فهمي هويدي
لم يعد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي يفوِّت فرصة اجتماعية دون أن يدعو الأتراك إلى زيادة نسلهم، مشددا على أن كل أسرة لا ينبغي أن تنجب أقل من ثلاثة مواليد (مثله)، وحبذا لو كانوا أكثر من ذلك.
بل إنه أصبح يمازح الأتراك قائلا:
إن ذلك هو شرطه لحضور أي مناسبة لعقد قران.
ولأنه كرر الدعوة عدة مرات، فإن ذلك أثار حماس رئيس بلدية مدينة «بايداغ» التي تبعد ثلاثين كيلومترا عن العاصمة أنقرة، فأعلن على الملأ أن كل أسرة تثبت أن الزوجة أصبحت حاملا، ستعفى من دفع قيمة استهلاك المياه لمدة سنتين.
هذا الكلام لا ينطلق من فراغ، وإنما تكمن في خلفيته رؤية مميزة وحسابات تتطلع إلى المستقبل البعيد. ذلك أن قيادة حزب العدالة والتنمية تعتبر البشر ثروة ينبغي تنميتها واستثمارها على أفضل وجه ممكن.
خصوصا إذا تحولوا إلى طاقات إنتاجية تسهم في نهضة البلد وتقدمه. وهو الحاصل الآن في تركيا، التي لم تبلغ ما بلغته من نمو وعلو إلا لأن المجتمع تحول إلى آلة إنتاجية ضخمة تتحرك بهمة في مختلف المجالات.
ولأنهم يتطلعون لأن تصبح تركيا عام 2020 في المرتبة العاشرة بين الدول الصناعية في العالم (ترتيبها الآن 16 عالميا وفي المرتبة السادسة أوروبيا) فهم لا يزالون بحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة لن تتوافر إلا بزيادة معدلات الإنجاب.
من ناحية ثانية فإن الجهات المعنية لاحظت أن تأثر المجتمع التركي بالثقافة الغربية المنحازة إلى الأسر الصغيرة بدا واضحا، إذ تراجعت معدلات الإنجاب في المدن حتى أصبحت الأسرة تكتفي بطفل أو اثنين،
كما أن منطقة الأناضول التي كان متوسط عدد الأبناء والبنات يتراوح بين 5 أو 6 لكل أسرة، لكن أهالي المنطقة لحقوا بأقرانهم في الحضر وأصبحوا يكتفون بطفلين أو ثلاثة كحد أقصى.
وخلصت تلك الجهات المعنية إلى أنه بعد 30 سنة ستكون نسبة الشيوخ في تركيا 70% من مجموع السكان، الأمر الذي يؤثر سلبا على عافية المجتمع وقدرته على النهوض والتقدم.
صحيح أن الخبراء لا يرون قلقا أو خطرا في الوضع الراهن، فعدد سكان تركيا حسب آخر إحصاء 73 مليونا و650 ألفا، ونسبة الشبان في حدود 60%، إلا أن المؤشرات التي تتعلق بالمستقبل هي التي دفعتهم إلى تنبيه رئيس الحكومة إلى ما ترتبه من نتائج، الأمر الذي دعاه إلى الخروج على الملأ بالدعوة إلى زيادة النسل.
الصورة في مصر معكوسة تماما كما تعلم، فتقليل النسل أحد أهداف الحكومة والمؤسسات الرسمية، بل هي الوظيفة الرئيسة لوزارة الأسرة، التي لا تكف عن الإلحاح عليها في كل مناسبة خصوصا عبر التلفزيون الذي باتت إعلاناته اليومية تعطي السيدات دروسا يومية في كيفية قطع الخلفة، مع تزيين فكرة تقليل الإنجاب التي تسهم فيها الملصقات المنتشرة في مختلف المدن والأماكن العامة.
ليس ذلك فحسب، وإنما أصبحت كثرة المواليد هي المشجب الأول الذي تعلق عليه الحكومة أسباب تعثر مشروعات التنمية أو فشلها.
