بقلم/ عبدالوهاب العمراني
هل هى لعنة الزمان وعبقرية المكان لليمن واليمنيون الذين كانوا وما زالوا يحلمون بدولة مدنية كأغلب شعوب الأرض ؟ ، وهل آن الأوان لتأسيس دولة يتساوى فيها المواطنين في الحقوق والواجبات ؟ ، يمن جديد يحتوي الجميع دون إقصاء أو تهميش أو هوس للسلطة ، هذه تساؤلات هموم النخب اليمنية والشعب عموما لعقود مضت فمنذ أكثر من نصف قرن عندما انقلب اليمنيون على النظام الملكي ونحو نصف قرن على رحيل الاستعمار وثورة الشطر الجنوبي سابقا ، وكأننا نرواح في المربع الأول بينما بلدان أخرى وخلال هذا الزمن الطويل بنت دولا وغدا لها حضور إقليمي ودولي وباع مشهود في الاقتصاد والتنمية ، الكثيرون وأنا منهم أصيبوا بالإحباط والقنوط وليس بخيبة أمل بل ويحنون للماضي الجميل فلو كان اليمن ملكيا لاستمر التخلف زمنا إضافيا عقدا من الزمن وبعدها سينطلق أسوة بجيرانه ولكان اليمن اليوم في مقدمة دول المنطقة في ليس في الجزيرة وحدها بل والمشرق العربي عموما لما يملكها من ثروات وعقول ومن هنا استطيع القول بأن تلك الثورة المغدورة وكانت في غير محلها ووقتها لأنها تداخلت مع مرحلة استقطاب إقليمي ودولي للقوى المتصارعة آنذاك لأنه ببساطة احتوت لعدم وجود مشروع نهضوي لدى النخب التي كان على عاتقها حمل مشاعل التغيير لقد اختلطت الأوراق منذ السنوات الأولى لتلك الثورة المؤوده داخليا وخارجيا ، كثيرة هي الكتابات عن أحداث الثورة اليمنية والاستقطاب الإقليمي والدولي التي رافقها انتهت باحتوائها من داخلها بصيغة توافقية لاحتواء بعض عناصر النظام القديم ، ولكني أقارن رجالات الدولة في نهاية الستينيات بالاولياء الصالحين مقارنة بمراكز القوى اليوم والذين تعددت مشاربهم وأهوائهم ومرجعياتهم الإقليمية والعقائدية .
لعل أسوأ مراحل الجمهورية الأولى هى غداة الإطاحة بالنظام الملكي ، وهو الأمر نفسه غداة ثورة الشباب على الرئيس السابق والتي تزامنت مع ثورات الربيع العربي والتي كان هدفها عظيما ولكن وأدت منذ أيامها الأولى بعد جمعة الكرامة ، فركب موجتها الطامحون من الحرس القديم ومن استفادوا من النظام نفسه وكأنهم يعيدون إنتاجه على شاكلتهم فالمختلفون اليوم في المشهد السياسي هم تقريبا نفسهم المتوافقون في مراحل سابقة ، إلا أن ما أفرزته التطورات هو في تعدد مراكز القوى لتزيد المشهد تعقيداً ، الأمر الآخر بأن القوة الأساسية في تلك القوى اللاعبة في المشهد ذاته هو أن رأس النظام والمفترض الإطاحة به فكيف يراد ممن عبثوا بمقدرات الوطن لعقود أن يرسموا ملامحة ، الإشكال في فهم العامة لمألات الثورة بطريقة غير مقنعة و بتفسير حالات في غير سياقها فسؤ الأحوال اليوم هي بداية لفساد الأمس ، والرئيس التوافقي نفسه خرج من رحم النظام السابق والذي أصر على( الأيادي الأمينة ) ولكن للأسف يواصل المتاعب لهذه الأيادي الامينة ، ويتردد لدى الناس البسطاء بأن رئيس النظام السابق لا