مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
“كسر الصمت” على العدوان.. وعلى اطمئنان “اسرائيل”
د. عصام نعمان
الثلاثاء، 18 مارس 2014

“اسرائيل” مرتاحة الى وضعها الاستراتيجي. حال العرب بعد “الربيع العربي” “معجزة” تكاد لا تصدقها “اسرائيل” لولا التهديد الايراني. هذا ما انتهى اليه رئيس الدائرة الامنية السياسية في وزارة الحرب الاسرائيلية، الجنرال عاموس غلعاد في مداخلةٍ له خلال ندوة بحثية في مركز هرتسيليا للدراسات.
كلام غلعاد جاء متزامنا مع الرد الصاعق لحركة الجهاد الاسلامي على ما سمته “انتهاكات اسرائيل المتمادية لاتفاق التهدئة”، الذي تمّ التوصل اليه برعاية مصرية في عام 2012 عقب عملية “عمود السحاب” العدوانية على قطاع غزة.

لم يتسنَ لغلعاد، اذن، ان يحيط بمستوى الرد المفاجأة الذي كالته حركة “الجهاد” لمستعمرات “اسرائيل” الجنوبية. وزير الخارجية افيغدور ليبرمان كان لديه الوقت الكافي ليدرك قوته وابعاده، لذلك سارع الى المطالبة ﺑ“اعادة احتلال قطاع غزة لوقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل”.

“الجهاد” اطلقت على ردها الصاعق اسم عملية “كسر الصمت”، هي كسرت صمت الجميع، صمتهم منذ اشهر، على سلسلة اعتداءات اسرائيلية طالت كوادرها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبلغت ذروتها باغتيال ثلاثة من مجاهدي جناحها العسكري “سرايا القدس” شرق خان يونس. الرد استهدف العدو الصهيوني بعشرات الصواريخ والقذائف وتناول بلداته وكيبوزاته في سديروت، نامل عوز، نير اسحاق، صوفا، كيبوتز سعد، كفار عزا، مغلسيم، زكيم، ونتفوت باكثر من 130 صاروخا من طراز 107 محلي الصنع وقذائف الهاون.

قوة الرد الجهادي وحجمه اربكا العدو وحملا مجلس الوزراء الامني المصغّر على عقد اجتماع طارئ لتقدير حجم الهجمات المضادة المراد اطلاقها. في المجلس الامني المصغر، كما في اوساط القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية بَرَز رأيان حول ما يجب عمله فلسطينيا وعربيا واقليميا.

اصحاب الرأي الاول يعتقدون ان التغييرات التي عصفت بالعالم العربي وما احرزته من نتائج يعتبرها قادة “اسرائيل” “معجزة” استراتيجية ادت الى تغيير مهم وايجابي في خريطة التهديدات ضد الدولة العبرية، ذلك ان غالبية الدول التي تشكّل تهديدا جديا ﻠ“اسرائيل” عانت وتعاني ظروفا تسبّبت في اضعافها، ما ادى الى تعديل في موقفها من الكيان الصهيوني. التغيير الاستراتيجي الابرز يتمحور في ثلاث ساحات رئيسة: مصر سوريا وتركيا. في هذا الاطار، يعتقد غلعاد ان مصر وتركيا تحررتا بشكل ملموس من الضغط الاسلامي الخانق. لاحَظَ ان المصريين نجحوا في اغلاق 90 الى 95 في المئة من الانفاق المؤدية الى قطاع غزة، وهم حاليا يخوضون حربا قاسية ضد تنظيم “القاعدة” وتفرعاته في سيناء. اما تركيا فان نظامها تلقى في الاشهر الاخيرة ضربات مؤلمة، الامر الذي اضعفه واعاده الى حجمه الطبيعي. باختصار، اصحاب الرأي الاول يعتقدون ان حال العرب المزرية مريحة ﻠ“اسرائيل”وليس ثمة حاجة الى استغلال ضعفهم لكيل مزيد من الضربات لهم، اذ قد يدفعهم ذلك الى تدوير زوايا خلافاتهم واختلافاتهم والعودة الى التكتل في مواجهة اعدائهم.