وأصبح المسؤولون في السلطة ينددون بزيادة السكان في كل مناسبة، ويقرعون الناس ويتهمونهم بأن زيادة أعدادهم هي السبب في كل المشاكل التي تواجه المجتمع وتحول دون تقدمه.
حتى إن أحد كبار المسؤولين بلغ به ضيق الصدر درجة جعلته يتساءل ذات مرة ضاحكا،
هل سنضطر يوما ما لأن نوقف شرطيا عند كل سرير في البلد؟!?
المقارنة تستدعى السؤال التالي:
لماذا يشجعون زيادة النسل في تركيا في حين تحارب الفكرة في مصر وتستهجن؟
ربما قال قائل إن ثمة مشكلة يتحسبون لها في تركيا بزيادة النسل، لكن الموقف في مصر مختلف، باعتبار أن ما يقلقهم هناك ليس واردا عندنا، لأن المصريين يقومون بالواجب، ويتناسلون بمعدلات تبدد أي مخاوف بالنسبة لوفرة الأيدي العاملة في المستقبل،
ثم إن تأثير الثقافة الغربية على أوضاعنا الاجتماعية ليس بالقوة التي تشهدها تركيا.
قد لا تخلو هذه الحجة من بعض الوجاهة، لكنني أزعم أنها غير مقفعة، وفي أحسن أحوالها فإنها تصلح عنصرا ثانويا وليس رئيسا،
ذلك أننا إذا أردنا أن نتصارح فلا مفر من أن نعترف بأن الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين الذين يعملون ويحاسبون والذين لا يعملون ولا يحاسبون
ــ بين من شغلهم طموح التنمية والتفوق وبين من شغلهم الاستمرار واحتكار السلطة.
وهو ما دفع الأولين لاعتبار الطاقات البشرية ثروة وسلاحا فعالا في سباق التفوق،
في حين أن الآخرين اعتبروها عبئا وسببا للإزعاج ومصدرا للمشاكل
ــ والله أعلم.
لم يعد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي يفوِّت فرصة اجتماعية دون أن يدعو الأتراك إلى زيادة نسلهم، مشددا على أن كل أسرة لا ينبغي أن تنجب أقل من ثلاثة مواليد (مثله)، وحبذا لو كانوا أكثر من ذلك.
بل إنه أصبح يمازح الأتراك قائلا:
إن ذلك هو شرطه لحضور أي مناسبة لعقد قران.
ولأنه كرر الدعوة عدة مرات، فإن ذلك أثار حماس رئيس بلدية مدينة «بايداغ» التي تبعد ثلاثين كيلومترا عن العاصمة أنقرة، فأعلن على الملأ أن كل أسرة تثبت أن الزوجة أصبحت حاملا، ستعفى من دفع قيمة استهلاك المياه لمدة سنتين.
هذا الكلام لا ينطلق من فراغ، وإنما تكمن في خلفيته رؤية مميزة وحسابات تتطلع إلى المستقبل البعيد. ذلك أن قيادة حزب العدالة والتنمية تعتبر البشر ثروة ينبغي تنميتها واستثمارها على أفضل وجه ممكن.
خصوصا إذا تحولوا إلى طاقات إنتاجية تسهم في نهضة البلد وتقدمه. وهو الحاصل الآن في تركيا، التي لم تبلغ ما بلغته من نمو وعلو إلا لأن المجتمع تحول إلى آلة إنتاجية ضخمة تتحرك بهمة في مختلف المجالات.
ولأنهم يتطلعون لأن تصبح تركيا عام 2020 في المرتبة العاشرة بين الدول الصناعية في العالم (ترتيبها الآن 16 عالميا وفي المرتبة السادسة أوروبيا) فهم لا يزالون بحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة لن تتوافر إلا بزيادة معدلات الإنجاب.
