د,محمد مبارك الشاذلي
لَم تَكُن الهِجْرة من مَكَّة إلى المَدينةِ في جَوهرها فرارًا وهروبًا ولم تَكُن غاية في ذاتِها ، ولكن كانت أمرًا لا مفرَّ منه ولا سبيلَ إليه حتَّى تَستطيع الرسَالة الخَاتمة أن تحيَا في بيئةٍ لا تَعرف الذُّل أو العبوديَّة ؛ لأنَّها رسالة الكرامةِ والعزَّة والإباءِ .
لقد كانت الهجرةُ حدثًا تاريخيًّا غيّر مجرى البَشريَّة ، وحقَّق الحريَّة للنَّاس جميعًا ، فهى حقٌّ وقوّة ؛ فليس هناك مكان للطغاةِ الذين ناصبُوا الدَّعوة الإسلاميَّة العداء ؛ لأنَّهم أبوا أن يكونَ النَّاس أحرارًا فيما يدينون به ، فهم يسومُون أتباعَها مُختلف ألوان الأذَى الحسىّ والمعنوىّ ، لكَى لا يؤمنُوا بما يشاءون ، وليظلّوا على دين الآباءِ لا يصبَأون عنه .
لقد كانت الهجرة أسلوبًا عمليًّا في نشرِ الإسلامِ والدعوةِ إليه ، بعد أن فقد الرسولُ الأمل في مكَّة ، فقد صيَّرها المشركون بيئة فاسدة ؛ بسبب حصارهم الاقتصادىّ لأتباع النبىّ – صلى الله عليه وسلم – وإيذاءهم ، وتعذيبهِم ،؛لذا فهى لا تَصلح لنشر تلك الدعوةِ الجديدةِ .
كانت الهجرةُ عملًا منظَّمًا يخضعُ للتخطِيطِ العلمىّ الدقيق ، والأخذِ بالأسبابِ ، وكان هذا هو العامل الرئيس لنجاحها ، وآية على أنَّ التوكل الحقّ على الله يجب أن يصحبه العمل المخلص والسعى المُمكن ، رغم أنَّ الله قادر على أن يأخذ نبيه في لمحِ البصر إلى المدينة دون عناءٍ أو تعبٍ ، ولكن لكى نتعلم التَّخطيط الجيد في حياتنا ، فهذا النبى – صلى الله عليه وسلم – والصدّيق أبوبكر – رضى الله عنه – يغادران المنزل في وقت الظهيرة من خوخة في ظهره ( أى كوّة ) مشيًا إلى منزل ثان لأبى بكر في أسفل مكة جنوبها آخر المسفلة ، وفيه تمّ استئجار الدليل من قبلهما وتسليم الرّاحلتين له ، وتحديد موعد القدوم إليهما بعد ثلاث ليال ، ولما حلّ الظلام خرجَا منه ماشيين على أقدامهما إلى غار ثور ليدخله الصّديق أولًا ثم النّبى – صلى الله عليه وسلم – ، واختيار طريق غير مألوف ، ويستأجرا دليلًا خرتيتا خبيرًا بالطريق أمينًا على السّرّ حفيظًا عليه ، من غير أتباعه ” عبدالله بن أريقط الليثى ” ، وأسماء بنت أبى بكر – ذات النطاقين – وهى حامل تأتى بالطّعام وتصعد الجبل الوعر الذى يستغرق عادة حوالى 40 دقيقة ، وخلفها من يعفى آثارها ويمحوها ، وعلىّ بن أبى طالب ينام في فراش النبى ليرد الأمانات إلى أهلها ، وأما دور عبدالله بن أبى بكر فهو نقل أخبار مكة والمبيت عندهما ،ودور عامر بن فهيرة في رعى الأغنام لتزويدهم باللبن ، ولمحو آثار أقدام عبدالله ، تخطيط جيد يعلمنا التوكل على الله حق توكله ، وألا نستسلم إلى الوهن بالتواكل والركون إلى الكسل والدعة ، وأنّ لكل واحد منا دوره الذى يجب أن يقوم به في مجتمعه .
