مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
لأن الهوى غلاب
لأن الهوى غلاب – فهمي هويدي
أخشى أن تكون رئاسة حركة عدم الانحياز التي يفترض أن تنقل إلى الرئيس مبارك اليوم شبيهة بتنصيب العقيد القذافي ملكا على ملوك أفريقيا. ذلك أنه إذا كانت حركة عدم الانحياز قد أصبحت كيانا أثريا لا دور له في زماننا، فإن ملوك أفريقيا لا يختلفون عنها كثيرا. إن شئت فقل إن الأولى وهم وفولكلور سياسي. في حين أن مسألة ملوك القارة أقرب إلى النكتة والفولكلور الاجتماعي، والاثنان من بقايا عصور اندثرت وبادت.

وإذا قال قائل إن ملك ملوك أفريقيا يملك هامشا من حرية الحركة على الأرض بأكثر مما هو متوافر لرئيس حركة عدم الانحياز، فلن اختلف معه، لأن الجميع يعلمون أن الأخ العقيد اشترى المنصب بفلوسه، وبمقدوره أن يجعل منه مهرجانا دائما بفلوسه أيضا، ثم إن الجغرافيا تخدمه إلى حد كبير، باعتبار أن ليبيا واصلة إلى غرب أفريقيا ووسطها، وهي أمور لا تتوافر للرئيس مبارك، فليس لديه عوائد نفطية ينفقها على طموحاته السياسية، كما أن قائمة الدول المنخرطة في حركة عدم الانحياز تصل إلى 118 دولة موزعة على أرجاء الكرة الأرضية، وهو عبء يتعذّر على بلد مأزوم اقتصاديا كمصر أن يتحمّله.

ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنه لولا أن الدور حل على مصر في رئاسة الحركة، ولولا أن مدينة شرم الشيخ اختيرت مكانا للقاء القمة التي يفترض أن تعقد اليوم، لما ذكر اسم حركة عدم الانحياز في وسائل الإعلام المصرية. وليس ذلك راجعا بالضرورة إلى تقصير من جانب الصحف، وإنما لأن العمر الافتراضي للحركة قد انتهى،
بل إن مصطلح عدم الانحياز ذاته بات غريبا أو مستهجنا، بعدما صار الانحياز (التبعية إن شئت الدقة) عنوانا للمرحلة بأسرها، بل أصبح من أسباب التباهي والاعتزاز. وليس سرا أن العالم العربي يعيش الآن مرحلته الأميركية (البعض يضيف الإسرائيلية أيضا)، وإن ما يسمى بـ«التعاون الإستراتيجي» بين الولايات المتحدة والدول الرئيسية في المنطقة أصبح واقعا يشيد به المتحدثون الرسميون ولا يخجلون من الحفاوة به أمام الملأ.

هذا الإدراك يكشف لنا عن حقيقة أن عدم الانحياز في زماننا أصبح ادعاء لا دليل عليه، واستدعاء للافتة تجاوزها الزمن. وهو ما يدفعنا إلى التعبير عن الدهشة إزاء استمرار اجتماعات قمة تلك الدول، ومن ثم تضييع الوقت والجهد والمال لإقامة ذلك المهرجان الفولكلوري كل ثلاث سنوات، إذ عادة ما ينتهي إلى قرارات وتوصيات لا يأخذها أحد على محمل الجد. الأمر الذي يعني أن قدوم القادة إلى شرم الشيخ والإقامة في ضيافة مصر ليست سوى ممارسة، مما يسمى الآن بالسياحة السياسية، التي تعتبر الوجود في المكان والاستمتاع بجمال الطبيعة فيه هي أهم إنجاز للمؤتمر.

مع ذلك فهناك ما هو أغرب وأكثر إثارة للدهشة. ذلك أن المهرجان لم يكتف بعقد ذلك الاجتماع الفولكلوري المذكور، لكنه تضمن فقرة أخرى تمثلت في «قمة» موازية لزوجات رؤساء الدول المشاركة في القمة الرجالية، الأمر الذي يعني أننا إزاء سباق في اللاجدوى، يفتح أعيننا على أمرين مهمين

أولهما سذاجة معيار تقييمنا للحدث، إذ نكتشف أننا نقع في الخلط حين نتساءل عن الجدوى، لأن السؤال ليس واردا من الأساس، في حين أن الحضور الإعلامي وصور التلفزيون هي الأهم، وهي الهدف،
أما الأمر الثاني فهو الآلية التي يتم من خلالها تبني مثل هذه الأفكار، ذلك أنها فيما يبدو ليست ثمرة دراسة جادة قامت بها الجهات المعنية، وإنما هي أفكار وأهواء طارئة تلوح في ساعات الصفا، فتتلقفها الحاشية وتحول التهويمات فيها إلى أوامر، والخواطر العابرة إلى أخبار تتصدر الصفحات الأولى للصحف،

وطالما أن الهوى غلاب، وأهل القرار فوق الحساب، والإنفاق له ألف باب وباب، فلمَ لا تعقد قمة رجالية، وأخرى نسائية، وثالثة للأبناء أيضا؟!
....................
أضافة تعليق