يتجلى إدراك الدور البارز الذي تلعبه الموارد البشرية في سياق العملية الإدارية بوضوح في اهتمام الباحثين والعلماء بتطوير مجموعة من النظريات التي تسعى لفهم العلاقة الوثيقة بين أداء الأفراد وأثرهم على الهياكل التنظيمية.
حيث يتجه انتباه الباحثين نحو تسليط الضوء على العامل البشري كعامل رئيسي يلعب دورًا أساسيًا في تحسين الأداء والإنتاجية في السياق العملي. و يُعَدُّ تحسين الأداء وتعزيز الفاعلية لدى العاملين الهدف الأسمى لعمليات الإدارة، ويعكس هذا الهدف بوضوح في النظريات المتعلقة بأداء العاملين في السياق الوظيفي.
وسنستعرض في هذا المقال بعض النظريات التي تفسر الأداء الوظيفي:
– نظرية الإدارة العلمية:
نظرية الإدارة العلمية، هي إحدى النظريات الكلاسيكية في مجال إدارة المنظمات.وتُعد نظرية الإدارة العلمية واحدة من أهم النظريات الإدارية التي وضعها فريدريك تايلور. في هذه النظرية، لاحظ تايلور أن العمال غالبًا ما يقومون بإنتاج أقل من إمكانياتهم الإنتاجية الفعلية وقد أظهرت دراسته أنه لم يكن هناك معيار محدد للإنتاج والأداء اليومي المتوقع للعمال، وأن العلاقة بين الأجور والإنتاج ليست واضحة وثابتة.
بناءً على هذه الملاحظات، أوصت نظرية الإدارة العلمية بضرورة تطبيق الأسس العلمية في إدارة العمليات واختيار العمال بناءً على المعايير العلمية المناسبة كما ركزت على أهمية تدريب العمال وتوجيههم بشكل دقيق باستخدام دراسات الوقت والحركة لضمان تحقيق الأداء الأمثل في العمليات الإنتاجية.
– نظرية التقسيم الإداري:
نظرية التقسيم اللإداري التي قام هنري فايول بصياغتها، تعد واحدة من النظريات الكلاسيكية في مجال إدارة المنظمات.
وتركز نظرية التقسيم الإداري على تنظيم المنظمات بشكل هيكلي يتضمن الإدارات والأقسام المختلفة، والتي تقوم بأنشطة متخصصة بهدف تحقيق زيادة الكفاءة الإنتاجية وتقليل التكاليف. تسلط هذه النظرية الضوء أيضًا على هيكل التسلسل الإداري حيث ينتقل التدفق السلطوي من القمة إلى القاعدة نتيجة لعمليات التفويض. وقد وضع هنري فايول أربع عشر مبدأ إداريًا لتحسين أداء المنظمات.
– النظرية البيروقراطية:
التظرية البيروقراطية التي تعود إلى ماكس ويبر، هي إحدى النظريات الكلاسيكية في مجال الإدارة والتنظيم.
نظرية البيروقراطية تعزى إلى العالم الاجتماعي الألماني ماكس ويبر، وتُعد دراسته لهياكل السلطة والتنظيم واحدة من أهم الدراسات في مجال الإدارة قام ويبر بتحليل متعدد من التنظيمات وأساليب تدفق السلطة داخل هذه التنظيمات.
تركز دراسته على مسائل مهمة مثل سبب انصياع الأفراد للأوامر ولماذا يؤدون الأعمال وفقًا للتعليمات الصارمة و يُظهر النموذج البيروقراطي تركيزًا كبيرًا على الجوانب الشكلية والهيكلية التي تنظم علاقات الأفراد داخل المنظمة، دون الاهتمام الكبير بالجوانب السلوكية أو الجوانب الإنسانية.
وبالرغم من أن النظرية البيروقراطية تسلط الضوء على التنظيم والكفاءة، إلا أن النظريات الحديثة أكدت أهمية العناصر الإنسانية والسلوكية في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية في المنظمات.
– نظرية العلاقات الإنسانية:
نظرية العلاقات الإنسانية هي نظرية تسلط الضوء على الجوانب الإنسانية والاجتماعية في سياق المنظمة.
تتميز نظرية العلاقات الإنسانية بالاهتمام البارز بالعوامل الإنسانية والاجتماعية في سياق المنظمة ويركز هذا النهج على تحقيق أفضل إنتاجية من خلال تأثير العوامل النفسية والمعنوية على الفرد ككيان إنساني يمتلك جوانبه الجدانية والانفعالية.
