المستشار محمود الخضيرى يكتب: نحن أولى بحكامنا.. والخلاص منهم يكون بأيدينا
٣/ ٤/ ٢٠٠٩
أثارت مسألة استدعاء الرئيس السودانى عمر البشير، للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمته عن جرائم ضد الإنسانية، ارتكبها أعوانه فى دارفور، ردود أفعال متباينة، فمن مؤيد لهذا الاستدعاء، على أساس أنه ينال جزاء ما اقترفت يداه فى حق مواطنى دارفور، ورفضه محاكمة أعوانه الذين قاموا بذلك، وهو فى ذات الوقت يخلص الشعوب المستضعفة من الحكام الظلمة، الذين طغوا عليهم وتجبروا ولا تستطيع هذه الشعوب التخلص منهم كما تفعل الشعوب القوية، التى تستطيع عن طريق الثورات، التخلص من هؤلاء الحكام، كما فعلت إيران وفى ذات الوقت وقف البعض ضد هذه المحاكمة، على أساس أن هذا التصرف يعتبر من المحكمة كيلاً بمكيالين، ففى حين تحاكم البشير تترك حكام إسرائيل وأمريكا، الذين ارتكبوا أبشع الجرائم فى حق الشعب الفلسطينى والعراقى، ولا تستطيع حتى مجرد التحقيق فيما ارتكبه هؤلاء من جرائم، سجلتها أجهزة الإعلام، واطلع العالم كله عليها.
فضلاً عن أن هذه المحاكمة ذات طابع سياسى، مقصود بها التدخل فى شؤون السودان الداخلية والعمل على إذكاء نار الفتنة الداخلية، بتشجيع جنوب السودان، الغنى بثرواته الطبيعية، للاستقلال عن الشمال، حتى يمكن للغرب، الطامع فيها، الانفراد باستغلالها ولغير ذلك من الأسباب التى يسوقها المعارضون لهذه المحاكمة.
والحقيقة التى يجب ألا تغيب عن أعيننا دائماً، هى أن الغرب لا يقوم بعمل فيه مصلحة لنا، وكل ما يقوم به من أعمال وإن بدا لنا فيها مصلحة، إلا أن المصلحة الحقيقية تكون له، وقد ترجم العامة من الشعب هذا الإحساس فى مثل يتداولونه دائماً، يقول إنه لا شىء يأتى من الغرب يسر القلب، فهم يحاولون إقناعنا بأن تدخلهم فى العراق وأفغانستان، كان من أجل تحقيق الديمقراطية لشعوب هذين البلدين، وقد شاهد الناس أن هذا التدخل لم يسفر إلا عن قتل هذه الشعوب وخراب هذه البلاد، وأن ما نجم عن هذا التدخل يحتاج عشرات السنين لإصلاحه، وأن معيار الديمقراطية فى البلاد الغربية، بالنسبة لشعوبها، غير معيار الديمقراطية بالنسبة لشعوب العالم الثالث، إذ إن الديمقراطية فى نظر الغرب، بالنسبة لهذه الشعوب.
لابد أن تكون محققة لمصلحة الغرب، بحيث يكون الحكام الذين يصلون إلى السلطة محققين لمصالح الحكومات الغربية فى هذه البلاد، وهى مصالح اقتصادية وسياسية تعود بالفائدة على هذه البلاد الغربية، حتى وإن كان على حساب بلاد العالم الثالث، فشعوب هذه البلاد، لا تستحق الديمقراطية ذاتها، التى تتمتع بها شعوب العالم الغربى، لأن شعوبها لم ترق إلى مستوى شعوب هذا العالم المتقدم.
الغريب أن يقول حكامنا ذات القول ذاته ويعتنقوا مبادئ الغرب ذاتها، بالنسبة للديمقراطية الخاصة بنا، رغم أن حكامنا ليسوا مستوردين بل هم صناعة محلية وإن شئت الدقة فهم فى الغالبية منهم صناعة مناطق عشوائية، لا تعرف لها أصلاً ولا هوية، وجدت نفسها فجأة فى سدة الحكم، فأطار ذلك عقلها، ولا تتصور أن تترك مقاعد الحكم، لتعود من حيث أتت إلى هذه المناطق وإن كانت الأغلبية منهم انتهزت فرصة وجودها فى الحكم وأمنت عدم العودة مرة أخرى إلى أصلها البسيط.
