مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ليس دفاعاً عن تركيا الجديدة
ليس دفاعاً عن تركيا الجديدة
(د. عبد العزيز المقالح)

المواقف الأخيرة والجديدة لتركيا، الدولة والشعب، تستحق المزيد من الإكبار والإجلال، فقد اخترقت بوعي واقتدار الكثير من الثوابت والمسلّمات السياسية التي كان هذا البلد الإسلامي الكبير يتخذها في ظل أنظمة سابقة ولعشرات السنين، وبهذه المواقف المتميّزة أضافت تركيا بُعداً جديداً ومهماً إلى الصراع العربي - الإسلامي الصهيوني.

ولا يسع كل المُخلصين للأمة العربية وقضيتها المركزية سوى إظهار كل معاني التقدير والثناء للدور التركي الذي أضيف إلى أدوار مهمّة أخرى من خارج المنظومة العربية ممّا أربك السياسة الصهيونية والأميركية معاً. وخلق حافزاً ساعد كثيراً من دول العالم على إعادة النظر في موقفها من القضية الفلسطينية، ووصل التغيير لدى بعضها إلى ما يقرب من 180 درجة.

ولعلّ ما يثير العجب والغضب في آن، أن ترتفع بعض الأصوات في بعض الأقطار (العربية) إلى التشكيك في الموقف التركي وتفسيره وفق تصوّرات غريبة، وفي ذلك ما يوحّد بين هذه الأصوات النشاز والصوت الصهيوني الذي يرى في الموقف التركي، وهو موقف إنساني أخلاقي، خروجاً على ما كانت تركيا السابقة تتخذه تجاهه وتجاه القضية الفلسطينية. ونحن في استنكارنا وإدانتنا لتلك الأصوات العربية المشككة في الموقف التركي لا ندافع عن تركيا وإنما ندافع عن فلسطين، وعن سكان غزة الجياع المحاصرين، ونقف مع هذا البلد الإسلامي في مواجهة الظلم الفادح الذي يلحق بسكان غزة ويعرّضهم للموت البطيء تحت وطأة الحصار الجائر.

ما الذي تطمح فيه تركيا من خلال موقفها الشريف والإنساني؟ وإذا كنا قد تخلينا عن مهمتنا وتنكرنا لدورنا التاريخي فما الغريب في أن تقوم دول أخرى في المنطقة في تبنّي هذا الدور وملء الفراغ، ومساعدة الأمّة المبعثرة في استعادة بعض ما تطمح إليه من تحجيم العدو وتمدداته الأخطبوطية وما شكّله ويشكّله في الماضي القريب وفي الوقت الراهن من خطر داهم وقائم. وهل تلام تركيا وغير تركيا من الدول الإسلامية إذا ما اتخذت موقفاً طبيعياً من هذا العدو الذي فتحت له بعض الأنظمة الأبواب والنوافذ ليستكمل نفوذه ويتمادى في بطشه بالفلسطينيين وسحق آمالهم في استرجاع وطنهم السليب وإقامة دولتهم الوطنية الحُرة المستقلة.

وإذا أردنا أن نستعيد مكانتنا في الوطن العربي والعالم فإن الطريق إلى تحقيق ذلك أكثر من واضح، وبدلاً من الإساءة إلى تركيا والتشكيك السخيف في موقفها البطولي الرائع، ما علينا إلا أن نتقدمها وأن تكون مواقفنا أكثر إيجابية، وبذلك وحده نتمكن من أن نستقطب حب الجماهير العربية والإسلامية واحترام العالم، أما أن نكتفي بقذف أصحاب المواقف الصحيحة والشريفة بحجارة الكلمات الرخيصة فذلك ضرب من العمل الجبان يبعث على السخرية من أهلنا أنفسهم، قبل أن يكون من المنافسين الذين يقومون بالواجب نيابة عنا وعن أنظمتنا العاجزة المتواطئة.
*الخليج الإماراتية
أضافة تعليق