ابراهيم عثمان أبو خليل
لقد كان القصد من حق تقرير المصير إضعاف الدول الكبرى، ذات التأثير الدولي حيث زرع التمييز الديني واللغوي والعرقي والثقافي الذي لا تكاد تخلو أمة من الأمم أو شعب من شعوب الأرض إلا فيها هذا التباين. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون هو أول من ابتدع مصطلح حق تقرير المصير بعد الحرب العالمية الأولى، وكان يرمي من وراء ذلك تفتيت أوروبا إلى دويلات من أجل إضعافها.
وقد كان حق تقرير المصير مِنْ أُسُس معاهدة فرساي التي وقعت عليها الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الأولى، والتي أمرت بتأسيس دول جديدة في أوروبا بعد انهيار الامبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الألمانية، وكان هذا المبدأ أيضاً أساساً في سياسة إزالة الاستعمار عن افريقيا وآسيا، وإنشاء دول مستقلة بدلاً عن المستعمرات الأوروبية.
وبعد الحرب العالمية الأولى شاعت فكرة أن المجتمع الذي يحق له حق تقرير مصيره هو مجموعة الناس الناطقين بلغة واحدة، وذوي ثقافة مشتركة، والقاطنين في منطقة معينة ذات حدود واضحة. وعندما أرادوا تطبيق ذلك على البلاد العربية المترامية الأطراف، والتي كانت ضمن الخلافة العثمانية، رأوا أن ذلك سيوجد دولة كبيرة وقوية لذلك جعلوا لها اتفاقية خاصة بين وزيري خارجية كل من بريطانيا وفرنسا (سايكس وبيكو) وسميت باسمهما (اتفاقية سايكس بيكو) قطعت بها البلاد العربية إلى دويلات صغيرة، ورسموا لها خرائط، وزرعوا الفتن بينها، حيث جعلوا بعض المناطق متنازعاً عليها.
أما فيما يتعلق بأوروبا فإنهم عند تطبيق فكرة حق تقرير المصير في أرض الواقع وجدوا انها غير عملية، إذ بلغ عدد مطالبات الشعوب والمجتمعات للاعتراف بحقها في تقرير مصيرها درجة جعلت قادة أوروبا يخشون من تقسيم أوروبا إلى عشرات الدويلات ذات الحدود الطويلة؛ التي تعرقل التبادل التجاري وحرية العبور والسفر، ولذلك عمدوا إلى تأسيس فيدراليات في وسط أوروبا، مثل تشيوسلوفاكيا ويوغسلافيا التي تفككت إلى عدة دويلات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لذلك حذف حق تقرير المصير من عصبة الأمم مع ان الرئيس الأمريكي (ويلسون) كان قد ضمنه في نقاطه الأربعة عشر المشهورة، بل ان ويلسون نفسه عاد وأقر لاحقاً أنه حين تحدث عن حق تقرير المصير لم يكن يعلم عن القوميات، ومن ثم فإنه قرر بأن تطبيق هذا المبدأ يقتصر على شعوب الأقاليم التي انفصلت عن الامبراطوريات المهزومة دون سواها.
إلا أنهم- أي الأوروبيين والأمريكيين فطنوا إلى أن حق تقرير المصير سلاح فتاك؛ يمكن عبره تفتيت البلاد الإسلامية، والحيلولة دون عودتها مرة أخرى تحت دولة واحدة هي دولة الخلافة، واعمالاً بهذا السلاح نجدهم قاموا بفصل باكستان عن الهند عندما أحسوا بتغلغل الإسلام في شبه القارة الهندية بصورة مذهلة، وأوجدوا منطقة متنازع عليها لاضعاف الدولتين؛ وهي منطقة كشمير؛ التي ما زالت جراحها دامية، ثم لاضعاف باكستان قاموا بتقسيمها إلى باكستان وبنغلاديش، كما فصلوا السودان عن مصر وأيضاً جعلوا مثلث حلايب منطقة توتر بين الدولتين، وفصلوا أريتريا عن اثيوبيا وما زالت الحرب بينهما حول الحدود، كما فصلوا تيمور الشرقية عن اندونيسيا، وسينغافورة عن ماليزيا، كل هذا بمسرحية حق تقرير المصير عبر اثارة الأقليات في هذه البلاد، وما زال الحبل على الجرار. واليوم يفصلون جنوب السودان بذات السيناريو الذي فصلوا به السودان عن مصر وسموه زوراً وبهتاناً استقلالاً. كما نسمع بأن أكراد العراق يطالبون بحق تقرير المصير،وأهل الصحراء الغربية في المغرب العربي كذلك يطالبون بهذا الحق المزعوم.