والهجرة إلى المدينة كانت لغايةٍ كبرى وهى إقامةُ الدَّولة على مبدأ الحُريَّة والمواطنَة ، وهى بهذا تختلفُ عن الهجرة إلى الحبشة التى كانت من أجل الأمن والأمان ، أى الإيواء المؤقّت حتى يجعل الله فرجًا للمؤمنين مما هم فيه من اضطهادٍ وإرهابٍ .
ومما يدعُو للدهشة أن يَقبل ابنا قَيلَة ” الأوس والخزرج ” أن يحمُوا دَعوة وليدة ، ليسَ في بلاد ِالعرب كلّها من يُعيرها أدنَى عطف ، أو يرجُو لها أقلّ نَجَاح ، فصَاحب الدَّعوة تُطاردهُ قريش ليل نهار ، وليس مع الأوسِ والخزرج من العتادِ والثَّروة ما يجعلهُم يواجهُون أهل الجزيرةِ العربيَّةِ ، ولكنَّ الله حوَّل ضعفهم قوَّة وخوفهم أمنًا وفقرهم غِنى وعزًّا ، وجعل الجِهاد غَايتهم والشّهادة أمنية شبابهم وشيُوخهم ، فلم تقدر قوّة على الوقوفِ في طريقِ نصرتهم لنبىِّ الإسلام .
وتحوَّلت – أيضًا – حروبهم فيما بينهم ،إلى اعتصام وقوة ، وما يوم بعاث وهو آخر أيام الحرُوب بين الأوس والخزرج عنهم ببعيد ، وأذكى اليهود الذين سكنوا معهم بعدما هربوا من اضطهادات الرّوم أسباب الشقاق والصِّراع بينهما ؛ لتضعف قوتهم ويفنَى رجالهم فيكون لليهود النفوذ والسلطان ، تحولت الضغائن والإحن إلى محبة وإخاء وأصبحوا إخوة متحابّين بعد أن كانوا أعداء متحاربين .
وإذا كان الإيمان قد غيَّر الأوس والخزرج وجعلهم يدًا واحدةً وكانوا بالأمس القريب يَقتتلُون ، فهو الذى حمل المهاجرين على أن يَدعوا كلّ شئٍ في مكة ، ويفرّوا بعقيدتهم إلى اللهِ ورسولهِ .
ولمّا كانت الهجرة إلى المدينة دار الإيمان بداية لإقامةِ الدولة الإسلامية ، ورمزًا للإيثار والبطولات الفريدة ، والتَّضحيَّات الرَّائعة ، والتَّنظيم العلمىّ الدَّقيق ، اختار عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – حادثة الهجرة لتكون بداية لتاريخ المسلمين .
والعربُ قبل الإسلامِ كانوا كغيرهم من الأممِ المبتدية يؤرِّخون بالأحداثِ العظيمةِ التى تمرّ بهم وتؤثّر في حياتِهم كأيام العرب المشهورة في حرُوبهم ، وكحادثةِ الفيل ،وحرب الفجار ، وحينما تمّ إنشاء الدّواوين واتسعتْ رقعة الدَّولة الإسلاميَّة وتشعَّبت فرُوعها وتعدَّد نشاطها احتاجُوا نظام ثابت للتاريخِ ينسب إلى نقطةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ ، وتَتبعهُ الدَّولة في جميعِ أنحائهَا ، فجمع عمر – رضى الله عنه – في العامِ الثالث من خلافته وجوه الصَّحابة ، وقالَ لهُم : ” إنَّ الأموالَ قد كثرتْ وما قسمنا منها غير مؤقت – أى غير محدّد بتاريخ يضبط به – فكيف التَّوصل إلى ما يضبط به ذلك ، ولقد رفع إلىّ صكّ محلّه شعبان فلا أدرى أى شعبان هو ؟ الذى مضى ، أو الذى نحن فيه ، أو الآـتى ؟ ضعوا شيئًا للناس يعرفُونه ” .
