د. علي محمد فخرو
يا للحسرة، أن يضطر الإنسان إلى التذكير بالبديهيات. مناسبة ذلك خطابات وكتابات العبث بموضوع الصًّراع الحضاري ما بين المشروع الصهيوني من جهة والمشروع النهضوي لأمَّة العرب من جهة أخرى.
ما تريد تلك الخطابات والكتابات قوله، تصريحاً أو تلميحاً، هو أن موضوع فلسطين ليس أكثر من احتلال استيطاني صهيوني لمعظم فلسطين ومن تشريد لشعبها. وبالتالي فإن الأمر يجب أن يترك التعامل معه للفلسطينيين، وإنًّ مسؤولية أنظمة وشعوب بقية الأقطار العربية هي تقديم المساعدة السياسية واللوجستية الممكنة للشعب الفلسطيني. أما التعامل مع سلطات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة فهو أمر آخر إذ يجب أن يخضع لنظام التعامل بين الدول مع بعضها بما في ذلك تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارسها بعضهم علناً أو خفية.
هكذا تشوَّه الموضوع بكامله وضاع أصله ونسيت جذوره كصراع وجودي بين فكر وأطماع وممارسات صهيونية استعمارية فاشستية توسعية وبين تاريخ وحاضر ومستقبل وحقوق وأمن واستقلال أمة العرب بجميع أقطارها وشعوبها، بما فيها الوطن الفلسطيني وشعبه.
هذه النظرة التبسيطية المتناسية للكتابات والأقوال والأفعال الصهيونية عبر أكثر من قرن هي التي قادت الكثير من أنظمة الحكم العربية إلى أشكال من التطبيع مع الكيان الصهيوني، خصوصاً أن المقاطعة غير مقبولة أمريكياً وأوروبياً، وإلى أقوال بعضهم من دون حياء بأن مسألة حسم التجاذبات السنية- الشيعية هي أهم وأخطر من الصًّراع العربي- الصهيوني، وإلى تململ بعضهم من الموضوع الفلسطيني برمتًّه والمطالبة بإنهائه بأي ثمن، وبأية تنازلات من أجل أن تتفرًّغ الأمة لقضاياها الأهم وتتصالح مع العالم، وهي تمهيد لقطرنة (من القطر) كل القضايا العربية وإزالة الصًّفة والمكانة القومية عن أيً منها.
السؤال هو: هل حقاً أن المشروع الإيديولوجي الصهيوني سيقف عند حدود فلسطين والجولان وشبعا المحتلة، أم أن الموضوع هو أكبر وأخطر وأشمل من ذلك بكثير؟ فهل قضيتنا مع الصهيونية هي قضية فلسطينية وحدودية مع بعض الأقطار أم قضية عربية مصيرية كبرى؟
الجواب عن ذلك موجود إلى حدًّ كبير في الفهم الصهيوني لاستراتيجية التطبيع مع العرب وفي الشروط المذهلة المجنونة التي يطرحها الصهاينة كشروط للسلام النهائي مع أمة العرب. إنها استراتيجية وشروط لا تقف عند حدود فلسطين وإنًّما تمتدٌّ إلى الوجود العربي كلًّه في وطنه الكبير.
لقد كتب الكثير عن الفهم الصهوني النازي الاستعلائي النهم لموضوع التطبيع مع العرب (نعم، العرب وليس الفلسطينيين). وهو موضوع واسع ومتشعًّب ومليء بالمخاطر، ولذا سنذكر هنا بإيجاز بعضاً من النقاط ليتبيًّن للمتعبين من الموضوع الفلسطيني فداحة خطأ اعتقادهم بأنهم يستطيعون العيش مستقبلاً من دون حمل مسؤوليات الوجود الصهيوني في فلسطين وأية بقعة عربية يبتلعها.
1- في خطاب للجنود الصهاينة إبًّان العدوان الثلاثي على مصر 1956 لخًّص مناحيم بيغن الهدف الصهيوني الرئيسي ووسيلته الشيطانية: ينبغي أيها ’’الإسرائيليون’’ ألاً تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي ألا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمِّر مايسمًّى بالثقافة العربية (ولم يقل الفلسطينية) التي سنبني على أنقاضها حضارتنا ’’إنه إذن صراع حضاري وجودي مع العرب وليس مع الفلسطينيين العرب لوحدهم’’.