يحدث كل هذا في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا بكل ما أوتيت من قوة من أجل الوحدة، بل ان هنالك مناطق في أوروبا تطالب منذ زمن بعيد بحق تقرير المصير ولا يسمح لها بذلك، بل ولا يسمح ما يسمى بالمجتمع الدولي أو غيره بالتدخل، ومثال ذلك اقليم الباسك في اسبانيا وايرلندا في بريطانيا وغيرها وغيرها، ولكن في بلاد المسلمين الكل يتدخل باسم حماية حقوق الأقليات بعد أن يتم شراء بعض زعامات هذه الأقليات لتتمرد على مركزها السياسي، ثم يمدونهم بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ويسخرون كل أجهزة الإعلام، بما فيها أجهزة الإعلام في بلاد المسلمين من أجل التمزيق والتفتيت.
والجميع في السودان عايش ويعايش ما يسمى بقضية جنوب السودان، كيف بدأت وكيف سارت، وإلى ماذا انتهت؟! وللأسف فإن الحركات الانفصالية ليست وحدها من يلام على هذا التمزيق والتفتيت، وإنما حكام العالم الإسلامي لهم ضلع كبير في التنفيذ، فإن أمريكا وأوروبا لم تقسم هذه البلاد بالقوة العسكرية، وإنما بالمكر والخداع عبر ما يسمى بالاتفاقيات، وخير مثال اتفاقية التمزيق نيفاشا التي صممت أصلاً من أجل فصل جنوب السودان عن شماله، ثم تهيئة بقية الأقاليم الأخرى للانفصال، والذي وقّع هذه الاتفاقية كان يعلم أن مصير السودان هو التمزيق، ورغم ذلك وقّع عليها، والغرب وبخاصة امريكا استطاعت عبر مثل هذه الاتفاقيات أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه عبر الحروب عندما كانت تدعم الحركات المتمردة لتحقيق ما تريده من التمزيق والتفتيت.
لذلك كان لزاماً على الجميع وبخاصة السياسيين المخلصين والواعين من أبناء هذا البلد أن يعوا على هذا المخطط الخبيث وان يقفوا ضده بل ويعملوا لتوحيد السودان مع غيره من بلاد المسلمين، تحت دولة مبدئية قوية توفر هذه الدولة الأمن والأمان لشعوبها، بل وتحمل الخير والهدى والنور إلى العالمين كما كانت دولة الخلافة الإسلامية التي أوجدت لنا هذه البلاد المترامية الأطراف من العالم الإسلامي؛ من جاكرتا إلى طنجة ومن ممبسا إلى استنبول.
*صحيفة الشاهد السودانية
لقد كان القصد من حق تقرير المصير إضعاف الدول الكبرى، ذات التأثير الدولي حيث زرع التمييز الديني واللغوي والعرقي والثقافي الذي لا تكاد تخلو أمة من الأمم أو شعب من شعوب الأرض إلا فيها هذا التباين. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون هو أول من ابتدع مصطلح حق تقرير المصير بعد الحرب العالمية الأولى، وكان يرمي من وراء ذلك تفتيت أوروبا إلى دويلات من أجل إضعافها.
وقد كان حق تقرير المصير مِنْ أُسُس معاهدة فرساي التي وقعت عليها الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الأولى، والتي أمرت بتأسيس دول جديدة في أوروبا بعد انهيار الامبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الألمانية، وكان هذا المبدأ أيضاً أساساً في سياسة إزالة الاستعمار عن افريقيا وآسيا، وإنشاء دول مستقلة بدلاً عن المستعمرات الأوروبية.
وبعد الحرب العالمية الأولى شاعت فكرة أن المجتمع الذي يحق له حق تقرير مصيره هو مجموعة الناس الناطقين بلغة واحدة، وذوي ثقافة مشتركة، والقاطنين في منطقة معينة ذات حدود واضحة. وعندما أرادوا تطبيق ذلك على البلاد العربية المترامية الأطراف، والتي كانت ضمن الخلافة العثمانية، رأوا أن ذلك سيوجد دولة كبيرة وقوية لذلك جعلوا لها اتفاقية خاصة بين وزيري خارجية كل من بريطانيا وفرنسا (سايكس وبيكو) وسميت باسمهما (اتفاقية سايكس بيكو) قطعت بها البلاد العربية إلى دويلات صغيرة، ورسموا لها خرائط، وزرعوا الفتن بينها، حيث جعلوا بعض المناطق متنازعاً عليها.
