د.خالد هنداوي
في مسألة عقد جنيف 2 من عدمه علينا أن نفكر بعقول منيرة وقلوب كبيرة لنضمن عدم حرف البوصلة عن مسارها الصحيح. كما علينا أن نسمي الأمور بمسمياتها ونقوّم الرجال بالحق لا الحق بالرجال إذا أردنا أن نصل إلى بر الأمان في حل القضية السورية، خصوصا بعد ما دفع الشعب وما زال كل غال ونفيس تحقيقا لتطلعاته المشروعة في الحرية والكرامة بعيدا عن الاستبداد والاستعباد من قبل الأسد وعصاباته النازية السادية، ومن هنا فإننا نقول: ثمة ثلاثة آراء في الموقف من حضور هذا المؤتمر. أما الرأي الأول فيذهب إلى أن هذه فرصة فيها الإيجابي وفيها السلبي ولا بد من التعامل معها في عالم السياسة اليوم لمزيد من تبادل الأفكار المفيدة والمساعدة في حل الأزمة قدر الإمكان، فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وجرى بالدماء أنهارا وجعل الديار خرابا وأن الحكمة تقتضي الحل السياسي وإذا كانت السياسة تعني فن الممكن، كما يقولون، فلعل من غير المناسب في عالمها أن تطالب بكل شيء أو لا تظفر بأي شيء. هكذا يذهبون ويستندون إلى أن اللانظام الأسدي بعد صفقة الكيماوي مع أمريكا وروسيا والإشادات التي حظي بها، خصوصا من كيري وبان كي مون، من البدهي أن يقبل حضور المؤتمر وأن يكيل الإعلام السوري الرسمي كل ثناء للإبراهيمي بعد ختام جولاته بزيارة الأسد ودعوته إيران إلى المشاركة، كما يذهب أصحاب الرأي الأول إلى أن فك الحصار الإنساني عن الشعب مطلب جد ملح وعسى أن يتم بمثل هذا المؤتمر بعد عجز الثوار وغيرهم عن ذلك، زد على ذلك قناعتهم بأنه لن يكون حسم عسكري لأي من الجبهتين. ولعل المؤتمر يفضي إلى تحرير المعتقلين والمعتقلات من أشد المعاناة، كما أنهم يعولون على رأي فيلتمان رئيس الدائرة السياسة في الأمم المتحدة، حيث هدد الائتلاف السوري المعارض بأن عدم انعقاد جنيف 2 يعني ترشح الأسد للرئاسة، وإذن فلا بد أن نتعامل مع الواقع المفروض لعل الأمور تتغير أو تتعدل وماذا نفعل إذا كان ما يجري اتفاقا بين الكبار رغم قول الأسد: إن المؤتمر سينعقد دون تدخلات خارجية، هذا هو ملخص رأي الفريق الأول من الشعب السوري وبعض النخب المطلعة. أما الرأي الثاني فيذهب إلى أنه لا مانع من حضور المؤتمر لكن بشروط لا بد منها، فالتوجه إليه دونها ضرب من العبث ومضيعة للوقت والجهد وتقبّل لسخرية الجلادين من محامي ضحاياهم. وليس من المعقول ولا المقبول شرعا ووضعا وعرفا أن نجلس مع القتلة السفاحين دون تثبيت أسس للتفاوض أو ما يسمى الحوار، وعليه فلا مناص من الوقوف على رأي موحد للثوار العسكريين والسياسيين يتضمن ألا يكون أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، لاسيما أنه قد فقد شرعيته من أول قطرة دم أريقت دون حق، فكيف وقد فاق عدد الشهداء مائة وخمسين ألفا وأن يزول النظام بعد ذلك بكامل أركانه وأن يحاسب كل من تلطخت يداه بدماء الشعب، وأن يفك الحصار عن مليونين ونصف المليون مدني المحاصرين في الغوطة الشرقية والمعظمية وحمص القديمة وتفتتح الممرات الإنسانية للمساعدات. وأنه لابد أن تضمن الدول العربية، لاسيما الخليجية، أي اتفاق مع الضمانات الدولية لكثرة مراوغة ومداورة ومناورة والتفاف الأسد على القرارات العربية والدولية والاحتماء