من أين قصفت إسرائيل السودان ؟
عبد الستار قاسم
في كلّ مرة تؤكّد إسرائيل للأنظمة العربية بأنها أنظمة متهرئة لا تُتْقِن غير الهزائم والانحدار في المزيد من لُجَج الذُّلّ والهوان، وتؤكد للشعوب العربية بأنها لا تتقن غير التَّمنيّات والدعوات بظهور مُنْقِذ يُخَلِّصها فجأة مما هي فيه؛ إسرائيل تنتهك الأرض العربية والأجواء والمياه براحةٍ وأمانٍ، وتقتل وتدمر وتعود سالمة مطمئنة، تصمت الأنظمة العربية وتتكتم، ولكن ليس في كل مرة تبقى الأمور مستورة.
قصفت إسرائيل نجع حمادي في مصر، ومدرسة بحر البقر، وقصفت منشآت في سوريا والمفاعل النووي العراقي، وقصفت تونس والأردن، هذا ما علمنا به، وما لم نعلم به بالتأكيد أعظم.
إسرائيل تسرح وتمرح في الأجواء العربية، وإن لم تكن بمباركة العديد من الأنظمة العربية، فهي تعلم أن طائراتها لا يوجد من يَتحدّاها، ولا تملك الأنظمة العربية أنظمة دفاع جوي تتصدى.
الأجواء العربية مستباحة تمامًا أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، ولا يوجد من بين الأنظمة من يَنْدَى له جبين؛ لأنه يعرف أن العارّ عامّ وطامّ ولا مجال للمزايدات الداخلية العربية.
صمتَت السودان عن الهجوم، ولولا وسائل الإعلام التي التقطت الخبر، لَمَا تَمّ تسجيل الهجوم تاريخيًا، ولَمَا كان للأمر صدًى.
وقد سمعت مسئولاً سودانيًا يقول بأنّه من الممكن أن تتوجه السودان بشكوى إلى مجلس الأمن، لكنه لم يفسر لماذا الشكوى، مجلس الأمن لن يصنع للعرب مِخْلبًا ولا حتى حوافِرَ، وكل ما يفعله هو مزيد من الاستهزاء بالعرب الذين يعالجون هزائمهم بالشكوى.
ثم على من تريد السودان أن تشتكي؟ هل تعرف السودان من قصفها بالتحديد، أم أنها تريد أن تعتمد على تلميح بعيد لأولمرت؟
المهمّ من أين مرت الطائرات؟ هناك مسار واحد وهو من فوق خليج العقبة، ومن ثَمّ عبر أجواء مضائق تيران، ثم البحر الأحمر. لا يوجد مسار آخر يمكن أن تَعْبُره إسرائيل بأقل فضائح للأنظمة العربية من هذا المسار.
ربما يجادل أحد بأن منطقة منتصف خليج العقبة منطقة دولية ولا تستطيع الأردن أو مصر أو السعودية التصدي للطائرات الحربية الإسرائيلية بموجب ما يسمى بالقانون الدولي.
هذا علمًا أن خليج العقبة كان مغلقًا أمام الملاحة الإسرائيلية قبل عام 1956 لأنه مياه عربية.
إذا سلمنا بهذا الجدل، فالسؤال يبقى: كيف تمرّ الطائرات الحربية الإسرائيلية من فوق مضائق تيران وهي أجواء سعودية مصرية بحتة ولا تدخل ضمن أي تأويل للقانون الدولي؟ لا أظنّ أن هناك مُحَلّلاً عسكريًا سيقول لنا إن الطائرات الإسرائيلية عبرت البحر الأبيض المتوسط والتفت عبر إفريقيا، أو عبرت الأجواء التركية ثم أواسط آسيا لتصل السودان وذلك لتتجنب انتهاك الأجواء العربية.
قد يقول أحدهم إن لإسرائيل الحقّ في الطيران فوق مضائق تيران بناءً على اتفاق الانسحاب من سيناء الذي ترتب على حرب 1956.