من ناحية ثانية فإن الجهات المعنية لاحظت أن تأثر المجتمع التركي بالثقافة الغربية المنحازة إلى الأسر الصغيرة بدا واضحا، إذ تراجعت معدلات الإنجاب في المدن حتى أصبحت الأسرة تكتفي بطفل أو اثنين،
كما أن منطقة الأناضول التي كان متوسط عدد الأبناء والبنات يتراوح بين 5 أو 6 لكل أسرة، لكن أهالي المنطقة لحقوا بأقرانهم في الحضر وأصبحوا يكتفون بطفلين أو ثلاثة كحد أقصى.
وخلصت تلك الجهات المعنية إلى أنه بعد 30 سنة ستكون نسبة الشيوخ في تركيا 70% من مجموع السكان، الأمر الذي يؤثر سلبا على عافية المجتمع وقدرته على النهوض والتقدم.
صحيح أن الخبراء لا يرون قلقا أو خطرا في الوضع الراهن، فعدد سكان تركيا حسب آخر إحصاء 73 مليونا و650 ألفا، ونسبة الشبان في حدود 60%، إلا أن المؤشرات التي تتعلق بالمستقبل هي التي دفعتهم إلى تنبيه رئيس الحكومة إلى ما ترتبه من نتائج، الأمر الذي دعاه إلى الخروج على الملأ بالدعوة إلى زيادة النسل.
الصورة في مصر معكوسة تماما كما تعلم، فتقليل النسل أحد أهداف الحكومة والمؤسسات الرسمية، بل هي الوظيفة الرئيسة لوزارة الأسرة، التي لا تكف عن الإلحاح عليها في كل مناسبة خصوصا عبر التلفزيون الذي باتت إعلاناته اليومية تعطي السيدات دروسا يومية في كيفية قطع الخلفة، مع تزيين فكرة تقليل الإنجاب التي تسهم فيها الملصقات المنتشرة في مختلف المدن والأماكن العامة.
ليس ذلك فحسب، وإنما أصبحت كثرة المواليد هي المشجب الأول الذي تعلق عليه الحكومة أسباب تعثر مشروعات التنمية أو فشلها.
وأصبح المسؤولون في السلطة ينددون بزيادة السكان في كل مناسبة، ويقرعون الناس ويتهمونهم بأن زيادة أعدادهم هي السبب في كل المشاكل التي تواجه المجتمع وتحول دون تقدمه.
حتى إن أحد كبار المسؤولين بلغ به ضيق الصدر درجة جعلته يتساءل ذات مرة ضاحكا،
هل سنضطر يوما ما لأن نوقف شرطيا عند كل سرير في البلد؟!?
المقارنة تستدعى السؤال التالي:
لماذا يشجعون زيادة النسل في تركيا في حين تحارب الفكرة في مصر وتستهجن؟
ربما قال قائل إن ثمة مشكلة يتحسبون لها في تركيا بزيادة النسل، لكن الموقف في مصر مختلف، باعتبار أن ما يقلقهم هناك ليس واردا عندنا، لأن المصريين يقومون بالواجب، ويتناسلون بمعدلات تبدد أي مخاوف بالنسبة لوفرة الأيدي العاملة في المستقبل،
ثم إن تأثير الثقافة الغربية على أوضاعنا الاجتماعية ليس بالقوة التي تشهدها تركيا.
قد لا تخلو هذه الحجة من بعض الوجاهة، لكنني أزعم أنها غير مقفعة، وفي أحسن أحوالها فإنها تصلح عنصرا ثانويا وليس رئيسا،
ذلك أننا إذا أردنا أن نتصارح فلا مفر من أن نعترف بأن الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين الذين يعملون ويحاسبون والذين لا يعملون ولا يحاسبون
ــ بين من شغلهم طموح التنمية والتفوق وبين من شغلهم الاستمرار واحتكار السلطة.
وهو ما دفع الأولين لاعتبار الطاقات البشرية ثروة وسلاحا فعالا في سباق التفوق،
في حين أن الآخرين اعتبروها عبئا وسببا للإزعاج ومصدرا للمشاكل
ــ والله أعلم.