ليس من الصعب أبدًا وضع حدّ للأزمة في اليمن. وإن إطالة أمد الصراع الناشئ عن عدم انتهاء الحملة العسكرية التي أطلقتها السعودية والإمارات قبل ست سنوات، ليس لأن الحوثيين أقوياء لا يُغلبون، أو لأنّ التحالف العربي ضعيف أو غير قادر على حسم المعركة. بل إنّ السبب الوحيد لإطالة أمد الصراع وزيادة تعقيده يومًا بعد يوم، هو انحراف التحالف بشكل كبير للغاية عن أهدافه التي أعلنها للمرة الأولى حين دخوله لليمن.
كان الهدف الأول لقوات التحالف، هو منع الحوثيين من فرض أمر واقع من خلال انقلابهم، الذي يسعى للسيطرة على جميع المفاصل في اليمن. وفي المقابل كان انقلاب الحوثيين وتوسعهم في اليمن يشير إلى أنّ من وراء ذلك تدخلًّا إيرانيًّا، ما يعني أنّ سيطرة الحوثيين تعني بالنسبة للشعب اليمني احتلالًا إيرانيًّا في الوقت ذاته.
على أي حال حتى ولو كان الحوثيون يشكلون نسبة ضئيلة للغاية في اليمن من حيث النفوس، إلا أنهم في النهاية جزء من الشعب اليمني، ولو لم يُقدموا على هذا الانقلاب كان لا بدّ من إشراكهم في تحديد مصير ومستقبل البلاد.
نذكر أنّ التحالف العربي حينما قرر دخول اليمن قبل 6 سنوات، أعلن أنّ هدفه هو تعضيد قوى الحكومة الشرعية وتحقيق الاستقرار في البلد. لكن مع مرور الوقت تبين أنّ التحالف لم يعزز دور الحكومة الشرعية، وفي المقابل لم يتمكن من إنهاء السيطرة غير الشرعية للحوثيين، وبالتالي لم يجلب أي استقرار يُذكر للبلاد.
سبب ذلك واضح وبسيط في الحقيقة، لا سيما وحينما نتحدث عن الإمارات، التي منذ أول دخولها لليمن نحّت هدف تعزيز قوى الحكومة الشرعية جانبًا، ولم تعتبر من أولوياتها تخليص اليمن من الحوثيين. حتى في الأماكن التي لم يتمكن الحوثيون من دخولها، نجد أنّ الإمارات أحكمت السيطرة عليها من خلال الانقلابات وزعزعة الأمور، لتقيم حكمها الخاص فيها وتحتل أراضي اليمن وخيراته وموانئه ومطاراته.
ومع تدميرها لميناء عدن، بات من الواضح أنّ الحكومة اليمنية أصبحت منغلقة على نفسها ولم يعد لها متنفسًا أو مخرجًا. مطارات عدن لاقت المصير ذاته على يد الإمارات أيضًا، حيث تمّ تدميرها بشكل يجعل من المستحيل القيام برحلات دولية.
لقد تعمدت الإمارات نشر الفوضى في عدن من خلال الميليشيات التي تأتمر بأمرها، سعيًا منها لإنشاء ركيزة تعتمد عليها لإحكام قبضتها وتدخلاتها التعسفية. وحينما تجد الإمارات الحكومةَ اليمنية الشرعية أمامها في اليمن، فلا تتردد بتنفيذ عمليات اغتيال لا حصر لها ضد شخصيات سياسية وقادة رأي لا يتماشون معها.
لقد منعت الإمارات طائرات الخطوط الجوية اليمنية من البقاء في مطار عدن ليلًا، كما دمرت مطار الريان بشكل كامل، لتحوله إلى معسكر وسجن عسكري خاص بها. لم تكتف بكل ذلك، بل احتلت ميناء المخاء أيضًا، وحولته إلى ثكنة عسكرية. حينما تنظر إلى كل ما فعلته وتفعله الإمارات في اليمن، إضافة لمنعها تصدير الغاز والنفط اليمني بشكل عام، ستجد أنّ الإمارات إنما تشنّ حربها في الأصل على قوات الشرعية في اليمن لا على الحوثيين.
لم تكتف الإمارات بكل ذلك، بل قامت باحتلال جزيرة سقطرى، وراحت تحرض ميليشياتها العسكرية على إحكام السيطرة على الجزيرة، وطرد قوات الحكومة الشرعية منها. كان دخولها لسقطرى احتلالًا بكل المقاييس، حيث لا يوجد أي مبرر لدخول الإمارات بهذا الشكل واحتلال الجزيرة بعد ذلك، لم يكن هناك حوثيون أو أي عنصر مهدّد للاستقرار، لم يكن في سقطرى غير أهلها.