صحيح أن إسرائيل حقّقت فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية بعد احتلالها لسيناء عام 1956، لكن ذلك لم ينصّ على حركة الطيران الحربي فوق الأجواء العربية، وبقيت المسألة محصورةً بحركة الطيران والسفن المدنية والتجارية.
ثم على فرض أن لإسرائيل الحق، ألا يوجد لدى مصر رادارات وأجهزة مراقبة لمعرفة وجهة الطائرات الإسرائيلية؟ هل الأمور بهذا الاستهتار بحيث تعبر الطائرات الإسرائيلية ولا يوجد من يَتَعَقّبها؟ أم أن الجانب العربي ليس بريئًا؟ طبعًا علينا ألا نغفل عن أن مؤتمر تشديد الحصار على غزة وملاحقة تهريب السلاح إلى غزة تَمّ في شرم الشيخ التي من المفروض أنها مصرية.
أما بالنسبة للسودان، فلماذا أخفيتم الخبر؟ السودان لا تملك قوة دفاع جوي تتصدى للطيران الحربي الإسرائيلي، لكنه كان من الممكن تفادي مثل هذه المجزرة والمهانة بالتخطيط الأمني السليم.
فمثلاً، لا يجوز بتاتًا تسيير عدد من الشاحنات في قافلة واحدة في يوم واحد، ولا يجوز أصلاً ترك وقت قصير بين شاحنة وأخرى.
ألا تعلم السودان أن لإسرائيل تواجدًا استخباريًا واستطلاعيًا واسعًا في منطقة القرن الإفريقي؟ وألا تعلم أن الولايات المتحدة تعمل في المنطقة وسبق أن قامت بقصف مواقع في اليمن؟ القضايا الأمنية بحاجة لحذر شديد، لكنها بحاجة لعقل أمني يفكر وينشغل في كيفية تفادي المخاطر.
الأنظمة العربية ليست بريئة من المعدات التي تَمّ تدميرها، ولا من دماء السودانيين وغيرهم ممن سقطوا في العملية.
3/4/1430هـ
30/3/2009م
http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=13432
.المختار
عبد الستار قاسم
في كلّ مرة تؤكّد إسرائيل للأنظمة العربية بأنها أنظمة متهرئة لا تُتْقِن غير الهزائم والانحدار في المزيد من لُجَج الذُّلّ والهوان، وتؤكد للشعوب العربية بأنها لا تتقن غير التَّمنيّات والدعوات بظهور مُنْقِذ يُخَلِّصها فجأة مما هي فيه؛ إسرائيل تنتهك الأرض العربية والأجواء والمياه براحةٍ وأمانٍ، وتقتل وتدمر وتعود سالمة مطمئنة، تصمت الأنظمة العربية وتتكتم، ولكن ليس في كل مرة تبقى الأمور مستورة.
قصفت إسرائيل نجع حمادي في مصر، ومدرسة بحر البقر، وقصفت منشآت في سوريا والمفاعل النووي العراقي، وقصفت تونس والأردن، هذا ما علمنا به، وما لم نعلم به بالتأكيد أعظم.
إسرائيل تسرح وتمرح في الأجواء العربية، وإن لم تكن بمباركة العديد من الأنظمة العربية، فهي تعلم أن طائراتها لا يوجد من يَتحدّاها، ولا تملك الأنظمة العربية أنظمة دفاع جوي تتصدى.
الأجواء العربية مستباحة تمامًا أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، ولا يوجد من بين الأنظمة من يَنْدَى له جبين؛ لأنه يعرف أن العارّ عامّ وطامّ ولا مجال للمزايدات الداخلية العربية.
صمتَت السودان عن الهجوم، ولولا وسائل الإعلام التي التقطت الخبر، لَمَا تَمّ تسجيل الهجوم تاريخيًا، ولَمَا كان للأمر صدًى.
وقد سمعت مسئولاً سودانيًا يقول بأنّه من الممكن أن تتوجه السودان بشكوى إلى مجلس الأمن، لكنه لم يفسر لماذا الشكوى، مجلس الأمن لن يصنع للعرب مِخْلبًا ولا حتى حوافِرَ، وكل ما يفعله هو مزيد من الاستهزاء بالعرب الذين يعالجون هزائمهم بالشكوى.