زال رقما صعبا ، وهذا صحيح وهي المشكلة بعينها فكيف يضل رقم صعب بعد الإقرار بترك الرئاسة وأقرار اليمنيون بحتمية التغيير فهذا تناقض في التفكير الجمعي والنخب على حد سوا ، فليس من مصلحة العملية السياسية ان تبقى الدولة برأسين كما ان استمرار عناصر اقترن اسمها بسلسة إخفاقات وحروب ، او ان يهيمن حزب قائد سواء تلك التي حكمت الجنوب قبل الوحدة في الشمال ، فقد تجاوز الزمن مفاهيم السبعينيات والثمانينات وهى من سمة الأنظمة الكلية الشمولية وأخيرا ليس من مصلحة استقرار اليمن أن يمارس من ترك رئاسة الدولة عملا سياسيا ففي الغرب بل وحتى الشرق من يخسر رأس السلطة يبادر تلقائيا بتقديم إستقالته فتجديد الأحزاب هي لب وجوهر الديمقراطية فكيف يراد التباهي بالديمقراطية وقيادات الأحزاب في اليمن هي ذاتها ، فلا تأمرون بالبر وتنسون أنفسكم ، فإستمرر نفس القوى الفاشلة في العقود الماضية لتلك الأحزاب ينعكس ذلك على مزاج الجمهور فلم يعد متفائلا بخارطة الطريق والتي أتت على أجواء توتر وصراع فاضح وهوس على السلطة ، ومن هنا فلا يلام الأكثرية المتشائمة لترتيبات لمرحلة ما عرف بترجمة مخرجات الحوار فمرحلة انتقالية تلد أخرى ونسمع جعجعة ولا نرى طحينا .
خمسون عاما في الرمال المتحركة لليمن واليمنيون الذي يبحثون عن دولة واستقرار ، ومن هنا فكل من في المشهد السياسي مغضوب عليهم ، ولاسيما من لازال بيده النفوذ والقوة والسلطة والمال بل وأساليب التدمير ، لم يعد اليمنيون يثقون بالمستقبل فسبق عبر محطات الزمن ان ابتهجوا بالعصر الجمهوري فغدى ملكيا وتوريث ،وهللت الجماهير وابتهجت بميلاد دولة الوحدة غداة 22 مايو ، ولكن لم يستفيد منها سوى مراكز القوى ، ولم يكن البعض حينها يعلمون بنوايا القائمين بها ، ولاسيما من شن حربا ضروسا ضد شركاء الوحدة من قدم ثلثي مساحة دولة الوحدة وتنازل عن الرئاسة والعاصمة وتلبس المجد والعظمة بغير حق ، فبعد النصر الوهمي بعد حرب 94 م كانت فرصة إضافية لبناء دولة مؤسسات وللأسف ما حدث عن عكس ذلك انحسرت السلطة في اقلية (اولغاركية) وبداء حلم التوريث يدغدغ أحلامهم مقرونا بفساد مطلق وارتهان الوطن للخارج الإقليمي والدولي وتنازل عن السيادة اليمنية وبدأت اليمن في استيعاب القاعدة وزرع الفتن والمتناقضات عملا بسياسة فرق تسد فكان نتاج ذلك وطن مهلهل مفكك ومجتمع متناحر بين ملل ونحل وأحزابا وشيعا ، فكانت الثورة التي وأدت بمشاركة من يفترض ان الثورة قامت عليهم فمنحتهم حصانة لم يكونوا يحلمون بها ، يرى البعض من علماء الاجتماع المتنورين في اليمن انه لا يمكن بأي حال من الأحوال العبور للجمهورية الثانية واليمن مكبل بتلك القوى المتصارعة بالأمس المختلفة باليوم ولا بد من عملية هدم وبناء في آن واحد ،هدم كل مظاهر التشوهات في بنية الدولة، ونفي مراكز القوى من فاعليتها السياسية، ومحاكمة الفاسدين، وهذا الأمر منطلقه الرئيسي والوحيد نجاح الثورة