وتناقش الجمع الأمر فمنهم من قال اكتبوا على تاريخ الرُّوم ، وقال قائل اكتبوا على تاريخ الفُرس ، وأراد الفاروق أن يجعله على مبدأ لحادثٍ إسلامىٍّ ، فأشار بعضهُم بأن يجعلوهُ من بعثةِ الرَّسول ، أو من عند مولده ، أو من وفاة النبى – صلى الله عليه وسلّم – ، وأشار علىّ بن أبى طالب – رضى الله عنه – أن يجعلوه منذ خرج النبى – صلى الله عليه وسلّم – من أرض الشرك ، يعنى يوم هاجر من مكَّة إلى المدينة ، فراقت الفكرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب والمسلمين ، فاتَّفقوا على أن يكون مبدأ التاريخ من سنةِ الهجرة .
ثم تعدَّدت آراؤهم حول بدايةِ السَّنة ، فالهجرة حدثتْ في أواخر شهر صفر وأوائل ربيع الأول – على أصحّ الأقوال – ، واستقرّوا على الأخذ برأى عثمان بن عفان – رضى الله عنه – بأن يؤرّخوا من المحرّم أول السنة وهو شهر حرام ، وأول الشّهور في عدّة العام ، وهو منصرف النّاس من الحجّ وأول شهر يفرغون فيه إلى أعمالهم بعد اشتغالهم بالمناسِك ، وبذلك رَجعوا نحو شهرين وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة ، وكان الزَّمن بين الهجرةِ واتّخاذها مبدءًا للتّاريخ سبعة عشر عامًا .
وبهذا يتبيَّن لنا أنّ ارتباط ذكْرى الهجرة كل عام بشهرِ المحرم بسببِ بداية التَّاريخ ، وإلَّا فإنَّها لم تقع في هذا الشَّهر وإنَّما في أواخرِ صفر وأوائل ربيع الأول ، وسيظل التَّاريخ الهجرىّ خاصّة للمسلمين والعرب إلى أن يرثَ الله الأرض وما عليها .
وعلينا أن نتذكر أنّنا نواجه أخطارًا بالغة الأثر في ذكرى الهجرة ، وأنّه يجب علينا أن نعمل بإخلاصٍ ودأب على دفعها والقضاء عليها ، ولا سبيل لهذا غير وحْدة تتسامى فوق الأشخاص والرَّغبات والأهواء ، وهو واجب تتقاضاه العقيدة قبل أن يتقاضاه حق الحياة .
لَم تَكُن الهِجْرة من مَكَّة إلى المَدينةِ في جَوهرها فرارًا وهروبًا ولم تَكُن غاية في ذاتِها ، ولكن كانت أمرًا لا مفرَّ منه ولا سبيلَ إليه حتَّى تَستطيع الرسَالة الخَاتمة أن تحيَا في بيئةٍ لا تَعرف الذُّل أو العبوديَّة ؛ لأنَّها رسالة الكرامةِ والعزَّة والإباءِ .
لقد كانت الهجرةُ حدثًا تاريخيًّا غيّر مجرى البَشريَّة ، وحقَّق الحريَّة للنَّاس جميعًا ، فهى حقٌّ وقوّة ؛ فليس هناك مكان للطغاةِ الذين ناصبُوا الدَّعوة الإسلاميَّة العداء ؛ لأنَّهم أبوا أن يكونَ النَّاس أحرارًا فيما يدينون به ، فهم يسومُون أتباعَها مُختلف ألوان الأذَى الحسىّ والمعنوىّ ، لكَى لا يؤمنُوا بما يشاءون ، وليظلّوا على دين الآباءِ لا يصبَأون عنه .
لقد كانت الهجرة أسلوبًا عمليًّا في نشرِ الإسلامِ والدعوةِ إليه ، بعد أن فقد الرسولُ الأمل في مكَّة ، فقد صيَّرها المشركون بيئة فاسدة ؛ بسبب حصارهم الاقتصادىّ لأتباع النبىّ – صلى الله عليه وسلم – وإيذاءهم ، وتعذيبهِم ،؛لذا فهى لا تَصلح لنشر تلك الدعوةِ الجديدةِ .
