مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إنما يتعثر من لم يخلص..!!
إنما يتعثر من لم يخلص..!!

أ. حديبي المدني

أيها الدعاة..

أنتم أجراء عند الله...

أينما وحيثما وكيفما أرادكم أن تعملوا عملتم وقبضتم الأجر المعلوم..

وليس لكم ولا عليكم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير..!!

يا سيد الرسل طب نفسا بطائفة...باعوا إلى الله أرواحا وأبدانا

أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم...والناس تزعم نصر الدين مجانا

أعطوا ضريبتهم صبرا على محن...صاغت بلالا وعمارا وسلمانا

المرتكزات الربانية الحافظة للحركة(4):الإخلاص اللاهب يعصم الحركة و يفتت صخرة الفتن

المرتكزات الربانية الحافظة للحركة(4):الإخلاص اللاهب يعصم الحركة و يفتت صخرة الفتن:

عندما تنحدر صخرة الفتن الضخمة فتسد أفق العمل والأمل..

وتحدث الهلع والخوف والإحباط والقلق والاضطراب..

فلن ينجينا منها إلا أن ندعوا الله ونتوسل إليه بأعمالنا الصالحة الخالصة الصافية من كل غبش...

كحديث الثلاثة المتفق عليه:انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ،فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار،فقالوا:إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم،...

فالأول كان بارا بوالديه ويؤثرهما على من سواهما من ولد وزوجة،فقال:اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة،فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه،والثاني كان طاهرا عفيفا،فدعا، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها،والثالث:فحسن العهد، صادق الوفاء،كريما سمحا، فدعا،فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون،راجع إن شئت الحديث في رياض الصالحين:باب الإخلاص وإحضار النية..

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم:إخلاص العمل لله،ومناصحة ولاة الأمر،ولزوم جماعة المسلمين،فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.

أي لا يبقى فيه غل ،ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة،بل تنفي عنه غله،وتنقيه منه،وتخرجه عنه،فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل،وكذلك يغل على الغش،وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة،فهذه تملؤه غلا ودغلا،ودواء هذا الغل،واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح،ومتابعة السنة.

وأخبر عن أول ثلاثة تسعر بهم النار:قارئ القرآن،والمجاهد،والمتصدق بماله،الذين فعلوا ذلك ليقال:فلان قارئ،فلان شجاع، فلان متصدق،ولم تكن أعمالهم خالصة لله.

قال الجنيد:الإخلاص سر بين الله وبين العبد،لا يعلمه ملك فيكتبه،ولا شيطان فيفسده،ولا هوى فيميله..!!

الإخلاص أحد أنوار الفطنة التي تبدد ظلمات الفتن،وهو: نور أناره خالد رضي الله عنه يوم احتدمت اليرموك فقال: (إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملكم، فإن هذا يوم له ما بعده) ونقول بالذي قال به الشيخ الراشد: إن أيامنا هذه التي نصاول فيها جاهلية القرن العشرين لاستئناف الحياة الإسلامية إنما هي من أيام الله التي لها ما بعدها، فإنه لا ينبغي للداعية أن تجره فتنة إلى فخر وتطاول على أصحابه، ولا إلى بغي وعدوان على ذي إمرة قد بويع.

إخلاصنا يتجاوز معناه الوعظي العابر الذي تلوكه ألسن القصاص، إلى تأمل استقرائي صامت، يحصي ما جنته النيات المشوبة الممزوجة من موبقات وكبائر أضرت بسير الحركة ، وهزته وأرادت له الحيدة عن خطه المستقيم، لولا أن الله عصم القادة، ومن عليهم بثبات وسكينة.

من أجل ذلك أوصى فقه الدعوة أن من لم يتعظ فيسارع إلى تنقية نيته: سارعنا نحن إلى تنقية الجماعة منه.

بها جزم الإمام البنا فقال: (إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم ..، حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا، والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا، والله يؤيديكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض بالقلب، معلول الغاية، مستور المطامع، مجروح الماضي، فأخرجوه من بينكم، فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق) أنظر قوله: إنه حاجز للرحمة، ودقق في تاريخنا القريب: كم من قصة وواقعة لها لسان يتهم الشرط المتساهل في التجميع بحجز أشكال الرحمة المتعددة، من نصر و تمكين، وسكينة وطمأنينة، ووحدة ووفاق..؟!! إن الكثير من عثرات السير مردها إلى أهل الشوائب الذين احتضنتهم الجماعة على سذاجة منها، وفي غفلة من نفسها.