نحن فى نظر الغرب لا نستحق الديمقراطية الحقيقية، التى تتمتع بها هذه الشعوب، ووجودها فى أيدينا يمكن أن يضر بنا، مثلما تفعل اللعبة المتقدمة فى يد الطفل الذى لا يحسن استعمالها، فتسبب له الأذى، ولذلك فإن الشعوب الغربية لا تشجع ولا تساند الديمقراطية فى بلادنا، بلاد العالم الثالث، إلا إذا أسفرت عن حكام ترضى عنهم.
بل وترفض التعاون وتحارب الحكام، الذين يمكن أن تسفر عنهم الديمقراطية الحقيقية، إذا كان هؤلاء الحكام لا يتعاونون معها ولا يسيرون وفق مصالحها، وهو ما حدث مع الحكومة التى أسفرت عنها الانتخابات التشريعية فى فلسطين، بفوز حركة «حماس»، بأغلبية مقاعد المجلس التشريعى، وأصبح من حقها تشكيل الحكومة.
رفض الغرب وربيبته إسرائيل التعامل مع حكومة «حماس» وسار على ذات الدرب بعض الحكام العرب، مما سمى نفسه أو سمته الحليفة أمريكا، دول الاعتدال، أما عندما أسفرت الانتخابات التشريعية فى إسرائيل، عن فوز اليمين المتطرف، الذى يضع نصب عينيه القضاء على الشعب الفلسطينى، ولا يعرف طريقاً للسلام سوى الخلاص من هذا الشعب، ويتمرد على كل محاولات الاتفاق بين الجانبين، تزور وزيرة الخارجية الأمريكية إسرائيل فى جولتها الأخيرة التى صرحت فيها بكل وضوح بأنها ستتعامل مع أى حكومة يتم تشكيلها فى إسرائيل، وهى فى الواقع لا تستطيع قول غير ذلك، لأن هذه المبادئ التى تسير عليها الشعوب الغربية، وإسرائيل محسوبة منها، مبادئ احترام إرادة هذه الشعوب.
هذه هى الديمقراطية الغربية بالنسبة لنا «أسياد وعبيد» أسياد لهم كل الحقوق حتى إذا لم يقوموا بواجبهم وعبيد ليس لهم حقوق، وفقط عليهم واجبات يتحتم عليهم القيام بها، وفى حالة التقصير يقع عليهم العقاب الزاجر من إبادة جماعية بأيد غربية ومقاطعة وحرمان وحصار يشارك فيه أشقاء لهم، رضوا أن يكونوا ذيولاً للغرب ورغم كل ذلك نجد البعض منا يطالب الحكومات الغربية بالتدخل لفرض الديمقراطية فى بلادنا المحرومة منها، فهل غابت الصورة التى ذكرناها عن عيون هؤلاء المطالبين؟ وهل يتصور هؤلاء أن الغرب يمكن أن يتدخل فى بلادنا لتحقيق الديمقراطية حتى وإن تعارض ذلك مع مصالحه الخاصة اقتصادية وسياسية.
وإذا كان على رأس بعض البلاد الغربية، اليوم، حكام يؤمنون بالديمقراطية الحقيقية ووجوب أن تسود العالم، كما يعتقد، وإن كنت أشك كثيراً فى ذلك، فهل يضمن هؤلاء المطالبون بالتدخل الأجنبى فى بلادنا، أن يستمر هؤلاء الحكام فى هذا النهج، إنه إذا لم يتغير سلوك هؤلاء الحكام، فإنهم سيتغيرون هم أنفسهم، بحكم تداول السلطة فى الغرب، وقد يأتى بعضهم فيكون مسلكه بالنسبة لنا مثل مسلك الرئيس الأمريكى السابق بوش، وتتحول بلادنا إلى ساحة قتال يهلك فيها الحرث والنسل مثلما حدث فى العراق وأفغانستان.
