الخشوع ... والصبر
عامر غضبان
هما من منازل المحسنين وأعمال المخلصين، لكنهما يختلفان في مواقعهما وامتدادهما، فالخشوع مطلوب في المواقف والعبادات التي فيها ذكر الله تعالى، وأما الصبر فهو سمة عامة وسلوك طويل المدى، يتعلمه الإنسان ويسلكه ويرى أثره في مواقف كثيرة في حياته ومراحل طويلة من عمره.
ومع هذا الاختلاف، ذكر الخشوع والصبر معاً في القرآن الكريم في بعض المواضع، كما في قول الله تعالى: { وَاستَعينُوا بِالصبْرِ وَالصلاةِ وَإِنَّها لَكبيرةٌ إِلاّ عَلىْ الخَاشِعينَ? الذّين يَِظُنّونَ أَنّهم مُلاقوا رَبهم وَأَنّهم إِليهِ رَاجِعون} [البقرة:45-46]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {... وَبَشر المُخبتينَ - الذين إذا ذُكِر اللهُ وَجِلَت قلوبُهم والصابرين على ما أَصابَهم والمقيمي الصّلاة ومما رزَقناهُم يُنفقونَ}، [الحج:34-53].
في الآية الأولى من هاتين الآيتين تعليم للمؤمنين أن الخشوع _ وإن كان عملاً مقترناً بمواقف الذكر والتعبد _ عندما يصبح صفة قرينةً للإنسان، يمنحه العون على تحقيق صفة الصبر الشاملة لكل مواقف الحياة، ويكتسب بذلك ميزة لا يملكها العاجزون الذين يرون هذا النمو أمراً كبيراً لا يستطيعونه، بل منهم من يرى أن أي إنسان لا يستطيعه.
وأما الآية الثانية فقد جعل فيها وجل المؤمن عند ذكر الله عز وجل وصبره على ما أصابه، جعلا كلاهما من صفات القلب المخبت، أي المطمئن إلى ذكر الله تعالى. ويشمل هذا المعنى الخشوع عند ذكر الله تعالى، وتكرار هذا الخشوع في المواقف المتكررة، واعتياد هذه الاستجابة، ونمو الإيمان وزيادة الهدى مع صلة المؤمن بربه وذكره له.
ونحسب أنه مما يمكننا إدراكه من هذا الوصف، ذلك الفارق بين المؤمن الخاشع الصابر ومن سواه، وليس هذا الفارق في معلومات معدودة أو مواقف محدودة، إنه في تصورات معرفية شاملة، وفي أساليب خاصة في معالجة الخبرات المكتسبة في مواقف الخشوع في ذكر الله والصبر في طريق الحياة، وفي عادات العقل ومسلمات التفكير عند كل تفاعل مع الحياة والناس، وفي نمو المكونات العاطفية المختلفة من مشاعر واتجاهات وقيم...
إن سلوك المؤمن في منزلة الخشوع ومنزلة الصبر يمنحه تصوراً مغايراً لغيره عن مصادر اللذة والسرور، وينمو ذلك ليجعل عنده محتوى مختلفاً لقيمة السعادة والتطور الإنساني الإيجابي، وتكامل هذا التصور وهذه القيمة لا يكون بمجرد الاطلاع أو السماع، إنما يتم بالممارسة والخبرة التي ترسخ إيمان المؤمنين، وتمنحهم الاقتراب من حقائق الوجود، ومعرفة مكانة الدنيا مقابل مكانة الآخرة، أولئك هم الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون.
.الرشد
عامر غضبان
هما من منازل المحسنين وأعمال المخلصين، لكنهما يختلفان في مواقعهما وامتدادهما، فالخشوع مطلوب في المواقف والعبادات التي فيها ذكر الله تعالى، وأما الصبر فهو سمة عامة وسلوك طويل المدى، يتعلمه الإنسان ويسلكه ويرى أثره في مواقف كثيرة في حياته ومراحل طويلة من عمره.
ومع هذا الاختلاف، ذكر الخشوع والصبر معاً في القرآن الكريم في بعض المواضع، كما في قول الله تعالى: { وَاستَعينُوا بِالصبْرِ وَالصلاةِ وَإِنَّها لَكبيرةٌ إِلاّ عَلىْ الخَاشِعينَ? الذّين يَِظُنّونَ أَنّهم مُلاقوا رَبهم وَأَنّهم إِليهِ رَاجِعون} [البقرة:45-46]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {... وَبَشر المُخبتينَ - الذين إذا ذُكِر اللهُ وَجِلَت قلوبُهم والصابرين على ما أَصابَهم والمقيمي الصّلاة ومما رزَقناهُم يُنفقونَ}، [الحج:34-53].
في الآية الأولى من هاتين الآيتين تعليم للمؤمنين أن الخشوع _ وإن كان عملاً مقترناً بمواقف الذكر والتعبد _ عندما يصبح صفة قرينةً للإنسان، يمنحه العون على تحقيق صفة الصبر الشاملة لكل مواقف الحياة، ويكتسب بذلك ميزة لا يملكها العاجزون الذين يرون هذا النمو أمراً كبيراً لا يستطيعونه، بل منهم من يرى أن أي إنسان لا يستطيعه.
وأما الآية الثانية فقد جعل فيها وجل المؤمن عند ذكر الله عز وجل وصبره على ما أصابه، جعلا كلاهما من صفات القلب المخبت، أي المطمئن إلى ذكر الله تعالى. ويشمل هذا المعنى الخشوع عند ذكر الله تعالى، وتكرار هذا الخشوع في المواقف المتكررة، واعتياد هذه الاستجابة، ونمو الإيمان وزيادة الهدى مع صلة المؤمن بربه وذكره له.
ونحسب أنه مما يمكننا إدراكه من هذا الوصف، ذلك الفارق بين المؤمن الخاشع الصابر ومن سواه، وليس هذا الفارق في معلومات معدودة أو مواقف محدودة، إنه في تصورات معرفية شاملة، وفي أساليب خاصة في معالجة الخبرات المكتسبة في مواقف الخشوع في ذكر الله والصبر في طريق الحياة، وفي عادات العقل ومسلمات التفكير عند كل تفاعل مع الحياة والناس، وفي نمو المكونات العاطفية المختلفة من مشاعر واتجاهات وقيم...
إن سلوك المؤمن في منزلة الخشوع ومنزلة الصبر يمنحه تصوراً مغايراً لغيره عن مصادر اللذة والسرور، وينمو ذلك ليجعل عنده محتوى مختلفاً لقيمة السعادة والتطور الإنساني الإيجابي، وتكامل هذا التصور وهذه القيمة لا يكون بمجرد الاطلاع أو السماع، إنما يتم بالممارسة والخبرة التي ترسخ إيمان المؤمنين، وتمنحهم الاقتراب من حقائق الوجود، ومعرفة مكانة الدنيا مقابل مكانة الآخرة، أولئك هم الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون.
.الرشد