قاسم أحمد عقلان
إن جميع الفيروسات الوبائية التي تنزل على الناس بين وقت وآخر، لهو دليل على عدم رضا الله عن عباده، فهي منبهات جلالية قهرية، صادمة بقوة، فقوة الفيروس أعظم من قوة القنبلة النووية، والخوف منه أشد من الخوف من جميع أسلحة الدمار الشامل. لقد تأكد للعالم كله أن جميع وسائل السلامة والصحة والعافية باتت في خطر أكيد، في ظل وجود هذا الفيروس: (كارونا)، الذي يركض في الأرض، فرغم صغر حجمه إلا أنه سلاح فتاك، وقاتل، فله خبر يتلى في كل بلاد الدنيا، فقد جعل كافة الناس متسايين في وسائل الوقاية منه، جعل الناس بين تائب، ومصر ومتحير في أمره، لا يدري أين الخير له، وكيف يكون التوقي من الخطر. إن هذا الطاعون ليس هو الأول فقد سبقه أفلونزا الطيور، والخنازير قبل بضع سنوات، ولكنه أشدهم بأساً، وفتكاً، لأن العالم غفل عن الله، واغتر بقوته، وماله، وصحته، وعافيته، ونسي أن أمر العذاب وشيك، وقريب، وأنه فوق الطاقة البشرية، فقد أهلك أمما شتى، بوسائل مختلفة، فقال تعالى: (فكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). العنكبوت: (40). فله تعالى وسائل مختلفة في الأخذ والعذاب، بما يتناسب وحجم المعصية، ولما كانت معصية العالم اليوم هو القوة، والسيطرة التسخيرية على كل شيء، حتى فتح عليهم أبواب العلوم المختلفة، وسيطروا على جميع سكان الأرض، مباشرة، وبواسطة، وصار العالم كله يعيش أمان، ورخاء، وغرور، وكبرياء، سوى بلاد العرب خصوصا جميع قوى الأرض الكبرى، تتفكه في القتل، والإبادة، والكفر، والردة. إنه والله لا عاصم اليوم من أمر الله إلا بالتوبة الجماعية، والتخلي عن منطق الغرور بالقوة، والعلم ، والتقنية، لا عاصم اليوم إلا لمن كان له عنده تعالى قرب، وصلة، وود، وخلة، فهو وقت التمايز، والغربلة، وقت ظهور عباده الصالحين، وأصحابه العارفين، وأوليائه المحبين، فهم بعينه، سيصرف عنهم هذا الوباء الطاعوني، ويميزهم بالحفظ، والأمنة. فكما أنجا أنبياءه، ورسله؛ سيفعل بيقين أكيد اليوم مع أحبابه، وعموم أوليائه. إن سفينة النجاة مشرعة، وباب التوبة قد بات شبه مغلق، ففي وقت التجليات القهرية لا ينفع فيها التوبة، بل يكون إجراء القهر الإلهي، دون تردد، ومع ذلك يجب المبادرة والإسراع في طلب النجاة منه وحده، وأن لا يتعلق قلب العبد بغيره، مع فعل الأسباب الممكنة، لعدم الدخول في أسباب التهلكة. فهذا هو وقت إعلان ضعف وعجز الإنسان عن حفظ نفسه، ومنع أي خطر ينزل به من لدن ربه. يجب أن يعلم أن السلامة من فيروس كارونا، ليس متاحا لجميع الناس، بل هو شأن رباني، وقضاء، وقدر جبروتي، لا يستطيع أحد رده، إلا لمن كان له مع ربه علاقة ود خاصة، لممن كان في محل القرب، لمن كان متعرفا عليه بوصفي جلاله، وجماله في جميع أوقاته. يجب أن يعلم سكان الأرض كلهم، وفي مقدمتهم أهل الكتب الإلهية أنهم هم المستهدفون أولاً بهذا الوباء، بعد أن طالت غفلتهم عن ذكره، وانحازوا إلى الشيطان وحزبه، ولم يقوموا بواجبهم نحو المظلومين من عباده، قال تعالى: (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). هود: (117). إنه والله ليستحيل عليه تعالى أن يهلك قوما، أو أمة، وهم مصلحون في الأرض، قائمون بالعدل، والقسط في الحكم. فسبب نجاة الناس من عذابهم هو تحقيق العدل، ونصرة المظلوم، وكف يد الظالمين. لقد حان الوقت أن يتعرف الناس على ربهم بقهره، ولطفه. وأن يهرعوا إلى بابه بذل، وافتقار، وكثرة دعاء، واستغفار، فلعله يرحمهم، ويقيل عثراتهم، فيكشف هذا الوباء، ويمنعه من الأذى، فهو وحده من خلقه، وأرسله على الناس، ومنه وحده العون، والنصرة عليه.