اصحاب الرأي الثاني لا يكتمون ارتياحهم الى حال التفكك والانقسام والضعف التي يعانيها العرب عموما، لكنهم يعتقدون انه يقتضي استغلالها من اجل تحقيق مكسبين اضافيين: تصفية قضية فلسطين بتسوية نهائية تنهي مجموعات الرفض والمقاومة، وايجاد اوضاع جيوسياسية اقليمية مناسبة لتفعيل المواجهة الشاملة ضد ايران الممعنة في نهجٍ سيفضي، عاجلا او اجلا، الى امتلاكها اسلحة نووية. ويعتقد اصحاب هذا الرأي ان امتلاك ايران قنبلة نووية سيحمل مصر التي تمتلك قدرات علمية وازنة في هذا المجال، على مباشرة جهود جدّية لامتلاك اسلحة نووية ايضا. اما السعودية فان اصحاب هذا الرأي يعتقدون انها ستركّز على شراء قنبلة نووية من باكستان. باختصار، يدعو اصحاب الرأي الثاني الى مغادرة موقع المهادنة من اجل استغلال وضع العرب المزري لمعاودة الهجوم على عدة محاور، بغية ايجاد وضع جيوسياسي اقليمي جديد يساعد “اسرائيل” في تعزيز مواجهتها الشاملة لايران.

يتحصّل من وقائع المنافسة والحوار الناشطين في اوساط اصحاب الرأي الاول والرأي الثاني ان القيادة السياسية والعسكرية تميل الى اعتماد الرأي الاول حيال ما يجب عمله في عالم العرب، اي تركهم يتصارعون وتشجيعهم على ذلك لكونه يصبّ في مصلحة “اسرائيل”.

اما بالنسبة لايران فان القيادة اياها تميل الى اعتماد الرأي الثاني، اي تصعيد المواجهة ضد ايران، عربيا واقليميا ودوليا، للحؤول دون امتلاكها سلاحا نوويا من جهة، ومن جهة اخرى للحؤول دون توسعها اقليميا بالعون المالي والعسكري، الذي تقدمه للدول والتنظيمات الجادة في مواجهة “اسرائيل”.

لا يكفي، بطبيعة الحال، ان تقرر “اسرائيل” اعتماد احد الرأيين المشار اليهما حتى تنجح في ما تصبو اليه، ذلك ان القوى المحلية والاقليمية والدولية المعنية لديها من الاهداف والقدرات والمناهج والوسائل ما يمكّنها من مجابهة “اسرائيل” وتعطيل مخططاتها. ولماذا نذهب بعيدا، ها هي المقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في الارض المحتلة عموما، وفي قطاع غزة خصوصا، تقدّم الدليل الساطع على توافر ارادة المواجهة والقدرات اللازمة لانجاحها. فحزب الله تمكّن في عام 2006 من احباط “حرب اسرائيل” الثانية على لبنان وعلى مقاومة شعبه الصامدة. وها هي حركة الجهاد الاسلامي في قطاع غزة تنجح مرتين في مجابهة العدوان الصهيوني. المرة الاولى، في عدوان عملية “عمود السحاب” في عام 2006 اذ تمكّنت بتعاونها مع حركة “حماس” وسائر تنظيمات المقاومة الشعبية من صدّ العدوان الصهيوني. المرة الثانية، في صدّ الاعتداءات الاخيرة عليها ومفاجأة العدو بعشرات الصواريخ التي شلّت الحياة في مستعمراته الجنوبية.

في هذا السياق، يجب الا نغفل تطورين بالغي الاهمية. الاول، نجاح حركة الجهاد الاسلامي خلال مواجهة عملية “عمود السحاب” في اطلاق صواريخ متوسطة المدى طالت كلا من تل ابيب والقدس المحتلتين، وفي عملية “كسر الصمت” من اطلاق صواريخ بكثافة ملحوظة قيل في بعض التقارير انها فاقت اﻠ170 صاروخا. والاهم من ذلك كله ان منظومة “القبة الحديدية” لم تنجح إلا في اصابة ثلاثة منها فقط وذلك باعتراف مصدر عسكري اسرائيلي رسمي.

باختصار، “معجزة” الوضع العربي المزري التي تشيع الارتياح في اوساط “اسرائيل” القيادية ليست نهاية العالم، وان في وسع العرب، ولاسيما الذين تعتمل في قلوبهم وصفوفهم ارادة القتال، مواجهة دولة العدوان وتعطيل مخططاتها بقدْر ما يطيقون ويستطيعون.
*التجديد
أضافة تعليق