ووصول الثوار فقط إلى سدة الحكم (الرئاسة والحكومة) ثم إجراء سلسلة من التغييرات في الجهاز الإداري، واعتماد قانون العزل السياسي لكل من كان في الصف الأول من القيادات السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية، فالمرحلة مرحلة الشباب ومن شاركوا في الثورة ، لان المسار السابق أتى بهؤلاء وفق منطق علاقات القرابة والمصلحة والولاء، وليس منطق الخبرة والكفاءة والمهارات ، أما وقد تمت سرقة الثورة والانحراف بمسارها مبكرا (من بعد جمعة الكرامة) فان الحديث عن الدولة المدنية ما هو الا تعبير عن رغبة وأمل ما كنا نطمح إلى تحقيقه. ان تعثر العبور للجمهورية الثانية مرده ان مفاصل الدولة والذين يبدون متناحرين هم من عينة المغضوب عليهم ابان الثورة ، كما ان ممثلين المجتمع المفترضين في الحوار يمثل اغلبهم تلك المشارب السياسية التي تحكمت في اليمن حينا من الدهر وعليه فأن مخرجات الحوار الطويل لم يكن معبرا بالضرورة لأمال وتطلعات الشعب في التغيير المنشود ، ولا يمثل سوى الحد الأدنى من التوافق ، على الأقل إبعاد شبح الصراع والمواجهة ذلك إننا لم نجري من تلك المخرجات حتى ألان سوى الهرولة للفدرالية وكأنها انجاز العصر مع ان مفهوم الفدرالية هي شئ ايجابي وليست سوءأ بالمطلق فاغلب البلدان المتقدمة والمستقرة هي ضمن قائمة الفدراليات ولكن يخشى أن تكون في اليمن على غرار المفاهيم التي دأب اليمنيون على تدوينها في دساتيرتهم على مدى نصف قرن وغت في حقيقة الامر مجرد حبرا على ورق ، وتحتاج الفدرالية دولة قوية وصلابة المركز ينعكس على اداء الاقاليم ، ولعل تجربة اليمن الأخيرة في الحوار هي المنفذ لتحقيق أحلامهم ، والتحدي الاساسي الان والذي يفرض نفسه بداهة للرئيس التوافقي هو الولوج للجهاد الأكبر بضرورة إحداث تغييرات عميقة في بنية الدولة والنظام، يستهدف خلخلة مراكز القوى وإحلال بديل عنها برموز مدنية .
وليس من اللائق او المستساغ ان يعود البعض لإعادة انتاج الماضي فالوطن لم يعد يحتمل حماقتهم فتجريب المجرب بداهة ضربا من الحماقة ، فطيلة أكثر من تسعة أشهر واليمنيون في حوار تحديد المصير و كانت الأغلبية الصامته تضع يدها على قلبها ، وهى في المنزلة بين المنزلتين ، اليأس والرجاء رغم يقين الكثيرون بأنه لا طريق أمام اليمنيين سوى خيار العقل والحكمة، ولا وسيلة وفاء رفيعة لأحلام الجماهير المطحونة بالفقر والحيرة، سوى السير على درب المستقبل المغاير لسيئات الماضي القريب والبعيد، والتمسك بالشجاعة الأدبية المقرونة بمصداقية الاعتراف بأن الجميع شركاء في الحسنات والسيئات ، لقد حقق اليمنيون معجزة حل مشاكلهم بالحسنى وايقن التفكير الجماعي لأهل الحكمة بأنه ، وبنهاية الحوار بهذه الصيغة التوافقية والتي يفترض ان الشعب اليمني قد طوى صفحة سوداء في حياتهم وكأنهم اليوم يولدون من جديد وسجلوا بالفعل لحظة تاريخية فارقة، بإجماع الأمة على كلمة سواء .
