حسام عمر طرشة
عندما أصدرت الولايات المتحدة وأوروبا سلسلة من العقوبات على روسيا رداً على غزو أوكرانيا، لم يكن من بينها قرار استبعاد روسيا من نظام الرسائل المالية الذي تشرف عليه جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT). في مقال افتتاحي بتاريخ 24 فبراير/شباط في صحيفة واشنطن بوست، أشار المحلل سيباستيان مالابي إلى أن كييف وثلاث دول من دول البلطيق دعت إلى هذا الإجراء العقابي. وقد أدلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتصريحات مماثلة هذا الأسبوع. لكن وفق ما أشار إليه ملابي رفضت دول أوروبية ذلك أخرى حتى الآن، خوفاً من التأثير المحتمل على واردات الطاقة. ويبدو أن ثمة ضغوطاً من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من أجل استبعاد روسيا من نظام سويفت، حيث أعلنت كل من أمريكا وكندا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا والمفوضية الأوروبية، في بيان مشترك، فصل بنوك روسية عن نظام سويفت، والتزامهم بفرض إجراءات تمنع البنك المركزيّ الروسيّ من استخدام احتياطاته الأجنبية. في غضون ذلك، أدلى القادة الإيرانيون بتصريحاتهم الخاصة حول نظام سويفت في سياق مختلف، مدعين أنهم قد يتمكنون قريباً من الالتفاف على العقوبات الغربية باستخدام بديل صينّي روسيّ مشترك للنظام. وإن صح ذلك فإن موقف إيران من المفاوضات حول الملفّ النوويّ سيكون قويّاً ولن تقدم تنازلات كبيرة لإحياء الاتفاق النوويّ عام 2015. تثير هذه المناقشات العامة غير المعتادة حول (SWIFT) عدة أسئلة: هل شطب روسيا من النظام وشيك؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل تؤدي هذه الخطوة إلى تقويض العقوبات على إيران؟ والأكثر من ذلك: هل المواجهة الصينية الروسية لـ (SWIFT) قابلة للتطبيق؟ الواقع مختلف تماماً عن الضجيج الذي تمارسه طهران؛ فالبديل الذي يمكّن النظام من تجنب النظام الماليّ الغربي بشكل فعّال لا يبدو أنه قريب.
في عام 2019، قطعت (SWIFT) الوصول إلى جميع البنوك الإيرانية تقريباً. وكانت واشنطن تضغط من أجل هذه الخطوة، مدفوعة- على الأرجح- بالمأزق النووي مع طهران. ومع ذلك أرجعت (SWIFT) الإجراء إلى مشاكل غسل الأموال لا إلى العقوبات الأمريكية. ورداً على ذلك ربطت طهران نظام المقاصة المالية المحلي (SEPAM) الخاص بها بنظام روسيا لنقل الرسائل المالية (SPFS)، وهو ما يمكّن البلدين من الناحية النظرية من إجراء المعاملات عبر الحدود.
في صيف 2021، نشر مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني تقريراً عن استراتيجية اقتصادية حول كيفية تخفيف تأثير العقوبات الغربية. كانت توصياته الأساسية هي التوسط في “اتفاقيات المقايضة الثنائية”، والانضمام إلى نظام عالميّ لتبادل الرسائل المالية والمقاصة بين الصين وروسيا. وفقاً للتقرير، لن تسمح هذه الخطوات لإيران بالتجارة مع موسكو وبكين فقط، ولكن أيضاً استخدام الوسطاء الروس والصينيين لنقل الأموال إلى دول أخرى. ومع ذلك فليس لهذه الادعاءات ما يدعمها على أرض الواقع.
وفي 15 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، عقب محادثات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، أعلن الكرملين خططاً لتطوير نظام مشترك للرسائل المالية والمقاصة مع الصين. والهدف من هذا النظام هو تجنيد ما يكفي من المشاركين من البنوك الدولية لردع التهديد بالعقوبات الاقتصادية الغربية. ويبدو أن طهران تأمل في أن تحرز موسكو وبكين تقدماً سريعاً في هذا الصدد. في 17 يناير/ كانون الثاني، ألمح السفير السابق محمود رضا سجادي إلى أن روسيا ستساعد إيران في الالتفاف على العقوبات الغربية. وأثناء زيارة إلى موسكو في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن البلدين قد وصلا إلى نقطة تحول في علاقاتهما، وأنهما يسعيان إلى تعاون ثلاثيّ مع الصين. لكن بيانه لم يذكر إلا القليل من التفاصيل. من المؤكد أن بعض التجار في الصين، وبدرجة أقل في روسيا، يطورون طرقاً ملموسة للتهرب من القيود المالية الأمريكية على طهران من خلال شكل من أشكال المقايضة، أي مبادلة المنتجات الإيرانية بالمنتجات المحلية، أحياناً بطرق يبدو أنها تنتهك العقوبات الأمريكية. لكن هذه الأساليب باهظة الثمن ومرهقة، كما يتضح من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها إيران في دفع ثمن وارداتها واسعة النطاق من القمح الروسيّ، على الرغم من أن العقوبات الأمريكية لا تنطبق على السلع الإنسانية مثل القمح.