2- الفهم الصهيوني للسلام الكامل يعني التطبيع الكامل مع كل العرب، وبشرط حسب الشروط الصهيونية التي تشمل تغيير نمط الفكر السياسي العربي ونمط الفكر الإسلامي بشأن ’’إسرائيل’’، وتشمل القبول الكامل للإيديولوجية التي قامت عليها ’’إسرائيل’’ من مثل أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب أو الأساطير الدينية اليهودية والتزويرات التاريخية بشأن الحق التوراتي والتاريخي لعودة اليهود لأرضهم لإقامة الدولة اليهودية، وتشمل مطالب أمنية من مثل حدود يمكن الدفاع عنها وأرض عربية مفرغة من أي سلاح استراتيجي بما فيه السلاح النووي من دون المساس بحق ’’إسرائيل’’ في أن تكون ترسانة لمثل ذلك السلاح، وتشمل أن يكون الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين بعد تفريغ فلسطين التاريخية من شعبها العربي، وتشمل حق تقاسم المياه مع الأردن ولبنان وسوريا ومصر، وتشمل منع أي مقاطعة من أي نوع كان للبضائع الصهيونية، أي التدفق الحر للسلع وفتح الأسواق، وتشمل إنشاء شبكة سكة حديد تربط الكيان الصهيوني مع كل الأرض العربية، وتشمل إعلاماً عربياً لا يتعرًّض للإيديولوجية والممارسات الصهيونية بالنقد أو الرفض أو التجريح، وتشمل أن تكون ’’إسرائيل’’ مصدر العلم والتكنولوجيا والإنتاج، وأن تكون أرض العرب مصدر العمالة والتمويل والإستهلاك.
لمن يريد من العرب، وليس الفلسطينيين فقط، أن يتعرف إلى تفاصيل أكثر، يشيب لها الولدان من قوة عنصريتها ووقاحتها وانتهازيتها، بشأن الفهم الصهيوني للتطبيع مع العرب، هناك عدة كتب ومقالات كثيرة للباحث محسن عوض يمكن الرجوع إليها.
عند ذاك سيتبيَّن لكل عربي أنه لا توجد قضية فلسطينية- صهيونية قائمة بذاتها، وإنما توجد قضية صراع وجودي حضاري عربي- صهيوني، وأن القضية الفلسطينية هي جزء من ذلك الصراع الممتد في الأفق البعيد بين أمة العرب وبين جحافل الغزاة الصهاينة الطامعين في نهب ثروات كل الأرض العربية وإخضاع كل الأمة.
مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني هي قضية العرب، كل العرب، حكومات وشعوب ومؤسسات مدنية وهي المدخل لدحر المشروع الصهيوني.
يا للحسرة، أن يضطر الإنسان إلى التذكير بالبديهيات. مناسبة ذلك خطابات وكتابات العبث بموضوع الصًّراع الحضاري ما بين المشروع الصهيوني من جهة والمشروع النهضوي لأمَّة العرب من جهة أخرى.
ما تريد تلك الخطابات والكتابات قوله، تصريحاً أو تلميحاً، هو أن موضوع فلسطين ليس أكثر من احتلال استيطاني صهيوني لمعظم فلسطين ومن تشريد لشعبها. وبالتالي فإن الأمر يجب أن يترك التعامل معه للفلسطينيين، وإنًّ مسؤولية أنظمة وشعوب بقية الأقطار العربية هي تقديم المساعدة السياسية واللوجستية الممكنة للشعب الفلسطيني. أما التعامل مع سلطات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة فهو أمر آخر إذ يجب أن يخضع لنظام التعامل بين الدول مع بعضها بما في ذلك تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارسها بعضهم علناً أو خفية.
هكذا تشوَّه الموضوع بكامله وضاع أصله ونسيت جذوره كصراع وجودي بين فكر وأطماع وممارسات صهيونية استعمارية فاشستية توسعية وبين تاريخ وحاضر ومستقبل وحقوق وأمن واستقلال أمة العرب بجميع أقطارها وشعوبها، بما فيها الوطن الفلسطيني وشعبه.
هذه النظرة التبسيطية المتناسية للكتابات والأقوال والأفعال الصهيونية عبر أكثر من قرن هي التي قادت الكثير من أنظمة الحكم العربية إلى أشكال من التطبيع مع الكيان الصهيوني، خصوصاً أن المقاطعة غير مقبولة أمريكياً وأوروبياً، وإلى أقوال بعضهم من دون حياء بأن مسألة حسم التجاذبات السنية- الشيعية هي أهم وأخطر من الصًّراع العربي- الصهيوني، وإلى تململ بعضهم من الموضوع الفلسطيني برمتًّه والمطالبة بإنهائه بأي ثمن، وبأية تنازلات من أجل أن تتفرًّغ الأمة لقضاياها الأهم وتتصالح مع العالم، وهي تمهيد لقطرنة (من القطر) كل القضايا العربية وإزالة الصًّفة والمكانة القومية عن أيً منها.