موقع*مارب برس*
هل هى لعنة الزمان وعبقرية المكان لليمن واليمنيون الذين كانوا وما زالوا يحلمون بدولة مدنية كأغلب شعوب الأرض ؟ ، وهل آن الأوان لتأسيس دولة يتساوى فيها المواطنين في الحقوق والواجبات ؟ ، يمن جديد يحتوي الجميع دون إقصاء أو تهميش أو هوس للسلطة ، هذه تساؤلات هموم النخب اليمنية والشعب عموما لعقود مضت فمنذ أكثر من نصف قرن عندما انقلب اليمنيون على النظام الملكي ونحو نصف قرن على رحيل الاستعمار وثورة الشطر الجنوبي سابقا ، وكأننا نرواح في المربع الأول بينما بلدان أخرى وخلال هذا الزمن الطويل بنت دولا وغدا لها حضور إقليمي ودولي وباع مشهود في الاقتصاد والتنمية ، الكثيرون وأنا منهم أصيبوا بالإحباط والقنوط وليس بخيبة أمل بل ويحنون للماضي الجميل فلو كان اليمن ملكيا لاستمر التخلف زمنا إضافيا عقدا من الزمن وبعدها سينطلق أسوة بجيرانه ولكان اليمن اليوم في مقدمة دول المنطقة في ليس في الجزيرة وحدها بل والمشرق العربي عموما لما يملكها من ثروات وعقول ومن هنا استطيع القول بأن تلك الثورة المغدورة وكانت في غير محلها ووقتها لأنها تداخلت مع مرحلة استقطاب إقليمي ودولي للقوى المتصارعة آنذاك لأنه ببساطة احتوت لعدم وجود مشروع نهضوي لدى النخب التي كان على عاتقها حمل مشاعل التغيير لقد اختلطت الأوراق منذ السنوات الأولى لتلك الثورة المؤوده داخليا وخارجيا ، كثيرة هي الكتابات عن أحداث الثورة اليمنية والاستقطاب الإقليمي والدولي التي رافقها انتهت باحتوائها من داخلها بصيغة توافقية لاحتواء بعض عناصر النظام القديم ، ولكني أقارن رجالات الدولة في نهاية الستينيات بالاولياء الصالحين مقارنة بمراكز القوى اليوم والذين تعددت مشاربهم وأهوائهم ومرجعياتهم الإقليمية والعقائدية .
لعل أسوأ مراحل الجمهورية الأولى هى غداة الإطاحة بالنظام الملكي ، وهو الأمر نفسه غداة ثورة الشباب على الرئيس السابق والتي تزامنت مع ثورات الربيع العربي والتي كان هدفها عظيما ولكن وأدت منذ أيامها الأولى بعد جمعة الكرامة ، فركب موجتها الطامحون من الحرس القديم ومن استفادوا من النظام نفسه وكأنهم يعيدون إنتاجه على شاكلتهم فالمختلفون اليوم في المشهد السياسي هم تقريبا نفسهم المتوافقون في مراحل سابقة ، إلا أن ما أفرزته التطورات هو في تعدد مراكز القوى لتزيد المشهد تعقيداً ، الأمر الآخر بأن القوة الأساسية في تلك القوى اللاعبة في المشهد ذاته هو أن رأس النظام والمفترض الإطاحة به فكيف يراد ممن عبثوا بمقدرات الوطن لعقود أن يرسموا ملامحة ، الإشكال في فهم العامة لمألات الثورة بطريقة غير مقنعة و بتفسير حالات في غير سياقها فسؤ الأحوال اليوم هي بداية لفساد الأمس ، والرئيس التوافقي نفسه خرج من رحم النظام السابق والذي أصر على( الأيادي الأمينة ) ولكن للأسف يواصل المتاعب لهذه الأيادي الامينة ، ويتردد لدى الناس البسطاء بأن رئيس النظام السابق لا زال رقما