله- على الشعوب أن تهب وتستيقظ، وقد بدأت الشعوب العربية والإسلامية تدرك أن قيم ومبادئ الإسلام هي البديل الصحيح لكل ما سواها من الدعوات التي عانت البشرية منها، وصارت الأمة على قدر كبير من الوعي بالأحداث.
ولقد انكشفت أساليب الخداع والتزوير والغش والتدليس التي مارستها وتمارسها الأنظمة كل يوم، ووضعت الشعوب أقدامها على الطريق؛ لاسترداد عزتها وكرامتها وثقتها بنفسها، وما نراه على أرض أفغانستان والعراق وفلسطين يؤكد أن الشعوب العربية الإسلامية هي شعوب حية، وأن إرادة هذه الشعوب أقوى من كل المؤامرات والمساومات، فالشعوب الحرة الصادقة هي التي ترسم طريق العزة والحياة الكريمة، وتصر على نيل حقوقها وانتزاع حريتها.
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
فإلى الشعوب العربية والإسلامية نوجه نداءنا أن هلموا إلى العمل بهمة عالية ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾ (التوبة)، ولننتظر موعود الله بالنصر والتمكين ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)﴾ (الأنبياء)، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾ (غافر).. والله أكبر ولله الحمد.
*إخوان لاين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه.. وبعد؛
رياح التقسيم تهب على العالم العربي الإسلامي
أيام قليلة، ويبدأ الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن شماله، في سابقةٍ لم تحدث من قبل، وتحت وطأة الاتفاقيات والعقوبات الدولية التي تمارسها أمريكا والصهيونية العالمية؛ يُراد لهذه الدولة الجديدة أن تنشأ، كما قامت دولة الصهاينة من قبل على تراب أهل فلسطين أرض العروبة والإسلام؛ لتكون خنجرًا في قلب الأمة العربية والإسلامية، وفاصلاً بين شرق العالم الإسلامي وغربه، وكذلك دولة الجنوب هذه يُراد لها أن تفصل العالم العربي والإسلامي عن محيطه الإفريقي؛ لتكتمل خطة حصار النفوذ العربي الإسلامي، ومنع امتداده جنوبًا؛ حيث مراكز السيطرة الغربية، وحركات التنصير المستمرة لأبناء إفريقيا.
إن جميع الأطراف المعادية للشعوب العربية والإسلامية في سباقٍ محموم، فأمريكا تلقي بكل ثقلها لإنجاز المهمة وتحقيق الانفصال، والرئيس الأمريكي يضغط على الزعماء العرب والأفارقة؛ لإنجاح السياسة الأمريكية الظالمة في السودان، في الوقت الذي تعاني فيه أمريكا من الفشل في أكثر من مكان في العالم، وكانت الاستجابة الفورية للضغوط الأمريكية، والتي تمثلت في الزيارة الخاطفة التي قام بها رؤساء كلٍّ من مصر وليبيا وموريتانيا للسودان، والتي لا يشك أحد في أنها لم تكن للحفاظ على الوحدة بل كانت لمباركة الانفصال وتنفيذ التعليمات الأمريكية، بحجة عدم تعريض السودان للخطر، وتقليل الخسائر، فقد سبق للرئيس أوباما أن توعد بمذابح يذهب ضحيتها الملايين إذا لم يتم الاستفتاء في موعده.
أما الصهاينة فقد نشرت صحيفة (هاآرتس) مؤخرًا أن تل أبيب تستعد لفتح سفارة جديدة لها في جنوب السودان بعد انفصاله، وأن الجنوب السوداني سوف يصبح دولةً مستقلة، وصديقة مُقرَّبة إلى الكيان الصهيوني، في حين تناقلت الأخبار وصول حشد كبير من الخبراء الصهاينة في مختلف المجالات (نحو ألف خبير) إلى ’’جوبا’’ عاصمة الجنوب، إضافةً إلى جسر جوي لنقل العتاد والسلاح من تل أبيب إلى جوبا!!.