ثم على من تريد السودان أن تشتكي؟ هل تعرف السودان من قصفها بالتحديد، أم أنها تريد أن تعتمد على تلميح بعيد لأولمرت؟
المهمّ من أين مرت الطائرات؟ هناك مسار واحد وهو من فوق خليج العقبة، ومن ثَمّ عبر أجواء مضائق تيران، ثم البحر الأحمر. لا يوجد مسار آخر يمكن أن تَعْبُره إسرائيل بأقل فضائح للأنظمة العربية من هذا المسار.
ربما يجادل أحد بأن منطقة منتصف خليج العقبة منطقة دولية ولا تستطيع الأردن أو مصر أو السعودية التصدي للطائرات الحربية الإسرائيلية بموجب ما يسمى بالقانون الدولي.
هذا علمًا أن خليج العقبة كان مغلقًا أمام الملاحة الإسرائيلية قبل عام 1956 لأنه مياه عربية.
إذا سلمنا بهذا الجدل، فالسؤال يبقى: كيف تمرّ الطائرات الحربية الإسرائيلية من فوق مضائق تيران وهي أجواء سعودية مصرية بحتة ولا تدخل ضمن أي تأويل للقانون الدولي؟ لا أظنّ أن هناك مُحَلّلاً عسكريًا سيقول لنا إن الطائرات الإسرائيلية عبرت البحر الأبيض المتوسط والتفت عبر إفريقيا، أو عبرت الأجواء التركية ثم أواسط آسيا لتصل السودان وذلك لتتجنب انتهاك الأجواء العربية.
قد يقول أحدهم إن لإسرائيل الحقّ في الطيران فوق مضائق تيران بناءً على اتفاق الانسحاب من سيناء الذي ترتب على حرب 1956.
صحيح أن إسرائيل حقّقت فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية بعد احتلالها لسيناء عام 1956، لكن ذلك لم ينصّ على حركة الطيران الحربي فوق الأجواء العربية، وبقيت المسألة محصورةً بحركة الطيران والسفن المدنية والتجارية.
ثم على فرض أن لإسرائيل الحق، ألا يوجد لدى مصر رادارات وأجهزة مراقبة لمعرفة وجهة الطائرات الإسرائيلية؟ هل الأمور بهذا الاستهتار بحيث تعبر الطائرات الإسرائيلية ولا يوجد من يَتَعَقّبها؟ أم أن الجانب العربي ليس بريئًا؟ طبعًا علينا ألا نغفل عن أن مؤتمر تشديد الحصار على غزة وملاحقة تهريب السلاح إلى غزة تَمّ في شرم الشيخ التي من المفروض أنها مصرية.
أما بالنسبة للسودان، فلماذا أخفيتم الخبر؟ السودان لا تملك قوة دفاع جوي تتصدى للطيران الحربي الإسرائيلي، لكنه كان من الممكن تفادي مثل هذه المجزرة والمهانة بالتخطيط الأمني السليم.
فمثلاً، لا يجوز بتاتًا تسيير عدد من الشاحنات في قافلة واحدة في يوم واحد، ولا يجوز أصلاً ترك وقت قصير بين شاحنة وأخرى.
ألا تعلم السودان أن لإسرائيل تواجدًا استخباريًا واستطلاعيًا واسعًا في منطقة القرن الإفريقي؟ وألا تعلم أن الولايات المتحدة تعمل في المنطقة وسبق أن قامت بقصف مواقع في اليمن؟ القضايا الأمنية بحاجة لحذر شديد، لكنها بحاجة لعقل أمني يفكر وينشغل في كيفية تفادي المخاطر.
الأنظمة العربية ليست بريئة من المعدات التي تَمّ تدميرها، ولا من دماء السودانيين وغيرهم ممن سقطوا في العملية.
3/4/1430هـ
30/3/2009م
http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=13432
.المختار