صعبا ، وهذا صحيح وهي المشكلة بعينها فكيف يضل رقم صعب بعد الإقرار بترك الرئاسة وأقرار اليمنيون بحتمية التغيير فهذا تناقض في التفكير الجمعي والنخب على حد سوا ، فليس من مصلحة العملية السياسية ان تبقى الدولة برأسين كما ان استمرار عناصر اقترن اسمها بسلسة إخفاقات وحروب ، او ان يهيمن حزب قائد سواء تلك التي حكمت الجنوب قبل الوحدة في الشمال ، فقد تجاوز الزمن مفاهيم السبعينيات والثمانينات وهى من سمة الأنظمة الكلية الشمولية وأخيرا ليس من مصلحة استقرار اليمن أن يمارس من ترك رئاسة الدولة عملا سياسيا ففي الغرب بل وحتى الشرق من يخسر رأس السلطة يبادر تلقائيا بتقديم إستقالته فتجديد الأحزاب هي لب وجوهر الديمقراطية فكيف يراد التباهي بالديمقراطية وقيادات الأحزاب في اليمن هي ذاتها ، فلا تأمرون بالبر وتنسون أنفسكم ، فإستمرر نفس القوى الفاشلة في العقود الماضية لتلك الأحزاب ينعكس ذلك على مزاج الجمهور فلم يعد متفائلا بخارطة الطريق والتي أتت على أجواء توتر وصراع فاضح وهوس على السلطة ، ومن هنا فلا يلام الأكثرية المتشائمة لترتيبات لمرحلة ما عرف بترجمة مخرجات الحوار فمرحلة انتقالية تلد أخرى ونسمع جعجعة ولا نرى طحينا .
خمسون عاما في الرمال المتحركة لليمن واليمنيون الذي يبحثون عن دولة واستقرار ، ومن هنا فكل من في المشهد السياسي مغضوب عليهم ، ولاسيما من لازال بيده النفوذ والقوة والسلطة والمال بل وأساليب التدمير ، لم يعد اليمنيون يثقون بالمستقبل فسبق عبر محطات الزمن ان ابتهجوا بالعصر الجمهوري فغدى ملكيا وتوريث ،وهللت الجماهير وابتهجت بميلاد دولة الوحدة غداة 22 مايو ، ولكن لم يستفيد منها سوى مراكز القوى ، ولم يكن البعض حينها يعلمون بنوايا القائمين بها ، ولاسيما من شن حربا ضروسا ضد شركاء الوحدة من قدم ثلثي مساحة دولة الوحدة وتنازل عن الرئاسة والعاصمة وتلبس المجد والعظمة بغير حق ، فبعد النصر الوهمي بعد حرب 94 م كانت فرصة إضافية لبناء دولة مؤسسات وللأسف ما حدث عن عكس ذلك انحسرت السلطة في اقلية (اولغاركية) وبداء حلم التوريث يدغدغ أحلامهم مقرونا بفساد مطلق وارتهان الوطن للخارج الإقليمي والدولي وتنازل عن السيادة اليمنية وبدأت اليمن في استيعاب القاعدة وزرع الفتن والمتناقضات عملا بسياسة فرق تسد فكان نتاج ذلك وطن مهلهل مفكك ومجتمع متناحر بين ملل ونحل وأحزابا وشيعا ، فكانت الثورة التي وأدت بمشاركة من يفترض ان الثورة قامت عليهم فمنحتهم حصانة لم يكونوا يحلمون بها ، يرى البعض من علماء الاجتماع المتنورين في اليمن انه لا يمكن بأي حال من الأحوال العبور للجمهورية الثانية واليمن مكبل بتلك القوى المتصارعة بالأمس المختلفة باليوم ولا بد من عملية هدم وبناء في آن واحد ،هدم كل مظاهر التشوهات في بنية الدولة، ونفي مراكز القوى من فاعليتها السياسية، ومحاكمة الفاسدين، وهذا الأمر منطلقه الرئيسي والوحيد نجاح الثورة ووصول الثوار