إن رياح التقسيم يُراد لها ألا تتوقف عند جنوب السودان، وإنما يسعى الأمريكان والصهاينة وأعوانهم لتشمل (دارفور) في الغرب، والتي بدأت بشائرها الآن في القتال الدائر بين المتمردين وقوات شمال السودان، ثم تبدأ في الشرق (البجا) ليتحول السودان بعد ذلك إلى أربع دويلات، فأحلام إسرائيل الكبرى ما زالت لم تتحقق حتى الآن، وتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة ما زال حلمًا في أجندة الإدارة الأمريكية المتصهينة.
لقد كانت الرغبة في تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات متناحرة (كردية) في الشمال، (شيعية) في الجنوب، و(سنية) في الوسط، وراء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرطٍ لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وما حدث في السودان يدور الآن في اليمن، ومنذ سنوات في فلسطين والمحاولات تجري على قدم وساق في لبنان، فمأساة الجنوب السوداني كارثة قد تتكرر في دول أخرى تنتظر دورها في الانفصال والتقسيم.
أين الدفاع العربي المشترك؟
لعل الكثير من العرب من المحيط إلى الخليج يتساءلون اليوم في ظل هذه الأحداث الجسام؛ ماذا نحن فاعلون؟! وأين اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟ باعتبار أن إحياء هذه الاتفاقية هو واجب الوقت الآن لضمان سلامة الدول العربية وردع أي عدوان عليها، ولكن يبدو أيضًا أن هذه الاتفاقية قد كُتب عليها ألا ترى النور، وأن تظل حبرًا على ورق؛ لأن الأنظمة العربية ليست في أولوياتها الدفاع المشترك، أو حماية الأوطان من العدوان الخارجي؛ إنما أولوياتهم هي الحفاظ على كراسيهم وعروشهم من الشعوب، ودعم ما يسمونه ’’الاستقرار’’، فالاستقرار لديهم لا يعني سوى استقرار الكراسي والمناصب لهم ولأبنائهم مدى الحياة.
لقد أصبحت الجيوش العربية الآن كأسود الغابة رابضة في الأقفاص، لا تجد عدوًّا تقاتله؛ لأنها لا تعرف عدوها الحقيقي فالعقيدة القتالية غير واضحة، ومن هم الأعداء الآن أصبح سرًّا؛ لكن الذي يروج الآن أن الصهاينة والأمريكان ليسوا من الأعداء، ولم تعد هناك إرادة سياسية لإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومن ثَمَّ لم نسمع عن اجتماع وزراء الدفاع العرب منذ توقيع الاتفاقية، بينما نجد النشاط يدُب في أوصال وزراء الداخلية والإعلام العرب، ونرى اجتماعاتهم تتم بصورة منتظمة وبتعاون يثير الدهشة؛ لأن اجتماعاتهم غالبًا ما تكون لقمع وقهر الشعوب، وليس لحفظ أمنها وسلامتها، وهذا هو التعاون الوحيد الفاعل بين الأنظمة العربية.
خطورة الانفصال على الأمن القومي المصري
إذا كانت فلسطين تمثِّل العمق الإستراتيجي للأمن القومي المصري من ناحية الشرق، فإن السودان هو القيمة الإستراتيجية الكبرى لمصر من ناحية الجنوب؛ لأنه الامتداد الطبيعي والعمق الجغرافي لها؛ حيث تتقاطع فيه اعتبارات الأمن والحياة، وسوف يصبح الجنوب مرتعًا للصهاينة في حال انفصاله؛ لأن قيام دولة في الجنوب معناه تمكين الكيان الصهيوني من التواجد هناك، بما يعني تحويل جزء من امتداد الأمن القومي المصري بعيدًا عن السيطرة المصرية، ومركزًا للمؤامرات الأمريكية والصهيونية ضد المنطقة بأسرها، وإن شمال السودان الذي يعد نقطة التماس المباشر مع الحدود المصرية مهددٌ بالتقسيم أيضًا؛ حيث إن أمريكا والصهاينة يخططان لإنشاء دولة النوبة بين شمال السودان وجنوب مصر، ويلعب الأمريكان الآن بهذه الورقة كما يفعلون بورقة أقباط المهجر، من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأمريكية.