العقبات
إذا تمكنت الصين وروسيا من إنشاء نظام مشابه لنظام (SWIFT)، فمن شأنه أن يحقق بعض المصالح الاستراتيجية في كلتا العاصمتين. إذ تسعى روسيا إلى طرق لتخفيف تأثير العقوبات الغربية، وتسعى الصين إلى تأكيد نفوذها العالميّ مع الحدّ من تأثير أمريكا. ومع ذلك لم يعمل أي من البلدين بتصميم على تطوير مثل هذا النظام المشترك، بل اتخذا خطوات محدودة نحو إنشاء أنظمة الرسائل المالية التي تستخدمها بنوكهما المحلية حصرياً تقريباً. على سبيل المثال يصف القادة الروس البرنامج الخاص للأمن الغذائيّ بأنه جزء من “اقتصاد الحصن”، وهي استراتيجية اقتصادية دفاعية تم تبنيها في عام 2014 لعزل البلاد عن الضغوط الأجنبية. تضمنت الجوانب الأخرى لهذه الاستراتيجية الاقتراب من الاكتفاء الذاتي الاقتصاديّ، وتكديس كميات كبيرة من العملات الأجنبية، وتطوير الأنظمة المالية التي تقوض فعالية العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وعلى الرغم من أن مئات البنوك الروسية قد تبنت البرنامج الخاص للأمن الغذائي فإن عدداً قليلاً فقط من البنوك الدولية قد حذت حذوها، والعديد منها لا يستخدم النظام استخداماً فعالاً. ومن التفسيرات التي تعلل ندرة التبني تلك أن ثمة مخاوف بشأن عدم كفاءة النظام، وساعات العمل المحدودة، وانخفاض أعداد المشاركة، فضلاً عن التأثير السياسي والاقتصادي الذي ستمارسه موسكو على البنوك الأجنبية التي تنضم. والجدير بالذكر أنه على الرغم من تبجح الكرملين بالانضمام إلى نظام صيني روسي، فإن بنك الصين هو المؤسسة الوحيدة من ذلك البلد التي انضمت إلى البرنامج الخاص للأمن الغذائي.
على عكس الاستراتيجية الدفاعية لروسيا، تهدف سياسات بكين الاقتصادية إلى تأكيد نفسها في الداخل وإبراز نفوذها في الخارج. ولهذه الغاية صُمِّم نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (CIPS) لتعزيز سيطرة الحكومة المركزية على الاقتصاد المحلي وتسوية المطالبات الدولية باليوان. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من معاملات الصين العالمية تجري بعملات أخرى، لذلك تستمر الدولة في الاعتماد الكبير على نظام (SWIFT)، الذي يسمح بتسوية المعاملات في مجموعة متنوعة من العملات. ونتيجة لذلك، فإن بضع عشرات من البنوك الدولية فقط هي أعضاء في (CIPS) التي تتخذ من اليوان مقراً لها. وما دامت معظم المعاملات الصينية في الخارج تجري بالدولار الأمريكي فلن يكون من مصلحة بكين تقويض نظام (SWIFT). وبالمثل، ما دام أنه يجري عدد قليل من المعاملات العالمية باليوان، فلن يجذب النظام القائم على تلك العملة العديد من الأجانب.
لنفترض، مع ذلك، أن إنشاء بديل سويفت مع روسيا كان ضمن مصالح ووسائل بكين، فحتى في هذا السيناريو الافتراضي تظل الحقيقة أنه لا يمكن إنشاء مثل هذا النظام قريباً بما يكفي لتخفيف العقوبات الحالية على إيران. هناك احتمال ضئيل، إن وجد، بأن اليوان يمكن أن يحقق القوة والاستقرار الكافيين في السنوات القليلة المقبلة للتنافس مع الدولار الأمريكي على الصدارة في المعاملات المالية العالمية، وهو الشرط المسبق لأي نظام بديل قد يمكّن إيران من تجاوز القيود الأمريكية على نحو فعال. ومن ثم على الرغم من أن تصريحات طهران وموسكو على عكس ذلك، فإن تطوير نظام مشترك للتهرب من العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي لعام 2015 ليس وشيكاً.
الخيارات السياسية
سيكون لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا العديد من التداعيات، لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن لردود الفعل الروسية والصينية على مثل هذا الضغط أن تفعل الكثير لتحسين وصول إيران إلى التمويل الدولي وتجنب آثار استبعاد البنوك الروسيّة من نظام (SWEFT). ومع ذلك، لا يزال لدى صانعي السياسة الأمريكيين العديد من الأسباب لثني بكين عن تطوير نظام مالي عالميّ مواز، ومن ضمنها حقيقة أن مثل هذا النظام قد يوفر حلولاً بديلة للعقوبات الدولية على المدى الطويل. من جانبها، لدى إيران العديد من العوامل التي يجب مراعاتها في تقرير كيفية التعامل مع الاتفاق النوويّ وعزلتها الدولية الطويلة. لكن هناك أمراً واحداً واضحاً: ليس هناك أي احتمال واقعيّ للاعتماد على نظام المراسلة الروسي أو الصيني للحد الكبير من مشاكل الوصول إلى النظام المالي الدولي، وبالتأكيد ليس ضمن أي إطار زمني معقول. بالطبع، يمكن أن تعود هذه القضية إلى الواجهة إذا واصلت الولايات المتحدة وأوروبا تشديد العقوبات رداً على المزيد من التصعيد الروسي.
المقال المترجم هو لستيفن تيرنر، وهو مستشار جيوسياسي مستقل يركز على الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط، ولا سيما إيران. نُشر هذا المرصد السياسي تحت رعاية برنامج مؤسسة (Diane and Guilford Glazer) التابع لمعهد واشنطن حول مسابقة القوى العظمى والشرق الأوسط.
* المقال في أصله مترجم عن معهد واشنطن بتصرّف
*مركز الفكر الاستراتيجي