هل عرف العالم فى الماضى والحاضر قوة أجنبية تدخلت لإنقاذ شعب من الظلم والقهر والاستبداد، دون أن تكون لهذه القوة مصلحة فى ذلك؟ إننا لا نعيش فى عصر الملائكة بل نعيش فى عصر البشر الذين لا يحركهم إلا المصالح المادية والأهواء السياسية، هل المطلوب من دولة أجنبية أن تضحى بأبنائها وأموالها فى سبيل نصرة الشعوب المغلوبة على أمرها، دون أن يكون لهذه الشعوب أى دور فى ذلك؟ هل المطلوب من شعوب العالم المتقدم أن تحارب فى معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، من أجل سواد عيون الشعوب المستضعفة؟ وإذا كانت هذه الشعوب غير قادرة على الدفاع عن حريتها ومصالحها ضد من يستغلها حتى وإن كانوا أبناءها فإنهم بلا شك يستحقون ما هم فيه.
الشعوب الغربية كانت فى يوم من الأيام مثلنا.. تأخراً وتمزقاً وظلماً وحرماناً، ثم ثارت على ذلك وتخلصت منه وبدأت مشوار التقدم والرقى لأنها دفعت من أجل ذلك ثمناً غالياً من أرواح أبنائها وأموالها تعتز بما حققته وتحافظ عليه ولا تسمح لأحد بأن ينال منه، هل يجرؤ رئيس فرنسى أن يرشح نفسه مرة ثالثة فى انتخابات الرئاسة، رغم أن الدستور الفرنسى لا يمنع ذلك؟ إنه لو فعل فسيلقنه الشعب الفرنسى درسا لا يمكن أن ينساه!
هل يفكر رئيس أمريكى فى أن يحاول تعديل الدستور لكى يسمح له بأن يرشح نفسه مرة ثالثة، رغم رغبته الأكيدة فى ذلك؟ إنه لو فعل فإن الشعب الأمريكى يمكن أن يسحقه ويقضى عليه وعلى تاريخه.. لماذا؟ لأن الشعبين الفرنسى والأمريكى وشعوب العالم الغربى بصفة عامة كافحت وضحت حتى وصلت إلى إرساء هذه المبادئ، ولم تأت لها على طبق من ذهب.
لقد رضى الرئيس السادات بالنص فى الدستور المصرى، عندما جلس على كرسى الرئاسة، لأول مرة، فى فورة حماس، بعدم جواز ترشيح الرئيس لأكثر من مرتين، لكن عندما جلس على كرسى الرئاسة وطاب له ومرت السنوات الست الأولى سريعاً ودخل فى السنوات الست الثانية، وشعر أنه سيغادر هذا الكرسى وهذا الجاه والسلطة لم يتصور ذلك وأوحى إلى ترزية القوانين باقتراح تعديل الدستور لكى يسمح له بالترشح مدداً غير محددة، ونسى فى غمرة السلطة أن هناك من قد لا يسمح بذلك وهذا ما حدث واستفاد من ذلك الرئيس حسنى مبارك، الذى يجلس على هذا المقعد، ويطمح أن يخلفه فيه ابنه.