بالفيتوالروسي والصيني ولا ينبغي للإنسان أن يلدغ من جحر مرتين. ثم إنه باعتبار أن إيران دولة أجنبية عن سورية وشعبها ومشاركة بقوة اللانظام في قتلهم مع أذنابها المعروفين، فلا يمكن حضور الائتلاف المعارض وخصماه أمامه وفي غياب بعض الدول المؤثرة في المشهد والمؤيدة للثورة كما المعارضين لها، خصوصا روسيا الداعية لتأييد المؤتمر وهي الضامن الوحيد لصمود الأسد كل هذه الفترة مع ربيبتها إيران المنحازة كليا إليه وكيف يكون المحكوم عليه قاضيا ثم إن أصحاب هذا الرأي يقولون إن الإعلام مسيس لصالح الأسد في معظمه فكيف يكون العجب من شروطهم وهو والمعلم - بفتح اللام - وتلاميذهم كذلك وضعوا شروطا، فلماذا لا يركز عليها أيضا وهم لا يذهبون إليه دونها والتي فيها أن الأسد لن يتفاوض مع من يسميهم إرهابيين ولا وطنيين ومنهم الائتلاف، بل ذهب علي حيدر وما يدعى بالمعارضة الداخلية والمعارضات ذات الفقاعات الصغيرة والتي تصب كلها أو معظمها في صالح اللانظام أنهم لا يحضرون تحت الائتلاف المعترف به لدى معظم الدول. وكذلك فقد وضع الأسد واقعيا أول شرط ثقيل ولغم خطير في طريق المؤتمر وهو استعداده للترشح في المقابلة التي أجراها غسان بن جدو معه في تلفزيون الميادين، وكذلك شرط الأسد وقف الدول الداعمة للإرهابيين وإمدادهم بالسلاح والمال وتجفيف منابع الإرهاب. بل قال المعلم: إن المؤتمر لابد أن يكون بقيادة سورية، ليبقى نظامهم هو الآمر والناهي!! فعن أي طرف نتكلم، طرف عصابة وشبيحة ومجرمين أمام ثوار أحرار وطنيين وأي جدوى من أي تسوية لا تنصف دماء الضحايا ويفوز في حلبتها القاتل.
ورغم أن كيري قال: لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية، فقد عاد وراجع نفسه ومازال مهزوما مأزوما مهزوزا أمام لافروف الذي يدافع عن الأسد حتى الآن وقناعتنا في الآونة الأخيرة ومع صفقة الكيماوي والغزل الأمريكي الإيراني بالتوافق الروسي على قضية النووي- إذ لا يمكن أن تحلل الأحداث إلا بربطها ببعضها - فإن أمريكا وروسيا ترجحان تأهيل الأسد من جديد واعتباره ربما شريكا ولاعبا أساسيا في الميدان والتفاوض. ولندع التصريحات الرنانة جانبا ولعل هذه الفكرة هي الأشد إظلاما ووطأة على السوريين، هكذا يرى أصحاب الرأي الثاني باختصار.
أما الرأي الثالث: فهو الذي يذهب إلى تفضيل عدم انعقاد جنيف 2، لأن جنيف 1 قد فشل وأدى إلى استقالة كوفي عنان. وقد كان الإبراهيمي نفسه قريبا يميل إلى الاستقالة وهو الذي قال حتى في جولته الأخيرة: إنه لا يعلق الآمال على هذا المؤتمر وأنه لو انعقد فبأول السنة الجديدة وإذا لم تحضر المعارضة فلن يعقد. ولعل هذا ما لعب عليه الأسد وداعموه. نقول: بل إن رأي الإلغاء هو رأي كبار مستشاري كيري الذين اختلفوا معه، مصرين على إلغائه أو تأجيله، وقد نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الدورية عن مسؤول أمريكي كبير قوله: إن الشخص الوحيد الذي يريد عقد مؤتمر جنيف 2 هو الوزير كيري! وعززوا رأيهم أن المعارضة لو حضرته فستخسر واقعيا مصداقيتها أمام شعبها بعد كل هذه المجازر، خصوصا دون ضمانات ما اتفق عليه للتطبيق في جنيف 1. ونحن العرب والمسلمين نقول ما قاله عمر المختار: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت.