أما فيما يتعلق بأوروبا فإنهم عند تطبيق فكرة حق تقرير المصير في أرض الواقع وجدوا انها غير عملية، إذ بلغ عدد مطالبات الشعوب والمجتمعات للاعتراف بحقها في تقرير مصيرها درجة جعلت قادة أوروبا يخشون من تقسيم أوروبا إلى عشرات الدويلات ذات الحدود الطويلة؛ التي تعرقل التبادل التجاري وحرية العبور والسفر، ولذلك عمدوا إلى تأسيس فيدراليات في وسط أوروبا، مثل تشيوسلوفاكيا ويوغسلافيا التي تفككت إلى عدة دويلات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لذلك حذف حق تقرير المصير من عصبة الأمم مع ان الرئيس الأمريكي (ويلسون) كان قد ضمنه في نقاطه الأربعة عشر المشهورة، بل ان ويلسون نفسه عاد وأقر لاحقاً أنه حين تحدث عن حق تقرير المصير لم يكن يعلم عن القوميات، ومن ثم فإنه قرر بأن تطبيق هذا المبدأ يقتصر على شعوب الأقاليم التي انفصلت عن الامبراطوريات المهزومة دون سواها.
إلا أنهم- أي الأوروبيين والأمريكيين فطنوا إلى أن حق تقرير المصير سلاح فتاك؛ يمكن عبره تفتيت البلاد الإسلامية، والحيلولة دون عودتها مرة أخرى تحت دولة واحدة هي دولة الخلافة، واعمالاً بهذا السلاح نجدهم قاموا بفصل باكستان عن الهند عندما أحسوا بتغلغل الإسلام في شبه القارة الهندية بصورة مذهلة، وأوجدوا منطقة متنازع عليها لاضعاف الدولتين؛ وهي منطقة كشمير؛ التي ما زالت جراحها دامية، ثم لاضعاف باكستان قاموا بتقسيمها إلى باكستان وبنغلاديش، كما فصلوا السودان عن مصر وأيضاً جعلوا مثلث حلايب منطقة توتر بين الدولتين، وفصلوا أريتريا عن اثيوبيا وما زالت الحرب بينهما حول الحدود، كما فصلوا تيمور الشرقية عن اندونيسيا، وسينغافورة عن ماليزيا، كل هذا بمسرحية حق تقرير المصير عبر اثارة الأقليات في هذه البلاد، وما زال الحبل على الجرار. واليوم يفصلون جنوب السودان بذات السيناريو الذي فصلوا به السودان عن مصر وسموه زوراً وبهتاناً استقلالاً. كما نسمع بأن أكراد العراق يطالبون بحق تقرير المصير،وأهل الصحراء الغربية في المغرب العربي كذلك يطالبون بهذا الحق المزعوم.
يحدث كل هذا في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا بكل ما أوتيت من قوة من أجل الوحدة، بل ان هنالك مناطق في أوروبا تطالب منذ زمن بعيد بحق تقرير المصير ولا يسمح لها بذلك، بل ولا يسمح ما يسمى بالمجتمع الدولي أو غيره بالتدخل، ومثال ذلك اقليم الباسك في اسبانيا وايرلندا في بريطانيا وغيرها وغيرها، ولكن في بلاد المسلمين الكل يتدخل باسم حماية حقوق الأقليات بعد أن يتم شراء بعض زعامات هذه الأقليات لتتمرد على مركزها السياسي، ثم يمدونهم بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ويسخرون كل أجهزة الإعلام، بما فيها أجهزة الإعلام في بلاد المسلمين من أجل التمزيق والتفتيت.
والجميع في السودان عايش ويعايش ما يسمى بقضية جنوب السودان، كيف بدأت وكيف سارت، وإلى ماذا انتهت؟! وللأسف فإن الحركات الانفصالية ليست وحدها من يلام على هذا التمزيق والتفتيت، وإنما حكام العالم الإسلامي لهم ضلع كبير في التنفيذ، فإن أمريكا وأوروبا لم تقسم هذه البلاد بالقوة العسكرية، وإنما بالمكر والخداع عبر ما يسمى بالاتفاقيات، وخير مثال اتفاقية التمزيق نيفاشا التي صممت أصلاً من أجل فصل جنوب السودان عن شماله، ثم تهيئة بقية الأقاليم الأخرى للانفصال، والذي وقّع هذه الاتفاقية كان يعلم أن مصير السودان هو التمزيق، ورغم ذلك وقّع عليها، والغرب وبخاصة امريكا استطاعت عبر مثل هذه الاتفاقيات أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه عبر الحروب عندما كانت تدعم الحركات المتمردة لتحقيق ما تريده من التمزيق والتفتيت.
لذلك كان لزاماً على الجميع وبخاصة السياسيين المخلصين والواعين من أبناء هذا البلد أن يعوا على هذا المخطط الخبيث وان يقفوا ضده بل ويعملوا لتوحيد السودان مع غيره من بلاد المسلمين، تحت دولة مبدئية قوية توفر هذه الدولة الأمن والأمان لشعوبها، بل وتحمل الخير والهدى والنور إلى العالمين كما كانت دولة الخلافة الإسلامية التي أوجدت لنا هذه البلاد المترامية الأطراف من العالم الإسلامي؛ من جاكرتا إلى طنجة ومن ممبسا إلى استنبول.
*صحيفة الشاهد السودانية