متى العتيبي
في كثير من الأوقات تجد الشخص يُمارس أقسى أنواع الغطرسة والدكتاتورية مع ذاته وهو لا يشعر، أو ربما شعر بذلك لكن .. من باب الإيثار والفدائية، تجده يُهمل صحتهُ وراحته من أجل الآخرين.
يحكم على نفسه بالشقاء .. والموت البطيء الذي يقتل كل أمانيه وحقه في الراحة والطمأنينة والأنس .. ولا يبالي بذلك !
كم من الناس من قال عن نفسه أنا شمعة أحُرق نفسي من أجل الآخرين .. فرِحاً بذلك بينما لا يعلم أنه يُسرع بجسده المنهك نحو الموت ! ينسف حقه في الحياة .. يعيش بجسد واحد وارواح متعددة. لا يعلم كم فكرة تحكمه، وكم هم يعتري قلبه، وكم مُبتغى يسعى لتحقيقه !
وقد أوصانا النبي ﷺ بالعناية بالنفس والجسد يقول ﷺ لأحد الصحابة رضي الله عنه : (صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزورك عليك حقاً ) رواه البخاري ..
أيها الكرماء:
أما آن لهذا الجسد أن يستريح .. ويخلو ويلهو ويتذوق براءة الطفولة؟! ويستنشق الراحة من أعماقه، ويخرج كل آهات النصب والجهد؟! أما آن أن تُبطئ بعجلات الشيخوخة التي ترسم بخطوطها القاسية على
ملامحك، علامات الجهد والتعب؟!
فإن العطاء المذموم هو إلغاء حق جسدك عليك ..بالراحة و طمس سعادتك من أجل الآخر .. وإقحام نفسك في متاهة الآخر ..واستنزاف عقلك بعدة أفكار وإنجازات؛ تتمنى تحقيقها للآخرين وهموم الآخرين ونكباتهم .. فتصبح جسداً متهالكاً كثير الأوجاع والأمراض النفسية والجسدية.
فلا يُفهم من كلامي أني أُطالبك أن تكون أنانياً؛ ولكن بقدر ما هو طلب مني أن تكون عادلاً مع ذاتك، رفيقاً ورحوماً بهذه المضغة التي تحملها بين جنبيك، تسعد بلحظاتك الجميلة وفترات عمرك التي لن تتكرر، وتتنفس الراحة من أعماقك .