د . مصباح الله عبد الباقي
سرّبت آلة الدعاية الأمريكية مؤخّراً إلى الإعلام العربي والعالمي مشاهد من مباراة كرة قدم نسائية أُجريت في العاصمة الأفغانية كابول بين فريق نسائي أفغاني «مزعوم» وفريق يمثّل قوات الاحتلال في البلاد.. والحقيقة أن أفغانستان ليس فيها فريق رجالي لكرة القدم أصلاً حتى نسمع عن فريق نسائي، كما أن المجتمع الأفغاني شديد المحافظة والالتزام الديني، وقد فشلت حملات التغريب على مدار أكثر من خمسين عاماً في بث القيم الأوروبية فيه، ولكنها آلة الخداع الأمريكي، التي وصلت إلى حدود بعيدة في الإسفاف والفشل، حتى في ممارسة الدعايات الإعلامية المضللة! يهم المتابع لأوضاع المسلمين في أنحاء العالم أن يعرف الواقع الحالي للتديُّن في المجتمع الأفغاني، حيث إنه تعرّض في السنوات التسع الماضية من قِبَل الاحتلال الأمريكي والجهات الموالية له لمحاولات مستميتة لطمس هويته الدينية بإبعاده عن الالتزام بدينه، وصبغه بثقافات أجنبية. وكان العديد من وسائل الإعلام، عقب الغزو الأمريكي للبلاد في أكتوبر2001م، قد نقلت ضمن تغطيتها للأحداث بعض مظاهر التمرُّد على التدين في المدن الأفغانية الكبيرة، فهل استمر الوضع على المنوال نفسه ونجح الاحتلال في أغراضه وتمكن من طمس هوية الشعب الأفغاني، أم أن الأوضاع تختلف الآن عما خطط له الاحتلال الأمريكي؟! الإجابة عن هذا السؤال تتطلب منا أن نقرب إلى الأذهان أوضاع المجتمع الأفغاني بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة، وتتطلب منا كذلك أن نقرب صورة الواقع الديني الحالي للمجتمع، ومن ثم يتطلب ذلك منا دراسة بعض الأسباب التي كانت وراء هذا التغيّر. فعندما احتلت القوات الأمريكية أفغانستان قبل تسعة أعوام، واستخدمت الأسلحة بفجاجة كبرى، وخيّم الخوف على المتدينين، حدث نوع من التمرد على التدين في المدن الأفغانية الكبيرة، وكان من أهم أسباب هذا التمرد رد الفعل لبعض التطبيقات الخاطئة لأحكام الشريعة من قِبَل حكومة «طالبان»، إضافة إلى الخوف الذي أصاب المسلمين نتيجة التعامل الهمجي الأمريكي مع المتدينين في المجتمع الأفغاني، فاستأسد الموالون لتغريب المجتمع، وضم بعض ضعاف الإيمان أصواتهم إلى صوتهم، فظهرت في العاصمة «كابول» وبعض المدن الأفغانية الكبرى مظاهر من هذا التمرد، في صورة سفور النساء، وشرب الخمور، والفساد الخلقي، وتناقُص أعداد المصلين في المساجد. وقد شجعت أمريكا الموالين للمشروع الغربي في أفغانستان، وأيدت مشروع تغريب المجتمع عن طريق وسائل مختلفة، من أهمها: - المرأة: إذ حاولوا استخدامها كأداة لتغريب المجتمع، فبدل أن يهتموا بمسائل المرأة الحقيقية في مجال الصحة والتعليم والمشكلات الاجتماعية، شجعوها بطرق مختلفة وبحيل متنوعة على التخلي عن الحجاب، والعيش كما تعيش المرأة في الغرب.. وقد فعلت تلك الحيل فعلها في بداية الأمر، وخرجت المرأة وانتشر السفور والعُري في المدن الأفغانية الكبرى. - وسائل الإعلام: حيث أنشئ عدد من القنوات الفضائية، والمحطات التلفزيونية المحلية، والإذاعات التي تبث على الموجات القصيرة لجميع ولايات أفغانستان باللغات المحلية، إلى جانب الإذاعات العالمية التي تبث برامجها باللغات المحلية على مدار أربع وعشرين ساعة.. وقد أسهمت هذه الوسائل في نشر الثقافة