أيها المبدع الخلّاق ..صاحب الشعور الرقراق ، والحس المرهف الدّفاق ..
كن و إبداعك مع الطريق السوي الصحيح على إنسجام ووفاق ،
أيها المُعَطى من الله نعم جليلة غزيرة ، كثيرة وفيرة ، إشكر ولا تكفر بما أؤتيت ، واصدع بما تؤمر وانتهي بما نوهيت ،
ولا تناقض فطرتك الطيبة النظيفة وترمي بها في درك مظلم ، وسرداب مغلق مخيف وتغدو في تخبط وضياع ،
فإذا أعطاك الله من عطاياه ، ووهب لك موهبة -ايًا تكن - من فضله ، وجود كرمه وجزيل إحسانه
، فإشكره ، وليس الشكر قولا حسنا فقط .. إنما الشكر الحقيقي هو ترجمتهُ لسلوك واقعي !
صاحب الموهبة مع المباديء القيّمة ، وإربط بينهما برباط مقدس متين قوي أمين ، لاينفك عقدته ، ولا تتراخى ربطته ، وإبذل عطاء الله لله ، فإن فعلت هذا باركك الله ، وأنار دربك ، وسيّر لك خلقه ، ورفعك منهم قدرًا ومنزلة ، ومهابة وفضلا ، وجزاك الرضا ، وما أدراك ماشعور الرضا الجميل ،
الذي يشرح أسارير الفؤاد ، ويزيل إكفهرار الروح ، وينتج إكسير السعادة ، وتشعر أنك إنسان ، وتنظر لنفسك بعين التقدير ، وتحس أن عناية الله تعملُ بك خير التدبير ،
، التي تجعل من الدنيا جنة يحفها النعيم ولو كانت من ذات الجحيم ؛
فالموهبة إذا وُظفت بالشكل الصحيح ، وبالمكان المناسب ؛جر ذلك خيرًا عظيمًا لصاحبها
لا تتخلى عن مبادئك لأجل مال ، ولا لطلب شهرة ، ولا رضا لمخلوق ايًا كان ،
ولا تستعبدك المادة ، وتحني لها رقبتك خاضعًا ، فتصبح عبدًا لها !
فتغدو ذليلًا ، ولم يخلقك الله للذلة ! ولم يخلقك الله لعبادة مادة والسعي خلفها !
فالمبدأ السامي يرفعك للسماء ، ويعلو بك أفقًا بعيد ، ويبلغ بك هيبة وثقل كشموخ الجبال الراسية .
إن لنا في قصة السامري -التي ذُكرت في القرآن - عبرة وعظة ، فقد كان يملك موهبة وفن ، ناهيك عن قدرته في إقناع الناس وتضليلهم،
(( قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ))
لكن إبداعه نسف في اليم نسفا ، واستحق دخول النار
لإنه عصى وتمادى مع الله ، وضيع الحق ، فأستحق الجزاء الأليم !
أصحاب الأقلام الهابطة ، والرسومات الماجنة ، والافواه الكاذبة الخاطئة ، والمواهب المأجورة ،التي لاتقدر ذاتها ، وتنجر لعوالم سفلى قذرة لا تمتُ للأخلاق بذرة صلة ،
والله ثم والله إنها لن تدوم ، إن بريقها مؤقت ، وإن نالت شهرة فلن تكون إلا شهرة مؤقتة مذمومة لا تنال إلا سخط الله والناس .
معشر الكُتاب ، الذين يزخرفون القول ، ويحيكون الكلام ، ويتباهون بما يكتبون -فراغًا - آسفًا مايكتبون ، فهم يمجدون الباطل ، ويمدحون الشر ويقدحون بمن يخالف إتجاههم ، ويسبحون ويهلّلون ويكبرون بما تهوى أنفسهم ، وأينما تسير مصالحهم هم معها سائرون بذات الدرب !
كم قرأنا لأقلام أجيرة ، بالصدق شحيحة فقيرة ، تؤأد الحقيقة، وتقبر الواقع ، وتماري وتجادل في الاباطيل والأكاذيب ،
وأصوات الحناجر الذهبية ، التي وُهبت مزمارً من مزامير داوود عليه السلام ، تلك الاصوات التي تأخذ الروح من عالمها إلى عوالم أُخرى ، وتغمض العين الحائرة أجفانها إسترسالًا مع الألحان الساحرة ، والكلمات الراقصة ، التي تدب فيها الحركة والحس ،
لو وظفوا الغناء لهدف نبيل ، وجعلوا ماوهبهم الله من فضل ؛ نصرة للدين ، ومحاكاة لواقع ، وتغيير إيجابي وبث أمل ، وهمة لعمل ، وتمكين لأخلاق عالية وتقليل شأن من تصرفات بالية ، وجعل الفن الهادف دعوة !
بدل أن تضيع الموهبة في كلمات لا نفع منها ، بل وتجر سيئات وراء سيئات ، وكلما انتشرت أغانيك نلت كفلً منها ،
وأصحاب الرسومات المتناثرة ،والريشات الزاخرة ، والألوان الباهرة التي تزف هنا وهناك ،
ارسموا القضايا ، تجنبوا الرسم المتدني ،
الفن يعكس مافي داخل صاحبة ، ولوحتك تعبر عن شخصيتك وأخلاقك، وفكرك يُترجم ويُعرض في لوحة للناس !
فأحسن إختيار ما ترسمه ، واستحي ، فإن شر الناس من يعمل الخطأ ولا يشعر بالحياء ،
والحياء شعبة من شعب الإيمان .
الموهبة الحقه هي التي تسمو بالمباديء ، وتناقش هموم وقضايا الناس ، وتمسح الدمع من أعين المتألمين ، وتترك انطباع جميل ، ولا تشذ إطلاقًا على الخلق والأدب .
الموهبة هي الجمال ، والجمال تحبه النفس وترتاح له العين ويسكن له الفؤاد ، ويتناغم مع الروح
أيكون القبح والرداءة والمجون والتلفيق موهبة ؟!
كلا بل هو هباء ! هباء منثورا ، يعود لصاحبه بالقلق والأرق والألم الداخلى وشعور بإزدواجية لاتتناسب مع الفطرة .
اصبح الفن بأنواعه في أيامنا المعاصرة أحد أهم أسباب التاثير والإقناع في عقول شباب اليوم ، فمن نشر الخير والفكر الهادف نال من ذاته وحُمدت افعاله ، ومن روج للشر وانسجم مع مايناقض الفطرة الطيبة مايكون إلا محارب نفسه قبل غيره ، فسبحان عدل الله .
أصحاب المباديء والأهداف النبيلة سيعيشون عمرًا ورديًا أكبر من عمرهم الحقيقي ، وسيحظون مكانة في الدنيا ورفعة في الآخرة ، فالمباديء السامية هي سلم الإنسان لبلوغ أقصى درجات الإنسانية .