قام كيرت ليون بإجراء دراسات مهمة في هذا السياق، حيث اكتشف أن الأسلوب الديمقراطي في القيادة هو الأسلوب الأكثر فعالية كما كشفت دراسته عن أهمية المشاركة والمشاركة في عمليات اتخاذ القرار في الإدارة، وكيف يمكن أن تكون هذه المشاركة محفزًا للموظفين لتحقيق أداء متميز.
– نظرية العدالة:
نظرية العدالة التي وضعها آدمز تعتبر إحدى النظريات الهامة في مجال إدارة الموارد البشرية والسلوك التنظيمي.
نظرية العدالة، والتي وضعها آدمز، تستند إلى افتراض مهم يتعلق بضرورة توزيع الحوافز بشكل عادل داخل المنظمة، تقيس هذه النظرية درجة العدالة من خلال مقارنة النسبة بين الجهود التي يبذلها الفرد في عمله والمكافآت والحوافز التي يتلقاها مع نسبة مماثلة لأقرانه في نفس المستوى وتحت نفس الظروف.
تتجلى أهمية نظرية العدالة في تصميم نمط القيادة وتحفيز الأداء الوظيفي. حينما يشعر العاملون بأن المكافآت والمزايا المقدمة من المنظمة موزعة بنزاهة وعدالة وفقاً لقيمة جهودهم وإسهاماتهم، يزيد ذلك من مشاركتهم والارتباط الإيجابي بالمنظمة ويؤدي إلى تحقيق أداء أفضل.
– نظرية التوقع:
نظرية التوقع التي وضعها العالم فيكتور فروم، تركز على دافعية العامل وتعزز أهمية توقعات الفرد من العائدات التي يمكن أن يحصل عليها نتيجة أداء العمل
تقوم نظرية التوقع، التي وضعها فيكتور فروم، على فكرة أساسية تفيد بأن دافعية العامل لأداء العمل مرتبطة بتوقعاته بشأن العوائد التي سيحققها نتيجة لأدائه. بمعنى آخر، يتوقع الفرد الحصول على مكافأة أو منفعة معينة عند تقديمه أداءً عالي الجودة.
تعكس قوة الجذب في هذه النظرية المنفعة التي يمكن للفرد الحصول عليها من العوائد المرتبطة بأدائه وقد ساهم فيكتور فروم في تعزيز الأداء من خلال تطبيق نظريته من خلال تقديم التدريب والإشراف وتشجيع المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمل كما قام بوضع أنظمة مكافآت تشجع على التميز في الأداء.
– نظرية الإدارة اليابانية:
نظرية الإدارة اليابانية والتي وضعها العالم أوتشي، تعتبر نظريةً هامة في مجال الإدارة، وتسلط الضوء على العوامل البشرية والاجتماعية في نجاح الإدارة اليابانية.
نظرية الإدارة اليابانية، تعكس أسسًا مهمة لفهم نجاح الإدارة في الثقافة اليابانية و تركز هذه النظرية على الجوانب الإنسانية لدى العاملين داخل المنظمة، حيث يُعَدُّ العاملون هم عنصر الأهمية القصوى في المؤسسة.
وفقًا لهذه النظرية، يُعتَبَر الاهتمام بالعاملين وحل مشاكلهم الاجتماعية وتشجيع العمل الجماعي وتوحيد الجهود وخلق روح الجماعة أمورًا حاسمة لتحقيق أعلى مستويات الفاعلية في الأداء. بناءً على هذه الأسس، تبرز الإدارة اليابانية كمثال للنهج الشامل والاهتمام بالجانب الإنساني لتحقيق النجاح في مجال الأعمال.
في الختام
يمكن القول إن دراسة وفهم النظريات المختلفة في مجال إدارة الموارد البشرية تمثل أساسًا أساسيًا لتحسين الأداء وتعزيز الفعالية في المنظمات. تقدم هذه النظريات إطارًا نظريًا لفهم سلوك الأفراد وكيفية تحفيزهم وإشراكهم في سياق العمل.
تعكس هذه النظريات التطورات والمفاهيم المتقدمة في مجال إدارة الموارد البشرية، وتبرز أهمية العوامل الإنسانية والاجتماعية في تحقيق الأهداف المؤسسية. إذا تم تطبيق هذه النظريات بشكل صحيح، يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحسين الأداء الوظيفي وزيادة الإنتاجية وبناء بيئة عمل صحية ومشجعة.
بالاستفادة من هذه النظريات وتطبيقها بشكل مناسب، يمكن للمنظمات تحقيق مزيد من النجاح والاستدامة في السوق التنافسي اليوم. إذا كانت الموارد البشرية هي أعظم موارد الشركة، فإن فهم كيفية إدارتها بفعالية يعتبر أمرًا حاسمًا لتحقيق النجاح والتطور في العصر الحديث.
*نقلاً عن الدولية للتدريب والإستشارات والحلول المتكاملة*