إخواننا فى الداخل والخارج، حكامنا نحن أولى بهم وأحق، وإذا كنا نود إصلاحهم أو الخلاص منهم، فليكن ذلك بأيدينا وليس بأيدى غيرنا.لا يوجد عربى راض عن حكومته ولا يتمنى الخلاص منها ولا يوجد عربى لا يتمنى أن يرى حكامه خلف القضبان، يذوقون من الكأس التى سقوا منها شعوبهم، لكن لا يكون ذلك باستدعاء الأجنبى حتى وإن كان محكمة الجنايات الدولية، وإذا لم يكن فى مقدرتكم إصلاح حكامكم أو الخلاص منهم ولستم على استعداد لدفع ثمن الحرية والديمقراطية الحقيقية، فلن تكونوا جديرين بها وسيبقى حالكم على ما أنتم عليه، بل ستزداد الأمور سوءاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
.المصري اليوم
٣/ ٤/ ٢٠٠٩
أثارت مسألة استدعاء الرئيس السودانى عمر البشير، للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمته عن جرائم ضد الإنسانية، ارتكبها أعوانه فى دارفور، ردود أفعال متباينة، فمن مؤيد لهذا الاستدعاء، على أساس أنه ينال جزاء ما اقترفت يداه فى حق مواطنى دارفور، ورفضه محاكمة أعوانه الذين قاموا بذلك، وهو فى ذات الوقت يخلص الشعوب المستضعفة من الحكام الظلمة، الذين طغوا عليهم وتجبروا ولا تستطيع هذه الشعوب التخلص منهم كما تفعل الشعوب القوية، التى تستطيع عن طريق الثورات، التخلص من هؤلاء الحكام، كما فعلت إيران وفى ذات الوقت وقف البعض ضد هذه المحاكمة، على أساس أن هذا التصرف يعتبر من المحكمة كيلاً بمكيالين، ففى حين تحاكم البشير تترك حكام إسرائيل وأمريكا، الذين ارتكبوا أبشع الجرائم فى حق الشعب الفلسطينى والعراقى، ولا تستطيع حتى مجرد التحقيق فيما ارتكبه هؤلاء من جرائم، سجلتها أجهزة الإعلام، واطلع العالم كله عليها.
فضلاً عن أن هذه المحاكمة ذات طابع سياسى، مقصود بها التدخل فى شؤون السودان الداخلية والعمل على إذكاء نار الفتنة الداخلية، بتشجيع جنوب السودان، الغنى بثرواته الطبيعية، للاستقلال عن الشمال، حتى يمكن للغرب، الطامع فيها، الانفراد باستغلالها ولغير ذلك من الأسباب التى يسوقها المعارضون لهذه المحاكمة.
والحقيقة التى يجب ألا تغيب عن أعيننا دائماً، هى أن الغرب لا يقوم بعمل فيه مصلحة لنا، وكل ما يقوم به من أعمال وإن بدا لنا فيها مصلحة، إلا أن المصلحة الحقيقية تكون له، وقد ترجم العامة من الشعب هذا الإحساس فى مثل يتداولونه دائماً، يقول إنه لا شىء يأتى من الغرب يسر القلب، فهم يحاولون إقناعنا بأن تدخلهم فى العراق وأفغانستان، كان من أجل تحقيق الديمقراطية لشعوب هذين البلدين، وقد شاهد الناس أن هذا التدخل لم يسفر إلا عن قتل هذه الشعوب وخراب هذه البلاد، وأن ما نجم عن هذا التدخل يحتاج عشرات السنين لإصلاحه، وأن معيار الديمقراطية فى البلاد الغربية، بالنسبة لشعوبها، غير معيار الديمقراطية بالنسبة لشعوب العالم الثالث، إذ إن الديمقراطية فى نظر الغرب، بالنسبة لهذه الشعوب.
لابد أن تكون محققة لمصلحة الغرب، بحيث يكون الحكام الذين يصلون إلى السلطة محققين لمصالح الحكومات الغربية فى هذه البلاد، وهى مصالح اقتصادية وسياسية تعود بالفائدة على هذه البلاد الغربية، حتى وإن كان على حساب بلاد العالم الثالث، فشعوب هذه البلاد، لا تستحق الديمقراطية ذاتها، التى تتمتع بها شعوب العالم الغربى، لأن شعوبها لم ترق إلى مستوى شعوب هذا العالم المتقدم.
الغريب أن يقول حكامنا ذات القول ذاته ويعتنقوا مبادئ الغرب ذاتها، بالنسبة للديمقراطية الخاصة بنا، رغم أن حكامنا ليسوا مستوردين بل هم صناعة محلية وإن شئت الدقة فهم فى الغالبية منهم صناعة مناطق عشوائية، لا تعرف لها أصلاً ولا هوية، وجدت نفسها فجأة فى سدة الحكم، فأطار ذلك عقلها، ولا تتصور أن تترك مقاعد الحكم، لتعود من حيث أتت إلى هذه المناطق وإن كانت الأغلبية منهم انتهزت فرصة وجودها فى الحكم وأمنت عدم العودة مرة أخرى إلى أصلها البسيط.