السؤال هو: هل حقاً أن المشروع الإيديولوجي الصهيوني سيقف عند حدود فلسطين والجولان وشبعا المحتلة، أم أن الموضوع هو أكبر وأخطر وأشمل من ذلك بكثير؟ فهل قضيتنا مع الصهيونية هي قضية فلسطينية وحدودية مع بعض الأقطار أم قضية عربية مصيرية كبرى؟
الجواب عن ذلك موجود إلى حدًّ كبير في الفهم الصهيوني لاستراتيجية التطبيع مع العرب وفي الشروط المذهلة المجنونة التي يطرحها الصهاينة كشروط للسلام النهائي مع أمة العرب. إنها استراتيجية وشروط لا تقف عند حدود فلسطين وإنًّما تمتدٌّ إلى الوجود العربي كلًّه في وطنه الكبير.
لقد كتب الكثير عن الفهم الصهوني النازي الاستعلائي النهم لموضوع التطبيع مع العرب (نعم، العرب وليس الفلسطينيين). وهو موضوع واسع ومتشعًّب ومليء بالمخاطر، ولذا سنذكر هنا بإيجاز بعضاً من النقاط ليتبيًّن للمتعبين من الموضوع الفلسطيني فداحة خطأ اعتقادهم بأنهم يستطيعون العيش مستقبلاً من دون حمل مسؤوليات الوجود الصهيوني في فلسطين وأية بقعة عربية يبتلعها.
1- في خطاب للجنود الصهاينة إبًّان العدوان الثلاثي على مصر 1956 لخًّص مناحيم بيغن الهدف الصهيوني الرئيسي ووسيلته الشيطانية: ينبغي أيها ’’الإسرائيليون’’ ألاً تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي ألا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمِّر مايسمًّى بالثقافة العربية (ولم يقل الفلسطينية) التي سنبني على أنقاضها حضارتنا ’’إنه إذن صراع حضاري وجودي مع العرب وليس مع الفلسطينيين العرب لوحدهم’’.
2- الفهم الصهيوني للسلام الكامل يعني التطبيع الكامل مع كل العرب، وبشرط حسب الشروط الصهيونية التي تشمل تغيير نمط الفكر السياسي العربي ونمط الفكر الإسلامي بشأن ’’إسرائيل’’، وتشمل القبول الكامل للإيديولوجية التي قامت عليها ’’إسرائيل’’ من مثل أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب أو الأساطير الدينية اليهودية والتزويرات التاريخية بشأن الحق التوراتي والتاريخي لعودة اليهود لأرضهم لإقامة الدولة اليهودية، وتشمل مطالب أمنية من مثل حدود يمكن الدفاع عنها وأرض عربية مفرغة من أي سلاح استراتيجي بما فيه السلاح النووي من دون المساس بحق ’’إسرائيل’’ في أن تكون ترسانة لمثل ذلك السلاح، وتشمل أن يكون الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين بعد تفريغ فلسطين التاريخية من شعبها العربي، وتشمل حق تقاسم المياه مع الأردن ولبنان وسوريا ومصر، وتشمل منع أي مقاطعة من أي نوع كان للبضائع الصهيونية، أي التدفق الحر للسلع وفتح الأسواق، وتشمل إنشاء شبكة سكة حديد تربط الكيان الصهيوني مع كل الأرض العربية، وتشمل إعلاماً عربياً لا يتعرًّض للإيديولوجية والممارسات الصهيونية بالنقد أو الرفض أو التجريح، وتشمل أن تكون ’’إسرائيل’’ مصدر العلم والتكنولوجيا والإنتاج، وأن تكون أرض العرب مصدر العمالة والتمويل والإستهلاك.
لمن يريد من العرب، وليس الفلسطينيين فقط، أن يتعرف إلى تفاصيل أكثر، يشيب لها الولدان من قوة عنصريتها ووقاحتها وانتهازيتها، بشأن الفهم الصهيوني للتطبيع مع العرب، هناك عدة كتب ومقالات كثيرة للباحث محسن عوض يمكن الرجوع إليها.
عند ذاك سيتبيَّن لكل عربي أنه لا توجد قضية فلسطينية- صهيونية قائمة بذاتها، وإنما توجد قضية صراع وجودي حضاري عربي- صهيوني، وأن القضية الفلسطينية هي جزء من ذلك الصراع الممتد في الأفق البعيد بين أمة العرب وبين جحافل الغزاة الصهاينة الطامعين في نهب ثروات كل الأرض العربية وإخضاع كل الأمة.
مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني هي قضية العرب، كل العرب، حكومات وشعوب ومؤسسات مدنية وهي المدخل لدحر المشروع الصهيوني.