الأجنبية في المجتمع الأفغاني، وشاركت في نشر الفساد الخلقي عن طريق بث الأفلام الهندية والأجنبية والمسلسلات بعد ترجمتها إلى اللغات المحلية، وقد أثرت تلك الأفلام والمسلسلات وما تبث من برامج مختلفة لهذا الغرض في المجتمع الأفغاني، وما زالت تؤثر فيه، كما أن وسائل الإعلام كانت تبث - ولا تزال - من خلال برامجها التثقيفية ما يوجه المجتمع الوجهة الغربية. - ترويج الخمور في الأسواق: وكان من الوسائل المؤثرة في الانحراف الخلقي للشباب خاصة وجود الخمور بوفرة في أسواق المدن الأفغانية الكبيرة؛ حيث تأتي بذريعة أن القوات الأجنبية تستخدمها، ثم تُعرض في الأسواق العامة للناس. - التعليم: وقد استُخدمت مؤسسات التعليم العالي للغرض نفسه من قِبَل الاحتلال الأمريكي والجهات الموالية له؛ حيث ألغت الحكومة الأفغانية الفصل بين البنين في قاعات الدراسة بالجامعات، وهُيئت الظروف للاختلاط بين الذكور والإناث لتشجيع الفساد الخلقي، كما تم إلغاء عدد من المواد الدينية من المناهج الدراسية، إضافة إلى تقليص عدد ساعات الدراسة لبعضها. - زعزعة ثقة الشباب بالرموز الدينية: سعى الاحتلال والموالون له إلى إضعاف ثقة الشباب بالرموز الدينية في المجتمع الأفغاني باتهام العلماء والأئمة بالتطرف والتخلف. - إيجاد الأبطال والرموز البديلة: عمل الاحتلال والموالون للمشروع الأمريكي - عن طريق وسائل الإعلام المختلفة - على إيجاد الأبطال والرموز البديلة للشباب من نجوم الفن والألعاب، وخاصة من الفنانين الهنود؛ سعياً منه إلى التأثر بهم إلى درجة الاقتداء بهم في حياتهم، وذلك ضمن محاولات إبعادهم عن الالتزام بالدين. - نشر الأفكار المنحرفة: فُتح المجال مع مجيء الاحتلال لجميع أنواع الأفكار المنحرفة باسم حقوق الإنسان في إبداء الرأي، وكان الغرض الأساسي من ذلك زعزعة ثقة المجتمع الأفغاني المحافظ بالثوابت والمسلّمات الدينية؛ حيث تم نشر وترويج بعض الأفكار الفلسفية العقيمة - باسم «الحداثة» و«ما بعد الحداثة» - لزعزعة الثقة بالنصوص الدينية. كما تم طرح «الثوابت» الإسلامية للمناقشة وإبداء الرأي والاعتراض، مثل الاعتراض على الشريعة وعلى العقوبات الشرعية، ثم الإساءة إلى النبي الكريم [، ثم نشر ترجمة محرفة للقرآن الكريم، مصحوبة بتعليقات خبيثة مليئة بالدعوة إلى التعددية الدينية (Religious pluralism)، والقول: إن «الأديان كلها صحيحة، ولا فضل لدين على دين».. وكلما تعرض هؤلاء لضغط شعبي، أو تعرضت الحكومة للمطالبة بمعاقبتهم، احتضنتهم إحدى الدول الأوروبية باسم أبطال حرية الرأي، وذلك لتشجيع غيرهم على الاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم. - فتح المجال للتنصير: فتح الاحتلال أبواب أفغانستان على مصراعيها للجهات الكنسية والتنصيرية تحت ستار أعمال الإغاثة، فتدفق المنصرون صوب أفغانستان من جميع بلدان العالم، وبدؤوا يستغلون الظروف المعيشية الصعبة لبعض فقراء المسلمين، وتمكنوا من تنصير بعضهم، ولما تعرضت الحكومة الأفغانية العميلة للضغوط بخصوص معاقبة المرتد الأفغاني الأول تدخلت الدول الأوروبية، وتم نقله من السجن إلى إحدى الدول الأوروبية، رغم أن قضيته كانت منظورة أمام القضاء الأفغاني.. وكان الهدف من ذلك تشجيع الآخرين على الاقتداء به والانتقال للعيش في الدول الغربية المتقدمة. والآن - وبعد تسع سنوات من العمل التنصيري المتواصل- ها هي ذي آثاره تظهر على الساحة الأفغانية بقوة.. فقد أعلنت مجموعة من الشيعة قبل فترة من الزمن ارتدادها، ولا تزال هذه السلسلة مستمرة، وقد اعترفت الحكومة بوجود ثلاث كنائس رسمية في أفغانستان بعد أن كانت من الدول التي لم يكن فيها نصراني واحد ولا كنيسة على الإطلاق! هل تغيّرت الأوضاع؟ استطاع الاحتلال والموالون له داخل المجتمع الأفغاني تحقيق بعض النجاح في الوصول إلى بعض أهدافهم، في ظل استخدام تهمة «الإرهاب» ضد كل من كان يقف في وجهه، وإلقاء القبض على كل من يعارض الاحتلال ولو بالكلمة، وخاصة عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش» الابن أن «كل من ليس معنا فهو ضدنا». في تلك الفترة الرهيبة التي خيّم فيها الرعب على جميع المعارضين للمشروع الغربي في العالم الإسلامي عموماً وفي المجتمع الأفغاني بصورة خاصة؛ استمر المشروع التغريبي الأمريكي للمجتمع الأفغاني من غير مقاومة تُذكر. وعندما خفّ الرعب قليلاً، وأفاق الناس مما أصابهم من الهلع، وعادوا إلى رشدهم، وفكروا فيما حولهم، أدركوا أن الاحتلال الأمريكي لم يحتل البلد عسكرياً فقط؛ بل جاء بمشروع استعماري متكامل، وذلك لأن الأمريكان كانوا يظنون - ولا يزالون - أن المجتمعات المتدينة مصدر تهديد وخطر لهم، وكلما تحول المجتمع إلى مجتمع «حداثي» بعيد عن التدين زال هذا الخطر وتلاشى ذلك التهديد. ولما أدرك بعض المخلصين هذه الحقيقة وشاهدوا تطبيق المشروع الاستعماري في مختلف مجالات الحياة، قرروا مواجهته في جميع المجالات التي استهدفها ذلك المشروع.
*مجلة المجتمع
سرّبت آلة الدعاية الأمريكية مؤخّراً إلى الإعلام العربي والعالمي مشاهد من مباراة كرة قدم نسائية أُجريت في العاصمة الأفغانية كابول بين فريق نسائي أفغاني «مزعوم» وفريق يمثّل قوات الاحتلال في البلاد.. والحقيقة أن أفغانستان ليس فيها فريق رجالي لكرة القدم أصلاً حتى نسمع عن فريق نسائي، كما أن المجتمع الأفغاني شديد المحافظة والالتزام الديني، وقد فشلت حملات التغريب على مدار أكثر من خمسين عاماً في بث القيم الأوروبية فيه، ولكنها آلة الخداع الأمريكي، التي وصلت إلى حدود بعيدة في الإسفاف والفشل، حتى في ممارسة الدعايات الإعلامية المضللة! يهم المتابع لأوضاع المسلمين في أنحاء العالم أن يعرف الواقع الحالي للتديُّن في المجتمع الأفغاني، حيث إنه تعرّض في السنوات التسع الماضية من قِبَل الاحتلال الأمريكي والجهات الموالية له لمحاولات مستميتة لطمس هويته الدينية بإبعاده عن الالتزام بدينه، وصبغه بثقافات أجنبية. وكان العديد من وسائل الإعلام، عقب الغزو الأمريكي للبلاد في أكتوبر2001م، قد نقلت ضمن تغطيتها للأحداث بعض مظاهر التمرُّد على التدين في المدن الأفغانية الكبيرة، فهل استمر الوضع على المنوال نفسه ونجح الاحتلال في أغراضه وتمكن من طمس هوية الشعب الأفغاني، أم أن الأوضاع تختلف الآن عما خطط له الاحتلال الأمريكي؟! الإجابة عن هذا السؤال تتطلب منا أن نقرب إلى الأذهان أوضاع المجتمع الأفغاني بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة، وتتطلب منا كذلك أن نقرب صورة الواقع الديني الحالي للمجتمع، ومن ثم يتطلب ذلك منا دراسة بعض الأسباب التي كانت