وقديما قال ابن الجوزي صادقا: (إنما يتعثر من لم يخلص).. وقبل ابن الجوزي بقليل كان الكيلاني ينادي: (يا غلام: فقه اللسان بلا عمل القلب لا يخطيك إلى الحق خطوة. السير سير القلب) ومعناه الجماعي كذلك أيضًا، فإن مما يخشى على الدعوات أن تطيل لسانها، فتكثر تأليف الكتب، وتتخذ لها من الصحف ميدانًا، وتتعب درجات المنابر بخطبائها، وتترك تأليف الأرواح وتربية القلوب، فتقف لا تخطو نحو التمكين خطوة، كوقفة غلام الكيلاني.

وربما كان الضرر أبلغ من ذلك، فإن التعثر يبقى السير معه مستمرًا، والوقوف يحفظ الجماعة سالمة قائمة على الأقل، لكن تلبس الجماعة كلها بالرياء قد يدفعها في طريق الاضمحلال الذي شاهده التابع الربيع بن خيثم في أعمال الآحاد فقال: (كل ما لا يراد به وجه الله: يضمحل).. فرياء الجماعات ليس بغريب، بل شوهد في التاريخ الفكري والسياسي مرارًا، متلبسا شكلا من التكلف للاصطلاحات، ومن التبني للاجتهادات الشاذة التي ربما زل بها لسان الفقهاء الأقدمين والمحدثين، أو مندفعا في طريق التكاثر بالأعضاء على حساب النوعيات.

وصف زاهد الصحابة شداد بن اوس رضي الله عنه الشهوة التي تقترن به بأنها خفية، فإنه، حين حضرته الوفاة وطلبوا منه وصية يودع خلالها خلاصة فقه في العمل قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم، الرياء، والشهوة الخفية) .. وهذه الشهوة الخفية يعجز عن الوقوف على غوائلها كبار العلماء، فضلاً عن عامة العباد، وإنما يبتلى بها العلماء والعباد المشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة، فإنهم لما قهروا نفوسهم وفطموها عن الشهوات، وحملوها بالقهر على أسباب العبادات، لم تطمع في المعاصي الظاهرة، ووجدت مخلصاً من شدة المجاهدة في لذة القبول عند الخلق، ونظرهم إليها بعين الوقار والتعظيم، فأصابت النفس في ذلك لذة عظيمة.

قال الزهري رحمه الله‏:‏ ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، نرى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال، فإذا نوزع الرياسة، حامى عليها وعادى‏، ولذلك قيل‏:‏ آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة.

يقول الأستاذ عبد الكريم بكار:مشكلة الدعاة مع( الأجرة) بدأت على مستوى الأمة حين انخفضت الوتيرة الإيمانية ووتيرة الرغبة في هداية الخلق وإنقاذهم،وقد شاهدنا في عصرنا الحاضر اختراق بعض الأثرياء للصفوف الأولى من خلال ما ينفقونه على الدعوة أو بعض رجالاتها دون أن يكون لهم ما يؤهلهم للجلوس في صفها الثالث! وقد دخلت بعض الجماعات الإسلامية اليوم في معارك انتخابية ’’برلمانية’’وبلدية وصارت منابرها مهتمة بالمكايدات السياسية أكثر من اهتمامها بهداية الناس وتعليمهم وحل مشكلاتهم ،وهذا سوف يؤكد في حس الناس –ولو بعد حين- أن هؤلاء يسعون إلى هدايتهم من اجل أصواتهم في الانتخابات ،وبذلك تفقد الدعوة زخمها ورصيدها،ولطالما فقدت دعوات ومذاهب وفئات فتوحاتها الروحية نتيجة ظن أو اعتقاد الناس أن الدعوة تستثمر لجلب منافع مادية بحتة ..!!

آثار وضوح الإخلاص :

الأخ المخلص المحب:

1-يستوي عنده مدح الناس وذمهم.

2-تستوي حالاته جميعا سواء كان في السر أو العلن وفي الخلوة والجلوة.

3-ينكر ذاته ويخفي عمله:..حين جاء البشير بالنصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه،سأل عن الشهداء فقيل له فلان وفلان و فلان،من أعيان المسلمين وأشرافهم،ثم سأل من غيرهم؟قيل له:آخرون من عامة المسلمين لا نعرفهم يا أمير المؤمنين،فبكى عمر وانتحب ثم قال:وما يضيرهم ألا يعرفهم عمر؟!..ولكن الذي أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم و أحسابهم!!.

4-لا يتأثر عمله وجهده بما يحدث من نتائج.

5-ثابت على عمله ودعوته لا يتحول عنها مهما طال الزمن وتغيرت الظروف والأحوال.