فقط إلى سدة الحكم (الرئاسة والحكومة) ثم إجراء سلسلة من التغييرات في الجهاز الإداري، واعتماد قانون العزل السياسي لكل من كان في الصف الأول من القيادات السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية، فالمرحلة مرحلة الشباب ومن شاركوا في الثورة ، لان المسار السابق أتى بهؤلاء وفق منطق علاقات القرابة والمصلحة والولاء، وليس منطق الخبرة والكفاءة والمهارات ، أما وقد تمت سرقة الثورة والانحراف بمسارها مبكرا (من بعد جمعة الكرامة) فان الحديث عن الدولة المدنية ما هو الا تعبير عن رغبة وأمل ما كنا نطمح إلى تحقيقه. ان تعثر العبور للجمهورية الثانية مرده ان مفاصل الدولة والذين يبدون متناحرين هم من عينة المغضوب عليهم ابان الثورة ، كما ان ممثلين المجتمع المفترضين في الحوار يمثل اغلبهم تلك المشارب السياسية التي تحكمت في اليمن حينا من الدهر وعليه فأن مخرجات الحوار الطويل لم يكن معبرا بالضرورة لأمال وتطلعات الشعب في التغيير المنشود ، ولا يمثل سوى الحد الأدنى من التوافق ، على الأقل إبعاد شبح الصراع والمواجهة ذلك إننا لم نجري من تلك المخرجات حتى ألان سوى الهرولة للفدرالية وكأنها انجاز العصر مع ان مفهوم الفدرالية هي شئ ايجابي وليست سوءأ بالمطلق فاغلب البلدان المتقدمة والمستقرة هي ضمن قائمة الفدراليات ولكن يخشى أن تكون في اليمن على غرار المفاهيم التي دأب اليمنيون على تدوينها في دساتيرتهم على مدى نصف قرن وغت في حقيقة الامر مجرد حبرا على ورق ، وتحتاج الفدرالية دولة قوية وصلابة المركز ينعكس على اداء الاقاليم ، ولعل تجربة اليمن الأخيرة في الحوار هي المنفذ لتحقيق أحلامهم ، والتحدي الاساسي الان والذي يفرض نفسه بداهة للرئيس التوافقي هو الولوج للجهاد الأكبر بضرورة إحداث تغييرات عميقة في بنية الدولة والنظام، يستهدف خلخلة مراكز القوى وإحلال بديل عنها برموز مدنية .
وليس من اللائق او المستساغ ان يعود البعض لإعادة انتاج الماضي فالوطن لم يعد يحتمل حماقتهم فتجريب المجرب بداهة ضربا من الحماقة ، فطيلة أكثر من تسعة أشهر واليمنيون في حوار تحديد المصير و كانت الأغلبية الصامته تضع يدها على قلبها ، وهى في المنزلة بين المنزلتين ، اليأس والرجاء رغم يقين الكثيرون بأنه لا طريق أمام اليمنيين سوى خيار العقل والحكمة، ولا وسيلة وفاء رفيعة لأحلام الجماهير المطحونة بالفقر والحيرة، سوى السير على درب المستقبل المغاير لسيئات الماضي القريب والبعيد، والتمسك بالشجاعة الأدبية المقرونة بمصداقية الاعتراف بأن الجميع شركاء في الحسنات والسيئات ، لقد حقق اليمنيون معجزة حل مشاكلهم بالحسنى وايقن التفكير الجماعي لأهل الحكمة بأنه ، وبنهاية الحوار بهذه الصيغة التوافقية والتي يفترض ان الشعب اليمني قد طوى صفحة سوداء في حياتهم وكأنهم اليوم يولدون من جديد وسجلوا بالفعل لحظة تاريخية فارقة، بإجماع الأمة على كلمة سواء .
موقع*مارب برس*