وما قاله الشاعر:
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
فصبرا صبرا وثباتا ثباتا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
*الشروق
في مسألة عقد جنيف 2 من عدمه علينا أن نفكر بعقول منيرة وقلوب كبيرة لنضمن عدم حرف البوصلة عن مسارها الصحيح. كما علينا أن نسمي الأمور بمسمياتها ونقوّم الرجال بالحق لا الحق بالرجال إذا أردنا أن نصل إلى بر الأمان في حل القضية السورية، خصوصا بعد ما دفع الشعب وما زال كل غال ونفيس تحقيقا لتطلعاته المشروعة في الحرية والكرامة بعيدا عن الاستبداد والاستعباد من قبل الأسد وعصاباته النازية السادية، ومن هنا فإننا نقول: ثمة ثلاثة آراء في الموقف من حضور هذا المؤتمر. أما الرأي الأول فيذهب إلى أن هذه فرصة فيها الإيجابي وفيها السلبي ولا بد من التعامل معها في عالم السياسة اليوم لمزيد من تبادل الأفكار المفيدة والمساعدة في حل الأزمة قدر الإمكان، فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وجرى بالدماء أنهارا وجعل الديار خرابا وأن الحكمة تقتضي الحل السياسي وإذا كانت السياسة تعني فن الممكن، كما يقولون، فلعل من غير المناسب في عالمها أن تطالب بكل شيء أو لا تظفر بأي شيء. هكذا يذهبون ويستندون إلى أن اللانظام الأسدي بعد صفقة الكيماوي مع أمريكا وروسيا والإشادات التي حظي بها، خصوصا من كيري وبان كي مون، من البدهي أن يقبل حضور المؤتمر وأن يكيل الإعلام السوري الرسمي كل ثناء للإبراهيمي بعد ختام جولاته بزيارة الأسد ودعوته إيران إلى المشاركة، كما يذهب أصحاب الرأي الأول إلى أن فك الحصار الإنساني عن الشعب مطلب جد ملح وعسى أن يتم بمثل هذا المؤتمر بعد عجز الثوار وغيرهم عن ذلك، زد على ذلك قناعتهم بأنه لن يكون حسم عسكري لأي من الجبهتين. ولعل المؤتمر يفضي إلى تحرير المعتقلين والمعتقلات من أشد المعاناة، كما أنهم يعولون على رأي فيلتمان رئيس الدائرة السياسة في الأمم المتحدة، حيث هدد الائتلاف السوري المعارض بأن عدم انعقاد جنيف 2 يعني ترشح الأسد للرئاسة، وإذن فلا بد أن نتعامل مع الواقع المفروض لعل الأمور تتغير أو تتعدل وماذا نفعل إذا كان ما يجري اتفاقا بين الكبار رغم قول الأسد: إن المؤتمر سينعقد دون تدخلات خارجية، هذا هو ملخص رأي الفريق الأول من الشعب السوري وبعض النخب المطلعة. أما الرأي الثاني فيذهب إلى أنه لا مانع من حضور المؤتمر لكن بشروط لا بد منها، فالتوجه إليه دونها ضرب من العبث ومضيعة للوقت والجهد وتقبّل لسخرية الجلادين من محامي ضحاياهم. وليس من المعقول ولا المقبول شرعا ووضعا وعرفا أن نجلس مع القتلة السفاحين دون تثبيت أسس للتفاوض أو ما يسمى الحوار، وعليه فلا مناص من الوقوف على رأي موحد للثوار العسكريين والسياسيين يتضمن ألا يكون أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، لاسيما أنه قد فقد شرعيته من أول قطرة دم أريقت دون حق، فكيف وقد فاق عدد الشهداء مائة وخمسين ألفا وأن يزول النظام بعد ذلك بكامل أركانه وأن يحاسب كل من تلطخت يداه بدماء الشعب، وأن يفك الحصار عن مليونين ونصف المليون مدني المحاصرين في الغوطة الشرقية والمعظمية وحمص القديمة وتفتتح الممرات الإنسانية للمساعدات. وأنه لابد أن تضمن الدول العربية، لاسيما الخليجية، أي اتفاق مع الضمانات الدولية لكثرة مراوغة ومداورة ومناورة والتفاف الأسد على القرارات العربية والدولية والاحتماء بالفيتوالروسي