في المشهد العربي الكبير، تتلوى ملامح أبطال بلا أدوار رئيسية، أبطال اختاروا أن يخرجوا إلى المسرح بعد أن أُسدلت الستائر، كي يصيحوا بحكمة "ألم نقل لكم..؟"..
هؤلاء هم العلمانيون العرب، الذين لا هم أضاءوا الشموع ولا كسروا المصابيح، بل اكتفوا بالوقوف في الزوايا المظلمة، يترقبون من يفعل شيئا كي يجدوا سببا للانتقاد...
يخيل إليك أحيانا أنهم كائنات خرافية، لا تراهم إلا في مقاهي النقاش العقيم، يحملون كتبا لا يقرؤونها وأفكارا لا يطبقونها ، هم لا يثورون لأن الثورة تعني المخاطرة، ولا يصمتون لأن الصمت قد يفهم كنوع من الرضى، إنهم في حالة دائمة من التنقل بين الرفض والتذمر، مثل عازف "كمان" يريد أن يعزف نوتة حزينة بينما بقية الفرقة تعزف سيمفونية انتصار...
تراهم على الدوام يشيرون بأصابعهم النحيلة إلى كل من يتصدر المشهد: "هذا ليس مدنيا بما يكفي ، ذلك لا يفهم الحداثة ، هؤلاء رعاع.." وكأنهم امتلكوا مفاتيح الحضارة، لكنهم اختاروا أن يتركوها في جيوبهم لأن الأبواب التي يرونها لا تليق بمفاتيحهم الفاخرة..
أما عن المواقف الجسيمة، فتراهم إما يبتعدون عن المشهد بذريعة أن الأمور معقدة جدا، أو يقفون ليصرخوا في وجه من يضحي بدمه وعرقه: "هذا ليس الأسلوب الصحيح..!" وكأنهم لجنة تحكيم في برنامج مواهب، يمنحون النقاط على الأداء بينما الآخرون يتقاتلون في ساحة معركة...
العلمانيون العرب ليسوا ثوريين، لأن الثورة تعني الفوضى، والفوضى قد تعني أن قهوتهم الصباحية ستتأخر، وهذا أمر غير مقبول ، وفي الوقت ذاته، هم ليسوا متعاونين مع السلطة، لأن السلطة لا تمنحهم مكانا في مقدمة الصفوف، حيث يمكنهم التحدث بلغة رنانة عن "الحداثة والمواطنة والتنوير" وهم يرتدون بدلاتهم الأنيقة...
إنهم محترفو الجلوس على حافة الأحداث، يكتبون مقالات طويلة مليئة بالمصطلحات المستوردة والاقتباسات المنمقة، بينما الواقع يتغير على يد البسطاء الذين لا يملكون الوقت لقراءة هذه المقالات ، إنهم أشبه بجماعة من النقاد الأدبيين الذين اجتمعوا لتقييم قصيدة كتبها فلاح بعد يوم شاق في الحقل، متجاهلين عرقه وتعبه ليعلقوا فقط على قافية لم تعجبهم..
وفي النهاية، ستجدهم دائما في مكان واحد -عند خط النهاية، يلوحون للجميع قائلين: "كنا نعلم منذ البداية أنكم ستفشلون.." وحين ينجح أحدهم رغم كل الصعاب، يكتفون بالقول: "لقد فعلتم ذلك بطريقة خاطئة."...
إنهم تلك الفئة التي تؤمن بأن التغيير ضروري، لكن فقط إذا كان بأسلوبهم، وفي الوقت الذي يختارونه، وعلى يد أشخاص يوافقون على معاييرهم الدقيقة ، هم ثوريون بلا ثورات، ونقاد بلا إبداع، وأبطال في قصص لم تكتب أبدا...!