وراء هذا التغيّر. فعندما احتلت القوات الأمريكية أفغانستان قبل تسعة أعوام، واستخدمت الأسلحة بفجاجة كبرى، وخيّم الخوف على المتدينين، حدث نوع من التمرد على التدين في المدن الأفغانية الكبيرة، وكان من أهم أسباب هذا التمرد رد الفعل لبعض التطبيقات الخاطئة لأحكام الشريعة من قِبَل حكومة «طالبان»، إضافة إلى الخوف الذي أصاب المسلمين نتيجة التعامل الهمجي الأمريكي مع المتدينين في المجتمع الأفغاني، فاستأسد الموالون لتغريب المجتمع، وضم بعض ضعاف الإيمان أصواتهم إلى صوتهم، فظهرت في العاصمة «كابول» وبعض المدن الأفغانية الكبرى مظاهر من هذا التمرد، في صورة سفور النساء، وشرب الخمور، والفساد الخلقي، وتناقُص أعداد المصلين في المساجد. وقد شجعت أمريكا الموالين للمشروع الغربي في أفغانستان، وأيدت مشروع تغريب المجتمع عن طريق وسائل مختلفة، من أهمها: - المرأة: إذ حاولوا استخدامها كأداة لتغريب المجتمع، فبدل أن يهتموا بمسائل المرأة الحقيقية في مجال الصحة والتعليم والمشكلات الاجتماعية، شجعوها بطرق مختلفة وبحيل متنوعة على التخلي عن الحجاب، والعيش كما تعيش المرأة في الغرب.. وقد فعلت تلك الحيل فعلها في بداية الأمر، وخرجت المرأة وانتشر السفور والعُري في المدن الأفغانية الكبرى. - وسائل الإعلام: حيث أنشئ عدد من القنوات الفضائية، والمحطات التلفزيونية المحلية، والإذاعات التي تبث على الموجات القصيرة لجميع ولايات أفغانستان باللغات المحلية، إلى جانب الإذاعات العالمية التي تبث برامجها باللغات المحلية على مدار أربع وعشرين ساعة.. وقد أسهمت هذه الوسائل في نشر الثقافة الأجنبية في المجتمع الأفغاني، وشاركت في نشر الفساد الخلقي عن طريق بث الأفلام الهندية والأجنبية والمسلسلات بعد ترجمتها إلى اللغات المحلية، وقد أثرت تلك الأفلام والمسلسلات وما تبث من برامج مختلفة لهذا الغرض في المجتمع الأفغاني، وما زالت تؤثر فيه، كما أن وسائل الإعلام كانت تبث - ولا تزال - من خلال برامجها التثقيفية ما يوجه المجتمع الوجهة الغربية. - ترويج الخمور في الأسواق: وكان من الوسائل المؤثرة في الانحراف الخلقي للشباب خاصة وجود الخمور بوفرة في أسواق المدن الأفغانية الكبيرة؛ حيث تأتي بذريعة أن القوات الأجنبية تستخدمها، ثم تُعرض في الأسواق العامة للناس. - التعليم: وقد استُخدمت مؤسسات التعليم العالي للغرض نفسه من قِبَل الاحتلال الأمريكي والجهات الموالية له؛ حيث ألغت الحكومة الأفغانية الفصل بين البنين في قاعات الدراسة بالجامعات، وهُيئت الظروف للاختلاط بين الذكور والإناث لتشجيع الفساد الخلقي، كما تم إلغاء عدد من المواد الدينية من المناهج الدراسية، إضافة إلى تقليص عدد ساعات الدراسة لبعضها. - زعزعة ثقة الشباب بالرموز الدينية: سعى الاحتلال والموالون له إلى إضعاف ثقة الشباب بالرموز الدينية في المجتمع الأفغاني باتهام العلماء والأئمة بالتطرف والتخلف. - إيجاد الأبطال والرموز البديلة: عمل الاحتلال والموالون للمشروع الأمريكي - عن طريق وسائل الإعلام المختلفة - على إيجاد الأبطال والرموز البديلة للشباب من نجوم الفن والألعاب، وخاصة من الفنانين الهنود؛ سعياً منه إلى التأثر بهم إلى درجة الاقتداء بهم في حياتهم، وذلك ضمن محاولات إبعادهم عن الالتزام بالدين. - نشر الأفكار