مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
غزة.. أنتِ الجامعة الكبرى
2014-05-03
الكاتب عبد الحميد البلالي

هل يستطيع قلمي المتواضع الصغير القصير أن يكتب عنك يا غزة العظيمة؟ وعن أي شيء أكتب؟ ومن أين أبدأ؟ والله لا أدري على أي شيء أركّز! فكل شيء في غزة عظيم.. سكانها العمالقة يعلّمون العالم حب الأرض، والتعلق بها، والعزة والكرامة..وأطفالها يعلّمون أطفال العالم أبجديات الشجاعة، ومواجهة الموت في سبيل الدفاع عن الحق، ويفضحون بالصوت والصورة خسّة اليهود ودمويتهم ووحشيتهم.. ونساؤها يعلمون نساء الدنيا حقيقة الصبر والاحتساب،

ويرينهن نموذج الخنساء، التي قالت عندما أخبروها بموت أبنائها الأربعة في الجهاد في سبيل الله: «الحمد لله الذي شرفني بموتهم». ها هو العالم كله يرى بذهول نساء غزة وهن يزغردن عند موت أبنائهن وأزواجهن، فما أعظمكن من نساء! وهاهم رجال غزة المجاهدون الذين لم يأبهوا للترسانة العسكرية الهائلة، ولم يجبنوا كما جبن الآخرون وأخذوا يهرولون نحو المصالحة سراً وعلناً؛

بل ردّوا على من خوفوهم وثبطوهم بقولهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وهم يعلمون أنه لن يقف معهم أحد إلا الله، وهنا تبدو البطولة والرجولة بأسمى معانيها، وصدق فيهم قول الله عزَّ وجلَّ: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ’’173’’ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ’’174’’}(آل عمران).

إنهم رجال لا يملكون طعاماً، ولا لباساً، ولا كهرباء، ولا وقوداً، ولا قاعاتِ اجتماعاتٍ، ولا دباباتٍ وطائراتٍ وقنابلَ تدمر أعماق الأرض.. ولكنهم يصنعون ما يشبه المعجزات العسكرية ببعض السلاح اليدوي المصنَّع داخلياً، ويؤلمون العدو إيلاماً عظيماً. يا أهل غزة العظماء.. لقد صنعتم بثباتكم وبطولاتكم ما لم تقدر عليه آلاف المؤتمرات والحكومات، وأنجزتم بصمودكم ما كنا نتمناه منذ عشرات السنين..

لقد حطّمتم صورة الجيش «الإسرائيلي» في نظر العالم بأسره، وأظهرتم وحشيته ودمويته وخسّته.. كما حطّمتم الهالة الكبرى التي رُسِمت له بأنه جيش لا يُقهر، وبرهنتم على أنه جيش جبان لا يصمد لو ترك وحده دون إسناد وخيانات! لقد أعدتم للأمة صور الصحابة والتابعين الأبطال، وبعثتم الأمل في أنه لا يزال في الأمة خير كثير.. وأيقظتم فينا معاني العزة والكرامة، وفضحتم وأحرجتم بثباتكم وصمودكم المتخاذلين والجبناء من بني جلدتنا..

لقد وحدتم بجهادكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى غدت «غزة» هي اللغة المشتركة التي تجمع المسلمين؛ بل تجمع كلَّ ذي ضمير حي حتى لو كان من غير المسلمين. هذه الإنجازات وحدها تُعَدُّ نصراً مؤزَّراً، فكيف إذا أُضيف إليها النصر على الأرض، ودحر الصهاينة الملعونين، وما ذلك على الله بعزيز.

يا أهل غزة.. اصبروا وصابروا، وما النصر عنكم ببعيد، «إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً». يا أهل أعظم جامعة في هذا الزمان.. اقرؤوا قول مولاكم الحق، وتمعنوا في كل حرف وكلمة، وكأنها آيات أُنزِلت هذه الساعة تحكي معاناتكم ومشاعركم، حيث يقول الحق جلَّ وعلا: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ’’214’’}(البقرة).
أضافة تعليق