مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
علاو.. إن بي رغبة للرحيل
علاو.. إن بي رغبة للرحيل
(عبد الحفيظ الحطامي )
يحيى علاو أما تزال تسمعني. أيها الحبيب .. عشنا آلامك ووجعك .. أفراحك وأحزانك.. عشنا معك طفلا يافعا يتشرب من شلالا إبداعك البرنامجية والعلمية والفكرية التي صاحبتني منذ الطفولة وحتى اللحظة التي رحلت فيها عني .. حضور في الحياة وحضور في الممات، إنه قدر الموت ـ يا يحيى ـ لن يخطئ أحد، ماضون إلى ذات المصير المحتوم، لكن الذي أوجعني حد النشيج، أن تبذل عمرك المحدود في سبيل وطن عشت مزهوا به مدغما بأشواقه وأوجاعه، حاضرا في عمق تاريخه الندي، تلتقط نفائسه وشخوصه ورموزه في برامجك لتودعه حاضرنا المترع بالتصدع والتشقق والملل والإحباط والانكفاء، تستدعي تاريخ ماضينا المجيد في محاولة لترميم حاضرنا المشوه بأخطاء وخطايا ونكبات وأزمات من يحكمنا في هذا الزمن البليد، تضعنا في قلب ماضي حضارة سعيدة وتفاصيل زمن تليد ليكون ملاذات اقتباس واستحضار لذكرى رجال صنعوا التاريخ، من لنا في تصوير تضاريس جغرافيا وطن حيث عبق القباب والمآذن والقلاع والمآثر والتراث والسهول والوهاد والنجود وحتى الفلكلور والرقص الشعبي والضحك البريئ .. لن نكون حاضرين هذا العام في خارطة الوطن ـ يا يحيى ـ ولا حتى تاريخه لأن يحيى علاو رحل عنا بالسرطان اليمني في قتل الإبداع وإطفاء وهج المبدعين الذين يموتون بأعين مفتوحة على الوطن خوفا عليه من السقوط .. لقد كنت قريبا من أبناء هذا الوطن في الماضي والحاضر شغوفا بهم، حاضرا فيهم حد الذوبان، في الريف والحضر اختلط عرق جبينك بتراب وطنك .. في مثل هذه الأيام وأنت تجوب الأفاق تسابق الزمن في برنامج هو فاكهة الصائمين علما وفكرا وذكرا وروح وحتى ابتسامات بريئة، تبذل الغالي والنفيس ليقايضك حكامه جورا بالحرمان والنسيان والإهمال مكافأ لمؤخر خدمة.

أي وطن هذا ـ يا يحيى ـ تسقيه دم قلبك وعرق جبينك وأزاهير عمرك فيقايضك بالموت؟ أي خرابة تعرش فينا هذه التي تزهق أحلامنا بوطن يتسع للجميع دون فرز أو بغضاء أو إقالة بتهمة الانتماء، كم نحن بحاجة إلى طن يعترف حكامه بأننا مواطنون فقط لنا حق الحياة الكريمة .. حق أن نقول الحقيقة كما هي بلا رتوش ولا غموض ولا كذب أو ملق أو تضليل ..

اقتربت الأيام التي أجدك فيها حاضرا في القلب والوجدان والفكر .. ’’هيا عبد الحفيظ ويش جديدك أنا على وشك النزول إلى محافظة الحديدة ضمن برنامج الفرسان الفرسان الفرسان يا حطامي’’ .. كم تبكيني اللحظة التي استدعيها من قعر الذاكرة التي تلهمني قبسا من مرحكم النبيل .. لا اصدق استحالة عدم تكرار تلقي صوتك أيها الفارس الذي يترجل فجأة ودون سابق إنذار، هلا رحلت بنا إلى عالمك الأجمل والأنقى والأرقى والأتقى، إن بي رغبة للرحيل، فكيف آسى على فراقك يا أنبل الناس واعز الزملاء.

يتضاءل الوطن في أعينا إلى خرم إبره، بينما تتسع فضاء عطاء أبنائه آفاق بلا حدود، فيجد الفرسان الجياد أنفسهم يرحلون يودعوننا بصمت ودون حذلقة وزوبعة مخلدين ذكرى عطرة ومشروع يعتمل في الساحات، فقط لأنهم لم يكونوا يوما ضمن حملة مباخر القصور الفارهة ولا طالبي جبايات وعطايا مقابل حفنة من الريالات والفتات المتساقط من موائد ناهبي الثروة والثورة ..

يحيى علاو .. لم يتبدل شيء من شخصكم الكريم فأنتم حضور في الحياة وحضور في الممات .. يصعب علي رصد كل ذلك الحشود والدموع ومسحات الأسى التي تجلت عرفانا بحضوركم الزاهي بالإبداع النافع والخير العلمي والفكري النافع كنتم حضور يستعصي على الغياب .. حتى المكان والزمان تبقى كهوف معتمة ووحشة خلفها فراقكم المفاجئ، بدونكم يبقى الوطن واجفا تحدق به فرسان من ورق، لا أصدق ألبته أن يقترب موعد شهر رمضان ولياليه خالية، من المعلومة الجادة والمعرفة النقية ورسائل إعلامية دافقة بالخير والروح والوجد والتواد والتكافل، والمرح والابتسامة والشغف اللذيذ بأفراحنا القروية البسيطة التي ترجمها لنا ليعيد الجميع على امتداد خريطة الوطن إلى أيام الصبا والتصابي الجميل حيث ألعابنا البدائية المبسيطة .. من سينقلنا إلى عبق المراعي ونكهة القرى والمواقد وأغاني الصبيا في المراعي والأحوال والبساتين؟ من أين لنا أن نرى حتى هزيم الرعد وتراقص حبات المطر وأنداء الغيم وخرير المياه في الجبال والأودية وأصوات الماشية والجداول وأمواج البحار ضحكات الصيادين، وحتى أشواق وأوجاع حراس الوطن في الصحاري والجزر؟ لقد رسم لنا لوحة سامقة لذواتنا الماضوية الجميلة من خلال رصد شامل ونافع بفراستكم المتوقدة؟ .. من سيختزل الوطن في برنامج واحد لفارس واحد تمكن بمهنية وذوق وفن وعمل إعلامي رصين أن يضعنا دفعة واحدة أمام الوطن بماضية الجميل وحاضره المترع بالأشواق والأوجاع ؟ من سيبقينا مع الوطن في السهول والجبال والوهاد والصحاري والجزر يطويها ناثرا عبق المعرفة والمعلومة والتاريخ والجغرافيا والوطن والإنسان من أكمامها، لمن تركت الميدان المولع بك أيها الفارس؟ من أين سيبزغ فرسانك هذا العام؟ من سيوقظهم ويتحسس آثارهم ويزيل عنهم غبار النسيان .. يحيى علاو أما تزال تسمعني .. إن بي رغبة للرحيل.
*الصحوةنت
أضافة تعليق