والخطر الأكبر يأتي الآن من التهديد لمجرى نهر النيل، شريان الحياة في مصر، التي تعاني من الندرة المائية، وتعيش تحت خطر الفقر المائي نظرًا لزيادة عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة إلى مصر منذ اتفاقية عام 1959م (55 مليار متر مكعب)، وهي مطالبة بتوطيد علاقاتها مع دول حوض النيل خلال الفترة المقبلة؛ ولكن أنَّى لها ذلك، وقد ظهر لاعب جديد هو دولة الجنوب- والذي سيكون عضوًا في دول حوض النيل- والذي سترابط فيه أمريكا والصهاينة، ومن ثم فقد تلاقي مصر صعوبة كبيرة في التفاوض المستقبلي حول زيادة حصتها من المياه.
ولما كان الجنوب سيطالب بنصيبه من المياه من حصة السودان بعد الانفصال، فإن السودان سيجد نفسه أمام كارثة مائية تدعوه إلى مراجعة اتفاقية 1959م بين مصر والسودان حول حصة الدولتين في مياه النيل، وسودان ما بعد التقسيم سوف يتعامل مع مصر بمعطيات مختلفة تمامًا، لعل أهمها الدعوة إلى خفض حصة مصر من مياه النيل؛ حيث إن حصة مصر من المياه تأتي بالكامل عبر الأراضي السودانية من خلال النيلين الأبيض والأزرق، والعمل في قناة ’’جونجلي’’ التي تم الاتفاق على شقها في الجنوب السوداني؛ لتوفير قرابة 5 مليارات متر مكعب من المياه، وبذلك سوف تخسر مصر حصتها من المياه التي كانت تتقاسمها مع السودان.
الأمل في الشعوب بعد أن تخاذلت الأنظمة
إن الشعوب العربية والإسلامية هي أساس بنيان الدول، وأبناؤها هم الجنود الأوفياء في الخطوب والملمات، رغم المحاولات المستميتة لطمس هويتها، وتعويقها عن أداء دورها، وحجب وتزوير إرادتها.
وإذا كانت الأنظمة قد أسلمت قيادها لأمريكا، وسارت وراءها شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، ولو دخلت أمريكا جحر ضبٍّ لدخلت الأنظمة وراءها، ومن ثم فقدت عزتها، وكرامتها وأهانت شعوبها حينما تخلت عن إرادتها طوعًا لعدوها وعدو أمتها.
فإن الأمل الآن معقود- بعد الله- على الشعوب أن تهب وتستيقظ، وقد بدأت الشعوب العربية والإسلامية تدرك أن قيم ومبادئ الإسلام هي البديل الصحيح لكل ما سواها من الدعوات التي عانت البشرية منها، وصارت الأمة على قدر كبير من الوعي بالأحداث.
ولقد انكشفت أساليب الخداع والتزوير والغش والتدليس التي مارستها وتمارسها الأنظمة كل يوم، ووضعت الشعوب أقدامها على الطريق؛ لاسترداد عزتها وكرامتها وثقتها بنفسها، وما نراه على أرض أفغانستان والعراق وفلسطين يؤكد أن الشعوب العربية الإسلامية هي شعوب حية، وأن إرادة هذه الشعوب أقوى من كل المؤامرات والمساومات، فالشعوب الحرة الصادقة هي التي ترسم طريق العزة والحياة الكريمة، وتصر على نيل حقوقها وانتزاع حريتها.
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
فإلى الشعوب العربية والإسلامية نوجه نداءنا أن هلموا إلى العمل بهمة عالية ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾ (التوبة)، ولننتظر موعود الله بالنصر والتمكين ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)﴾ (الأنبياء)، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾ (غافر).. والله أكبر ولله الحمد.
*إخوان لاين