المنحرفة: فُتح المجال مع مجيء الاحتلال لجميع أنواع الأفكار المنحرفة باسم حقوق الإنسان في إبداء الرأي، وكان الغرض الأساسي من ذلك زعزعة ثقة المجتمع الأفغاني المحافظ بالثوابت والمسلّمات الدينية؛ حيث تم نشر وترويج بعض الأفكار الفلسفية العقيمة - باسم «الحداثة» و«ما بعد الحداثة» - لزعزعة الثقة بالنصوص الدينية. كما تم طرح «الثوابت» الإسلامية للمناقشة وإبداء الرأي والاعتراض، مثل الاعتراض على الشريعة وعلى العقوبات الشرعية، ثم الإساءة إلى النبي الكريم [، ثم نشر ترجمة محرفة للقرآن الكريم، مصحوبة بتعليقات خبيثة مليئة بالدعوة إلى التعددية الدينية (Religious pluralism)، والقول: إن «الأديان كلها صحيحة، ولا فضل لدين على دين».. وكلما تعرض هؤلاء لضغط شعبي، أو تعرضت الحكومة للمطالبة بمعاقبتهم، احتضنتهم إحدى الدول الأوروبية باسم أبطال حرية الرأي، وذلك لتشجيع غيرهم على الاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم. - فتح المجال للتنصير: فتح الاحتلال أبواب أفغانستان على مصراعيها للجهات الكنسية والتنصيرية تحت ستار أعمال الإغاثة، فتدفق المنصرون صوب أفغانستان من جميع بلدان العالم، وبدؤوا يستغلون الظروف المعيشية الصعبة لبعض فقراء المسلمين، وتمكنوا من تنصير بعضهم، ولما تعرضت الحكومة الأفغانية العميلة للضغوط بخصوص معاقبة المرتد الأفغاني الأول تدخلت الدول الأوروبية، وتم نقله من السجن إلى إحدى الدول الأوروبية، رغم أن قضيته كانت منظورة أمام القضاء الأفغاني.. وكان الهدف من ذلك تشجيع الآخرين على الاقتداء به والانتقال للعيش في الدول الغربية المتقدمة. والآن - وبعد تسع سنوات من العمل التنصيري المتواصل- ها هي ذي آثاره تظهر على الساحة الأفغانية بقوة.. فقد أعلنت مجموعة من الشيعة قبل فترة من الزمن ارتدادها، ولا تزال هذه السلسلة مستمرة، وقد اعترفت الحكومة بوجود ثلاث كنائس رسمية في أفغانستان بعد أن كانت من الدول التي لم يكن فيها نصراني واحد ولا كنيسة على الإطلاق! هل تغيّرت الأوضاع؟ استطاع الاحتلال والموالون له داخل المجتمع الأفغاني تحقيق بعض النجاح في الوصول إلى بعض أهدافهم، في ظل استخدام تهمة «الإرهاب» ضد كل من كان يقف في وجهه، وإلقاء القبض على كل من يعارض الاحتلال ولو بالكلمة، وخاصة عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش» الابن أن «كل من ليس معنا فهو ضدنا». في تلك الفترة الرهيبة التي خيّم فيها الرعب على جميع المعارضين للمشروع الغربي في العالم الإسلامي عموماً وفي المجتمع الأفغاني بصورة خاصة؛ استمر المشروع التغريبي الأمريكي للمجتمع الأفغاني من غير مقاومة تُذكر. وعندما خفّ الرعب قليلاً، وأفاق الناس مما أصابهم من الهلع، وعادوا إلى رشدهم، وفكروا فيما حولهم، أدركوا أن الاحتلال الأمريكي لم يحتل البلد عسكرياً فقط؛ بل جاء بمشروع استعماري متكامل، وذلك لأن الأمريكان كانوا يظنون - ولا يزالون - أن المجتمعات المتدينة مصدر تهديد وخطر لهم، وكلما تحول المجتمع إلى مجتمع «حداثي» بعيد عن التدين زال هذا الخطر وتلاشى ذلك التهديد. ولما أدرك بعض المخلصين هذه الحقيقة وشاهدوا تطبيق المشروع الاستعماري في مختلف مجالات الحياة، قرروا مواجهته في جميع المجالات التي استهدفها ذلك المشروع.
*مجلة المجتمع