نحن فى نظر الغرب لا نستحق الديمقراطية الحقيقية، التى تتمتع بها هذه الشعوب، ووجودها فى أيدينا يمكن أن يضر بنا، مثلما تفعل اللعبة المتقدمة فى يد الطفل الذى لا يحسن استعمالها، فتسبب له الأذى، ولذلك فإن الشعوب الغربية لا تشجع ولا تساند الديمقراطية فى بلادنا، بلاد العالم الثالث، إلا إذا أسفرت عن حكام ترضى عنهم.
بل وترفض التعاون وتحارب الحكام، الذين يمكن أن تسفر عنهم الديمقراطية الحقيقية، إذا كان هؤلاء الحكام لا يتعاونون معها ولا يسيرون وفق مصالحها، وهو ما حدث مع الحكومة التى أسفرت عنها الانتخابات التشريعية فى فلسطين، بفوز حركة «حماس»، بأغلبية مقاعد المجلس التشريعى، وأصبح من حقها تشكيل الحكومة.
رفض الغرب وربيبته إسرائيل التعامل مع حكومة «حماس» وسار على ذات الدرب بعض الحكام العرب، مما سمى نفسه أو سمته الحليفة أمريكا، دول الاعتدال، أما عندما أسفرت الانتخابات التشريعية فى إسرائيل، عن فوز اليمين المتطرف، الذى يضع نصب عينيه القضاء على الشعب الفلسطينى، ولا يعرف طريقاً للسلام سوى الخلاص من هذا الشعب، ويتمرد على كل محاولات الاتفاق بين الجانبين، تزور وزيرة الخارجية الأمريكية إسرائيل فى جولتها الأخيرة التى صرحت فيها بكل وضوح بأنها ستتعامل مع أى حكومة يتم تشكيلها فى إسرائيل، وهى فى الواقع لا تستطيع قول غير ذلك، لأن هذه المبادئ التى تسير عليها الشعوب الغربية، وإسرائيل محسوبة منها، مبادئ احترام إرادة هذه الشعوب.
هذه هى الديمقراطية الغربية بالنسبة لنا «أسياد وعبيد» أسياد لهم كل الحقوق حتى إذا لم يقوموا بواجبهم وعبيد ليس لهم حقوق، وفقط عليهم واجبات يتحتم عليهم القيام بها، وفى حالة التقصير يقع عليهم العقاب الزاجر من إبادة جماعية بأيد غربية ومقاطعة وحرمان وحصار يشارك فيه أشقاء لهم، رضوا أن يكونوا ذيولاً للغرب ورغم كل ذلك نجد البعض منا يطالب الحكومات الغربية بالتدخل لفرض الديمقراطية فى بلادنا المحرومة منها، فهل غابت الصورة التى ذكرناها عن عيون هؤلاء المطالبين؟ وهل يتصور هؤلاء أن الغرب يمكن أن يتدخل فى بلادنا لتحقيق الديمقراطية حتى وإن تعارض ذلك مع مصالحه الخاصة اقتصادية وسياسية.
وإذا كان على رأس بعض البلاد الغربية، اليوم، حكام يؤمنون بالديمقراطية الحقيقية ووجوب أن تسود العالم، كما يعتقد، وإن كنت أشك كثيراً فى ذلك، فهل يضمن هؤلاء المطالبون بالتدخل الأجنبى فى بلادنا، أن يستمر هؤلاء الحكام فى هذا النهج، إنه إذا لم يتغير سلوك هؤلاء الحكام، فإنهم سيتغيرون هم أنفسهم، بحكم تداول السلطة فى الغرب، وقد يأتى بعضهم فيكون مسلكه بالنسبة لنا مثل مسلك الرئيس الأمريكى السابق بوش، وتتحول بلادنا إلى ساحة قتال يهلك فيها الحرث والنسل مثلما حدث فى العراق وأفغانستان.