والصيني ولا ينبغي للإنسان أن يلدغ من جحر مرتين. ثم إنه باعتبار أن إيران دولة أجنبية عن سورية وشعبها ومشاركة بقوة اللانظام في قتلهم مع أذنابها المعروفين، فلا يمكن حضور الائتلاف المعارض وخصماه أمامه وفي غياب بعض الدول المؤثرة في المشهد والمؤيدة للثورة كما المعارضين لها، خصوصا روسيا الداعية لتأييد المؤتمر وهي الضامن الوحيد لصمود الأسد كل هذه الفترة مع ربيبتها إيران المنحازة كليا إليه وكيف يكون المحكوم عليه قاضيا ثم إن أصحاب هذا الرأي يقولون إن الإعلام مسيس لصالح الأسد في معظمه فكيف يكون العجب من شروطهم وهو والمعلم - بفتح اللام - وتلاميذهم كذلك وضعوا شروطا، فلماذا لا يركز عليها أيضا وهم لا يذهبون إليه دونها والتي فيها أن الأسد لن يتفاوض مع من يسميهم إرهابيين ولا وطنيين ومنهم الائتلاف، بل ذهب علي حيدر وما يدعى بالمعارضة الداخلية والمعارضات ذات الفقاعات الصغيرة والتي تصب كلها أو معظمها في صالح اللانظام أنهم لا يحضرون تحت الائتلاف المعترف به لدى معظم الدول. وكذلك فقد وضع الأسد واقعيا أول شرط ثقيل ولغم خطير في طريق المؤتمر وهو استعداده للترشح في المقابلة التي أجراها غسان بن جدو معه في تلفزيون الميادين، وكذلك شرط الأسد وقف الدول الداعمة للإرهابيين وإمدادهم بالسلاح والمال وتجفيف منابع الإرهاب. بل قال المعلم: إن المؤتمر لابد أن يكون بقيادة سورية، ليبقى نظامهم هو الآمر والناهي!! فعن أي طرف نتكلم، طرف عصابة وشبيحة ومجرمين أمام ثوار أحرار وطنيين وأي جدوى من أي تسوية لا تنصف دماء الضحايا ويفوز في حلبتها القاتل.
ورغم أن كيري قال: لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية، فقد عاد وراجع نفسه ومازال مهزوما مأزوما مهزوزا أمام لافروف الذي يدافع عن الأسد حتى الآن وقناعتنا في الآونة الأخيرة ومع صفقة الكيماوي والغزل الأمريكي الإيراني بالتوافق الروسي على قضية النووي- إذ لا يمكن أن تحلل الأحداث إلا بربطها ببعضها - فإن أمريكا وروسيا ترجحان تأهيل الأسد من جديد واعتباره ربما شريكا ولاعبا أساسيا في الميدان والتفاوض. ولندع التصريحات الرنانة جانبا ولعل هذه الفكرة هي الأشد إظلاما ووطأة على السوريين، هكذا يرى أصحاب الرأي الثاني باختصار.
أما الرأي الثالث: فهو الذي يذهب إلى تفضيل عدم انعقاد جنيف 2، لأن جنيف 1 قد فشل وأدى إلى استقالة كوفي عنان. وقد كان الإبراهيمي نفسه قريبا يميل إلى الاستقالة وهو الذي قال حتى في جولته الأخيرة: إنه لا يعلق الآمال على هذا المؤتمر وأنه لو انعقد فبأول السنة الجديدة وإذا لم تحضر المعارضة فلن يعقد. ولعل هذا ما لعب عليه الأسد وداعموه. نقول: بل إن رأي الإلغاء هو رأي كبار مستشاري كيري الذين اختلفوا معه، مصرين على إلغائه أو تأجيله، وقد نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الدورية عن مسؤول أمريكي كبير قوله: إن الشخص الوحيد الذي يريد عقد مؤتمر جنيف 2 هو الوزير كيري! وعززوا رأيهم أن المعارضة لو حضرته فستخسر واقعيا مصداقيتها أمام شعبها بعد كل هذه المجازر، خصوصا دون ضمانات ما اتفق عليه للتطبيق في جنيف 1. ونحن العرب والمسلمين نقول ما قاله عمر المختار: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت.
وما قاله الشاعر:
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
فصبرا صبرا وثباتا ثباتا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
*الشروق