كانت الهجرةُ عملًا منظَّمًا يخضعُ للتخطِيطِ العلمىّ الدقيق ، والأخذِ بالأسبابِ ، وكان هذا هو العامل الرئيس لنجاحها ، وآية على أنَّ التوكل الحقّ على الله يجب أن يصحبه العمل المخلص والسعى المُمكن ، رغم أنَّ الله قادر على أن يأخذ نبيه في لمحِ البصر إلى المدينة دون عناءٍ أو تعبٍ ، ولكن لكى نتعلم التَّخطيط الجيد في حياتنا ، فهذا النبى – صلى الله عليه وسلم – والصدّيق أبوبكر – رضى الله عنه – يغادران المنزل في وقت الظهيرة من خوخة في ظهره ( أى كوّة ) مشيًا إلى منزل ثان لأبى بكر في أسفل مكة جنوبها آخر المسفلة ، وفيه تمّ استئجار الدليل من قبلهما وتسليم الرّاحلتين له ، وتحديد موعد القدوم إليهما بعد ثلاث ليال ، ولما حلّ الظلام خرجَا منه ماشيين على أقدامهما إلى غار ثور ليدخله الصّديق أولًا ثم النّبى – صلى الله عليه وسلم – ، واختيار طريق غير مألوف ، ويستأجرا دليلًا خرتيتا خبيرًا بالطريق أمينًا على السّرّ حفيظًا عليه ، من غير أتباعه ” عبدالله بن أريقط الليثى ” ، وأسماء بنت أبى بكر – ذات النطاقين – وهى حامل تأتى بالطّعام وتصعد الجبل الوعر الذى يستغرق عادة حوالى 40 دقيقة ، وخلفها من يعفى آثارها ويمحوها ، وعلىّ بن أبى طالب ينام في فراش النبى ليرد الأمانات إلى أهلها ، وأما دور عبدالله بن أبى بكر فهو نقل أخبار مكة والمبيت عندهما ،ودور عامر بن فهيرة في رعى الأغنام لتزويدهم باللبن ، ولمحو آثار أقدام عبدالله ، تخطيط جيد يعلمنا التوكل على الله حق توكله ، وألا نستسلم إلى الوهن بالتواكل والركون إلى الكسل والدعة ، وأنّ لكل واحد منا دوره الذى يجب أن يقوم به في مجتمعه .
والهجرة إلى المدينة كانت لغايةٍ كبرى وهى إقامةُ الدَّولة على مبدأ الحُريَّة والمواطنَة ، وهى بهذا تختلفُ عن الهجرة إلى الحبشة التى كانت من أجل الأمن والأمان ، أى الإيواء المؤقّت حتى يجعل الله فرجًا للمؤمنين مما هم فيه من اضطهادٍ وإرهابٍ .
ومما يدعُو للدهشة أن يَقبل ابنا قَيلَة ” الأوس والخزرج ” أن يحمُوا دَعوة وليدة ، ليسَ في بلاد ِالعرب كلّها من يُعيرها أدنَى عطف ، أو يرجُو لها أقلّ نَجَاح ، فصَاحب الدَّعوة تُطاردهُ قريش ليل نهار ، وليس مع الأوسِ والخزرج من العتادِ والثَّروة ما يجعلهُم يواجهُون أهل الجزيرةِ العربيَّةِ ، ولكنَّ الله حوَّل ضعفهم قوَّة وخوفهم أمنًا وفقرهم غِنى وعزًّا ، وجعل الجِهاد غَايتهم والشّهادة أمنية شبابهم وشيُوخهم ، فلم تقدر قوّة على الوقوفِ في طريقِ نصرتهم لنبىِّ الإسلام .
وتحوَّلت – أيضًا – حروبهم فيما بينهم ،إلى اعتصام وقوة ، وما يوم بعاث وهو آخر أيام الحرُوب بين الأوس والخزرج عنهم ببعيد ، وأذكى اليهود الذين سكنوا معهم بعدما هربوا من اضطهادات الرّوم أسباب الشقاق والصِّراع بينهما ؛ لتضعف قوتهم ويفنَى رجالهم فيكون لليهود النفوذ والسلطان ، تحولت الضغائن والإحن إلى محبة وإخاء وأصبحوا إخوة متحابّين بعد أن كانوا أعداء متحاربين .
وإذا كان الإيمان قد غيَّر الأوس والخزرج وجعلهم يدًا واحدةً وكانوا بالأمس القريب يَقتتلُون ، فهو الذى حمل المهاجرين على أن يَدعوا كلّ شئٍ في مكة ، ويفرّوا بعقيدتهم إلى اللهِ ورسولهِ .