هل عرف العالم فى الماضى والحاضر قوة أجنبية تدخلت لإنقاذ شعب من الظلم والقهر والاستبداد، دون أن تكون لهذه القوة مصلحة فى ذلك؟ إننا لا نعيش فى عصر الملائكة بل نعيش فى عصر البشر الذين لا يحركهم إلا المصالح المادية والأهواء السياسية، هل المطلوب من دولة أجنبية أن تضحى بأبنائها وأموالها فى سبيل نصرة الشعوب المغلوبة على أمرها، دون أن يكون لهذه الشعوب أى دور فى ذلك؟ هل المطلوب من شعوب العالم المتقدم أن تحارب فى معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، من أجل سواد عيون الشعوب المستضعفة؟ وإذا كانت هذه الشعوب غير قادرة على الدفاع عن حريتها ومصالحها ضد من يستغلها حتى وإن كانوا أبناءها فإنهم بلا شك يستحقون ما هم فيه.
الشعوب الغربية كانت فى يوم من الأيام مثلنا.. تأخراً وتمزقاً وظلماً وحرماناً، ثم ثارت على ذلك وتخلصت منه وبدأت مشوار التقدم والرقى لأنها دفعت من أجل ذلك ثمناً غالياً من أرواح أبنائها وأموالها تعتز بما حققته وتحافظ عليه ولا تسمح لأحد بأن ينال منه، هل يجرؤ رئيس فرنسى أن يرشح نفسه مرة ثالثة فى انتخابات الرئاسة، رغم أن الدستور الفرنسى لا يمنع ذلك؟ إنه لو فعل فسيلقنه الشعب الفرنسى درسا لا يمكن أن ينساه!
هل يفكر رئيس أمريكى فى أن يحاول تعديل الدستور لكى يسمح له بأن يرشح نفسه مرة ثالثة، رغم رغبته الأكيدة فى ذلك؟ إنه لو فعل فإن الشعب الأمريكى يمكن أن يسحقه ويقضى عليه وعلى تاريخه.. لماذا؟ لأن الشعبين الفرنسى والأمريكى وشعوب العالم الغربى بصفة عامة كافحت وضحت حتى وصلت إلى إرساء هذه المبادئ، ولم تأت لها على طبق من ذهب.
لقد رضى الرئيس السادات بالنص فى الدستور المصرى، عندما جلس على كرسى الرئاسة، لأول مرة، فى فورة حماس، بعدم جواز ترشيح الرئيس لأكثر من مرتين، لكن عندما جلس على كرسى الرئاسة وطاب له ومرت السنوات الست الأولى سريعاً ودخل فى السنوات الست الثانية، وشعر أنه سيغادر هذا الكرسى وهذا الجاه والسلطة لم يتصور ذلك وأوحى إلى ترزية القوانين باقتراح تعديل الدستور لكى يسمح له بالترشح مدداً غير محددة، ونسى فى غمرة السلطة أن هناك من قد لا يسمح بذلك وهذا ما حدث واستفاد من ذلك الرئيس حسنى مبارك، الذى يجلس على هذا المقعد، ويطمح أن يخلفه فيه ابنه.
إخواننا فى الداخل والخارج، حكامنا نحن أولى بهم وأحق، وإذا كنا نود إصلاحهم أو الخلاص منهم، فليكن ذلك بأيدينا وليس بأيدى غيرنا.لا يوجد عربى راض عن حكومته ولا يتمنى الخلاص منها ولا يوجد عربى لا يتمنى أن يرى حكامه خلف القضبان، يذوقون من الكأس التى سقوا منها شعوبهم، لكن لا يكون ذلك باستدعاء الأجنبى حتى وإن كان محكمة الجنايات الدولية، وإذا لم يكن فى مقدرتكم إصلاح حكامكم أو الخلاص منهم ولستم على استعداد لدفع ثمن الحرية والديمقراطية الحقيقية، فلن تكونوا جديرين بها وسيبقى حالكم على ما أنتم عليه، بل ستزداد الأمور سوءاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
.المصري اليوم