مائة يوم تشرق فيه الشمس وتغيب، بينما غزة تتلقى آلاف الأطنان من المتفجرات الحارقة التي لم تترك وراءها سوى الدمار والخراب وقتل البشر وحرق الشجر.. عدوان غاشم فقد كل القيم الإنسانية في عالم ظالم تحركه نوازع المصالح، ودوافع القوة وغرائز الغطرسة..
مائة يوم غابت فيها الرحمة وتوارت فيها الإنسانية، بينما تقف غزة بصبر يكفي عالم ويفيض، ومقاومة تصد قوة عاتية وتزيد، لتكتب لها تاريخًا جديًا في سجل العزة، فقد أراد جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة أن تكون مقبرة لأهلها ومقاوميها، فسوى الأحياء بالأرض والأموات أيضًا، لكن إرادة المقاومة، وصبر أهل غزة حولت الدمار إلى انتصار، وإن لم يتحقق، والركام إلى حوائط هجوم على العدو ليتكبد في كل يوم تشرق فيه الشمس وتغيب خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ويكتشف أن الأرض التي أبادها بسكانها تحتضن في باطنها أنفاق العزة وسراديب القوة ودهاليز الإرادة والمقاومة..
مائة يوم حضرت فيها المقاومة وغابت فيها أهداف إسرائيل التي حددتها للحرب، فلا المقاومين استسلموا، ولا الأسرى تحرروا، ولا السكان تهجروا.. وبقيت غزة بعزة وشموخ في وجه محتل يمارس الإبادة والإرهاب ومن خلفه أنصار وداعمون من أمريكا إلى أوروبا يمدون العدو بأسلحة العار وعتاد قتل الإنسانية؛ ليسقط الجميع في مستنقع جرائم الحرب والإبادة ضد شعب محتل أعزل لا جريمة له سوى أنه يريد الحياة على أرضه.
مائة يوم أشرقت فيها شمس الحقيقة التي غابت 75 عامًا، لتكشف أن هناك دولة محتلة تدعى "إسرائيل" التهمت وطنًا وشعبًا منذ 1948، تمارس القتل والإبادة والتهجير ضد شعب أعزل، مدفوعة بنوازع التطرف الأعمى، وتحركها أفكار تلمودية دموية، ترى في قتل الفسطينيين شعيرة مقدسة، وفي نهب ممتلكاتهم وأرضهم وأموالهم مرضاة للرب.. هي بالفعل عصابة لا دولة، ومنظمة إرهابية لا وطن تحكمه المؤسسية.
23 ألف شهيد، ونحو 70 ألف مصاب، وتدمير 70% من مساكن غزة، تلك هي حصيلة مائة يوم من حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل؛ بزعم حق الدفاع عن النفس، وكأن القضية الفلسطينية لم تبدأ إلا من يوم 7 أكتوبر الماضي، يوم أن ضرب "طوفان الأقصى" هذا العدو في عملية غير مسبوقة؛ ردًا على مجازر هذا المحتل.
مائة يوم من الإبادة كانت كفيلة بالكشف عن النوايا الحقيقية للمحتل، وأسقطت مزاعم الدفاع عن النفس؛ لتؤكد أن المحتل وجد في عملية "طوفان الأقصى" فرصة لتصفية القضية الفلسطينية للأبد، فراح يضرب ويحرق ويقتل، ويجعل من غزة أرضًا محروقة غير صالحة للحياة، وبالتوازي تصاعدت دعوات التهجير من أقطاب التطرف في إسرائيل، في توجه سافر وفاضح لنوايا المحتل تجاه قضية الشعب الفلسطيني.
..هكذا كانت المائة يوم كاشفة للمخطط وفاضحة للمؤامرة، وفوق كل ذلك أسقطت سردية السلام وحل الدولتين التي لم ولن تتحقق؛ في ظل دولة تحكمها هذه العصابة التي ما زالت تبحث بدموية عن وطن من النهر للبحر.
ما بعد المائة يوم حلم التحرر بدا يشرق، وربما يكون الطريق إليه شاقًا، إلا أنه يلوح في الأفق مع قوة المقاومة وصبر هذا الشعب، ومع هدير المظاهرات الحاشدة التي تمتلئ بها عواصم العالم نصرة لغزة ودفاعًا عن حق مسلوب من شعب يتوق للحياة، ومع تحرك مؤسسات دولية كانت مغيبة بفعل فاعل عن هذه القضية مثل محكمة العدل الدولية.
ومع بوادر تصدعات في دولة الاحتلال على وقع الخلافات والنزاعات الداخلية بسبب الفشل في تحقيق أهداف الحرب، بينما تكشف أحدث الاستطلاعات في أمريكا، أن غالبية الشباب في أمريكا أصبح على وعي بحق الشعب الفلسطيني، ويقف مناصرًا لقضيته، على خلاف حكام أمريكا الذين سقطوا في قبضة اللوبي اليهودي يحركونهم كالدمى؛ لتحقيق أهداف عصابة الاحتلال.
..إنها حرب العزة في غزة.. قال الله تعالى: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
*نقلاً عن بوابة الأهرام