ولمّا كانت الهجرة إلى المدينة دار الإيمان بداية لإقامةِ الدولة الإسلامية ، ورمزًا للإيثار والبطولات الفريدة ، والتَّضحيَّات الرَّائعة ، والتَّنظيم العلمىّ الدَّقيق ، اختار عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – حادثة الهجرة لتكون بداية لتاريخ المسلمين .
والعربُ قبل الإسلامِ كانوا كغيرهم من الأممِ المبتدية يؤرِّخون بالأحداثِ العظيمةِ التى تمرّ بهم وتؤثّر في حياتِهم كأيام العرب المشهورة في حرُوبهم ، وكحادثةِ الفيل ،وحرب الفجار ، وحينما تمّ إنشاء الدّواوين واتسعتْ رقعة الدَّولة الإسلاميَّة وتشعَّبت فرُوعها وتعدَّد نشاطها احتاجُوا نظام ثابت للتاريخِ ينسب إلى نقطةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ ، وتَتبعهُ الدَّولة في جميعِ أنحائهَا ، فجمع عمر – رضى الله عنه – في العامِ الثالث من خلافته وجوه الصَّحابة ، وقالَ لهُم : ” إنَّ الأموالَ قد كثرتْ وما قسمنا منها غير مؤقت – أى غير محدّد بتاريخ يضبط به – فكيف التَّوصل إلى ما يضبط به ذلك ، ولقد رفع إلىّ صكّ محلّه شعبان فلا أدرى أى شعبان هو ؟ الذى مضى ، أو الذى نحن فيه ، أو الآـتى ؟ ضعوا شيئًا للناس يعرفُونه ” .
وتناقش الجمع الأمر فمنهم من قال اكتبوا على تاريخ الرُّوم ، وقال قائل اكتبوا على تاريخ الفُرس ، وأراد الفاروق أن يجعله على مبدأ لحادثٍ إسلامىٍّ ، فأشار بعضهُم بأن يجعلوهُ من بعثةِ الرَّسول ، أو من عند مولده ، أو من وفاة النبى – صلى الله عليه وسلّم – ، وأشار علىّ بن أبى طالب – رضى الله عنه – أن يجعلوه منذ خرج النبى – صلى الله عليه وسلّم – من أرض الشرك ، يعنى يوم هاجر من مكَّة إلى المدينة ، فراقت الفكرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب والمسلمين ، فاتَّفقوا على أن يكون مبدأ التاريخ من سنةِ الهجرة .
ثم تعدَّدت آراؤهم حول بدايةِ السَّنة ، فالهجرة حدثتْ في أواخر شهر صفر وأوائل ربيع الأول – على أصحّ الأقوال – ، واستقرّوا على الأخذ برأى عثمان بن عفان – رضى الله عنه – بأن يؤرّخوا من المحرّم أول السنة وهو شهر حرام ، وأول الشّهور في عدّة العام ، وهو منصرف النّاس من الحجّ وأول شهر يفرغون فيه إلى أعمالهم بعد اشتغالهم بالمناسِك ، وبذلك رَجعوا نحو شهرين وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة ، وكان الزَّمن بين الهجرةِ واتّخاذها مبدءًا للتّاريخ سبعة عشر عامًا .
وبهذا يتبيَّن لنا أنّ ارتباط ذكْرى الهجرة كل عام بشهرِ المحرم بسببِ بداية التَّاريخ ، وإلَّا فإنَّها لم تقع في هذا الشَّهر وإنَّما في أواخرِ صفر وأوائل ربيع الأول ، وسيظل التَّاريخ الهجرىّ خاصّة للمسلمين والعرب إلى أن يرثَ الله الأرض وما عليها .
وعلينا أن نتذكر أنّنا نواجه أخطارًا بالغة الأثر في ذكرى الهجرة ، وأنّه يجب علينا أن نعمل بإخلاصٍ ودأب على دفعها والقضاء عليها ، ولا سبيل لهذا غير وحْدة تتسامى فوق الأشخاص والرَّغبات والأهواء ، وهو واجب تتقاضاه العقيدة قبل أن يتقاضاه حق الحياة .