وعلى صعيد آخر، لم يعد من السر العلاقة التي تجمع بين الإمارات والحوثيين، مما يشكل خيانة صريحة لشركاء الإمارات في التحالف. لقد تم كشف الإمارات وهي متلبسة بجرمها في دعم الحوثيين بالمال والطائرات المسيّرة والعديد من أنواع الأسلحة الأخرى.
ناهيك عن الحديث حول الغارات الجوية التي ضربت بها الإمارات "عن طريق الخطأ" عناصر الجيش اليمني، الذي من المفترض أنها جاءت لتدعمه. ويا للمصادفة، لا تقع هذه الغارات الخاطئة إلا حينما يكون الجيش اليمني مستعدًا للقضاء على الحوثيين، لتأتي هذه الغارات لتكون عائقًا أمامه نحو ذلك، فضلًا عن سقوط الآلاف من الجيش اليمني ما بين قتيل وجريح جرّاء تلك الغارات.
يمكن القول أنّ الشريك الأصغر ضمن التحالف العربي في اليمن، هو أكثر نشاطًا من شريكه الأكبر، ويساهم في تعقيد الأزمة وتضخيمها. وحينما يقوم الشريك الصغير أي الإمارات بذلك، فإنه مع مرور الوقت يجرّ السعودية نحو مستنقع خطير، كما تقوم بخيانتها في العديد من المجالات. ومع ذلك يبدو أن الشريك الأكبر أي السعودية مقدّر لها أن تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية لما يجري في اليمن.
وحينما تطلب الحكومة الشرعية في اليمن من مجلس الأمن إخراج الإمارات من قوات التحالف، تتطوع السعودية للدخول في وساطة بهدف تراجع الحكومة اليمنية عن طلبها. إذن في الحقيقة، يبدو أن الإمارات ما كانت لتستطيع دخول سقطرى واحتلالها لولا رضا وإذن السعودية، وهذا يعني أن الاتفاق ينص على أن تحكم الإمارات سيطرتها على سقطرى.
أما بالنسبة لاتفاقية الرياض الأخيرة، نلاحظ أن هناك العديد من التطورات الملموسة تضمنتها الاتفاقية، لكن ومع ذلك فلن يتحقق تقدّم ما، حيث أن السعودية لا تبدو متحمسة لتطبيق هذه المواد على أرض الواقع، وبالتالي سيظل الوضع على ما هو عليه دون تغيير.
إن استمرار الوضع الحالي بما هو عليه يخلق تراكمًا لانتهاكات حقوق الإنسان التي يتم ارتكابها باسم تحالف الشرعية في اليمن. ربما تكون الإمارات مستفيدة من ذلك من حيث سياستها الخاصة، إلا أن ذلك يساهم في ازدياد احتمالية مواجهة السعودية للعديد من الأزمات مستقبلًا.
وفي العودة لسؤالنا الأول، نقول أنه ليس من الصعب على الإطلاق إنهاء الأزمة في اليمن. لا سيما في الوقت الحاضر؛ نجد أنّ جميع الأطراف اليمنية أكثر استعدادًا لبناء يمن مستقل ومستقر ضمن الحفاظ على وحدة أراضيه واستقراره. إلا أن الشرط الأهم حاليًّا لإمكانية تحقيق ذلك هو إخراج قوات التحالف أي "رجال الإنقاذ" وتنحيتهم جانبًا، لضمان تحقيق استقرار في اليمن.
لا شك أن أنصار الشرعية والحوثيين والزيديين وحركة الإصلاح وأنصار حزب المؤتمر، كلهم عناصر رئيسية في اليمن، ومن الممكن أن يجتمعوا معًا على أساس حوار وطني بعد أن يعترف فيما بينهم بحق ووجود كل طرف.
لا يمكن لأحد أن يبيد أحد ويقضي عليه تمامًا. والجميع يعلم أن سيطرة طرف واحد بالقوة على باقي الأطراف لن يولّد إلا استبدادًا وانعدامًا للاستقرار فحسب.
إذن الحل الوحيد، هو أن يعترف كل طرف بحقوق ووجود الآخر، ويؤسسوا معًا أرضية للحوار الوطني في اليمن ضمن إطار الاحترام المتبادل فيما بينهم.
وحسبما نرى، فإن جميع الأطراف في اليمن بما فيهم الحوثيون، يستعدون في الوقت الحاضر لمثل هذا الحل.
الخطوة الأولى الآن لتحقيق ذلك، أن يعود التحالف للهدف الذي قطعه على نفسه حينما دخل للمرة الأولى لـ"إنقاذ اليمن"، وأن ينسحب بعيدًا من عملية الحوار فيما بين الأطراف اليمنية.