قدم حكم محكمة كولورادو، باستبعاد اسم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من قائمة المرشحين في الانتخابات التمهيدية لاختيار المنافس الرئاسي عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية العام المقبل، خدمة إضافية لحملة ترامب، وحتى لو نفذ الحكم فهو قاصر على كولورادو، ولن يعني الكثير بشأن ترشح ترامب للرئاسة مجددا.
لكن حملة ترامب ستستأنف الحكم أمام المحكمة العليا، وفي الأغلب الأعم ستقضي سريعا بنقض الحكم.
وبعيدا عن أي جدل قانوني بشأن حكم المحكمة واحتمال إلغائه على أسس قانونية، فإن المحكمة العليا جمهورية/ترامبية، فهناك 6 من قضاتها التسعة من المحافظين و3 من هؤلاء عينهم ترامب أصلا، وبالتالي لا فرصة لأن ينال حكم كولورادو من فرص الرئيس السابق للترشح.
هناك شبه إجماع على أنه حتى لو حوكم ترامب في القضايا المرفوعة عليه ودخل السجن، فيستطيع الترشح للرئاسة، وكل التوقعات أنه لو نافس ترامب الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، فعودة الرئيس السابق للبيت الأبيض تبدو أكيدة.
كل ما فعله حكم المحكمة حتى الآن هو أنه عزز ادعاءات ترامب بأن كل القضايا ضده "سياسية وبلا سند قانوني" لمنعه من الترشح مجددا للرئاسة، وإذا كان أنصار ترامب التقليديون يؤيدونه أصلا ويرون معه أن "مؤسسة" الدولة كلها ضده، فإن الحكم الأخير ربما يكسب ترامب مزيدا من المتعاطفين من غير المحافظين اليمينيين المتشددين، وبالتالي يمكن ببساطة أن تتجاوز حظوظ ترامب الرئاسية أكثر من نصف الأميركيين الذين يصوتون تقليديا للجمهورين، وهذا ما يجعلنا نرى تقارير متتالية نتيجة استطلاعات الرأي وتحليل توجهات الجمهور الأميركي بأنه إذا أجريت الانتخابات اليوم بين بايدن وترامب فسيفوز الأخير.
لن يكون حكم محكمة كولورادو الأخير ضد ترامب، فهناك قضايا مختلفة يواجه فيها الرئيس السابق عشرات التهم، ما بين فساد واحتيال إلى تواطؤ في جنايات، وفي كل مرة يصدر فيها حكم أو يتخذ ضده إجراء سيوفر ذلك دعاية مجانية لترامب ربما لو أنفقت حملته مئات الملايين ما وفرت أفضل منها.
هناك أولا القاعدة الصلبة من مؤيدي ترامب من المتشددين الأقرب للأصولية المتطرفة، وهؤلاء سيرون في كل إدانة أو حكم على ترامب أنه "اضطهاد" لمن يتحدث باسمهم ويروج شعاراتهم التي تقارب العنصرية، وسيزداد هؤلاء حماسا لمن يعتبرونه "رئيسهم" بغض النظر عن نتائج انتخابات 2020، ثم هناك اليمين السياسي الأوسع الذي لم يفلح حتى الآن في الاتفاق على من يمثله في انتخابات الرئاسة أفضل من ترامب، ومع أن البعض يدفع بنيكي هايلي على أساس ميزة إضافية هي أنها ستكون أول امرأة رئيسة لأكبر بلد في العالم، فهي لا تبدو حتى الآن قادرة حتى على هزيمة ترامب في تمهيديات الحزب الجمهوري، فما بالك بانتخابات الرئاسة أمام بايدن.
تبقى الفئة المرجحة للفوز، وهي من هؤلاء الناخبين الذين يتأرجحون ما بين الجمهوريين والديمقراطيين وغالبا ما يصوتون على أساس الشخص وليس التوجه الحزبي، وهنا أهمية الدعاية المجانية التي توفرها الأحكام والقضايا ضد ترامب، وأتصور أن يستمر هذا النهج في كسب مزيد من المؤيدين لترامب، أو على الأقل المتعاطفين معه، حتى موعد الانتخابات بعد أقل من عام.
يضاف إلى ذلك من الدعاية المجانية ما تفعله إدارة ترامب من التعليق على التصريحات الشعبوية النارية التي يطلقها ترامب في مهرجاناته الانتخابية، مثل التعبيرات العنصرية ضد المهاجرين والشعارات الشعبوية المتطرفة، تلك الانتقادات الديمقراطية لا تكسب الإدارة الحالية أكثر من قاعدتها الانتخابية الصلبة، لكن الكتلة المتأرجحة ربما ترى فيها "استغلال من في السلطة لقوة الإدارة في النيل ممن هو خارجها"، وذلك يفيد ترامب وحملته الانتخابية.
لا شك أن ترامب وحملته يدركون ذلك، وعلى الأرجح سيزيد الرئيس السابق من تشدده وسنسمع منه ما هو أكثر في مهرجانات انتخابية قادمة، من ناحية ليحافظ على حماس مؤيديه ومن ناحية أخرى ليستفز المعسكر المقابل كي يرد عليه بما يروج له أكثر.
ربما يرى البعض أن مثل هذا التوجه يزيد من الانقسام الخطر في المجتمع الأميركي، إنما الواقع أن هذا الانقسام حادث فعلا ويسير بوتيرة مضطردة نحو شقاق حقيقي، بدأ ذلك بدخول أو شخص من خارج "مؤسسة" السياسة والسلطة للبيت الأبيض بعد انتخابات 2016، وعززه ترامب بسياسته كرئيس على مدى 4 سنوات، ثم جاءت إدارة بايدن على أساس أنها ستصلح ذلك الشرخ وتعيد التوازن للمجتمع الأميركي، لكنها عمليا ساهمت في استمرار الشرخ بل وبتشققات جديدة.
قد يلام ترامب على أنه وجد فرصة في ذلك ويتمادى أكثر في "تمزيق" البلاد، لكن الرجل يتصرف على أساس أن هذه هي السياسة، وإن كان يمزج ذلك بما يعرفه من نشاطه الأصلي كسمسار أعمال، ثم في النهاية، أليس هذا هو "الحلم الأميركي" الذي يحافظ على مجتمع الولايات الخمسين؟ وكل ما يفعله ترامب يبدو وكأنه يدفع بالحلم إلى أقصاه، حتى لو تحول الحلم إلى "كابوس" فيمكن لترامب حينئذ أن يلوم على ذلك الإدارة الحالية التي طالما وصف رئيسها بأنه "جو النائم".
*نقلاً عن سكاى نيوز عربية