6-يرفض المطامع والمغانم والأجر الدنيوي على عمله وجهاده:صرنا متجرا لأبناء الدنيا،يصحبنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضيا أو عاملا.. كما قال سفيان الثوري..وحق للحركة أن تتابعه في آهاته اللواعج..فلقد أنت من كثرة من حملتهم على كتفيها وتنكروا لها..!!

7-يرتبط بالمبادئ لا بالأشخاص، قلة فقه المؤمن ربما تعطل المساجد: ولله در ابن القيم حين يقول:بين القلب وبين الرب مسافة،وعليها قطاع تمنع وصول العمل إليه،من كبر وإعجاب وإدلال ورؤية العمل ونسيان المنة وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب،ومن رحمة الله تعالى :سترها على أكثر العمال،إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها :من اليأس،والقنوط والاستحسار وترك العمل وخمود العزم وفتور الهمة ،ولهذا لما ظهرت رعاية المحاسبي واشتغل بها العباد،عطلت منهم مساجد كانوا يعمرونها بالعبادة،والطبيب الحاذق يعلم كيف يطب النفوس،فلا يعمر قصرا ويهدم مصرا.

يقول الشيخ الراشد: وتذكير المسلم لأخيه المسلم بموانع قبول العمل الصالح من مثل الكبر والعجب بالنفس سائغ ومقبول،لورود القرآن والسنة بذلك،لكنه حين يكون بإسراف ودونما تذكير بعفو الله وبرحمته الواسعة التي تقابل تلك الموانع ،فإنه يؤدي إلى نتيجة شنيعة:وهي ترك العمل الصالح نفسه يأسا من قبوله!!.

قاعدة ذهبية:التشجيع لا يعني الرياء،إذ لولا التشجيع لذهبت تسعة أعشار العلم: إن لم تشعر طبقة القياديين المركزيين المختفين أن شخصياتهم الخاصة و أسماءهم ملتصقة بكل عمل و نجاح يتحقق،واسمة له بوسمهم:فإن هممهم ستضعف تدريجيا،إلا من رحم ربك،إذ تلك هي طبيعة النفس تحب الثناء والتشجيع ودعاء الآخرين لها وتقديمهم الشكر وبذل الحمد،ولعل في قوله تعالى:واجعلنا للمتقين إماما،مسحة خفيفة من هذا المعنى غير ظاهرة،إذ الأليق أن تفسر رغبة المؤمن بإمامة المتقين بحرصه على نيل أجر الإمامة وثواب تأسي الآخرين به،وكونه رائدا سبق إلى المقدمة ،وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:من لا يشكر الناس لا يشكر الله،إيماءة أجلى إلى حق المؤمن في انتظار الشكر،لكن قول الغزالي أصرح حين قال:لولا الرياء لذهبت تسعة أعشار العلم،ومثل العلم:أعمال إسلامية أخرى،يفترض أن فاعليها وممارسيها أقرب إلى التجرد وأبعد من شوائب الرياء،ولكن تسعة أعشار العلماء يؤلفون ويصنفون الدواوين النافعة بعيون ترنو إلى نعيم الآخرة وحسن الجزاء،ولكن بآذان منتصبة لالتقاط كلمات الإعجاب والتقدير التي سيقولها من يقرأ إنتاجهم،وتلك شعبة من الرياء،لكن جعلها الله سببا لعمران العلوم ووقف الأوقاف وبذل الخيرات،ولولاها لاضمحل العلم وقلت المساجد والمدارس الشرعية،إن القيادي إن طال اختفاؤه وذهل المسلمون عن تعبه وسهره وكده لفكره وإنفاقه لصحته وأوقاته وتفريطه في حق نفسه وعياله،ثم لا يسمع حثا وشهادات تشهد بأدائه ما عليه:فلربما يضعف عن العطاء بتدرج غير مرئي لا يلتفت إليه نفسه ولا الذين من حوله،ويجنح إلى البرود والفتور،وهي سلبيات تجر إلى سلسلة من العيوب أقلها:سرعة غضبه إذا انتقده ناقد..ويكون حساسا جدا لا تستطيع أن تمسه بزنبقة بيضاء أو بريشة طاووس،ولا أن تمسحه ولو بمسك أو عنبر!!..وما ذاك إلا لتخلف رقم في معادلة القيادة يتمثل في وجوب تمتع القيادي بمنظره بين إخوانه وتصدره ومشيه قبل الصفوف وسماعه الدعاء،وليس كل هذا تهوين أمر الرياء والغفلة عن دونيته وانخفاض رتبته ورتبة مقترفه..ولا يفهم هذه القاعدة الذهبية حق فهمها غير ألمعي مجرب طال انغماسه في يوميات العمل الدعوي عشرات السنين..!!

المصدر : موقع حركة حمس
أضافة تعليق